۳۹۲۳.الفتوحـ في ذِكرِ قُدومِ مُعاوِيَةَ إلى مَكَّةَ وأخذِهِ البَيعَةَ لِيَزيدَـ : أقامَ مُعاوِيَةُ بِمَكَّةَ لا يَذكُرُ شَيئا مِن أمرِ يَزيدَ ، ثُمَّ أرسَلَ إلَى الحُسَينِ عليه السلام فَدَعاهُ ، فَلَمّا جاءَهُ ودَخَلَ إلَيهِ قَرَّبَ مَجلِسَهُ ثُمَّ قالَ : أبا عَبدِ اللّه ِ ! اعلَم أنّي ما تَرَكتُ بَلَدا إلّا وقَد بَعَثتُ إلى أهلِهِ فَأَخَذتُ عَلَيهِمُ البَيعَةَ لِيَزيدَ ، وإنَّما أخَّرتُ المَدينَةَ لِأَنّي قُلتُ : هُم أصلُهُ وقَومُهُ وعَشيرَتُهُ ومَن لا أخافُهُم عَلَيهِ ، ثُمَّ إنّي بَعَثتُ إلَى المَدينَةِ بَعدَ ذلِكَ فَأَبى بَيعَتَهُ مَن لا أعلَمُ أحَدا هُوَ أشَدُّ بِها مِنهُم ، ولَو عَلِمتُ أنَّ لِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله خَيرا مِن وَلَدي يَزيدَ لَما بَعَثتُ لَهُ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : مَهلاً يا مُعاوِيَةُ ! لا تَقُل هكَذا ، فَإِنَّكَ قَد تَرَكتَ مَن هُوَ خَيرٌ مِنهُ اُمّا وأبا ونَفسا .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : كَأَنَّكَ تُريدُ بِذلِكَ نَفسَكَ أبا عَبدِ اللّه ِ !
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : فَإِن أرَدتُ نَفسي فَكانَ ماذا ؟!
فَقالَ مُعاوِيَةُ : إذا اُخبِرُكَ أبا عَبدِ اللّه ِ ! أمّا اُمُّكَ فَخَيرٌ مِن اُمِّ يَزيدَ ، وأمّا أبوكَ فَلَهُ سابِقَةٌ وفَضلٌ ، وقَرابَتُهُ مِن رسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لَيسَت لِغَيرِهِ مِنَ النّاسِ ، غَيرَ أنَّهُ قَد حاكَمَ أبوهُ أباكَ ، فَقَضَى اللّه ُ لِأَبيهِ عَلى أبيكَ ، وأمّا أنتَ وهُوَ فَهُوَ وَاللّه ِ خَيرٌ لِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِنكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : مَن خَيرٌ لِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ ؟! يَزيدُ الخَمورُ الفَجورُ ؟
فَقالَ مُعاوِيَةُ : مَهلاً أبا عَبدِ اللّه ِ ! فَإِنَّكَ لَو ذُكِرتَ عِندَهُ لَما ذَكَرَ مِنكَ إلّا حَسَنا .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : إن عَلِمَ مِنّي ما أعلَمُهُ مِنهُ أنَا فَليَقُل فِيَّ ما أقولُ فيهِ .
فَقالَ لَهُ مُعاوِيَةُ : أبا عَبدِ اللّه ِ ! انصَرِف إلى أهلِكَ راشِدا ، وَاتَّقِ اللّه َ في نَفسِكَ ، وَاحذَر أهلَ الشّامِ أن يَسمَعوا مِنكَ ما قَد سَمِعتُهُ ؛ فَإِنَّهُم أعداؤُكَ وأعداءُ أبيكَ .
قالَ : فَانصَرَفَ الحُسَينُ عليه السلام إلى مَنزِلِهِ . ۱