213
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
212

صورة اُخرى : في أوّل بدئها

كان ابتداء بيعة يزيد وأوّله من المغيرة بن شعبة ، فإنّ معاوية أراد أن يعزله عن الكوفة ويستعمل عوضه سعيد بن العاص ، فبلغه ذلك فقال : الرأي أن أشخص إلى معاوية فاستعفيه ليظهر للناس كراهتي للولاية . فسار إلى معاوية وقال لأصحابه حين وصل إليه : إن لم أكسبكم الآن ولاية وإمارة لا أفعل ذلك أبدا ، ومضى حتّى دخل على يزيد وقال له : إنّه قد ذهب أعيان أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله وكُبراء قريش وذَوو أسنانهم ، وإنّما بقي أبناؤهم ، وأنت من أفضلهم وأحسنهم رأيا وأعلمهم بالسنّة والسياسة ، ولا أدري ما يمنع أمير المؤمنين أن يعقد لك البيعة ؟ قال : أو ترى ذلك يتمّ ؟ قال : نعم .
فدخل يزيد على أبيه وأخبره بما قال المغيرة ، فأحضر المغيرة وقال له : ما يقول يزيد ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، قد رأيت ما كان من سفك الدماء والاختلاف بعد عثمان ۱ ، وفي يزيد منك خلفٌ فاعقد له ، فإن حدث بك حادثٌ كان كهفا للناس ، وخلفا منك ، ولا تُسفك دماء ولا تكون فتنة ، قال : ومَن لي بهذا ؟ قال : أكفيك أهل الكوفة ، ويكفيك زياد أهل البصرة ، وليس بعد هذين المصرين أحدٌ يخالفك ، قال : فارجع إلى عملك وتحدّث مع من تثق إليه في ذلك ، وترى ونرى .
فودّعه ورجع إلى أصحابه ، فقالوا : مَه ! قال : لقد وضعتُ رِجلَ معاوية في غرزٍ ۲ بعيدِ الغاية على اُمّة محمّد ، وفتقت عليهم فتقا لا يرتق ۳ أبدا . وتمثّل :
بمثلي شاهدي نجوى وغالىبي الأعداء والخصم الغضابا۴
وسار المغيرة حتّى قدم الكوفة ، وذاكر من يثق إليه ومن يعلم أنّه شيعة لبني اُميّة أمر يزيد ، فأجابوا إلى بيعته ، فأوفَدَ منهم عشرة ـ ويقال : أكثر من عشرة ـ وأعطاهم ثلاثين ألف درهم ، وجعل عليهم ابنه موسى بن المغيرة ، وقدموا على معاوية فزيّنوا له بيعةَ يزيد ودعَوه إلى عقدها ، فقال معاوية : لا تعجلوا بإظهار هذا وكونوا على رأيكم . ثمَّ قال لموسى : بِكَمِ اشترى أبوك من هؤلاء دينَهم ؟ قال : بثلاثين ألفا ، قال : لقد هان عليهم دينُهم !
وقيل : أرسل أربعين رجلاً وجعل عليهم ابنه عروة ، فلمّا دخلوا على معاوية قاموا خطباء فقالوا : إنَّما أشخصهم إليه النظر لاُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، كَبِرَت سِنُّك وخِفنَا انتشارَ الحبل فَانصَب لنا عَلَما ، وحدّ لنا حدّا ننتهي إليه ، فقال : أشيروا عليَّ ، فقالوا : نشير بيزيد ابن أمير المؤمنين ، فقال : أوَقد رضيتموه ؟ قالوا : نعم ، قال : وذلك رأيكم ؟ قالوا : نعم ، ورأي مَن وراءنا ، فقال معاوية لعروة سرّا عنهم : بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم ؟ قال : بأربعمئة دينار . قال : لقد وجد دينهم عندهم رخيصا ! وقال لهم : ننظر ما قَدِمتُم له ، ويقضي اللّه ما أراد ، والأناة خيرٌ من العجلة . فرجعوا .
وقوي عزم معاوية على البيعة ليزيد ، فأرسل إلى زياد يستشيره ، فأحضر زياد عبيد بن كعب النميري وقال له : إنّ لكلّ مستشير ثقة ، ولكلّ سرّ مستودع ، وإنّ الناس قد أُبدع بهم خصلتان : إذاعة السرّ ، وإخراج النصيحة إلى غير أهلها ، وليس موضوع السرّ إلّا أحد رجلين : رجلُ آخرةٍ يرجو ثوابَها ، ورجلُ دنيا له شَرَفٌ في نفسه وعقلٌ يصون حَسَبَهُ ، وقد خَبَرتُهما منك ، وقد دعوتُك لأمرٍ اتّهمتُ عليه بطون الصحف : إنّ أمير المؤمنين كتب يستشيرني في كذا وكذا ، وإنّه يتخوّف نفرة الناس ، ويرجو طاعتهم ، وعلاقةُ أمرِ الإسلام وضمانُه عظيم ، ويزيد صاحب رَسْلَة ۵ وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد ، فالقَ أمير المؤمنين وأدِّ إليه فعلات يزيد ، وقل له : رُوَيدَكَ بالأمر ، فأحرى لك أن يتمّ لك ، لا تعجل ؛ فإنّ دَرَكا ۶ في تأخيرٍ خيرٌ من فوتٍ في عجلة .
فقال له عُبيد : أفلا غير هذا ؟ قال : وما هو ؟ قال : لا تفسد على معاوية رأيه ، ولا تبغّض إليه ابنه ، وألقى أنا يزيد فاُخبره أنّ أمير المؤمنين كتب إليك يستشيرك في البيعة له ، وأنّك تتخوّف خلاف الناس عليه لِهَنات ۷ ينقمونها عليه ، وأنّك ترى له ترك ما ينقم عليه لتستحكم له الحجّة على الناس ، ويتمّ ما تريد ، فتكون قد نصحت أمير المؤمنين وسلمت ممّا تخاف من أمر الاُمّة .
فقال زياد : لقد رميت الأمر بِحُجرِهِ ، اشخَص على بركة اللّه ، فإن أصبت فما لا يُنكَر ، وإن يكن خطأ فغيرُ مُستَغَشٍّ ۸ ، وتقول بما ترى ، ويقضي اللّه بغيب ما يعلم .
فقدم على يزيد فذكر ذلك له ، فكفّ عن كثيرٍ ممّا كان يصنع ، وكتب زياد معه إلى معاوية يشير بالتُّؤَدَةِ ۹ وألّا يعجل ، فقبل منه ، فلمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد ، فأرسل إلى عبداللّه بن عمر مئة ألف درهم فقبلها ، فلمّا ذكر البيعة ليزيد قال ابن عمر : هذا أراد ؟ ! إنّ ديني إذا لرخيص ! ! وامتنع . ۱۰

