333
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج4

رُسُلَهُ اُولي قُوَّةٍ في عَزائِمِ نِيّاتِهِم ، وضَعَفَةٍ فيما تَرَى الأَعيُنُ مِن حالاتِهِم ؛ مِن قَناعَةٍ تَملَأُ القُلوبَ وَالعُيونَ غَناؤُهُ ، وخَصاصَةٍ ۱ تَملَأُ الأَسماعَ وَالأَبصارَ أذاؤُهُ .
ولَو كانَتِ الأَنبِياءُ أهلَ قُوَّةٍ لا تُرامُ وعِزَّةٍ لا تُضامُ ، ومُلكٍ يُمَدُّ نَحوَهُ أعناقُ الرِّجالِ ويُشَدُّ إلَيهِ عُقَدُ الرِّحالِ ، لَكانَ أهونَ عَلَى الخَلقِ فِي الاِختِبارِ ، وأبعَدَ لَهُم فِي الاِستِكبارِ ، ولَامَنوا عَن رَهبَةٍ قاهِرَةٍ لَهُم أو رَغبَةٍ مَائِلَةٍ بِهِم ، فَكانَتِ النِّيّاتُ مُشتَركَةً والحَسَناتُ مُقتَسَمَةً ، ولكِنَّ اللّهَ أرادَ أن يَكونَ الاِتِّباعُ لِرُسُلِهِ ، وَالتَّصديقُ بِكُتُبِهِ ، وَالخُشوعُ لِوَجهِهِ ، وَالاِستِكانَةُ لِأَمرِهِ ، وَالاِستِسلامُ لِطاعَتِهِ ، اُموراً لَهُ خاصَّةً لا تَشوبُها مِن غَيرِها شائِبةٌ ، وكُلَّما كانَتِ البَلوى وَالاِختِبارُ أعظَمَ كانَتِ المَثوبَةُ وَالجَزاءُ أجزَلَ .
ألا تَرَونَ أنَّ اللّهَ جَلَّ ثَناؤُهُ اختَبَرَ الأَوَّلينَ مِن لَدُن آدَمَ إلَى الآخِرينَ مِن هذَا العالَمِ ، بِأَحجارٍ لا تَضُرُّ ولا تَنفَعُ، ولا تُبصِرُ ولا تَسمَعُ ، فَجَعَلَها بَيتَهُ الحَرامَ الَّذي جَعَلَهُ لِلنّاسِ قِياماً ، ثُمَّ وَضَعَهُ بِأَوعَرِ بِقاعِ الأَرضِ حَجَراً ، وأقَلِّ نَتائِقِ ۲ الدُّنيا مَدَراً ، وأضيَقِ بُطونِ الأَودِيَةِ مَعاشاً ، وأغلَظِ مَحالِّ المُسلِمينَ مِياهاً ، بَينَ جِبالٍ خَشِنَةٍ ، ورِمالٍ دَمِثَةٍ ۳ ، وعُيونٍ وَشِلَةٍ ۴ ، وقُرىً مُنقَطِعَةٍ ، وأثَرٍ مِن مَواضِعِ قَطرِ السَّماءِ داثِرٍ ، لَيس يَزكو بِهِ خُفٌّ ولا ظِلفٌ ولا حافِرٌ .
ثُمَّ أمَرَ آدَمَ ووُلدَهُ أن يَثنوا أعطافَهُم نَحوَهُ ، فَصارَ مَثابَةً ۵ لِمُنتَجَعِ ۶ أسفارِهِم ،

1.الخَصاصة : الفَقر والحاجَة (المصباح المنير : ص ۱۷۱ «خصص») .

2.النّتائِق : جمع نَتيقة، فعيلة بمعنى مفعولة؛ من النّتق : وهو أن تقلع الشيءَ فترفعه من مكانه لِترمي به، هذا هو الأصل، وأراد بها هاهنا البلاد؛ لِرَفع بنائها، وشهرتها في موضعها (النهاية : ج ۵ ص ۱۳ «نتق») .

3.دَمِثَ المكانُ دَمَثا : لانَ وسَهُلَ (النهاية : ج ۲ ص ۱۳۲ «دمث») .

4.الوَشَل : الماء القليل (النهاية : ج ۵ ص ۱۸۹ «وشل»).

