107
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1

والأنانية وعبادة الذات وتصنيمها ، ينظر الإسلام إلى الأنانية والأثَرة بوصفهما الأصل الذي تنشأ منه المفاسد الفردية والاجتماعية ، ومن ثَمّ تراه يسعى من وراء إشاعة ثقافة الإيثار والمؤاساة وتعميمها إلى تجفيف هذا الجذر الخطير ومحاصرة تبعاته المدمّرة .
وعندما نطلّ على المسألة من زاوية نظرة دقيقة تنفذ إلى الأعماق ، سندرك أنّ الإسلام استطاع من خلال هذا المنهج استيعاب الغرور الفطري للإنسان واحتوائه وتوجيهه ، ومن ثَمّ استطاع أن يؤمّن له منافعه الواقعية وما يرنو إليه على المدى البعيد ، فالإنسان الذي يعيش الإيثار ويمارسه إنّما يبني ذاته ويُحسن لنفسه ويُؤمّن مصالحه الحقيقية الدائمة ، وبتعبير القرآن الكريم :
«إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ» . ۱
على عكس ذلك تماما تأتي الحصيلة في مناخات الثقافة المادّية ؛ فالمادّيون والأنانيون المستأثرون يضعون مصيرهم في مهبّ الريح ويعرّضون أنفسهم للضياع ويخسرون منافعهم الحقيقية الدائمة ويبدّدونها ، وبحسب التصوير القرآني النافذ لهذه الحالة ؛ أنّ هؤلاء ينسون أنفسهم ويخسرونها بنسيانهم اللّه :
«نَسُواْ اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ» . ۲
على هذا الضوء ، فإنّ اتّساع ثقافة الإيثار واطّرادها داخل المجتمع لا يهدّد المنافع الشخصية للمؤثرين فحسب ، بل يحوّلهم إلى أحبّاء للّه ۳ وللناس ۴ ، ويؤهّلهم إلى نيل أفضل ضروب الحياة وأسماها في عالَم الآخرة ودار الخلود ۵ ؛ فضلاً عن

1.الإسراء : ۷.

2.الحشر : ۱۹.

3.راجع : ص ۱۱۲ ح ۳ و ص ۱۱۳ ح ۴.

4.راجع : ص ۱۲۴ ح ۴۴.

5.راجع : ص ۱۲۶ (الدخول في أعلى مراتب الجنّة).


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
106

يفضي البحث الدقيق للإجابة على هذا السؤال ، إلى نتيجة تفيد أنّ الإيمان هو منبثق الإيثار وهو الأساس الوحيد الذي يُنتج هذه الخصلة الكريمة ، فخصال الخير والصفات الحسنة التي تؤدّي إلى الإيثار لا تنمو إلّا من خلال الإيمان وحده ولا تؤتي اُكلها إلّا عن هذا السبيل . من هنا يبدو أنّ أيّ كلام عن القيم الأخلاقية يصدر عن الاتّجاهات المادّية لا يزيد عن كونه مزحة وحسب ، ولا يهدف سوى إلى خداع الرأي العامّ وتضليله .
بناءً على هذه النتيجة تبرز الحصيلة التي تفيد بأنّه كلّما تنامى الإيمان في وجود الإنسان ورسخ فيه أكثر ، صار أقرب إلى هذه الخصلة الكريمة ، وبتعبير الإمام عليّ عليه السلام : يأتي الإنسان المؤثر في أعلى مراتب الإيمان ۱ . كما يدلّل على المعنى ذاته ما جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام في صفة الكاملين من المؤمنين من أنّهم المؤثرون على أنفسهم في حال العسر ۲ .
فإذا ، كلّما ازداد الإيمان ورسخ في وجود الإنسان وصار أكثر تكاملاً فيه ، ازدادت قابليته على الإيثار ، وراح يرتقي فيه حتّى يبلغ مرتبة التضحية والفداء والإيثار بالنفس .

4 . نتائج الإيثار

تأخذ خصلة الإيثار موقعها على الطرف النقيض للأنانية والاستئثار ، فبقدر ما يصبح الاستئثار ضارّا ببنية المجتمع الإنساني المنشود ومدمّرا لوحدته وانسجامه ۳ ، يصبح الإيثار نافعا لهذا المجتمع حاملاً له المعطيات الإيجابية البنّاءة .
فعلى عكس الاتّجاهات المادية والتيارات الوضعية التي تشيع ثقافة الأثَرة

1.راجع : ص ۱۱۷ ح ۱۵.

2.راجع : ص ۱۲۳ ح ۴۱.

3.راجع : ص ۱۶۳ (الاستئثار / المدخل) .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 294914
الصفحه من 671
طباعه  ارسل الي