البابُ الثّامِنُ : الحكم المنظومة
دراسة حول أشعار الإمام الحسين عليه السلام والديوان المنسوب إليه ۱
لِفنّ الشعر دور كبير واستثنائي في نقل المفاهيم وترويج الثقافة وخلق الملاحم وتخليد الأحداث ، ولهذا السبب يتمتّع الشعر بمكانة مرموقة بين المعارف البشرية ، وكسائر الفنون يمكنه أن يُسخَّر للقيم الإلهية والإنسانية ، كما يمكن استخدامه ضدّها .
وكان الشعر في زمن البعثة النبوية من أهمّ السبل في إضلال الناس وإبعادهم عن الحقيقة ، لذا ذمّ القرآن الكريم شعراء ذلك العهد وأتباعهم حيث قال :
«وَ الشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ» . ۲
وممّا لاشكّ فيه أنّ الخصائص المذكورة في هذه الآيات ، تختصّ بالشعراء الذين يستخدمون فنّ الشعر في نشر الانحطاط والسقوط ، ولهذا يستثني القرآن الكريم الشعراء الرساليّين مباشرة بالآيات التالية :
«إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّــلِحَـتِ وَ ذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُـلِمُواْ» . ۳
ولأجل ألّا يُجحف حقّ الشعراء ، يميّز اللّه سبحانه وتعالى هؤلاء عن غيرهم بذكر هذا الاستثناء ، ويعرّفهم للمجتمع المسلم بأربعة خصائص :
1 . الإيمان .
2 . العمل الصالح .
3 . الإكثار من ذكر اللّه تعالى .
4 . التصدّي للظلم واستخدام الشعر في ردعه .
وقد اعتبر الرسول صلى الله عليه و آله هؤلاء الشعراء مجاهدين في سبيل اللّه . فحينما نزلت الآية 79 من سورة الشعراء ، أتى حَسّان بن ثابت وعدد آخر من الشعراء المسلمين الرسول صلى الله عليه و آله وسألوه عن قول الشعر ، فأجابهم النبيّ صلى الله عليه و آله :
إنّ المُؤمِنَ يُجاهِدُ بِسَيفِهِ ولِسانِهِ ، والذي نَفسي بيدِهِ لَكأنَّ ما تَرمونَهُم بِهِ يَنضِحُ النَّبلَ. ۴
وهكذا كان الرسول صلى الله عليه و آله يؤكّد استخدام فنّ الشعر في ساحات الجهاد ، وكان يوصي بتسخير هذا الفنّ لنشر الحكمة في المجتمع وترسيخها :
إنّ مِنَ الشِّعرِ لَحِكمَةً . ۵
كما أوصى الإمام الصادق عليه السلام أصحابه :
عَلِّموا أولادَكُم شِعرَ العَبدِيِ ، ۶ فَإِنَّهُ عَلى دينِ اللّه ِ. ۷
إنّ التأمّل في سيرة الرسول صلى الله عليه و آله والأئمّة عليهم السلام يكشف بأنّهم كانوا يستخدمون فنّ الشعر لأغراض تربوية وسياسية وعسكرية ، لكن هل كانوا أنفسهم ينظّمون الشعر أيضاً؟ وهل الأشعار المنسوبة إليهم صادرة عنهم حقّاً ؟ إنّ هذا الأمر يحتاج إلى مناقشة .
1.اُعدّت هذه الدراسة من قبل الفاضل المحترم سماحة الشيخ مهدي المهريزي .
2.الشعراء : ۲۲۴ ـ ۲۲۶ .
3.الشعراء : ۲۲۷ .
4.مسند ابن حنبل : ج ۱۰ ص ۳۳۵ ح ۲۷۲۴۴ عن كعب بن مالك .
5.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۴ ص ۳۷۹ ح ۵۸۰۵ ؛ سنن ابن ماجة : ج ۲ ص ۱۲۳۵ ح ۳۷۵۵ عن اُبيّ بن كعب .
6.أبو محمّد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي : من شعراء أهل البيت عليهم السلام الطاهر ، المتزلّفين إليهم بولائه وشعره المقبولين عندهم ؛ لصدق نيّته وانقطاعه إليهم . . . ولم نجد في غير آل اللّه له شعرا (راجع : الغدير : ج ۲ ص ۲۹۴ ) .
7.رجال الكشّي : ج ۲ ص ۷۰۴ ح ۷۴۸ عن سماعة .