5.المَثابَةُ : المجتمعُ والمنزل ، لأنّ أهله يثوبون إليه أي يرجعون (لسان العرب : ج ۱ ص ۲۴۵ «ثوب») .

6.المُنتَجَعُ : المَنزِلُ في طلب الكلأ (لسان العرب : ج ۸ ص ۳۴۷ «نجع») .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج4
332

تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ... » 1 الآيَة ـ :في تَفسيرِ الكَلبِيِّ : لَمّا نَزَلَت هذِهِ الآيَةُ قامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَتَوَضَّأَ وأسبَغَ وُضوءَهُ ، ثُمَّ قامَ وصَلّى فَأَحسَنَ صَلاتَهُ ، ثُمَّ سَأَلَ اللّهَ سُبحانَهُ ألّا يَبعَثَ عَلى اُمَّتِهِ عَذاباً مِن فَوقِهِم ولا مِن تَحتِ أرجُلِهِم ، ولا يُلبِسَهُم شِيَعاً ، ولا يُذيقَ بَعضَهُم بَأسَ بَعضٍ .
فَنَزَلَ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ تَعالى سَمِعَ مَقالَتَكَ ، وإنَّهُ قَد أجارَهُم مِن خَصلَتَينِ ولَم يُجِرهُم مِن خَصلَتَينِ ؛ أجارَهُم مِن أن يَبعَثَ عَلَيهِم عَذاباً مِن فَوقِهِم أو مِن تَحتِ أرجُلِهِم ، ولَم يُجِرهُم مِنَ الخَصلَتَينِ الاُخرَيَينِ .
فقال صلى الله عليه و آله : يا جَبرَئيلُ ، ما بَقاءُ اُمَّتي مَعَ قَتلِ بَعضِهِم بَعضا ؟ فَقامَ وعادَ إلَى الدُّعاءِ ، فَنَزَلَ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ» الآيَتَينِ ، فَقالَ : لابُدَّ مِن فِتنَةٍ تُبتَلى بِهَا الاُمَّةُ بَعدَ نَبِيِّها ، لِيَتَبَيَّنَ الصّادِقُ مِنَ الكاذِبِ ، لِأَنَّ الوَحيَ انقَطَعَ ، وبَقِيَ السَّيفُ وَافتِراقُ الكَلِمَةِ إلى يَومِ القِيامَةِ. 2

۴۳۴۵.الإمام عليّ عليه السلامـ في خُطبَةٍ لَهُ ـ :لَو أرادَ اللّهُ جَلَّ ثَناؤُهُ بِأَنبِيائِهِ حَيثُ بَعَثَهُم أن يَفتَحَ لَهُم كُنوزَ الذِّهبانِ ، ومَعادِنَ العِقيانِ ۳ ، ومَغارِسَ الجِنانِ ، وأن يَحشُرَ طَيرَ السَّماءِ ووَحشَ الأَرضِ مَعَهُم لَفَعَلَ ، ولَو فَعَلَ لَسَقَطَ البَلاءُ ، وبَطَلَ الجَزاءُ ، وَاضمَحَلَّتِ الأَنباءُ ، ولَما وَجَبَ لِلقائِلينَ اُجورُ المُبتَلَينَ ، ولا لَحِقَ المُؤمِنينَ ثَوابَ المُحسِنينَ ، ولا لَزِمَتِ الأَسماءُ أهالِيَها عَلى مَعنىً مُبينٍ ۴ ، ولِذلِكَ لَو أنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّت أعناقُهُم لَها خاضِعينَ ، ولَو فَعَلَ لَسَقَطَ البَلوى عَنِ النّاسِ أجمَعينَ ، و لكِنَّ اللّهَ جَلَّ ثَناؤُهُ جَعَلَ

1.الأنعام : ۶۵ .

2.مجمع البيان : ج ۴ ص ۴۸۷، بحارالأنوار : ج ۹ ص ۸۸ ؛ تفسير القرطبي : ج ۷ ص ۱۰ نحوه .

3.العِقيان من الذهب : الخالص (الصحاح : ج ۶ ص ۲۴۳۳ «عقا») .

4.قال المجلسي قدس سره : «ولا لزمت الأسماء» كالمؤمن والمتّقي والزاهد والعابد (مرآة العقول : ج ۱۷ ص ۲۴).وفي نهج البلاغة : «ولا لزمت الأسماء معانيها» وليس فيه : «على معنىً مبين» .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج4
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 136339
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي