كلام حول تاريخ بناء الحرم الحسيني ۱
مزار الإمام عليه السلام في القرن الأوّل الهجري
بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام ، وعندما غادر الأعداء ساحة القتال تاركين فيها أجساد الشهداء العارية، قدم بنو أسد ـ وكانوا من محبّي أهل البيت عليهم السلام ، وكانوا يسكنون الغاضريّة ـ إلى ساحة الحرب ودفنوا الشهداء ۲ . وقد كان اهتمامهم بالإمام الحسين وابنه عليّ الأكبر وأخيه العبّاس عليهم السلام ، سبب اهتمامهم الخاصّ بموضع دفن اُولئك الرجال العظام ، حيث جعلوا لكلٍّ منهم مزارا خاصّا ، كما جعلوا مزارا للشهداء الآخرين ، اُلحق فيما بعد بحرم الإمام الحسين عليه السلام .
وأقبل جابر بن عبداللّه الأنصاري إلى كربلاء يوم الأربعين من شهادة الإمام الحسين عليه السلام ، وحضر عند قبر الإمام ، ۳ وهو ما يدلّ على أنّ القبر كان مميّزا ومحدّداً بشكل كامل .
وبعد أربع سنوات، أي في عام (65 هـ . ق) ، توجّه التوّابون بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي من الكوفة إلى كربلاء قبل ذهابهم إلى الشام ، واجتمعوا عند قبر الإمام عليه السلام كما يجتمع الناس عند الحجر الأسود ، وأقاموا العزاء عنده ، وازدحموا على قبره أكثر من ازدحام الناس على الحجر الأسود . ۴
وهو ما يدلّ أيضاً على أنّ قبر الإمام الحسين كان شاخصاً بعد أربع سنوات من وقعة عاشوراء ، وأنّ الشيعة من أهل الكوفة كانوا يتوافدون إلى زيارته .
ويروي الخوارزمي : أنّ المختار بن أبي عبيد قبيل ثورته في الكوفة ـ أي في عام (66 هـ . ق) كما هو مفترض ـ وعند ما كان قادما من مكّة إلى الكوفة ، أقبل أوّلاً إلى القادسيّة ، ثمّ توجّه من القادسيّة إلى كربلاء وزار قبر الإمام عليه السلام ، فخاطبه قائلاً :
لاخلعت ثيابي هذه حتّى أنتقم ممّن قتلك وقاتلك أو اُقتل . ثمّ ودّع القبر . ۵
وجاء في نقل آخر ، أنّ مصعب بن الزبير زار هو أيضاً قبر الإمام الحسين عليه السلام عند خروجه لقتال عبد الملك بن مروان سنة (71 أو 72 هـ . ق) ، وقد جاء في هذا النقل :
فلمّا بلغ الحير دخل ، فوقف على قبر أبي عبد اللّه عليه السلام . ۶
ويستفاد من هذه العبارة ، أنّه كانت هناك سقيفة على الأقلّ فوق قبره عليه السلام .
وهناك روايات كثيرة تفيد بأنّ الشيعة كانوا يتوجّهون لزيارة الإمام الحسين عليه السلام منذ زمان الإمام السجّاد عليه السلام ، وأن الإمام السجّاد عليه السلام أيضا كان يتوجّه بين الحين والآخر من الموضع الذي اختاره في البادية ليعيش فيه إلى العراق لزيارة قبر أبيه . ۷
1.قام الفاضل المحترم رسول جعفريان بتنظيم هذا البيان بشكله النهائي .
2.راجع : ج ۵ ص ۷۴ (الفصل التاسع / الفصل الثالث / من تولّى دفن الإمام عليه السلام وأصحابه) .
3.راجع : ص ۱۵۴ (الفصل الثاني عشر / زيارة جابر بن عبداللّه الأنصاري) و ج ۵ ص ۲۸۶ (القسم التاسع / الفصل الثامن / أوّل من زار قبر الحسين عليه السلام من الناس) .
4.راجع : تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۵۹۰.
5.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۲ ص ۲۳۸.
6.راجع: ج ۵ ص ۳۶۵ ح ۲۴۸۷ .
7.الإقبال : ج ۲ ص ۲۷۳.