3 . عبادة اللّه تعالى
الحكمة الاُخرى من خلق الإنسان والتي صرّح بها القرآن ، هي عبادة اللّه :
« وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنسَ إِلَا لِيَعْبُدُونِ » . ۱
فتوظيف الفكر ومعرفة الخالق هما في الحقيقة مقدمة ازدهار مواهب الإنسان ، وازدهار مواهبه رهن بطاعته للّه تعالى وعبادته له كما يؤكد الإمام الحسين عليه السلام ذلك بقوله :
ما خَلَقَ العِبادَ إلّا لِيَعرِفوهُ فَإِذا عَرَفوهُ عَبَدوهُ . ۲
4 . الرحمة الإلهية
الحكمة الرابعة من خلق الإنسان والتي أشار إليها القرآن وصرحت بها الروايات ۳ ، هي بلوغ رحمة اللّه كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام :
خَلَقَهُم لِيَفعَلوا ما يَستَوجِبونَ بِهِ رَحمَتَهُ فَيَرحَمَهُم . ۴
5 . الرجوع إلى اللّه عز و جل
الحكمة الغائية والفلسفة النهائية من خلق الإنسان والعالم ـ من منظار القرآن ـ هي الرجوع إلى اللّه سبحانه ، فإن لم يكن هذا الهدف فإن خلق الإنسان ، بل وخلق العالم سوف يكون باطلاً وعبثا ولذلك يقول في بيان أن خلق الإنسان بهدف :
« أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ » . ۵
كما يبين الهدف من خلق العالم كالتالي :
« وَ مَا خَلَقْنَا السَّمَآءَ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » . ۶
وقال أيضا :
« أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُواْ السَّيِّـ?اتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَ عَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَ مَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسِ بِمَا كَسَبَتْ وَ هُمْ لَا يُظْـلَمُونَ » . ۷
ومن خلال التأمل في هذه الآيات والآيات المشابهة يتضح أن المراد من الرجوع إلى اللّه عز و جل هو بعث الإنسان وحضوره في ساحة القيامة ورؤية حصيلة أعماله الصالحة على شكل درجات في الجنة ، أو مواجهته لحصيلة أعماله السيئة في قالب طبقات جهنم السفلى .
بناء على ذلك فإن كل ما جاء في بيان حكمة الخلق في القرآن والحديث ، هو مقدمة لهذا الهدف الأصلي .
وبعبارة اُخرى ، فإن حكمة خلق الإنسان هي أن يتعرف على خالقه من خلال توظيف الفكر والعقل وأن يتجه نحو رحمة اللّه المطلقة ويتمتع دوما بأفضل حياة من خلال السير على ضوء المناهج التي قدمها له عبر أنبيائه ورسله لضمان سعادته في الدنيا والآخرة .
وإذا ما تجاهل حكم العقل واستسلم لأهوائه الحيوانية بدلاً من اتباع العقل ، فإن قلبه سوف يتصدأ ، وينسى اللّه وبذلك يبتعد عن رحمته الواسعة وتكون عاقبته أسوء حياة في الآخرة .
والملاحظة التي تستحق الاهتمام هي أن الإنسان الكامل لا يعتبر نفسه كاملاً أبدا ، فكلما ازداد كمال الإنسان أدرك أن الكمال المطلق لخالق العالم وحده ، ونظرا إلى أن كماله لا نهاية له ، فإن غيره سيكون ناقصا إلى ما لا نهاية مهما بلغ من الكمال ، ولذلك فقد روي عن الإمام علي عليه السلام :
مِن كَمالِ الإِنسانِ ووُفورِ فَضلِهِ ، استِشعارُهُ بِنَفسِهِ النُّقصانَ . ۸
كما نُسب إليه قوله :
أتَمُّ النّاسِ أعلَمُهُم بِنَقصِهِ . ۹
وبذلك فإن الإنسان الكامل لا يبتلى أبدا بالعجب والكبر لأنه من جهة يرى نفسه ناقصا إلى ما لا نهاية ويعتبر كمالاته من مصدر الكمال المطلق من جهة اُخرى .