۳۵۲۰.بشارة المصطفى عن عطيّة العوفي :خَرَجتُ مَعَ جابِرِ بنِ عَبدِ اللّه ِ الأَنصارِيِّ زائِرَينِ قَبرَ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، فَلَمّا وَرَدنا كَربَلاءَ دَنا جابِرٌ مِن شاطِئِ الفُراتِ فَاغتَسَلَ ، ثُمَّ اتَّزَرَ بِإِزارٍ وَارتَدى بِآخَرَ ، ثُمَّ فَتَحَ صُرَّةً فيها سُعدٌ فَنَثَرَها عَلى بَدَنِهِ ، ثُمَّ لَم يَخطُ خُطوَةً إلّا ذَكَرَ اللّه َ تَعالى ، حَتّى إذا دَنا مِنَ القَبرِ قالَ : ألمِسنيهِ فَأَلمَستُهُ ، فَخَرَّ عَلَى القَبرِ مَغشِيّا عَلَيهِ ، فَرَشَشتُ عَلَيهِ شَيئا مِنَ الماءِ ، فَلَمّا أفاقَ قالَ :
يا حُسَينُ ـ ثَلاثا ـ ثُمَّ قالَ : حَبيبٌ لا يُجيبُ حَبيبَهُ . ثُمَّ قالَ : وأنّى لَكَ بِالجَوابِ وقَد شُحِّطَت أوداجُكَ عَلى أثباجِكَ ۱ ، وفُرِّقَ بَينَ بَدَنِكَ ورَأسِكَ ، فَأَشهَدُ أنَّكَ ابنُ خاتَمِ النَّبِيّينَ ، وَابنُ سَيِّدِ المُؤمِنينَ ، وَابنُ حَليفِ التَّقوى ؛ وسَليلُ الهُدى ، وخامِسُ أصحابِ الكِساءِ ، وَابنُ سَيِّدِ النُّقَباءِ ۲ ، وَابنُ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ النِّساءِ ، وما لَكَ لا تَكونُ هكَذا وقَد غَذَّتكَ كَفُّ سَيِّدِ المُرسَلينَ ، ورُبّيتَ في حِجرِ المُتَّقينَ ، ورَضَعتَ مِن ثَديِ الإِيمانِ ، وفُطِمتَ بِالإِسلامِ ۳ ، فَطِبتَ حَيّا وطِبتَ مَيِّتا ، غَيرَ أنَّ قُلوبَ المُؤمِنينَ غَيرُ طَيِّبَةٍ لِفِراقِكَ ، ولا شاكَّةٍ فِي الخِيَرَةِ لَكَ ، فَعَلَيكَ سَلامُ اللّه ِ ورِضوانُهُ ، وأشهَدُ أنَّكَ مَضَيتَ عَلى ما مَضى عَلَيهِ أخوكَ يَحيَى بنُ زَكَرِيّا .
ثُمَّ جالَ بِبَصرِهِ حَولَ القَبرِ ، وقالَ :
السَّلامُ عَلَيكُم أيَّتُهَا الأَرواحُ الَّتي حَلَّت بِفِناءِ الحُسَينِ وأناخَتِ بِرَحلِهِ ، وأشهَدُ أنَّكُم أقَمتُمُ الصَّلاةَ وآتَيتُمُ الزَّكاةَ ، وأمَرتُم بِالمَعروفِ ونَهَيتُم عَنِ المُنكَرِ، وجاهَدتُمُ المُلحِدينَ ، وعَبَدتُمُ اللّه َ حَتّى أتاكُمُ اليَقينُ ، وَالَّذي بَعَثَ مُحَمَّدا بِالحَقِّ نَبِيّا لَقَد شارَكناكُم فيما دَخَلتُم فيهِ .
قالَ عَطِيَّةُ : فَقُلتُ لَهُ : يا جابِرُ ، كَيفَ ولَم نَهبِط وادِيا ولَم نَعلُ جَبَلاً ولَم نَضرِب بِسَيفٍ ، وَالقَومُ قَد فُرِّقَ بَينَ رُؤوسِهِم وأبدانِهِم ، واُوتِمَت أولادُهُم واُرمِلَت أزواجُهُم؟
فَقالَ : يا عَطِيَّةُ ، سَمِعتُ حَبيبي رَسول اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : مَن أحَبَّ قَوما حُشِرَ مَعَهُم ، ومَن أحَبَّ عَمَلَ قَومٍ اُشرِكَ في عَمَلِهِم ، وَالَّذي بَعَثَ مُحَمَّدا بِالحَقِّ نَبِيّا ، إنَّ نِيَّتي ونِيَّةَ أصحابي عَلى ما مَضى عَلَيهِ الحُسَينُ عليه السلام وأصحابُهُ ، خُذني نَحوَ أبياتِ كوفانَ .
فَلَمّا صِرنا في بَعضِ الطَّريقِ قالَ : يا عَطِيَّةُ هَل اُوصيكَ؟ ـ وما أظُنُّ أنَّني بَعدَ هذِهِ السَّفرَةِ مُلاقيكَ ـ أحبِب مُحِبَّ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ما أحَبَّهُم ، وأبغِض مُبغِضَ آلِ مُحَمَّدٍ ما أبغَضَهُم وإن كانَ صَوّاما قَوّاما ، وَارفُق بِمُحِبِّ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ؛ فَإِنَّهُ إن تَزِلَّ لَهُ قَدَمٌ بِكَثرَةِ ذُنوبِهِ ثَبَتَت لَهُ اُخرى بِمَحَبَّتِهِم ؛ فَإِنَّ مُحِبَّهُم يَعودُ إلَى الجَنَّةِ ، ومُبغِضَهُم يَعودُ إلَى النّارِ . ۴
1.قال العلّامة المجلسي قدس سره : قوله عليه السلام : «وقد شحطت» بكسر الحاء على بناء المجرّد من الشحط وهو الاضطراب في الدم ، أو على بناء المجهول من باب التفعيل ، يقال : شحّطه تشحيطا ، ضرّجه بالدم فتشحّط تضرّج به واضطرب فيه ، وعلى التقديرين تعديته بعلى لتضمين معنى الصبّ ، والأظهر شخبت بالخاء المعجمة المفتوحة والباء الموحّدة كما في بعض النسخ . والشخب السيلان ، وقد ورد مثله في الحديث كثيرا ، كقوله صلى الله عليه و آله : «إنّ المقتول يجيء يوم القيامة وأوداجه تشخب دما» . والأوداج هي ما أحاط بالعنق من العروق الّتي يقطعها الذابح ، وقيل : الودجان عرقان غليظان عن جانبي ثغرة النحر . والثبج : الوسط وما بين الكاهل إلى الظهر ، والجمع باعتبار الأجزاء (بحار الأنوار : ج ۱۰۱ ص ۱۹۷) .
2.النُّقَبَاءُ : جمع نقيب؛ وهو كالعريف على القوم المقدّم عليهم ، الذي يتعرّف أخبارهم (النهاية : ج ۵ ص ۱۰۱ «نقب») .
3.قال العلّامة المجلسي قدس سره : قوله عليه السلام : «وفطمت بالإسلام» كناية عن سبق الإسلام واستقراره فيه بأن كان عند الفطام مغذّى بالإيمان والإسلام (بحار الأنوار : ج ۱۰۱ ص ۱۹۷) .
4.بشارة المصطفى : ص ۷۴ ، بحار الأنوار : ج ۱۰۱ ص ۱۹۵ ح ۳۱ .