نظرة في حياة الإمام الحسين عليه السلام بعد شهادة أبيه
تستوقفنا بعض الملاحظات من الناحية السياسية والاجتماعية فيما يتعلّق بتاريخ حياة الإمام الحسين عليه السلام بعد استشهاد أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، حتّى ثورته ضدّ حكومة يزيد، أي من عام 40 حتى 60 للهجرة ، وهي حَرِيِّة بالدراسة وإمعان النظر، ومن أبرزها :
1 . اتّباع الإمام الحسين عليه السلام لإمام عصره وإكرامه
الملاحظة المهمّة والتربوية الاُولى في حياة الإمام الحسين عليه السلام بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السلام في عهد إمامة أخيه، هي أنّه كان يعتبر أخاه الأكبر الإمام الحسن عليه السلام إمام زمانه ، ولذلك كان يتّبعه ، بل كان يطيعه طاعة مطلقة .
فضلاً عن ذلك، فقد كان الحسين عليه السلام يولي احتراما خاصّا لأخيه وإمامه، ولذلك لم يكن يتكلّم في حضوره ، ولم يكن يبدي رأيه ، ولم يكن يسير متقدّما عليه، وباختصار فقد كان يبالغ في اتّباع الإمام الحسن عليه السلام وإكرامه .
2 . الدفاع عن الصلح مع معاوية
الملاحظة الثانية تتمثّل في أنّ مجموعة من محبّي أهل البيت عليهم السلام سعت
ـ خلال حادثة صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ـ لأن تدفع الإمام الحسين عليه السلام كي يعارض هذه المصالحة السياسية ويقف في وجه معاوية، ولكنّ الروايات المعتبرة ۱ تفيد بأنّه دافع بحزم عن الصلح مع معاوية ، بل إنّه بايع معاوية، وعندما طلب قيس بن سعد منه أن يبدي رأيه في هذا المجال أعلن بصراحة ـ استنادا إلى رواية الكشّي ـ :
«يا قَيسُ ، إنَّهُ إمامي» يعني الحسنَ عليه السلام . ۲
بل إنّه لم ينقض بيعته لمعاوية حتّى بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام . وأمّا ما قيل من أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يبايع معاوية، أو أنّه لم يكن راضيا عن مصالحة أخيه لمعاوية ۳ ـ كما ظنّ ذلك بعض الكتّاب مثل طه حسين ۴ ـ فإنّ ذلك يخالف الواقع للأسباب التالية :
أولاً : إنّ هذه الروايات معارضة بما جاء في المصادر المعتبرة.
ثانيا : حتّى إذا لم نأخذ بنظر الاعتبار موضوع عصمة أهل البيت عليهم السلام ، فإنّ المصالح السياسية والاجتماعية لأهل بيت الرسالة لم تكن تستوجب أن يختلف هذان الإمامان في قضيةٍ تبلغ هذا الحدّ من الأهمّية .
ثالثا : واصل الإمام الحسين عليه السلام بعد شهادة أخيه نهج المصالحة الذي كان أخوه قد اتّبعه من قبل، مادام معاوية على قيد الحياة، أي حتّى عشر سنوات
تلت ذلك .
وعلى هذا، فإنّ ما جاء في المناقب لابن شهرآشوب والفتوح لابن أعثم من قولهما :
طلب معاوية البيعة من الحسين عليه السلام فقال الحسن عليه السلام :
يا مُعاوِيَةَ ، لا تُكرِههُ ؛ فَإنَّهُ لَن يُبايِعَ أبَدَا أو يُقتَلَ ، ولَن يُقتَلَ حَتّى يُقتَلَ أهلُ بَيتِهِ ، ولَن يُقتَلَ أهلُ بَيتِهِ حَتّى يُقتَلَ أهلُ الشّامِ . ۵
ليس صحيحا ؛ لأنّه ـ مضافا إلى الأسباب الّتي سبق ذكرها ـ لو لم يكن الإمام الحسين عليه السلام قد بايع معاوية، لكانت دوافع نقلها كثيرة ، في حين أنّ الروايات العديدة للمصادر المعتبرة تؤيّد بيعته، ولم يرد موضوع عدم مبايعته إلّا في نقلين ، مع أنّ ناقل أحدهما ـ أي المناقب لابن شهرآشوب ـ نقل خلاف ذلك أيضا في رواية اُخرى . ۶
وبالإضافة إلى جميع هذه القرائن، فإنّ أفضل شاهد على عدم صحّة الرواية المذكورة هو نصّها ؛ لأنّه يقول : «... لن يقتل أهل بيته حتّى يقتل أهل الشام» ، في حين أنّه عليه السلام استشهد هو وأهل بيته ولم يتضرّر أهل الشام.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار ما مرّ ذكره، يبدو أنّ هذا النوع من الإشاعات تمّت إثارتها من جانب أعداء أهل البيت بهدف توجيه ضربة إلى هذه الاُسرة، أو أنّ النهجَين السياسيّين المختلفين لهذين الإمامين ، واللّذين كانا قائمين على اختلاف الظروف السياسية في عصر إمامتهما، هيّئا الأرضية للتحليلات التاريخيّة المختلفة ، ثمّ تحوّل التحليل التاريخي من جانب الأشخاص الجهلة إلى رواية تاريخية شيئا فشيئا.
1.راجع : ص ۱۴۵ (الفصل الأوّل / تصديقه رأي أخيه في الصلح) .
2.راجع : ص ۱۴۹ ح ۷۲۸ .
3.تهذيب الكمال : ج ۶ ص ۲۴۸ ، سير اعلام النبلاء : ج ۳ ص ۲۶۵، اُسد الغابة : ج ۲ ص ۲۷ ، تاريخ دمشق : ج ۱۳ ص ۲۶۷ .
4.انقلاب بزرگ «بالفارسيّة» : ج ۲ ص ۲۱۳ .
5.المناقب لابن شهر آشوب : ج ۴ ص ۳۵ ؛ الفتوح : ج ۴ ص ۲۹۲ .
6.المناقب لابن شهر آشوب : ج ۴ ص ۸۷ وفيه : «لمّا مات الحسن بن علي عليه السلام استدعي الحسين عليه السلام في خلع معاوية ، فقال : إنّ بيني وبين معاوية عهدا لا يجوز نقضه» .