223
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2

إنّ الأمير بعده سعيدُ

قال :
ما تنكر من ذلك يا معاوية ؟ ! واللّه ، إنّ أبي لخير من أبي يزيد ، ولاُمّي خيرٌ من اُمّه ، ولأنا خيرٌ منه ، ولقد استعملناك فما عزلناك بعدُ ، ووصلناك فما قطعناك ، ثمّ صار في يديك ما قد ترى فحلّأتنا ۱ عنه أجمع .
فقال له : أمّا قولك . الحديث ... . ۲
وقال : حكى الحسن بن رشيق قصّة سعيد مع معاوية بأطول ممّا مرّ ـ ثمّ ذكر حكاية ابن رشيق ـ وفيها : فولّاه معاوية خراسان ، وأجازه بمئة ألف درهم .

كتب معاوية في [الدعوة إلى] بيعة يزيد

كتب معاوية إلى مروان بن الحكم :
إنّي قد كبرت سنّي ، ودقّ عظمي ، وخشيت الاختلاف على الاُمّة بعدي ، وقد رأيت أن أتخيّر لهم من يقوم بعدي ، وكرهت أن أقطع أمرا دون مشورة مَن عندك ، فاعرض ذلك عليهم وأعلمني بالّذي يردّون عليك .
فقام مروان في الناس فأخبرهم به ، فقال الناس : أصاب ووُفّق ، وقد أجبنا أن يتخيّر لنا فلا يألو ۳ .
فكتب مروان إلى معاوية بذلك ، فأعاد إليه الجواب يذكر يزيد . فقام مروان فيهم وقال :
إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يألُ ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده .
فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال :
كذبت واللّه يا مروان وكذب معاوية ! ما الخيار أردتما لاُمّة محمّد ، ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقليّة كلّما مات هرقل قام هرقل .
فقال مروان :
هذا الّذي أنزل اللّه فيه : «وَ الَّذِى قَالَ لِوَ لِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا»۴ الآية .
فسمعت عائشة مقالته من وراء الحجاب ، وقالت : يا مروان ! يا مروان ! فأنصت الناس وأقبل مروان بوجهه ، فقالت :
أنت القائل لعبد الرحمن إنّه نزل فيه القرآن ؟ كذبت واللّه ما هو به ، ولكنّه فلان بن فلان ، ولكنّك أنت فضض ۵ من لعنة نبيّ اللّه .
وقام الحسين بن عليّ عليه السلام فأنكر ذلك ، وفعل مثله ابن عمر وابن الزبير ، فكتب مروان بذلك إلى معاوية ، وكان معاوية قد كتب إلى عمّاله بتقريظ يزيد ووصفه ، وأن يوفدوا إليه الوفود من الأمصار ، فكان فيمن أتاه محمّد بن عمرو بن حزم من المدينة ، والأحنف بن قيس في وفد أهل البصرة . فقال محمّد بن عمرو لمعاوية :
إنّ كلّ راع مسؤول عن رعيّته ، فانظر من تولّي أمر اُمّة محمّد .
فأخذ معاوية بُهر ۶ حتّى جعل يتنفّس في يومٍ شاتٍ ، ثمّ وصَله وصرَفه .
وأمر الأحنف أن يدخل على يزيد ، فدخل عليه ، فلمّا خرج من عنده قال له : كيف رأيت ابن أخيك ؟ قال : رأيت شبابا ونشاطا وجلدا ومزاحا .
ثمّ إنّ معاوية قال للضحّاك بن قيس الفهري لمّا اجتمع الوفود عنده :
إنّي متكلّم ، فإذا سكتُّ فكن أنت الّذي تدعو إلى بيعة يزيد وتحثّني عليها .
فلمّا جلس معاوية للناس ، تكلّم فعظّم أمر الإسلام وحرمة الخلافة وحقّها ، وما أمر اللّه به من طاعة ولاة الأمر ، ثمّ ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة ، وعرّض ببيعته ، فعارضه الضحّاك ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :
يا أمير المؤمنين ، إنّه لابدّ للناس من والٍ بعدك ، وقد بلونا الجماعة والاُلفة فوجدناهما أحقن للدماء ، وأصلح للدهماء ۷ ، وآمن للسبل ، وخيرا في العاقبة ، والأيّام عوج رواجع ، واللّه كلّ يوم هو في شأن ، ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن هديه وقصد سيرته على ما علمت ، وهو من أفضلنا علما وحلما ، وأبعدنا رأيا ، فولّه عهدك ، واجعله لنا علما بعدك ، ومفزعا نلجأ إليه ، ونسكن في ظلّه .
وتكلّم عمرو بن سعيد الأشدق بنحوٍ من ذلك . ثمّ قام يزيد بن المقنع العذري ، فقال :
هذا أمير المؤمنين ـ وأشار إلى معاوية ـ فإن هلك فهذا ـ وأشار إلى يزيد ـ ومَن أبى فهذا ـ وأشار إلى سيفه ـ . فقال معاوية : اجلس فأنت سيّد الخطباء . وتكلّم من حضر من الوفود .
فقال معاوية للأحنف : ما تقول يا أبا بحر ؟ فقال :
