259
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج5

موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج5
258

نقد الرأي الثاني

إنّ هذا الرأي يقوم على أنّ الإيمان الحقيقي هو السبب التامّ للثواب الأبدي ، وليس من الممكن عقلاً أن يزيل اللّه ـ تعالى ـ ثواب الإيمان والعمل بمقتضاه بواسطة «الكفر» والأعمال القبيحة ؛ ولكن هذا الأساس ليس صحيحا ، هناك نصوص كثيرة من جملتها الآية التالية تدلّ بوضوح على بطلانه :
«وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» . ۱
كما أنّ الاستدلال بالإجماع لإثبات أنّ المؤمن يستحقّ الثواب الدائم ، غير صحيح نظرا إلى كون المسألة خلافية ، خاصّة أنّ غالبية المتكلّمين يخالفون هذا الرأي . وأمّا ما استند إليه لإثبات بطلان «الحبط» من الناحية العقلية فليس صحيحا أيضا ، سوف يأتي تفصيل البحث في هذا المجال تحت عنوان «العمل » ، من هذه الموسوعة إن شاء اللّه .
الرأي الثالث : التفصيل بين الإيمان المستند إلى العلم القطعي والإيمان المستند إلى الظنّ القوي
يقول العلّامة المجلسي في بحارالأنوار بعد طرح المباحث الكلامية المتعلّقة بهذا الرأي :
إذا اكتفي بالإيمان بالظنّ الحاصل من التقليد أو غيره ، فلا ريب في أنّه يجوز تبدّل الإيمان بالكفر ، وإن اشترط فيه العلم القطعي ففي جواز زواله إشكال ... نعم إن اعتبر في الإيمان اليقين وفسّر بأنّه اعتقاد جازم ثابت مطابق للواقع يمتنع زواله، فبعد زواله انكشف إنّه لم يكن مؤمنا، لكن اعتبار ذلك أوّل الكلام. ۲
وقد بيّن رأيه في كتاب مرآة العقول بتفصيل أكثر حيث قال :
الحقّ أنّ الإيمان إذا بلغ حدّ اليقين فلا يمكن زواله، ولكن بلوغه إلى هذا الحدّ نادر، وتكليف عامّة الخلق بها في حرج ، بل الظاهر أنّه يكفى في إيمان أكثر الخلق الظنّ القويّ الّذي يطمئنّ به النفس، وزوال مثل ذلك ممكن، ودرجات الإيمان كثيرة كما عرفت، ففي بعضها يمكن الزوال والعود إلى الشّك، بل إلى الإنكار، وهو إيمان المعاد، وفي بعضها لا يمكن الزوال لا بالقول ولا بالعقيدة ولا بالفعل، وفي بعضها يمكن الزوال بالقول والفعل مع عدم زوال الاعتقاد كقوم من الكفرة كانوا يعتقدون صدق الرسول صلى الله عليه و آله وكانوا يعاندون وينكرون أشدّ الإنكار للأغراض الفاسدة والمطالب الدنيويّة كأبي جهل وأضرابه ، و كثير من الصحابة رأوا نصب على عليه السلام في يوم الغدير، وسمعوا النصّ عليه في ساير المواطن، وغلبت عليهم الشقاوة وحبّ الدنيا، وأنكروا ذلك . ۳
ومراد العلّامة المجلسي من «اليقين» هو العلم القطعي ، بقرينة مقابلته بالظنّ وعلى هذا ، فإنّه يعتبر الظنّ القوي الموجب للاطمئنان كافيا أيضا في تحقّق الإيمان ، ويرى أنّ الإيمان إن كان مستندا إلى «العلم» ، فنظرا إلى أن تبدّل «العلم» إلى «الجهل» غير ممكن، فزوال الإيمان بهذا المعنى غير ممكن أيضا ، أمّا إذا كان الإيمان مستندا إلى الظنّ القوي ، فإنّه يكون قابلاً للزوال .
ولكنّه يقول بعد ذلك :
إذا كان الجزم شرطا أيضا ، فنظرا إلى أنّ المعرفة القلبيّة مضافا إلى الاعتراف اللساني وكذلك عدم صدور العمل الذي يؤدّي إلى الكفر هما شرط تحقّقه واستمراره ، فإنّ زوال الإيمان يكون ممكنا عن طريق الإنكار اللساني أو بايجاد أسباب الكفر. ۴
و على هذا الأساس ، فعلى الرغم من أنّ المرحوم المجلسي اعتبر في بحارالأنوار وفي القسم الأوّل من مباحثه الإيمان المستند إلى العلم القطعيّ غير قابل للزوال ، ولكن يجب القول استنادا إلى ما ذكره في مرآة العقول في تفسير الإيمان إنّ رأيه النهائي لا يختلف عن رأي معظم المتكلّمين .

1.البقرة : ۲۱۷ .

2.بحار الأنوار : ج ۶۹ ص ۲۱۸ .

3.مرآة العقول : ج ۱۱ ص ۲۴۲ .

4.المصدر السابق .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 177375
الصفحه من 606
طباعه  ارسل الي