155
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج5

موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج5
154

ح ـ تصديق العقائد الوهميّة

استعمل القرآن الكريم كلمة «الإيمان» في آيات عديدة على نحو الذم لتصديق العقائد الموهومة ، مثل : «أَفَبِالْبَاطِـلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ»۱ .
وقوله تعالى : «وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ بِالْبَاطِـلِ وَ كَفَرُواْ بِاللَّهِ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ» . ۲
وقوله تعالى : «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ»۳ .
يصرّح الراغب الأصفهاني في بيان استعمال «الإيمان» في الآية الأخيرة ، قائلاً :
فذلك مذكور على سبيل الذمّ لهم ، وأنّه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن ، إذ ليس من شأن القلب ـ ما لم يكن مطبوعا عليه ـ أن يطمئنّ إلى الباطل ، وإنّما ذلك كقوله تعالى : «مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»۴ . وهذا كما يقال : إيمانه الكفر وتحيَّته الضرب ، ونحو ذلك . ۵

ثانيا : تعريف «الإيمان» من منظار القرآن

استخدم القرآن ـ كما لاحظنا في جميع الأمثلة السابقة ـ كلمة «الإيمان» بمعناها اللغوي وهو «التصديق» مع هذا الاختلاف ، وهو : أنّ هذه الكلمة استُعملت في القرآن بمعنى تصديق الشريعة الّتي نزلت على خاتم الأنبياء أحيانا ، وفي التصديق القلبي واللساني والعملي للحقائق الدينية ثانية ، وفي التصديق القلبي للحقائق الدينية تارة ، وتارةً في التصديق اللساني ، وتارةً في التصديق القلبي المؤيّد من دون عمل ، وتارةً في التصديق العملي للحقائق الدينية ، وحينا في تصديق الادّعاء ، وأخيرا في تصديق الحقّ حينا وتصديق الباطل حينا آخر .
على هذا الأساس ، فإنّ لكلمة «الإيمان» في القرآن استعمالات كثيرة تتجاوز الوجوه الّتي ذُكرت في تفسير القمّي ۶ .
وأمّا الإيمان الّذي دعا إليه هذا الكتاب السماوي ، فيمكننا تعريفه كالتالي : «الإيمان» : هو تصديق الحقائق الّتي جاء بها النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله من جانب اللّه ـ سبحانه ـ لهداية البشر ، مع التصديق القلبي والالتزام العملي ، لذلك ينفي القرآن الكريم بصراحة الإيمان عن الّذين لا يلتزمون به عمليا ، ويؤكد على أنهم ليسوا مؤمنين ، كما يصرّح بذلك قائلاً : «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا»۷ .
أمّا الاعتقاد القلبي دون التصديق اللساني والالتزام العملي ، فهو علم وليس إيمانا ، كما جاء في القرآن بشأن أتباع فرعون : «وَجَحَدُواْ بِهَا وَ اسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُـلْمًا وَ عُلُوًّا»۸ .
كما ان التصديق اللساني والالتزام العملي المجرّد عن التصديق القلبي ليس إيمانا كما يصرّح القرآن في شأن من يدعى الإيمان من الأعراب قائلاً : «قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَ لَـكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا»۹ .

1.العنكبوت : ۶۷ وراجع : النحل : ۷۲ .

2.العنكبوت : ۵۲ .

3.النساء : ۵۱ .

4.النحل : ۱۰۶ .

5.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۹۱ .

