البحث في الزيادات الواردة في دعاء عرفة
يبدو أنّ القسم الثاني من دعاء عرفة ـ والذي يبدأ بقوله «إلهي أنا الفقير» إلى آخر الدعاء ـ غير منسجم مضمونا مع القسم الأوّل منه . ولمّا كان المصدر الوحيد لهذا المقطع هو كتاب الإقبال للسيّد ابن طاووس ، ومع ذلك فإنّه لم يرد في بعض النسخ القديمة منه ، حيث أورد العلّامة المجلسي هذا الدعاء نقلاً عن هذا المصدر وليس فيه الفقرة المذكورة ، فقد ذهب جمع من الفضلاء إلى أنّه ليس من دعاء الإمام الحسين عليه السلام ، وإنّما هو من إضافات الصوفيّة .
يقول العلّامة المجلسي في بحار الأنوار :
أقول : قد أورد الكفعمي ـ ره ـ أيضا هذا الدعاء في البلد الأمين وابن طاووس في مصباح الزائر كما سبق ذكرهما ، ولكن ليس في آخره فيهما بقدر ورق تقريبا ، وهو من قوله : «إلهي أنا الفقير في غناي» إلى آخر هذا الدعاء ، وكذا لم يوجد هذه الورقة في بعض النسخ العتيقة من الإقبال أيضا ، وعبارات هذه الورقة لا تلائم سياق أدعية السادة المعصومين أيضا ، وإنّما هي على وفق مذاق الصوفيّة ، ولذلك قد مال بعض الأفاضل إلى كون هذه الورقة من مزيدات بعض مشايخ الصوفيّة ، ومن إلحاقاته وإدخالاته .
وبالجملة ، هذه الزيادة إمّا وقعت من بعضهم أوّلاً في بعض الكتب وأخذ ابن طاووس عنه في الإقبال غفلة عن حقيقة الحال ، أو وقعت ثانياً من بعضهم في نفس كتاب الإقبال ، ولعلّ الثاني أظهر على ما أومأنا إليه من عدم وجدانها في بعض النسخ العتيقة وفي مصباح الزائر ، واللّه أعلم بحقائق الأحوال . ۱
وبناءً على ذلك ، فإنّه يشكل نسبة هذا المقطع إلى الإمام عليه السلام ۲ ، إلّا إذا حصل الاطمئنان بصدوره من المعصوم لقوّة مضامينه ، كما نقل لي ذلك العالم الربّاني الشيخ عليّ سعادت برور (بهلواني) رضوان اللّه تعالى عليه عن العلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي ، حيث قال :
من الّذي يقدر على بيان مثل هذه الحقائق؟! لقد اشتغلنا عمراً في المسائل الفلسفية والعرفانية ونحن نعجز عن مثل هذا الكلام! .
وأمّا ما أفاده العلاّمة المجلسي من عدم انسجام عبارات الدعاء مع سياق أدعية المعصومين عليهم السلام ، فإنّه وإن كان يصدق على أكثر الأدعية المروية عنهم ، إلّا أنّه لا يصدق على بعضها كالمناجاة الشعبانية .
وعلى كلّ حال ، فإنّه ينبغي هنا أن نقول ما قاله العلّامة المجلسي في ذيل كلامه : «واللّه أعلم بحقائق الأحوال» .