203
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج4

إنّ من البديهي أن يتحوّل مثل هذا الحديث مستندا للحكّام المنحرفين في تأريخ الإسلام الذين يحاولون تبرير مشروعيّتهم ، وإثبات وجوب طاعتهم على الناس ، وتدعيم قوائم حكمهم ، لذا نجد أنّ من جملة رواة هذا الحديث معاوية بن أبي سفيان ۱ . كما أنّ من البديهي أيضا أن يبادر علماء البلاط ووعّاظ السلاطين وبنفس الدافع إلى تأوّل حديث النبيّ صلى الله عليه و آله وتطبيقه على أئمّة الجور ، ولكن من الواضح أنّ هذا ليس لعجز أو قصور منهم في فهم الحديث ، بل تهكّم وتلاعب بألفاظه.
إنّه من غير الممكن فهم موقف عبداللّه بن عمر الرافض لبيعة الإمام علي عليه السلام ـ كما يروي ذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ـ على أساس عدم معرفته بالإمام عليه السلام ، وهو المبادر من ليلته ـ عملاً بحديث «من مات بغير إمام» ـ للدخول على الحجّاج لمبايعة خليفة عصره عبدالملك بن مروان ، حتى لا يبيت ليلة وهو لا يعرف إمام زمانه!!
أجل، إنّ من لا يُقرّ بإمامة عليّ عليه السلام ويعرض عن مبايعته ، لابدّ أن يعترف ويُقرّ بإمامة عبدالملك بن مروان الذي ترك بيعته كفر ورجوع إلى الجاهليّة، ونتيجة ذلك مبايعته بذلك الشكل المُهين لقَدَم عامله السفّاح الحجّاج بن يوسف ! بل بلغ الأمر بعبد اللّه بن عمر أنّه يرى في يزيد بن معاوية الذي ارتكب ما ارتكب بحق الإسلام وأهل البيت عليهم السلام ، مصداقا للإمام في حديث : «من مات بغير إمام» معتبرا الخروج عليه كفرا وارتدادا !
لقد نقل المؤرّخون أنّ أهل المدينة تحرّكوا بعد حادثة كربلاء الأليمة وذلك في سنة 63 هجريّة ، حتّى آل الأمر إلى «واقعة الحرّة» ، فدخل عبداللّه بن عمر على زعيم قريش في هذه النهضة عبداللّه بن مطيع ، فأمر له بوسادة ليجلس فقال له ابن

1.راجع : ص ۱۹۲ ح ۴۰۲۷ ، هامش ۱ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج4
202

ابتدأ ببعثة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ـ لا يمكن أن تكتب له الاستمراريّة ، إلّا اذا عرف المسلمون في كلّ زمان إمامهم واقتدوا به .
ومجمل الكلام : إنّ الإمامة هي الضمانة لاستمرار عصر العلم أو عصر الإسلام الحقّ، وبدون هذه الضمانة سيؤول مصير المجتمع إلى جاهليّة ما قبل الإسلام ، ويستوحي هذا الحديث مضمونه ـ في الواقع ـ من الآية الكريمة التي تستشرف المستقبل حيث تقول:
« وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ » . ۱
لقد بيّن النبي صلى الله عليه و آله في بعض الروايات التي يؤكّد فيها ضرورة معرفة الإمام ، كيف أنّ المجتمع الإسلامي يمكن أن يرجع إلى جاهليّة ما قبل الإسلام .
إنّ كلام الرسول صلى الله عليه و آله في هذا الحديث يُعبّر عن توقّع حصول مثل هذا الخطر فيما لو تمّ مصادرة مسألة الإمامة والقيادة.

من الإمام المطلوب معرفته ؟

إنّ أدنى تأمّل في مضمون الحديث المذكور ولا سيما في ضوء التفسير الذي طرحناه آنفا يغنينا عن الإجابة على هذا التساؤل بخصوص : من الإمام الذي تضمن إمامته ديمومة الإسلام الحقيقي ، وبإلغائها والجهل بها يتمّ الرجوع إلى الجاهليّة ؟
فهل يمكن تعقّل أن يوجب النبي صلى الله عليه و آله على جميع المسلمين معرفة واتّباع أي إمام متسلّطٍ على رقاب الاُمّة ، بحيث يُؤَدّى الجهل به إلى الموت على الجاهليّة ، حتّى ولو كان ظالما غشوما ومن «أئمّة النار» ۲ بالتعبير القرآني؟!

1.آل عمران: ۱۴۴.

2.راجع : القصص : ۴۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج4
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 132607
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي