55
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج4

ثانيا : ضالّة الإنسان

إنّ فطرة الإنسان تنحو نحو المطلق ، وهي تأمل الوصول إلى مطلق الكمال ، لذا فهي لا تقنع بأيّ حدّ من الكمالات . وهذه الخاصيّة الفطريّة تعدّ إحدى الدلائل المهمّة في معرفة اللّه تعالى ، وقد أشار الإمام الخميني ـ رضوان اللّه عليه ـ إلى هذه النقطة المهمّة في رسالته إلى غرباتشوف ، والّتي جاء فيها :
إنّ الإنسان يطلب بفطرته كل كمال مطلق، وأنتم تعلمون جيّداً أنّ الإنسان يريد أن يكون صاحب القدرة المطلقة في العالم، ولا يتعلق قلبه بشيء من القدرات إذا كانت ناقصة . فلو سيطر على العالم بأكمله ثمّ قيل: إنّ هناك عالَماً آخر؛ فإنّه يميل بفطرته إلى أن يستولي على ذلك العالم أيضاً ! ولو كان الإنسان عالِماً فمهما بلغ علمه إذا قيل له إنّ هناك علوماً اُخرى أيضاً؛ فإنّه يميل بفطرته إلى تحصيل تلك العلوم وكسبها. إذاً لا بدّ من وجود قدرة مطلقة وعِلم مطلق حتّى يتعلق به قلب الإنسان، وهو اللّه سبحانه وتعالى الّذي نسعى إليه جميعاً وإن كنا لا نعلم بذلك . فالإنسان يريد الوصول إلى الحقّ المطلق ـ وهو اللّه ـ لكي يفنى فيه . ۱
إنّ اللّه تعالى بمنحه الإنسان هذه الميزة الفطريّة ، فهو في الحقيقة إنّما يعلّم الراغبين إليه ۲ ، فكأنّه يقول : أيّها الانسان ، أنا ضالّتك ، وأنا مطلوبك ومأمولك الحقيقي، أنا الكمال المطلق الذي تريده من حيث لا تعلم ، فأنا منتهى الآمال جميعا ۳ ، لذا يرغب إليَّ العارفون ۴ ، وأنا منتهى آمالهم، ومحطّ أمانيّهم ، بل فوق ما

1.صحيفة الإمام الخميني : رسالة الإمام إلى غرباتشوف بتاريخ : ۱۱ / ۱۰ / ۱۳۶۷ هـ . ش .

2.راجع : ص ۶۷ (معلّم الأمل) .

3.راجع : ص ۷۶ ح ۳۶۰۳ .

4.راجع : ص ۷۲ (غاية آمال العارفين) .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج4
54

بالرحمةِ الإلهيّة المهداة من اللّه تعالى إلى المجتمع البشري . ۱
إنّ الأمر الأساس في مجال استثمار الإنسان لهذه الموهبة الإلهيّة هو كيفيّة صقلها ورعايتها ، حيث إنّ هذه الخاصيّة الفطريّة لو تمّ رعايتها وتنميتها بشكل صحيح لبلغ الإنسان من خلال تحقيق أمانيه إلى حالة الاستقرار والطمأنينة ليكون بشكل تدريجيّ ـ كما يعبّر القرآن الكريم ـ ذا نفس مطمئنّة . ۲
أمّا إذا لم يستطع تربيتها ورعايتها بشكل صحيح ، فهو كمن يتوهّم السراب ماءً ، ويسعى طوال عمره في طلب ذلك السراب ، حتّى ينزل به الموت وهو بعدُ لم يبلغ الغاية ، ولو نال شيئا ممّا كان يتخيّل أنّه يأمل الوصول إليه فإنّه لن يجد فيه مراده ، لذا فهو لا يستشعر الراحة والاستقرار في حياته أبدا ، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام :
مَن سَعى في طَلَبِ السَّرابِ طالَ تَعَبُهُ ، وكَثُرَ عَطَشُهُ. ۳
وقال عليه السلام أيضا :
من أمَّلَ الرِّيَّ مِنَ السَّرابِ خابَ أمَلُهُ ، وماتَ بِعَطَشِهِ. ۴
لهذا فإنّه من أجل تربية الأمل وصقله ينبغي أوّلاً معرفة ما تطلبه الفطرة وتريد تحقيقه ، وعلى هذا الأساس يمكن أن نفصل بين الأماني الصحيحة والأماني غير الصحيحة ، ثمّ نسعى غاية جهدنا للوصول إلى الأماني الفطريّة الحقيقيّة ، واجتناب الأماني الكاذبة .

1.راجع : ص ۵۹ ح ۳۵۷۷ .

2.راجع : الفجر : الآيات ۲۷ ـ ۳۰ .

3.راجع : ص ۸۸ ح ۳۶۷۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج4
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 138242
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي