425
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج5

المدخل

« الإنسان » لغةً

يرى بعض علماء اللغة أن كلمة « الإنسان » مشتقّة من مادة « أنس » بمعنى الظهور ، أو الألفة . يقول ابن فارس في بيان هذه المادة :
الهَمزَةُ وَالنّونُ وَالسّينُ أصلٌ واحِدٌ ، وهُوَ ظُهورُ الشَّيءِ ، وكُلُّ شَيءٍ خالَفَ طَريقَةَ التَّوَحُّشِ . قالوا : الإِنسُ خِلافُ الجِنِّ ، وسُمّوا لِظُهورِهِم . يُقالُ : أَنَستُ الشَّيءَ إذا رَأَيتُهُ . . وَالاُنسُ : اُنسُ الإِنسانِ بِالشَّيءِ إذا لَم يَستَوحِشْ مِنهُ. ۱
ويُظهر هذا التحليل عند البحث عن أصل كلمة « الإنسان » أن المعنى الأصلي لـ « أنس » هو الظهور ، ولكن هناك ترابط بين الظهور والألفة ، ولكن بعض آخر من علماء اللغة يرى أن المعنى الأصلي لـ« أنس » هو ضد « النفور » ، أي الألفة ، حيث يقول الراغب الأصفهاني في هذا المجال :
الإِنسُ : خِلافُ الجِنِّ ، وَالاُنسُ : خِلافُ النُّفورِ . . . وَالإِنسانُ قيلَ : سُمِّيَ بِذلِكَ لِأَنـَّهُ خُلِقَ خِلقَةً لا قِوامَ لَهُ إلّا بِاُنسِ بَعضِهِم بِبَعضٍ ، لِهذا قيلَ : الإِنسانُ مَدَنِيٌّ بِالطَّبعِ ، مِن حَيثُ لا قِوامَ لِبَعضِهِم إلّا بِبَعضٍ ، ولا يُمكِنُهُ أن يَقومَ بِجَميعِ أسبابِهِ ، وقيلَ : سُمِّيَ بِذلِكَ لِأَنَّهُ يَأنَسُ بِكُلِّ ما يَألَفُهُ. ۲
ويرى الأزهري وابن منظور وبعض آخر من علماء اللغة ، أن كلمة « الإنسان » كانت في الأصل « إنسيان » وأنها أخذت من « النسيان » ، وهذا نص ما ذكره ابن منظور :
الإِنسانُ ، أصلُهُ إنْسِيانٌ لِأَ نَّ العَرَبَ قاطِبَةً قالوا في تَصغيرِهِ : أُنَيْسِيانٌ ، فَدَلَّتِ الياءُ الأَخيرَةُ عَلَى الياءِ في تَكبيرِهِ ، إلّا أنـَّهُم حَذَفوها لِما كَثَّرَ النّاسُ في كَلامِهِم . ۳
ويستند ابن منظور إلى كلام لابن عباس بهدف دعم هذا الرأي في بيان مادة كلمة الإنسان ، فيقول :
ورُوِيَ عَنِ ابنِ عَبّاسٍ أ نَّهُ قالَ : إنِّما سُمِّيَ الإِنسانُ إنسانا لِأَنـَّهُ عَهِدَ إلَيهِ فَنَسِيَ ، قالَ أبو مَنصورٍ : إذا كانَ الإِنسانُ فِي الأَصلِ إنْسِيانٌ ، فَهُوَ اِفعِلانٌ مِنَ النِّسيانِ ، وقَولُ ابنِ عَبّاسٍ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لَهُ. ۴
وممّا يجدر ذكره أن الإمام الصادق عليه السلام قال فيما روي عنه :
سُمِّيَ الإِنسانُ إنسانا لِأَنـَّهُ يَنسى ، وقالَ اللّه ُ عز و جل : « وَ لَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ »۵ . ۶
واعتبر البعض كلمتي « إيناس » و « نَوْس » مادة اشتقاق كلمة الإنسان وتعني الكلمة الاُولى الإدراك والعلم والإحساس والثانية التحرك . ۷
فإذا ما اعتبرنا كلمة الإنسان مشتقة من « أنس » فإن سبب تسميته بهذا الاسم هو أن الأزدهار والجمال والألفة في الأرض لا يحصل إلّا بوجوده ، ۸ أو أن حياة الإنسان لا تؤمن دون الأنس بالآخرين ولذلك يقال : إن الإنسان « مدني بالطبع » . ۹ أو سمي بالإنسان لأنه يأنس ويألف إلى كل ما يرتبط به، ۱۰ أو لأنه يأنس دوما بأمرين : الأنس الروحي بالحق والأنس الجسمي بالخلق ۱۱ أو لأن هناك علاقتين أودعتا في كيانه : إحدهما مع الدنيا والاُخرى مع الآخرة . ۱۲
وأما إذا اعتبرنا الإنسان مشتقا من « النسيان » ، فإن وجه تسميته نسيانه وهذا المعنى مرتبط كما أشرنا مع أبي البشر آدم الذي نسي عهد اللّه ـ تعالى ـ فيما يتعلق بعدم الاقتراب من الشجرة المنهي عنها .
وقيل : إذا كانت كلمة الإنسان مشتقة من « الإيناس » فإنه وجه تسميته هو قدرته على الوصول إلى الأشياء المختلفة عن طريق العلم والإحساس والإبصار، ۱۳ وإذا ما كانت مشتقة من « النوس » فإن سبب التسمية هو تحركه الدؤوب وفاعليته الكبيرة في الأعمال العظيمة . ۱۴
ومن خلال التأمل في الوجوه والتفسيرات التي ذكرت بشأن مادة اشتقاق « الإنسان » أو سبب تسميته بهذا الاسم يتّضح أنه لا يوجد دليل قاطع لإثبات أحد الوجوه المذكورة ، خاصة وإن ما جاء حول سبب التسمية يستند في الغالب ، أو بشكل عام إلى الذوق ، ولكن الملاحظة التي تستحق الاهتمام أن مادة اشتقاق كلمة الإنسان ، أو سبب التسمية مهما كان فإنه لا يترك أثرا في مباحث الانثروبوجيا من منظار القرآن والحديث والذي هو الهدف الرئيس لهذا القسم من موسوعة معارف الكتاب والسنّة .

