۴۳۹۰.الفتوح :سارَ الحُسَينُ عليه السلام حَتّى نَزَلَ في قَصرِ بَني مُقاتِلٍ ، فَإِذا هُوَ بِفُسطاطٍ مَضروبٍ ورُمحٍ مَنصوبٍ وسَيفٍ مُعَلَّقٍ وفَرَسٍ واقِفٍ عَلى مِذوَدِهِ ۱ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : لِمَن هذَا الفُسطاطُ ؟
فَقيلَ : لِرَجُلٍ يُقالُ لَهُ : عُبَيدُ اللّه ِ بنُ الحُرِّ الجُعفِيُّ .
قالَ : فَأَرسَلَ الحُسَينُ عليه السلام بِرَجُلٍ مِن أصحابِهِ يُقالُ لَهُ : الحَجّاجُ بنُ مَسروقٍ الجُعفِيُّ ، فَأَقبَلَ حَتّى دَخَلَ عَلَيهِ في فُسطاطِهِ ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ فَرَدَّ عَلَيهِ السَّلامَ ، ثُمَّ قالَ : ما وَراءَكَ ؟
فَقالَ الحَجّاجُ : وَاللّه ِ ! وَرائي يَابنَ الحُرِّ [الخَيرُ] ۲ ، وَاللّه ِ قَد أهدَى اللّه ُ إلَيكَ كَرامَةً إن قَبِلتَها .
قالَ : وما ذاكَ ؟
فَقالَ : هذَا الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه السلام يَدعوكَ إلى نُصرَتِهِ ، فَإِن قاتَلتَ بَينَ يَدَيهِ اُجِرتَ ، وإن مِتَّ فَإِنَّكَ استُشهِدتَ .
فَقالَ لَهُ عُبَيدُ اللّه ِ : وَاللّه ِ ما خَرَجتُ مِنَ الكوفَةِ إلّا مَخافَةَ أن يَدخُلَهَا الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ وأنَا فيها فَلا أنصُرَهُ ، لِأَنَّهُ لَيسَ لَهُ فِي الكوفَةِ شيعَةٌ ولا أنصارٌ إلّا وقَد مالوا إلَى الدُّنيا إلّا مَن عَصَمَ اللّه ُ مِنهُم ، فَارجِع إلَيهِ وخَبِّرهُ بِذاكَ .
فَأَقبَلَ الحَجّاجُ إلَى الحُسَينِ عليه السلام فَخَبَّرَهُ بِذلِكَ ، فَقامَ الحُسَينُ عليه السلام ، ثُمَّ صار إلَيهِ في جَماعَةٍ من إخوانِهِ ، فَلَمّا دَخَلَ وسَلَّمَ وَثَبَ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ الحُرِّ مِن صَدرِ المَجلِسِ ، وجَلَسَ الحُسَينُ عليه السلام فَحَمِدَ اللّه ُ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ ، يَابنَ الحُرِّ ! فَإِنَّ [أهلَ] ۳ مِصرِكُم هذِهِ كَتَبوا إلَيَّ وخَبَّروني أنَّهُم مُجتَمِعونَ عَلى نُصرَتي ، وأن يَقوموا دوني ، ويُقاتِلوا عَدُوّي ، وإنَّهُم سَأَلونِي القُدومَ عَلَيهِم ، فَقَدِمتُ ولَستُ أدرِيالقَومَ عَلى مازَعَموا ۴ ، لِأَنَّهُم قَد أعانوا عَلى قَتلِ ابنِ عَمّي مُسلِمِ بنِ عَقيلٍ رحمه الله وشيعَتِهِ ، وأجمَعوا عَلَى ابنِ مَرجانَةَ عُبَيدِ اللّه ِ بنِ زِيادٍ يُبايِعُني لِيَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ ، وأنتَ يَابنَ الحُرِّ فَاعلَم أنَّ اللّه َ عز و جلمُؤاخِذُكَ بِما كَسَبتَ وأسلَفتَ مِنَ الذُّنوبِ فِي الأَيّامِ الخالِيَةِ ، وأنَا أدعوكَ في وَقتي هذا إلى تَوبَةٍ تَغسِلُ بِها ما عَلَيكَ مِنَ الذُّنوبِ ، وأدعوكَ إلى نُصرَتِنا أهلَ البَيتِ ، فَإِن اُعطينا حَقَّنا حَمِدنَا اللّه َ عَلى ذلِكَ وقَبِلناهُ ، وإن مُنِعنا حَقَّنا ورُكِبنا بِالظُّلمِ كُنتَ مِن أعواني عَلى طَلَبِ الحَقِّ .
فَقالَ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ الحُرِّ : وَاللّه ِ يَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّه ِ ، لَو كانَ لَكَ بِالكوفَةِ أعوانٌ يُقاتِلونَ مَعَكَ لَكُنتُ أنَا أشَدَّهُم عَلى عَدُوِّكَ ، ولكِنّي رَأَيتُ شيعَتَكَ بِالكوفَةِ وقَد لَزِموا مَنازِلَهُم خَوفا مِن بَني اُمَيَّةَ ومِن سُيوفِهِم ! فَأَنشُدُكَ بِاللّه ِ أن تَطلُبَ مِنّي هذِهِ المَنزِلَةَ ، وأنَا اُواسيكَ بِكُلِّ ما أقدِرُ عَلَيهِ ، وهذِهِ فَرَسي مُلجَمَةٌ ، وَاللّه ِ ما طَلَبتُ عَلَيها شَيئا إلّا أذَقتُهُ حِياضَ المَوتِ ، ولا طُلِبتُ وأنَا عَلَيها فَلُحِقتُ ، وخُذ سَيفي هذا فَوَاللّه ِ ما ضَرَبتُ بِهِ إلّا قَطَعتُ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : يَابنَ الحُرِّ ! ما جِئناكَ لِفَرَسِكَ وسَيفِكَ ، إنَّما أتَيناكَ لِنَسأَلَكَ النُّصرَةَ ، فَإِن كُنتَ قَد بَخِلتَ عَلَينا بِنَفسِكَ فَلا حاجَةَ لَنا في شَيءٍ مِن مالِكَ ، ولَم أكُن بِالَّذِي اتَّخَذَ المُضِلّينَ عَضُدا ، لِأَنّي قَد سَمِعتُ رَسولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وهُوَ يَقولُ : «مَن سَمِعَ داعِيَةَ أهلِ بَيتي ولَم يَنصُرهُم عَلى حَقِّهِم إلّا أكَبَّهُ اللّه ُ عَلى وَجهِهِ فِي النّارِ» .
ثُمَّ سارَ الحُسَينُ عليه السلام مِن عِندِهِ ورَجَعَ إلى رَحلِهِ . ۵
1.المِذوَدُ : مَعلَفُ الدابّة (لسان العرب : ج ۳ ص ۱۶۸ «ذود») .
2.ما بين المعقوفين أثبتناه من مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي ، وبدونها يختلّ السياق .
3.ما بين المعقوفين أثبتناه من مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي .
4.في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : «ولست أرى الأمر على ما زعموا» .
5.الفتوح : ج ۵ ص ۷۳ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۲۶ نحوه .