83
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج9

۳۹۲۳.الفتوحـ في ذِكرِ قُدومِ مُعاوِيَةَ إلى مَكَّةَ وأخذِهِ البَيعَةَ لِيَزيدَـ : أقامَ مُعاوِيَةُ بِمَكَّةَ لا يَذكُرُ شَيئا مِن أمرِ يَزيدَ ، ثُمَّ أرسَلَ إلَى الحُسَينِ عليه السلام فَدَعاهُ ، فَلَمّا جاءَهُ ودَخَلَ إلَيهِ قَرَّبَ مَجلِسَهُ ثُمَّ قالَ : أبا عَبدِ اللّه ِ ! اعلَم أنّي ما تَرَكتُ بَلَدا إلّا وقَد بَعَثتُ إلى أهلِهِ فَأَخَذتُ عَلَيهِمُ البَيعَةَ لِيَزيدَ ، وإنَّما أخَّرتُ المَدينَةَ لِأَنّي قُلتُ : هُم أصلُهُ وقَومُهُ وعَشيرَتُهُ ومَن لا أخافُهُم عَلَيهِ ، ثُمَّ إنّي بَعَثتُ إلَى المَدينَةِ بَعدَ ذلِكَ فَأَبى بَيعَتَهُ مَن لا أعلَمُ أحَدا هُوَ أشَدُّ بِها مِنهُم ، ولَو عَلِمتُ أنَّ لِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله خَيرا مِن وَلَدي يَزيدَ لَما بَعَثتُ لَهُ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : مَهلاً يا مُعاوِيَةُ ! لا تَقُل هكَذا ، فَإِنَّكَ قَد تَرَكتَ مَن هُوَ خَيرٌ مِنهُ اُمّا وأبا ونَفسا .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : كَأَنَّكَ تُريدُ بِذلِكَ نَفسَكَ أبا عَبدِ اللّه ِ !
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَإِن أرَدتُ نَفسي فَكانَ ماذا ؟!
فَقالَ مُعاوِيَةُ : إذا اُخبِرُكَ أبا عَبدِ اللّه ِ ! أمّا اُمُّكَ فَخَيرٌ مِن اُمِّ يَزيدَ ، وأمّا أبوكَ فَلَهُ سابِقَةٌ وفَضلٌ ، وقَرابَتُهُ مِن رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لَيسَت لِغَيرِهِ مِنَ النّاسِ ، غَيرَ أنَّهُ قَد حاكَمَ أبوهُ أباكَ ، فَقَضَى اللّه ُ لِأَبيهِ عَلى أبيكَ ، وأمّا أنتَ وهُوَ فَهُوَ وَاللّه ِ خَيرٌ لِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : مَن خَيرٌ لِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ ؟! يَزيدُ الخَمورُ الفَجورُ ؟
فَقالَ مُعاوِيَةُ : مَهلاً أبا عَبدِ اللّه ِ ! فَإِنَّكَ لَو ذُكِرتَ عِندَهُ لَما ذَكَرَ مِنكَ إلّا حَسَنا .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : إن عَلِمَ مِنّي ما أعلَمُهُ مِنهُ أنَا فَليَقُل فِيَّ ما أقولُ فيهِ .
فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : أبا عَبدِ اللّه ِ ! انصَرِف إلى أهلِكَ راشِدا ، وَاتَّقِ اللّه َ في نَفسِكَ ، وَاحذَر أهلَ الشّامِ أن يَسمَعوا مِنكَ ما قَد سَمِعتُهُ ؛ فَإِنَّهُم أعداؤُكَ وأعداءُ أبيكَ .
قالَ : فَانصَرَفَ الحُسَينُ عليه السلام إلى مَنزِلِهِ . ۱

1.الفتوح : ج ۴ ص ۳۳۹ وراجع : الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۱۱ .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج9
82