1.قال العلّامة الأميني قدس سرهمعلّقا : ألا مُسائلٌ المغيرة عن أنّ هذا الشقاق والخلاف وسفك الدماء المحرّمة في عدم الاستخلاف، هل كان يعلمها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؟ فلماذا ترك اُمّته سدى ولم يستخلف كما زعمه هو والسياسيّون من رجال الانتخاب الدستوري ؟ ! (الغدير : ج ۱۰ هامش ص ۲۲۹) .

2.الغرز : ركاب الرحل (لسان العرب : ج ۵ ص ۳۸۶ «غرز») .

3.الرَّتقُ : إلحام الفتق وإصلاحه (كتاب العين : ص ۳۰۰ «رتق») .

4.أورد صاحب خزانة الأدب هذا البيت هكذا : بمثلي فاشهد النجوى وعالِنبي الأعداء والقوم الغضابا وقال : هذا البيت من أبيات ثمانية لربيعة بن مقروم الضبّي ، أوردها أبو تمّام في الحماسة (خزانة الأدب للبغدادي : ج ۱ ص ۳۲) .

5.رجلٌ فيه رسلة : أي كسل (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۲۸۳ «رسل») .

6.الدرك : اللحاق والوصول إلى الشيء (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۴۲۰ «درك») .

7.يقال : في فلان هَناتٌ : أي خِصال شرّ ، ولا يقال في الخير (النهاية : ج ۵ ص ۲۷۹ «هنا») .

8.استغشّه : خلاف استنصحه (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۱۳ «غشش») .

9.التؤدة : تقول : اتّأد وتوأد ؛ وهو التمهّل والتأنّي والرزانة (كتاب العين : ج ۸ ص ۹۷ «وأد») .

10.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۰۲ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۰۹ ، تاريخ دمشق : ج ۳۸ ص ۲۱۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 156604
الصفحه من 411
طباعه  ارسل الي