ثالثا : «الإيمان» من منظار الأحاديث
تنقسم الأحاديث الّتي فسّرت الإيمان إلى عدة مجموعات :
المجموعة الاُولى : الأحاديث الّتي فسّرت الإيمان بالاعتقاد القلبي بالحقائق الغيبية وتصديقها ، في مقابل الكفر بمعنى إنكار الحقائق الغيبية ، مثل الحديث التالي :
الإِيمانُ أن يُصَدِّقَ اللّه َ فيما غابَ عَنهُ ... وَالكُفرُ الجُحودُ . ۱
المجموعة الثانية : الأحاديث الّتي فسّرت الإيمان بالاعتقاد القلبي والإقرار اللساني والعمل بمقتضاه ، مثل هذه الرواية :
الإِيمانُ مَعرِفَةٌ بِالقَلبِ ، وقَولٌ بِاللِّسانِ ، وَعَمَلٌ بِالأَركانِ . ۲
المجموعة الثالثة : الأحاديث الَّتي فسّرت الإيمان بالإقرار اللساني والعمل بموجبه ، مثل :
الإِيمانُ ، إقرارٌ بِالقَولِ ، وعَمَلٌ بِالجَوارِحِ . ۳
المجموعة الرابعة : الأحاديث الّتي فسّرت الإيمان بالعمل بموجب الاعتقاد القلبي ، مثل :
الإِيمانُ ، عَمَلٌ كُلُّهُ ، وَالقَولُ بَعضُ ذلِكَ العَمَلِ . ۴
وممّا يجدر ذكره أنّ في هذه الأحاديث تعريضا بعقيدة المرجئة ، الّذين لا يرون الالتزام العملي شرطا لتحقق الإيمان ، وجميع الآيات والأحاديث الّتي تعتبر الالتزام بالأوامر والنواهي الإلهيّة شرط تحقّق الإيمان الحقيقي ، أو الّتي تذكر بعض الآثار والعلامات للإيمان الحقيقي ، هي مؤيدة لهذه الطائفة من الأحاديث .
المجموعة الخامسة : الأحاديث الّتي فسّرت الإيمان بالاعتقاد القلبي الّذي يصدّقه العمل الصالح ، مثل :
لكِنَّ الإِيمانَ ، ما خَلَصَ فِي القَلبِ وَصَدَّقَهُ الأَعمالُ . ۵
ومن خلال التأمّل في المجموعات الخمس المشار إليها ، يتّضح أن لا اختلاف بينها ، وأنّها جميعا تشير إلى أمر واحد وهو ما ذُكر في المجموعة الخامسة من الأحاديث ، وهو أنّ الإيمان تصديق القلب والإقرار باللسان والأعمال الصالحة ، وتصديق عملي للاعتقاد القلبي . بعبارةٍ أُخرى ، فإنّ الإقرار والعمل هما علامة كون الاعتقاد القلبي حقيقيّا ، والشرط الإثباتي له .
على هذا ، فإنّ الأحاديث المذكورة تفسّر وتبيّن نفس الاستنتاج الّذي توصّلنا إليه في تعريف الإيمان من منظار القرآن ، والأحاديث الّتي جاءت في الفصل الأوّل وسائر الفصول حول خصوصيات الإيمان الحقيقي وآثاره ، تنسجم مع هذا التعريف .