بحث حول إمكان زوال الإيمان ، أو عدم إمكانه
تفيد الآيات و الأحاديث التي جاءت في هذا الفصل أنّ الإيمان على نوعين : ثابت ، وغير ثابت .
فالثابت هو الإيمان الذي يلازم المؤمن حتّى الموت . وغير الثابت ملازمته للإنسان مؤقّتة ويزول بعد مدّة ، والعمل بمقتضى الإيمان يؤدّي إلى ثباته ، وترك العمل يتسبّب في عدم ثباته .
هنا يمكن طرح السؤال التالي : هل الإيمان غير الثابت إيمان حقّا ؟ وهل الإيمان الحقيقي قابل للزوال ، أو لا؟
ففي هذا المجال عدد من الآراء :
الرأي الأوّل : الإيمان الحقيقي قابل للزوال
نسب العلّامة المجلسي هذا الرأي إلى معظم المتكلّمين ، حيث قال :
إنّ المتكلّمين اختلفوا في أنّ المؤمن بعد اتّصافه بالإيمان الحقيقي في نفس الأمر هل يمكن أن يكفر أم لا ؟ ولا خلاف في أنّه لا يمكن ما دام الوصف ، وإنّما النزاع في إمكان زواله بضدّ أو غيره ، فذهب أكثرهم إلى جواز ذلك بل إلى وقوعه ، وذلك لأنّ زوال الضدّ بطريان ضدّه أو مثله على القول بعدم اجتماع الأمثال ممكن ؛ لأنّه لا يلزم من فرض وقوعه محال وظاهر كثير من الآيات الكريمة دالّ عليه كقوله تعالى:«إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا»۱ وقوله تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ»۲ . ۳
مضافا إلى ذلك ، فإن كان الإيمان الحقيقي غير قابل للزوال ، فإنّ الحثّ على عوامل ثبات الإيمان والتحذير من آفاته ستكون عديمة المعنى أساسا ؛ لأنّ الإيمان الحقيقي على الأساس المذكور يلازم حتما عوامل ثباته . ولذلك ، فإنّ الحثّ عليه يكون من باب تحصيل الحاصل .
على هذا ، فإنّ جميع النصوص التي تؤكّد ملازمة عوامل ثبات الإيمان ومفارقة أسباب زواله ، هي دالّة على كون الإيمان الحقيقي قابلاً للزوال .