367
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1

من ذاته لا يمكنه حبّ الآخر حقيقة ، من هنا جاء في الحديث القدسي :
يابنَ آدَمَ ، كُلٌّ يُريدُكَ لِأَجلِهِ ، وأَنَا اُريدُكَ لِأَجلِكَ. ۱
أجل ، إنّ كلّ من يخاطبك بقوله : أنا اُحبّك ، فإنّما يريدك لتأمين حاجته وتحقيق منفعته ، ويبقى وحده سبحانه الغنيّ الذي يريد الإنسان للإنسان لا لنفسه .
كلّما اقترب الإنسان من الغنيّ المطلق تضاءلت احتياجاته وصار وجوداً ربّانياً ، ومن ثَمّ لم يعد يتحرّك في حبّه وبغضه بدافع توفير احتياجاته ، إنّما يفعل ذلك طاعةً لأمر اللّه ومن أجل التقرّب إليه أكثر . على هذا الأساس كلّما ابتعد الإنسان عن محور الذات وصار قريباً إلى اللّه ، استطاع أن يحبّ الآخرين حبّاً حقيقيّاً بالقدر ذاته .
عند هذه النقطة ينكشف سرّ تركيز الإسلام على الاُخوّة في اللّه والحبّ في اللّه ؛ هذا السرّ الذي يفصح عن نفسه في الحقيقة التي تفيد أنّ مَن حبّه للّه هو وحده الذي بمقدوره أن يُكِنّ الحبّ للإنسان ، وأن يكون مدافعاً حقيقياً عن الناس .
ففلسفة فشل الماركسية وهزيمتها في شعار الدفاع عن الجماهير ، إنّما تكمن في الحقيقة التي تفيد بأنّ الدفاع الحقيقيّ عن الجماهير أمر متعذّر من دون التوجّه إلى الخالق ، فمن لم يكن باعثه إلى الحبّ إلهيّاً لا يستطيع أن يهمل منافعه الذّاتية ويسقطها من الحساب ، والحبّ الذي يُبتَنى على أساس الأنانية والمصالح الذّاتية ، في الحقيقة ليس حبّاً للآخر ، بل إنّه ضرب من الأنانية بلباس الدفاع عن الجماهير ، وهذا الضرب من الحبّ يدور مدار دوام الانتفاع بالمحبوب ويزول بزواله ، فما إن يعجز المعشوق عن تأمين حاجات العاشق وإشباعها حتّى تنقطع المحبّة ، وربّما تبدّلت إلى العداء ، من هذا المنطلق جاء تركيز النصوص الإسلامية ، من أنّ الحبّ الذي يدوم هو الحبّ الذي يقوم على أساس الدين ويكون للّه وفي اللّه فقط ، أمّا

1.المواعظ العددية : ص ۴۲۰ عن الإمام عليّ عليه السلام نقلاً عن التوراة .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
366

ولماذا يعدّ البغض في اللّه واجباً على حدّ الحبّ في اللّه تماماً ۱ ، ويعتبر ذلك أفضل الأعمال وأوثق عرى الإيمان؟ ۲ ياترى ما الضرورة التي تدعو الإنسان أن يستبدل آصرة الحبّ ببغض الآخرين ، ثمّ أيّ داء من الأدواء الاجتماعية يمكن علاجه ببغض الآخرين ، وأيّ معضل يمكن تسكينه والسيطرة عليه عن هذا السبيل؟ بكلمة فصل ، ما فلسفة البغض في اللّه ؟

منشأ البغضاء

يتطلّب جواب السؤال البحث عن جذور العداء ومناشئه ، يمكن لدراسة عميقة ومستوعبة للموضوع ، أن تقودنا إلى نتيجة مفادها أنّ جذر جميع ضروب الضغينة والعداء والأصل الذي تنشأ منه كلّ أنواع الفتنة والفساد ، إنّما يكمن بالغرور والعلوّ والتكبّر ، فكلّ الحروب وعمليات سفك الدماء ، وجميع المفاسد والجرائم والشرور ، والرذائل الأخلاقية والعملية كافّة لها منشؤها في التكبّر والغرور ، وإذا ما تمّ معالجة هذا المنشأ من مناشئ الفتن ، تترك الضغينة موضعها إلى المحبّة وينعم المجتمع الإنساني بطعم المحبّة اللذيذ ، وينغمر بأجواء الاُخوّة وسؤددها .

العلاج الأساسي للبغضاء

بناءً على ما تقدّم ؛ فإنّ الدّواء النّاجع لمعالجة داء العداوة والبغضاء يكمن في اجتثاث الجذور الّتي تنشأ منهما متمثّلةً بالغرور والتكبّر ، ولا سبيل إلى علاج الغرور والتكبّر إلّا باللوذ باللّه وطلبه والارتباط به .
فما لم يرتبط الإنسان باللّه ويتعلّق به ، لا يتحرّر من علائق ذاته ، وما لم يتحرّر

1.راجع : ص ۳۵۷ (وجوب الحبّ في اللّه عز و جل) .

2.راجع : ص ۳۶۰ (أوثق عرى الإيمان) وص ۳۶۱ (أفضل الأعمال).

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 292437
الصفحه من 671
طباعه  ارسل الي