مرّت الإشارة إليها فيما سلف ، هو الآخر له حظ وافر في نقد النصوص وتمحيصها ، وهو ما نطلق عليه «نور البصيرة» .
هذه البصيرة المنوّرة ، مضافاً إلى ما تنهض به من إعانة الباحث على معرفة السنّة الصحيحة وتيسير السبيل أمامه ، فهي بنفسها تتحوّل إلى أرضية تهب صاحبها قدرة استنباط الأحكام الإلهية من الكتاب والسنّة على نحو صحيح ، وهذه هي القوّة القدسية الإلهية التي تحدّث عنها الشهيد الثاني ۱ وجعلها العمدة لاستنباط الأحكام ، بالإضافة إلى المهارة في علمي الفقه والاُصول وبقيّة المقدّمات اللازمة . فبعد أن يبيّن الشهيد الثاني أقسام العلوم الشرعية والترتيب اللازم لتحصيلها ، يذكر أنّ التمكّن من المقدّمات والعلوم التمهيدية اللازمة للاجتهاد لا يكفي وحدَه لاستنباط الأحكام وردّ الفروع إلى الاُصول ، حيث يكتب :
ولا يكفي ذلك كلّه إلّا بهبة من اللّه تعالى إلهية وقوّة منه قدسية توصله إلى هذه البغية ، وتبلّغه هذه الرتبة ، وهي العمدة في فقه دين اللّه تعالى ، ولا حيلة للعبد فيها ، بل هي منحة إلهية ونفحة ربّانية يخصّ بها من يشاء من عباده ، إلّا أنّ للجدّ والمجاهدة والتوجّه إلى اللّه تعالى والانقطاع إليه أثراً بيّناً في إفاضتها من الجناب القدسي :
«وَ الَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»۲ . ۳