مزار الإمام عليه السلام فيالقرن الثاني الهجري
وصلتنا عشرات الروايات عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلام تأمر الشيعة بالذهاب لزيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام . ۱ ورغم أنّ من الصعب من الناحية السياسيّة قبول وجود أبنية ولو بسيطة في عصر الاُموييّن، ولكنّ هناك إشارات لوجودها في بعض النقول . وعلى سبيل المثال ، فقد نُقل عن الحسين بن أبي حمزة أنّه قال :
خرجت في آخر زمن بني اُميّة وأنا اُريد قبر الحسين عليه السلام ، ... حتّى إذا كنت على باب الحائر . . . . ۲
وقد ذُكر في بعض هذه النقول عن الإمام الصادق عليه السلام وجود الحائر (الحرم) والباب والسقيفة . بل ذُكر في روايات عن الإمام الصادق عليه السلام : «الباب الَّذي يَلِي المَشرِقَ» ، ۳ «الباب الَّذي عِندَ رِجلِ عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ عليه السلام » ، ۴ وكذلك : «خارِج القُبَّةِ» ، ۵ وكلّ ذلك يدلّ على وجود أبنية ولو بسيطة على قبر الحسين عليه السلام قبل وفاة الإمام الصادق عليه السلام في عام (148 هـ . ق) .
ويمكن أن يكون التجرّؤ والتجاسر على قبر الإمام الحسين عليه السلام قد بدأ منذ عهد هارون الرشيد (خلافته 170 - 193 هـ . ق) واضطهاده للعلويّين ، وقد جاءت بعض الإشارات في بعض المصادر في هذا المجال . ۶ وقيل : إنّه كانت هناك شجرة سدر قرب قبره عليه السلام فاقتلعوها . و كان تفسير الشيعة لذلك ، هو أنّ الهدف منه «تغيير موضع مصرع الحسين» ؛ كي لا يحيط الناس علماً بموضعه «حتّى لا يقف الناس على قبره» . ۷
كما نقل هشام بن محمّد الكلبي خبراً عن فتح الماء على قبر الحسين عليه السلام ۸ ، وقد ذكر في هذا النقل أنّ رجلاً من بني أسد ـ وهي قبيلة معظمها من الشيعة ـ جاء مرّتين وحدّد موضع القبر . وبما أنّ وفاة هشام الكلبي هي في سنة (205 أو 206 ه . ق) ، فإنّ هذا الحدث لم يكن في عهد المتوكّل العبّاسي (232 - 247 ه . ق) ، بل كان قبل ذلك بلا ريب ؛ ذلك لأنّه وكما سيأتي أنّ التخريبات والاُمور التي تعرّض لها القبر (وقعة الهائلة) في عهد المتوكّل تعود إلى سنة (236 - 247 ه . ق) . وقد جاء في المصادر التي نُقل فيها الخبر المذكور ۹ ـ نقلاً عن ذلك الرجل الأسدي نفسه ـ أنّ الهدف كان إخفاء قبر الإمام الحسين عليه السلام عن محبّيه :
أرادوا لِيُخفوا قَبرَهُ عَن وَليّهِفَطيبُ تُرابِ القَبرِ دَلَّ عَلَى القَبرِ
وقد استنبط ابن كثير عند نقله لهذا الخبر ۱۰ استنباطا خاطئا ، وهو أنّ موضع قبر الإمام لم يكن معلوماً حتّى ذلك الوقت! في حين أنّ الأمر على العكس من ذلك تماما ، فالخبر المذكور يدلّ على أنّ جهاز الخلافة كان يتآمر من أجل إزالة آثار القبر .
وقد ذكر في مصدر آخر بعد نقل هذا الخبر ، أنّ فتح الماء على قبر الحسين عليه السلام كان في عصر الاُمويّين مرّة ، وفي عصر العباسييّن اُخرى . ۱۱
وعلى أيّ حال ، فكلّ ما وقع وفي عهد أيّ خليفة وقع ، فإنّه يمكن القطع بوجود بناءٍ على قبر الإمام الحسين عليه السلام في المرّة الثانية ، ولكنّنا لا نعلم شيئاً عن كيفيّته أو بانيه ، ومن المفترض أن يكون شيعة سواد العراق هم الذين أقاموه ، وهو نفس البناء الذي كان الناس يتوجّهون لزيارته حتّى عهد المتوكّل .
1.راجع: ج ۷ ص ۲۱۹ (القسم الثالث عشر / الفصل الأوّل : فضل زيارته و زائره) .
2.راجع : ج ۷ ص ۳۲۱ ح ۳۳۹۸ .
3.راجع : ج ۷ ص ۴۴ ح ۳۴۱۷ .
4.راجع : ج ۷ ص ۲۵۲ ح ۳۴۱۳ .
5.راجع : ج ۷ ص ۳۳۹ ح ۳۴۴۴ .
6.الأمالي للطوسي : ص ۳۲۱ ح ۶۴۹.
7.الأمالي للطوسي : ص ۳۲۵ الرقم ۶۵۱.
8.الأمالي للشجري : ص ۱۶۲.
9.الدّرّ النظيم : ص ۵۷۲ ؛ تاريخ دمشق : ج ۱۴ ص ۲۴۵، تهذيب الكمال : ج ۶ ص ۴۴۴ وفيهما «عدوه» بدل «وليه» وهو تصحيف .
10.البداية والنهاية : ج ۸ ص ۲۰۳ .
11.الحدائق الوردية : ج ۱ ص ۱۲۹.