173
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1

أيضا ، هذا النصّ الذي يسجّل دون مراء بأنّ الفلسفة التي تكمن وراء بعث جميع الأنبياء الإلهيين هي القيام بالقسط وبسط العدل ، حيث يقول :
«لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَ أَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» . ۱
فلا مراء في أنّ الأحاديث التي تأمر بالصبر على الاستئثار والإذعان للجور تتعارض مع هذه الآية الكريمة ، وكذلك مع جميع الآيات التي يحثّ بها القرآن المسلمين على مواجهة الظلم ، ويدعوهم إلى ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإلى القيام بالقسط وبسط العدل .

د ـ التعارض مع أحاديث مواجهة أئمّة الجور

من النقاط الاُخرى التي تصطفّ إلى جوار ما سبقها في تحليل أحاديث الصبر على الاستئثار وتقويمها ، تعارضها مع أحاديث نبوية أمر فيها النبيّ صلى الله عليه و آله صراحة بمواجهة أئمّة الجور ودعا إلى منابذة الحكّام الظلمة ومقاومتهم ، كما تُومِئ إليه الأمثلة التالية :
1 . عن معاذ بن جبل : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول :
خُذُوا العَطاءَ ما دامَ عَطاءً فَإِذا صارَ رِشوَةً فِي الدّينِ فَلا تَأخُذوهُ ، ولَستُم بِتارِكيهِ يَمنَعُكُمُ الفَقرَ وَالحاجَةَ ، ألا إنَّ رَحَى الإِسلامِ دائِرَةٌ فَدوروا مَعَ الكِتابِ حَيثُ دارَ ، ألا إنَّ الكِتابَ وَالسُّلطانَ سَيَفتَرِقانِ فَلا تُفارِقُوا الكِتابَ ، ألا إنَّهُ سَيَكونُ عَلَيكُم اُمَراءُ يَقضونَ لِأَنفُسِهِم ما لا يَقضونَ لَكُم ، إن عَصَيتُموهُم قَتَلوكُم وإن أطَعتُموهُم أضَلّوكُم ، قالوا : يا رَسولَ اللّهِ ، كَيفَ نَصنَعُ؟ قالَ : كَما صَنَعَ أصحابُ عيسَى بنِ مَريَمَ نُشِروا بِالمَناشيرِ وحُمِلوا عَلَى الخَشَبِ ، مَوتٌ في طاعَةِ اللّهِ خَيرٌ مِن حَياةٍ في مَعصِيَةِ اللّهِ. ۲

1.الحديد : ۲۵ .

2.المعجم الكبير : ج ۲۰ ص ۹۰ ح ۱۷۲ ، المعجم الصغير : ج ۱ ص ۲۶۴ ، مسند الشاميّين : ج ۱ ص ۳۷۹ ح ۶۵۸ ، كنز العمّال : ج ۱ ص ۲۱۶ ح ۱۰۸۱ نقلاً عن تاريخ دمشق عن ابن مسعود نحوه.


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
172

خاطبه فيها بقوله :
فَلَم يَبلُغ أخَصُّ وُزَرائِهِم ولا أقوى أعوانِهِم ، إلّا دونَ ما بَلَغتَ مِن إصلاحِ فَسادِهِم وَاختِلافِ الخاصَّةِ وَالعامَّةِ إلَيهِم! ۱
أ وبعد ذلك يجوز للعقل أن يذعن بأنّ خاتم أنبياء اللّه والحلقة الأخيرة في قافلة المرسلين ، الذي أنبأ بأنّ دينه يظهر على الأديان كلّها وتكون له الغلبة على العالَم حتّى قيام الساعة ، قد أمر اُمّته أن تلتزم منهاج الصبر والصمت ضدّ الأشخاص الذين استهدفوا الإطاحة بالمرتكز الأساسي والاُسّ الركين الذي تقوم عليه الفلسفة الاجتماعية للديانة متمثّلاً بالقيام بالقسط ، ليكون بذلك قد وضع بيده عوامل الانهيار التي تقوّض أركان دينه وتنشب في كيانه أظفار المنية؟ الحقيقة أنّ العكس هو الصحيح ، فقد نفى صلى الله عليه و آله انتساب مثل هذه الأحاديث إليه التي تأباها فطرة القلوب وينفر منها الفكر ، وبهذا المعيار الراكز حذّر المسلمين من أنّه لا ينطق بمثل هذا الكلام ولا يحدّث بحديث كهذا . ۲

ج ـ التعارض مع القرآن

المعيار الآخر الذي يدخل في تحديد صحّة الحديث المنسوب إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، هو القرآن الكريم . ۳
على ضوء هذا المعيار تبرز نقطة اُخرى في نقد أحاديث الصبر على أثَرة الاُمراء وظلم الحكّام وتقويمها ، تتمثّل هذه المرّة في أنّ هذه الأحاديث لا تتعارض مع منطق الفطرة والعقل فحسب ، وإنّما هي خلاف النصّ القرآني الصريح

1.تحف العقول : ص ۲۷۶ ، بحار الأنوار : ج ۷۸ ص ۱۳۲ ح ۲.

2.راجع : ص ۷۵ (موافقة أو مخالفة مع العقل) .

3.راجع : ص ۷۴ (موافقة أو مخالفة مع القرآن) .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 292365
الصفحه من 671
طباعه  ارسل الي