6.جاء في تفسير عليّ بن إبراهيم القمي : الإيمان في كتاب اللّه على أربعة أوجه : فمنه إقرار باللسان قد سمّاه اللّه إيمانا ، ومنه تصديق بالقلب ، ومنه الأداء ، ومنه التأييد . الأوّل : الإيمان الّذي هو إقرار باللسان وقد سمّاه اللّه تبارك وتعالى إيمانا ونادى أهله به ، لقوله : «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا * وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا * وَلَـئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَالَيْتَنِى كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا» (النساء : ۷۱ ـ ۷۳) . قال الصّادق عليه السلام : لو أنَّ هذِهِ الكَلِمَةَ قالَها أهلُ المَشرق وَأهلُ المَغرِبِ ، لَكانُوا بِها خارجِينَ مِنَ الإيمانِ ، وَلكِن قد سَمّاهُمُ اللّه ُ مُؤمِنينَ بإقرارِهِم . وقوله : «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» (النساء : ۱۳۶) ، فقد سمّاهم اللّه مؤمنين بإقرارهم ثمّ قال لهم صدّقوا . الثاني : الإيمان الّذي هو التصديق بالقلب ، فقوله : «الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ كَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ فِى الْأَخِرَةِ» (يونس : ۶۳ و ۶۴) ، يعني صدقوا . وقوله : «وَ إِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً» (البقرة : ۵۵) ، أي لا نصدّقك . وقوله : «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ» ، أي يا أيّها الّذين أقرّوا صدِّقوا ، فالإيمان الحقّ هو التصديق ، وللتصديق شروط لا يتمّ التصديق إلّا بها . وقوله : «لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْأَخِرِ وَ الْمَلَائِكَةِ وَ الْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَ ءَاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِى الْقُرْبَى وَ الْيَتَـمَى وَ الْمَسَاكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ السَّآئِلِينَ وَ فِى الرِّقَابِ وَ أَقَامَ الصَّلَوةَ وَ ءَاتَى الزَّكَوةَ وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَ الصَّابِرِينَ فِى الْبَأْسَآءِ وَ الضَّرَّآءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ» (البقرة : ۱۷۷) ، فمن أقام بهذه الشروط فهو مؤمن مصدِّق . الثالث : الإيمان الذي هو الأداء ، فهو قوله لمّا حوّل اللّه قبلة رسوله إلى الكعبة ، قال أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله : يا رسول اللّه ! صلواتنا إلى بيت المقدس بطلت؟ فأنزل اللّه تبارك وتعالى : «وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ» (البقرة : ۱۴۳) ، فسمّى الصلاة إيمانا . الرابع : من الإيمان ، وهو التأييد الّذي جعله اللّه في قلوب المؤمنين من روح الإيمان ، فقال : «لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْأَخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كَانُواْ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَ أَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ» (المجادلة : ۲۲) ، والدليل على ذلك قوله عليه السلام : لا يَزنِي الزّاني وَهُوَ مُؤمِنٌ ، وَلَا يَسْرِقُ السّارقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ ، يُفارقُهُ روحُ الإيمانِ مادامَ عَلَى بَطنِها ، فَإذا قامَ عادَ إلَيهِ . قيل : وما الّذي يفارقه؟ قال : الَّذي يَدَعُهُ (يرعد ظ) في قلبِهِ . ثمّ قال عليه السلام : ما مِن قلبٍ إلَا وَلَهُ اُذنانِ عَلَى أَحَدِهِما مَلَكٌ مُرشِدٌ ، وَعَلَى الآخَر شَيطانٌ مُغتَرٌّ ، هذا يَأمُرُهُ وَهذا يَزُجرُهُ . ومن الإيمان ما قد ذكره اللّه في القرآن حيث قال : «مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» (آل عمران : ۱۷۹) . ومنهم من يكون مؤمنا مصدّقا ولكنّه يلبس إيمانه بظلم ، وهو قوله : «الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُـلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ» (الأنعام : ۸۲) ، فمن كان مؤمنا ثمّ دخل في المعاصي الّتي نهى اللّه عنها ، فقد لبس إيمانه بظلم ، فلا ينفعه الإيمان حتّى يتوب إلى اللّه من الظلم الّذي لبس إيمانه ، حتّى يخلص للّه ، فهذه وجوه الإيمان في كتاب اللّه (تفسير القمّي : ج ۱ ص ۳۰) .

7.النساء : ۶۵ .

8.النمل : ۱۴ .

9.الحجرات : ۱۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 179189
الصفحه من 606
طباعه  ارسل الي