الرأي الثاني : الإيمان الحقيقي لا يقبل الزوال
ينسب الشيخ المفيد هذا الرأي إلى الكثير من فقهاء الإمامية والمحدّثين والمتكلّمين ، ويعتبر النوبختيين والمعتزلة معارضين لهذا الرأي ، حيث يقول :
أقول : إنّ من عرف اللّه تعالى وقتا من دهره وآمن به حالاً من زمانه فإنّه لا يموت إلّا على الإيمان به ، ومن مات على الكفر باللّه تعالى فإنّه لم يؤمن به وقتا من الأوقات ، ومعى بهذا القول أحاديث عن الصادقين عليهماالسلام وإليه ذهب كثير من فقهاء الإمامية ونقلة الأخبار ، وهو مذهب كثير من المتكلمين في الأرجاء ، وبنو نوبخت ـ رحمهم اللّه ـ يخالفون فيه ويذهبون في خلافة مذاهب أهل الاعتزال . ۱
ولكن نسب العلّامة المجلسي ، هذا الرأي إلى بعض المتكلّمين ۲ ، ويبدو أنّ الشريف المرتضى علم الهدى هو أوّل من عبّر عن هذا الرأي ، ومن بعده أبو إسحاق النوبختي ، ثمّ الشيخ الطوسي ، ثمّ الطبرسي ، ثمّ أبو الفتوح الرازي ، ثمّ العلّامة الحلّي ، ثمّ الشيخ الحرّ العاملي ۳ . فقد صرّح الشريف المرتضى في هذا المجال قائلاً :
قد ثبت أنّ المؤمن يستحقّ الثّواب الدّائم بالإجماع ، وبيّنا بطلان التّحابط . وإذا ثبت هذان الأمران فلابدّ في من آمن باللّه تعالى وبرسوله أن يوافى بإيمانه . ولا يجوز أن يكفر ، لأنّه لو كفر لاستحقّ على كفره العقاب الدّائم بالإجماع ، وكان يؤدّي إلى اجتماع الثّواب والعقاب الدّائم . ۴
وتوضيح ذلك ، استنادا إلى رأي الشريف المرتضى ، أنّ الإيمان هو سبب الثواب الدائم ، والكفر سبب العقاب الدائم ، ونظرا إلى أنّ الجمع بين الثواب الدائم والعقاب الدائم مستحيل عقلاً ، فإنّ من الواجب القول إنّ الإيمان الحقيقي الذي يستوجب الثواب الدائم لا يقبل الزوال ، إلّا إذا قلنا بـ «الحبط» ؛ أي أن نقول إنّ عروض «الكفر» بعد «الإيمان» ، يستوجب زوال الثواب الدائم . وهذا الموضوع باطل أيضا ؛ لأنّه يستلزم أن يكون الشخص الذي يتساوى فيه الخير والشرّ ، كالشخص الذي لم يقم بأيّ عمل ، أو كالشخص الذي لم يقم بأيّ عمل صالح إن كانت سيّئاته أكثر من حسناته ، وأمثال ذلك من الاُمور الباطلة المستحيلة . ۵
ممّا يجدر ذكره أنّ أنصار هذا الرأي ، يعتبرون ، إطلاق صفة «المؤمن» في الآيات والأحاديث على أصحاب الإيمان المؤقت مجازيّا ، مستندين في ذلك إلى الاستدراك الذي سبقت الإشارة إليه ، مثل ما جاء في القرآن حول المنافقين :
«قَالُواْ ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ» . ۶
1.أوائل المقالات : ص ۸۳ .
2.بحار الأنوار : ج ۶۹ ص ۲۱۴ .
3.راجع : رسائل الشريف المرتضى : ج ۲ ص ۳۲۸ و ج ۱ ص ۶۳ ، التبيان في تفسير القرآن : ج ۱ ص ۱۹۲ ، المصنّفات الأربعة : ص ۳۷۱ ـ ۳۷۵ ، روض الجنان في تفسير القرآن : ج ۱ ص ۲۱۳ .
4.شرح جمل العلم والعمل : ص ۱۵۹ .
5.راجع : رسائل الشريف المرتضى : ج ۲ ص ۳۲۸ وج ۱ ص ۱۶۳ .
6.المائدة : ۴۱ .