۳۹۲۲.الإمامة والسياسةـ في ذِكرِ قُدومِ مُعاوِيَةَ إلَى المَدينَةِ حاجّا وأخذِهِ البَيعَةَ لِيَزيدَ ، وخُطبَتِهِ الَّتي يَمدَحُ فيها يَزيدَ الطّاغِيَةَ ووَصفِهِ بِالعِلمِ بِالسُّنَّةِ وقِراءَةِ القُرآنِ وَالحِلمِـ : فَقامَ الحُسَينُ عليه السلام فَحَمِدَ اللّه َ وصَلّى عَلَى الرَّسولِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ يا مُعاوِيَةُ ! فَلَن يُؤَدِّيَ القائِلُ وإن أطنَبَ ۱ في صِفَةِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله مِن جَميعٍ جُزءا ، وقَد فَهِمتُ ما لَبَستَ بِهِ الخَلَفَ بَعدَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله مِن إيجازِ الصِّفَةِ ، وَالتَّنَكُّبِ عَنِ استِبلاغِ النَّعتِ ، وهَيهاتَ هَيهاتَ يا مُعاوِيَةُ ! فَضَحَ الصُّبحُ فَحمَةَ الدُّجى ، وبَهَرَتِ الشَّمسُ أنوارَ السُّرُجِ ، ولَقَد فَضَّلتَ حَتّى أفرَطتَ ، وَاستَأثَرتَ حَتّى أجحَفتَ ، ومَنَعتَ حَتّى مَحَلتَ ، وجُزتَ حَتّى جاوَزتَ ، ما بَذَلتَ لِذي حَقٍّ مِنِ اسمِ حَقِّهِ بِنَصيبٍ ، حَتّى أخَذَ الشَّيطانُ حَظَّهُ الأَوفَرَ ، ونَصيبَهُ الأَكمَلَ .
وفَهِمتُ ما ذَكَرتَهُ عَن يَزيدَ مِنِ اكتِمالِهِ ، وسِياسَتِهِ لِامَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، تُريدُ أن توهِمَ النّاسَ في يَزيدَ ، كَأَنَّكَ تَصِفُ مَحجوبا ، أو تَنعَتُ غائِبا ، أو تُخبِرُ عَمّا كانَ مِمَّا احتَوَيتَهُ بِعِلمٍ خاصٍّ ، وقَد دَلَّ يَزيدُ مِن نَفسِهِ عَلى مَوقِعِ رَأيِهِ ، فَخُذ لِيَزيدَ فيما أخَذَ فيهِ مِنِ استِقرائِهِ الكِلابَ المُهارِشَةَ ۲ عِندَ التَّهارُشِ ، وَالحَمامَ السِّبقَ لِأَترابِهِنَّ ، وَالقِيانَ ذَواتِ المَعازِفِ ، وضَربِ المَلاهي تَجِده باصِرا ، ودَع عَنكَ ما تُحاوِلُ ، فَما أغناكَ أن تَلقَى اللّه َ مِن وِزرِ هذَا الخَلقِ بِأَكثَرَ مِمّا أنتَ لاقيهِ ، فَوَاللّه ِ ما بَرِحتَ تَقدَحُ باطِلاً في جَورٍ ، وحَنَقا في ظُلمٍ ، حَتّى مَلَأتَ الأَسقِيَةَ ، وما بَينَكَ وبَينَ المَوتِ إلّا غَمضَةٌ ، فَتَقدَمُ عَلى عَمَلٍ مَحفوظٍ في يَومٍ مَشهودٍ ، ولاتَ حينَ مَناصٍ .
ورَأَيتُكَ عَرَضتَ بِنا بَعدَ هذَا الأَمرِ ، ومَنَعتَنا عَن آبائِنا تُراثا ، ولَقَد ـ لَعَمرُ اللّه ِ ـ أورَثَنَا الرَّسولُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وِلادَةً ، وجِئتَ لَنا بِها ، أما حَجَجتُم بِهِ القائِمَ عِندَ مَوتِ الرَّسولِ ، فَأَذعَنَ لِلحُجَّةِ بِذلِكَ ، ورَدَّهُ الإِيمانُ إلَى النَّصَفِ ، فَرَكِبتُمُ الأَعاليلَ ، وفَعَلتُمُ الأَفاعيلَ ، وقُلتُم : كانَ ويَكونُ ، حَتّى أتاكَ الأَمرُ يا مُعاوِيَةُ ! مِن طَريقٍ كانَ قَصدُها لِغَيرِكَ ، فَهُناكَ فَاعتَبِروا يا اُولِي الأَبصارِ . . . . ۳

1.أطنَبَ في الكلام : بالَغَ فيه (الصحاح : ج ۱ ص ۱۷۲ «طنب») .

2.المُهارَشَةُ بالكِلاب : وهو تحريش بعضها على بعض (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۲۷ «هرش») .

3.الإمامة والسياسة : ج ۱ ص ۲۰۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج9
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 157385
الصفحه من 491
طباعه  ارسل الي