1.معجم مقاييس اللغة : ج ۱ ص ۱۴۵ .

2.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۹۴ .

3.لسان العرب : ج ۶ ص ۱۰ .

4.لسان العرب : ج ۶ ص ۱۱ .

5.طه : ۱۱۵ .

6.راجع : ص ۵۱۸ ح ۶۰۴۹ .

7.دائرة معارف القرآن الكريم (بالفارسيّة) : ج ۴ ص ۴۸۱ نقلاً عن بصائر ذوي التميز : ج ۲ ص ۳۲ وتفسير سورة والعصر : ج ۲ ص ۱۰ . جدير بالذكر أن أيّا من المصادر المعتبرة في اللغة لم يؤيد هذه النظرية .

8.نفس المصدر نقلاً عن المخصص : ص ۱۶ .

9.نفس المصدر نقلاً عن المفردات : ص ۹۴ .

10.نفس المصدر نقلاً عن المفردات : ص ۹۴ .

11.نفس المصدر نقلاً عن بصائر ذوي التمييز : ج ۲ ص ۳۱ .

12.نفس المصدر : ص ۳۱ .

13.نفس المصدر نقلاً عن بصائر ذوي التمييز : ج ۲ ص ۳۲ .

14.نفس المصدر نقلاً عن بصائر ذوي التمييز : ج ۲ ص ۳۲ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج5
424
  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 179306
الصفحه من 606
طباعه  ارسل الي