زيارة الأحياء
يبلغ تأثير زيارة أهل الإيمان في البناء الفردي والاجتماعي للإنسان حدّاً بحيث اعتُبرت في بعض الروايات معادلة لزيارة اللّه تعالى أو زيارة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ! فقد جاء في الحديث النبوي :
مَن زارَ أخاهُ المُؤمِنَ إلى مَنزِلِهِ لا لِحاجَةٍ مِنهُ إلَيهِ ، كُتِبَ مِن زُوّارِ اللّه ِ ، وكانَ حَقيقا عَلَى اللّه ِ أن يُكرِمَ زائِرَهُ . ۱
وجاء في حديثٍ آخر عنه صلى الله عليه و آله :
مَن زارَهُ أخاهُ في بَيتِهِ قالَ اللّه ُ عز و جل لَهُ : أنتَ ضَيفي وزائِري، عَلَيَّ قِراكَ ، وقَد أوجَبتُ لَكَ الجَنَّةَ بِحُبِّكَ إيّاهُ . ۲
كما نقرأ في رواية اُخرى عنه صلى الله عليه و آله :
مَن زارَ عالِماً فَكَأَنَّما زارَني . ۳
جدير بالذكر أنّ من آداب الزيارة وخاصّة زيارة الأقارب هي الإكرام . ۴
زيارة الأموات
يرى الإسلام أنّ الإنسان يعيش بعد موته في حياة برزخيّة ، ولذلك فإنّ زيارة الأموات ليست زيارة لأجسادهم النخرة والعارية عن الروح، بل هي زيارة للأرواح التي تعيش في عالم البرزخ والتي تفرح بزيارتها، وإنّ الارتباط بها يُلهم الإنسان الدروس والعبر ، ويفيده في حياته المادّية والمعنوية . ويبيّن أمير المؤمنين عليه السلام ـ الذي هو أفضل تلاميذ مدرسة الرسول صلى الله عليه و آله ـ بعضَ آثار زيارة الأموات وبركاتها قائلاً :
زوروا مَوتاكُم ؛ فَإِنَّهُم يَفرَحونَ بِزِيارَتِكُم ، وَليَطلُبِ الرَّجُلُ حاجَتَهُ عِندَ قَبرِ أبيهِ واُمِّهِ بَعدَما يَدعو لَهُما . ۵
كما أنّ سيرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ۶ تشهد أيضاً بأهمّية زيارة الأموات والحضّ عليها ، فقد جاء في كتاب صحيح مسلم :
كانَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ـ كُلَّما كانَ لَيلَتُها [ عائِشَةَ ] مِن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ـ يَخرُجُ مِن آخِرِ اللَّيلِ إلَى البَقيعِ فَيقولُ :
اَلسَّلامُ عَلَيكُم دارَ قَومٍ مُؤمِنينَ ، وآتاكُم ما توعَدونَ غَدا مُؤَجَّلونَ ، وإنّا إن شاءَ اللّه ُ بِكُم لاحِقونَ . اللّهُمَّ اغفِر لِأَهلِ بَقيعِ الغَرقَدِ . ۷
وروي عن الإمام عليّ عليه السلام أنّه خاطب أهل القبور عند عودته من معركة صفّين واقترابه من مقبرة الكوفة، قائلاً :
يا أهلَ الدِّيارِ الموحِشَةِ ، وَالمَحالِّ المُقفِرَةِ ، وَالقُبورِ المُظلِمَةِ ، يا أهلَ التُّربَةِ ، يا أهلَ الغُربَةِ ، يا أهلَ الوَحدَةِ ، يا أهلَ الوَحشَةِ ، أنتُم لَنا فَرَطٌ سابِقٌ، ونَحنُ لَكُم تَبَعٌ لاحِقٌ ، أمَّا الدّورُ فَقَد سُكِنَت، وأمّا الأَزواجُ فَقَد نُكِحَت، وأمَّا الأَموالُ فَقَد قُسِّمَت ، هذا خَبَرُ ما عِندَنا ، فَما خَبَرُ ما عِندَكُم؟
ثُمَّ التَفَتَ إلى أصحابِهِ فَقالَ : أما لَو اُذِنَ لَهُم فِي الكَلامِ لَأَخبَروكُم أنَّ خَيرَ الزّادِ التَّقوى . ۸
1.رسائل الشهيد الثاني: ص ۳۳۱، بحار الأنوار: ج ۷۷ ص ۱۹۲.
2.الكافي: ج ۲ ص ۱۷۷ ح ۶.
3.الفردوس: ج ۵ ص ۴۸۵ ح ۸۸۳۹ .
4.راجع: ميزان الحكمة: ج ۴ ص۳۹۹ «الرحم».
5.الخصال: ص ۶۱۸ ح ۱۰، الكافي: ج ۳ ص ۲۳۰ ح ۱۰ نحوه ، بحار الأنوار: ج ۱۰ ص ۹۷ ح ۱.
6.الروايات الدالّة على جواز زيارة القبور واستحبابها كثيرة في مصادر أهل السنّة (راجع : صحيح مسلم : ج ۲ ص ۶۷۱ ح ۱۰۵ و۱۰۶ و۱۰۸ ، سنن أبي داوود : ج۳ ص۲۱۸ ح ۳۲۳۴ و۳۲۳۵ و سنن ابن ماجة : ج ۱ ص ۵۰۰ ح ۱۵۷۰ و ص ۵۰۱ ح ۱۵۷۱ ، السنن الكبرى : ج ۴ ص ۱۳۱ ح ۷۲۰۷ ) ، وهم يعتقدون باستحباب زيارة القبور استناداً إلى هذه الروايات المعتبرة عندهم ، كما هو الحال بالنسبة إلى أتباع أهل البيت عليه السلام ، ويُستثنى من ذلك الوهابيّون الذين يثيرون الشكوك حول زيارة القبور بشبهاتٍ واهية .
7.صحيح مسلم: ج ۲ ص ۶۶۹ ح ۱۰۲ وراجع: سنن النسائي: ج ۴ ص ۹۳ والسنن الكبرى: ج ۴ ص ۱۳۲ ح ۷۲۱۰ .
8.نهج البلاغة: الحكمة ۱۳۰ .