257
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج2

هذا الدرس :
لَو رَأَيتَ فَردا مِن مِصراعَينِ فيهِ كَلُّوبٌ أكُنتَ تَتَوَهَّمُ أنَّهُ جُعِلَ كَذلِكَ بِلا مَعنىً ؟ بَل كُنتَ تَعلَمُ ضَرورَةً أنَّهُ مَصنوعٌ يَلقى فَردا آخَرَ، فَتَبَرُّزُهُ لِيَكونَ فِي اجتِماعِهِما ضَربٌ مِنَ المَصلَحَةِ، وهكَذا تَجِدُ الذَّكَرَ مِنَ الحَيَوانِ كَأَنَّهُ فَردٌ مِن زَوجٍ مُهَيَّأٌ مِن فَردٍ أُنثى، فَيَلتَقِيانِ لِما فيهِ مِن دَوامِ النَّسلِ وبَقائِهِ ، فَتَبّا وخَيبَةً وتَعسا لِمُنتَحِلِي الفَلسَفَةِ ! كَيفَ عَمِيَت قُلوبُهُم عَن هذِهِ الخِلقَةِ العَجيبَةِ حَتّى أَنكَرُوا التَّدبيرَ وَالعَمدَ فيها؟! ۱
وهكذا، فلأن العقل لا يمكنه أن يصدق أنّ الحوادث العشوائية المتتالية تؤدّي إلى ظهور «الرجل» ثمّ خلق بعد ذلك شخصاً آخر يدعى «المرأة» لبقاء النسل، فليس هناك من سبيل أمامه سوى الاعتراف بوجود الخالق.

ب ـ مركز طمأنينة الحياة

يتمثّل الدرس الثاني في التوحيد، والّذي نستخلصه في موضوع الأُسرة من الآية 21 من سورة الروم، في أنّ الأُسرة هي مركز الطمأنينة في الحياة، في نظام الخلق: «لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا» .
وقد خلق اللّه الحكيم، الرجل والمرأة بشكلٍ بحيث يكمّل بعضهما البعض ولذلك، فإنّهما لا يجدان الطمأنينة ما لم يكونا إلى جانب بعضهما البعض في منظومة الأُسرة، يقول العلّامة الطباطبائي في هذا المجال:
كلّ واحد من الرجل والمرأة مجهّز بجهاز التناسل تجهيزا يتمّ فعله بمقارنة الآخر ، ويتمّ بمجموعهما أمر التوالد والتناسل . فكلّ واحد منهما ناقص في نفسه مفتقر إلى الآخر ، ويحصل من المجموع واحد تامّ له أن يلد وينسل ، ولهذا النقص والافتقار يتحرّك الواحد منهما إلى الآخر، حتّى إذا اتّصل به سكن إليه ؛ لانّ كلّ

1.بحار الأنوار : ج ۳ ص ۷۵ ، موسوعة العقائد الإسلاميّة : ج ۳ ص ۱۵۳ ح ۳۵۷۴ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج2
256

بصراحة :
«وَ مِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَأَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» . ۱
وتشير هذه الآية إلى بعض الدروس المهمّة في مجال معرفة اللّه والّتي تضفي القدسية على كيان الأُسرة:

أ ـ إمكانية بقاء النسل

يتمثّل الدرس الأوّل من معرفة اللّه في هذه الآية، في خلق الزوج وإمكانية تشكيل الأُسرة وبقاء النسل البشري من خلال ذلك :
«وَ مِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا» .
وبالإضافة إلى هذه الآية فقد وردت آيات أُخرى دلّت على هذا الدرس التوحيدي، منها :
«فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا» . ۲«وَ اللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا» . ۳
ويمثّل موضوع إمكانية بقاء النسل عن طريق خلق الأزواج ـ لا فيما يتعلّق بالإنسان فحسب ، وإنّما الحيوانات أيضاً ـ ۴ ، درس من دروس معرفة اللّه .
وقد جاء في روايةٍ عن المفضّل بن عمر ، أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال في تبيين

1.الروم : ۲۱ .

2.الشورى : ۱۱ .

3.فاطر : ۱۱ .

4.لم يتكفّل قانون الزوجية بقاء نسل الإنسان والحيوان فحسب، بل إنّه يتكفّل بقاء نسل أنواع النباتات أيضاً، ويمكن القول بأنّه يتكفّل بقاء العالم. (راجع : الرعد: ۳ و ق: ۷ و الذاريات: ۴۹) .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 179276
الصفحه من 563
طباعه  ارسل الي