45
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1

ينمّ هذا الكلام عن معنى يفيد أنّه لا مكان للسنّة في المعرفة الدينية مطلقاً ، وفي هذا السياق ارتكز المشروع الذي تبنّته مؤسّسة الخلافة في منع الحديث وحظر تدوينه بعد وفاة النبيّ وامتدّ على مدار قرن من الزمان إلى هذه النظرية .
يكتب الذهبي في بيان ذلك :
إنّ الصدِّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم ، فقال : إنّكم تحدّثون عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً ؛ فلا تحدّثوا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله شيئاً ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب اللّه ؛ فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه. ۱
ويبدو من أخبار بعض المحدّثين أنّ هذه الدعوى انتعشت مجدّداً في بعض الأوساط إبّان القرن الثالث الهجري ، على ما يومِئ إليه الشافعي في كتاب جماع العلم ، إذ خصّص في هذا الكتاب باباً جاء بعنوان : «حكاية قول الطائفة التي ردّت الأخبار كلّها» . ۲
وبالرغم من أنّ هذه النظرية لم تحظ خلال تاريخ الإسلام بالمقوّمات التي تضمن لها الديمومة حتّى في أوساط أهل السنّة أنفسهم ، إلّا أنّها ظفرت بمن يؤيّدها ويرفع عقيرته في الدفاع عنها في العقود المتأخّرة . ۳

1.تذكرة الحفّاظ : ج ۱ ص ۲ .

2.كتاب الاُمّ : ج ۷ ص ۲۷۳ .

3.في عام ۱۹۰۶ م تعرّض الدكتور محمّد توفيق صدقي لهذا الموضوع في مقالة له بعنوان «الإسلام هو القرآن وحده» (مجلّة المنار / المجلّد التاسع ص ۵۱۵ ، وتراجع أيضا المقالات التي كتبت نقدا على هذا الرأي والتي جاءت في الصفحات : ۶۱۰ ، ۶۹۹ ، ۹۰۶) . وقد تبلورت عقيب ذلك جماعة في الهند والباكستان باسم «القرآنيّون» ، راجع في هذا المجال : القرآنيّون وشبهاتهم حول السنّة لخادم إحسان إلهي بخش ، مكتبة الصدّيق ، مكّة المكرّمة ، الطبعة الثانية / ۲۰۰۰ م و تدوين السنّة النبويّة للدكتور محمّد بن مطر الزهراني : ص ۴۶ ـ ۶۴ و دفاع عن القرآن الكريم للسيّد محمّد رضا الجلالي : ص ۱۷ ـ ۲۶ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
44

الحَسَنِ حَديثُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وحَديثُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام حَديثُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وحَديثُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَولُ اللّهِ عز و جل. ۱
بناءً على هذا الفهم : إنّ السنّة ـ برأي أتباع أهل البيت عليهم السلام ـ هي بمعنى قول النبيّ وأهل بيته وفعلهم وتقريرهم ، ومن ثَمَّ فقد نهض أئمّة أهل البيت ببيان سنّة النبيّ وعرضها إلى الاُمّة الإسلامية ، حتّى لحظة غيبة آخر إمام منهم في سنة 260 ه ق . وبذا فإنّ التمسّك بأهل البيت عليهم السلام في حقيقته أكمل صيغة للتمسّك بسنّة خاتم النبيّين وسيرته .

ثانياً : العلاقة المتبادلة بين القرآن والسنة

ثَمّ عدد من الرؤى والنظريّات بشأن موقع سنّة النبي صلى الله عليه و آله وأهل بيته إلى جانب القرآن ودورهما في بيان مفاهيم القرآن ومقاصده ، نعرض لها فيما يلي :

النظرية الاُولى : عدم الحاجة إلى السنّة في المعرفة الدينية مطلقاً

أوّلاً : نشأتها وأدلّتها

أوّل من عرض هذه النظرية على مسرح التداول هو الخليفة الثاني ، فعندما كان النبيّ صلى الله عليه و آله على مشارف الرحيل ، وأراد أن يكتب للاُمّة ما يعصمها عن الضلال ويترك لها من السنّة المكتوبة ما يحصنها عن الضياع ، مانَع الخليفة الثانيذلك وحال عملياً دون تحقّق المبادرة النبويّة ، مرتكزاً في ممانعته إلى هذه النظرية .
يروي البخاري هذه القصّة عن ابن عبّاس على النحو التالي :
لَمّا حُضِرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وفِي البَيتِ رِجالٌ فيهِم عُمَرُ بنُ الخَطّابِ ، قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : هَلُمَّ أكتُب لَكُم كِتاباً لا تَضِلّوا بَعدَهُ ، فَقالَ عُمَرُ : إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله قد غَلَبَ عَلَيهِ الوَجَعُ! وعِندَكُم القُرآنُ ، حَسبُنا كِتابُ اللّهِ. ۲

1.الكافي : ج ۱ ص۵۳ ح۱۴ ، الإرشاد : ج ۲ ص۱۸۶ ، منية المريد : ص۳۷۳ ، بحار الأنوار : ج ۲ ص۱۷۸ ح۲۸ .

2.صحيح البخاري : ج ۵ ص ۲۱۴۶ ح ۵۳۴۵ و ج ۶ ص ۲۶۸۰ ح ۶۹۳۲ ، مسند ابن حنبل : ج ۱ = ص ۷۱۹ ح ۳۱۱۱ ؛ الأمالي للمفيد : ص ۳۶ ح ۳ ، بحارالأنوار : ج ۲۲ ص ۴۷۴ ح ۲۲ . راجع : موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام في الكتاب والسنّة والتاريخ : ج ۲ ص ۶۳۷ (القسم الثالث / الفصل الحادي عشر: غاية جهد النبيّ صلى الله عليه و آله في تعيين الوليّ) .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 292442
الصفحه من 671
طباعه  ارسل الي