113
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج2

وإنّ عالِم التّاريخ يعرف أنّ المواجهة والمكابرة أمام التّاريخ أمرٌ مُتعب لا فائدة فيه ، وأنّ السبيل الوحيد لمواجهة الأحداث المرّة ، والحيلولة دونها ، هو اتّخاذ موقف علميّ ومنطقيّ منها ۱ .
وعلى هذا الأساس ، ينهض المؤرِّخ الخبير بدور أساسيٍّ في تكامل المجتمع مادّيّا ومعنويّا ، ويساهم في صنع الحضارات الكبرى . من هنا جاء التأكيد الشّديد من القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، على التعرّف على علم التّاريخ ، وخاصّةً التّاريخ المعاصر .
لذلك كان أئمّة أهل البيت عليهم السلام مزوّدين بعلم التّاريخ في أعلى مستوياته ، إلى جانب سائر العلوم ؛ لما تتطلّبه مسؤوليّتهم في هداية البشريّة وقيادتها . يقول الإمام الباقر عليه السلام :
إنَّ مِن عِلمِ ما اُوتينا تَفسيرَ القُرآنِ وأحكامَهُ ، وعِلمَ تَغييرِ الزَّمانِ وحَدَثانِهِ . ۲

3 . شهادة التّاريخ

من المفيد أن نعلم أنّ الاستناد إلى «شهادة التّاريخ» له جذور في التعاليم الإسلاميّة .
فالزَّمان ـ في النصوص الإسلاميّة ـ مثل المكان ، شاهد على أعمال الإنسان ، وسوف يؤدّي شهادةً لصالح الإنسان أو في غير صالحه . روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله : أنّ كلَّ يومٍ جَديدٍ يُخاطِبُ الإنسانَ ويقولُ لَهُ :
أنَا خَلقٌ جَديدٌ ، وأنَا فيما تَعمَلُ غَدا عَلَيكَ شَهيدٌ . ۳
إنّ كيفيّة شهادة التّاريخ في هذه الدنيا واضحة ، لكنَّ شهادتَه بعد الموت قد تعني تجسّم أعمال حياته ، كما ورد في الحديث النبويّ الشريف :

1.راجع : ص ۱۲۴ (عدم معاتبة الزمان) و (عدم مكابرة الزمان) .

2.الكافي : ج ۱ ص ۲۲۹ ح ۳ .

3.راجع : ص ۱۲۵ ح ۱۴۰۳ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج2
112

وهذا يعني أنَّ التأمّل في دور التّاريخ على ساحة حياة الإنسان ، يجعل الكائن البشريّ منفتحا على معرفة خالق العالم وحكمته .

2 . قيمة علم التّاريخ والمؤرِّخ

إنّ علم التّاريخ ، وخاصّة ما يرتبط بفلسفة التّاريخ ، وأسباب رُقيّ الاُمم وانحطاطها ، من أنجع العلوم لبلوغ الأهداف الحضاريّة ، وللحيلولة دون سقوط المجتمعات البشريّة وانحطاطها .
إنّ المؤرِّخ الخبير ، بمثابة مَن عاصر أحقاب التّاريخ واكتسب تجاربه ، يقول الإمام علي عليه السلام :
إنّي وإن لَم أكُن عُمِّرتُ عُمُرَ مَن كانَ قَبلي ، فَقَد نَظَرتُ في أعمالِهِم ، وَفَكَّرتُ في أخبارِهِم ، وسِرتُ في آثارِهِم ، حَتّى عُدتُ كَأَحَدِهِم ، بَل كَأَنـّي بِمَا انتَهى إلَيَّ مِن أمرِهِم قَد عُمِّرتُ مَعَ أوَّلِهِم إِلى آخِرِهِم . ۱
إنّ المجتمع الذي يعرف سُنن التّاريخ ، يجعل توجُّهاته الثَّقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة منسجمة مع مقتضيات الزمان ، وبذلك يبقى مصونا من هجوم الشُّبهات .
إنّ عالِم التّاريخ لا يساوره يأس في أقسى الظروف السياسيّة والاجتماعيّة ، ولا ينشدّ إلى آمال واهية في أكثر الظروف رخاء ، لأنّه على علم بسنن تحوّل التّاريخ ۲ .
وإنّ عالِم التّاريخ لا يفقد صوابه في الأحداث التاريخيّة الجسيمة ؛ لأنّه على معرفة بأسبابها وعواملها ، ويتوقّع حدوثها عند توفُّر ظروفها ۳ .

1.راجع : ص ۱۲۰ ح ۱۳۸۱ .

2.راجع : ص ۱۳۵ (ثبات قوانين التّاريخ) .

3.راجع : ص ۱۳۹ (أسباب التحوّلات التاريخيّة) .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 179105
الصفحه من 563
طباعه  ارسل الي