نخافكم إن صدقنا ، ونخاف اللّه إن كذبنا ، وأنت أمير المؤمنين أعلم بيزيد في ليله ونهاره ، وسرِّه وعلانيته ، ومدخله ومخرجه ، فإن كنت تعلمه للّه تعالى وللاُمّة رضىً فلا تشاور فيه ، وإن كنت تعلم فيه غير ذلك فلا تزوّده الدنيا وأنت صائرٌ إلى الآخرة ، وإنّما علينا أن نقول : سمعنا وأطعنا .
وقام رجلٌ من أهل الشام فقال :
ما ندري ما تقول هذه المعديّة العراقيّة ، وإنّما عندنا سمع وطاعة وضرب وازدلاف .
فتفرّق الناس يحكون قول الأحنف . وكان معاوية يعطي المقارب ويُداري المباعد ويلطف به ، حتّى استوثق له أكثر الناس وبايعه . ۸
صورة اُخرى : قالوا : ثمّ لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن عليه السلام إلّا يسيرا أن بايع ليزيد بالشام ، وكتب بيعته إلى الآفاق ، وكان عامله على المدينة مروان بن الحكم ، فكتب إليه يذكر الّذي قضى اللّه به على لسانه من بيعة يزيد ، ويأمره بجمع من قبله من قريش وغيرهم من أهل المدينة يبايعوا ليزيد .
فلمّا قرأ مروان كتاب معاوية أبى من ذلك وأبته قريش ، فكتب لمعاوية : «إنّ قومك قد أبوا إجابتك إلى بيعتك ابنك ، فأرِني رأيك» . فلمّا بلغ معاوية كتاب مروان عرف ذلك من قبله ، فكتب إليه يأمره أن يعتزل عمله ، ويخبره أنّه قد ولّى المدينة سعيد بن العاص ، فلمّا بلغ مروان كتاب معاوية ، أقبل مغاضبا في أهل بيته وناس كثير من قومه ، حتّى نزل بأخواله بني كنانة ، فشكا إليهم وأخبرهم بالّذي كان من رأيه في أمر معاوية وفي عزله ، واستخلافه يزيد ابنه عن غير مشاورة مبادرة له ، فقالوا : نحن نبلك في يدك ، وسيفك في قرابك ، فمن رميته بنا أصبناه ، ومن ضربته قطعناه ، الرأي رأيك ، ونحن طوع يمينك .
ثمّ أقبل مروان في وفدٍ منهم كثير ممّن كان معه من قومه وأهل بيته ، حتّى نزل دمشق ، فخرج حتّى أتى سدَّة ۹ معاوية ، وقد أذن للناس، فلمّا نظر الحاجب إلى كثرة مَن معه مِن قومه وأهل بيته منعه من الدخول ، فوثبوا إليه فضربوا وجهه ، حتّى خلّى عن الباب ، ثمّ دخل مروان ودخلوا معه ، حتّى إذا كان معاوية بحيث تناله يده ، قال بعد التسليم عليه بالخلافة :
إنّ اللّه عظيمٌ خطره ، لا يقدر قادرٌ قدره ، خلق من خلقه عبادا جعلهم لدعائم دينه أوتادا ، هم رقباؤه على البلاد ، وخلفاؤه على العباد ، أسفر بهم الظلم ، وألّف بهم الدين ، وشدّد بهم اليقين ، ومنح بهم الظفر ، ووضع بهم من استكبر ، فكان من قبلك من خلفائنا يعرفون ذلك في سالف زماننا ، وكنّا نكون لهم على الطاعة إخوانا ، وعلى من خالف عنّا أعوانا ، يُشدّ بنا العضد ، ويُقام منّا الأوَد ۱۰
، ونستشار في القضيّة ، ونستأمر في أمر الرعيّة ، وقد أصبحنا اليوم في اُمور مستخيرة ، ذات وجوه مستديرة ، تفتح بأزمّة الضّلال ، وتجلس بأسوأ الرجال ، يؤكل جزورها وتُمقّ ۱۱ أحلابها ، فما لنا لا نُستأمر في رضاعها ، ونحن فطامها وأولاد فطامها ؟ وايم اللّه ! لولا عهودٌ مؤكّدة ومواثيق معقّدة ، لأقمت أوَد وليّها ، فأقم الأمر يابن أبي سفيان ، واهدأ من تأميرك الصبيان ، واعلم أنّ لك في قومك نظرا ، وأنّ لهم على مناوأتك ۱۲ وزرا ۱۳ .
فغضب معاوية من كلامه غضبا شديدا ، ثمّ كظم غيظه بحلمه ، وأخذ بيد مروان ثمّ قال :
إنّ اللّه قد جعل لكلّ شيء أصلاً ، وجعل لكلّ خيرٍ أهلاً ، ثمّ جعلك في الكرم منّي محتدا ۱۴ ، والعزيز منّي والدا ، اخترت من قروم ۱۵ قادة ، ثمّ استللت سيّد سادة ، فأنت ابن ينابيع الكرم ، ۱۶ فمرحبا بك وأهلاً من ابن عمّ ، ذكرت خلفاء مفقودين ، شهداء صدّيقين ، كانوا كما نعتّ ، وكنت لهم كما ذكرت ، وقد أصبحنا في اُمور مستخيرة ذات وجوهٍ مستديرة ، وبك واللّه يابن العمّ نرجو استقامة أوَدها ، وذلولة صعوبتها ، وسفور ظلمتها ، حتّى يتطأطأ جسيمها ۱۷ ، ويركب بك عظيمها ، فأنت نظير أمير المؤمنين بعده ، وفي كلّ شيء ۱۸ عضده ، وإليك بعد ۱۹
عهده ، فقد ولّيتك قومك ، وأعظمنا في الخراج سهمك ، وأنا مجيز وفدك ، ومحسن رفدك ، وعلى أمير المؤمنين غناك ، والنزول عند رضاك .
فكان أوّل ما رزق ألف دينار في كلّ هلال ، وفرض له في أهل بيته مئة مئة . ۲۰

1.حلّأهُ عن الماء : طرده ومنعه (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۱۲ «حلأ») .

2.تاريخ دمشق : ج ۲۱ ص ۲۲۳ .

3.ألا الرجل يألو : أي قصّر (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۷۰ «ألا») .

4.الأحقاف : ۱۷ .

5.فَضَضٌ من لعنة اللّه : أي قطعة منها (القاموس المحيط : ج ۲ ص ۳۴۰ «فضض») .

6.البُهرُ : ما يعتري الإنسان عند السعي الشديد والعدو من التهيّج وتتابع النَفَس (النهاية : ج ۱ ص ۱۶۵ «بهر») .

7.الدَّهماء : الفتنة المظلِمة (النهاية : ج ۲ ص ۱۴۶ «دهم») .

8.العقد الفريد : ج ۳ ص ۳۵۷ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۱۱ .

9.السدّة : باب الدار (الصحاح : ج ۲ ص ۴۸۶ «سدد») .

10.الأوَد : العِوَج (النهاية : ج ۱ ص ۷۹ «أود») .

11.امتقّ الفَصيلُ ما في ضرع اُمّه : أي شربه كلّه (الصحاح : ج ۴ ص ۱۵۵۶ «مقق») . والمراد أنّ معاوية يستأثر بكلّ شيء في الخلافة ولا يترك لمروان منها شيئا .

12.ناوأت الرجل مناوءة ونواء : عاديته (الصحاح : ج ۱ ص ۷۹ «نوأ») .

13.الوزر : الملجأ (الصحاح : ج ۲ ص ۸۴۵ «وزر») .

14.المَحتِد : الأصل والطبع (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۲۸۶ «حتد») .

15.القَرْمُ : أي المقدّم في الرأي (النهاية : ج ۴ ص ۴۹ «قرم») .

16.قايسوا هذه الأكاذيب والخُزعبلات مع ما جاء عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله حول الطريد ابن الطريد (مروان بن الحكم) ، حيث قال : «الوَزَغُ ابنُ الوَزَغِ ، اللَّعينُ ابن اللَّعينِ» (المستدرك على الصحيحين : ج۴ ص۴۷۹ وراجع : الصواعق المحرقة : ص۱۰۸ ، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج۲ ص۵۶ و حياة الحيوان : ج۲ ص۳۹۹) .

17.الجسيم : ما ارتفع من الأرض (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۹۹ «جسم») . أي حتّى ينخفض ما كان مرتفعا .

18.في الإمامة والسياسة : «وفي كلّ شدّة» .

19.في الإمامة والسياسة : «وإليك عهد عهده» .

20.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۱۹۷ .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
222
  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 156609
الصفحه من 411
طباعه  ارسل الي