173
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8

4 . أوصاف البراهين الإلهيّة وأنواعها

وصفت البراهين الإلهية بأربع صفات ، استناداً إلى النصوص التي جاءت في الفصل الرابع ، وهي : الوضوح ، البلوغ ، الشمول والدوام . وما يستحقّ البحث والدراسة هو : هل إنّ جميع البراهين الإلهية تتوفّر فيها هذه الأوصاف ، أم أنّ الخصائص المذكورة تختصّ بنوع خاصّ من البراهين الإلهية ؟
للإجابة على هذا السؤال يجب القول إنّ البراهين الإلهية تنقسم إلى طائفتين : البراهين الظاهرة والبراهين الباطنة ، كما روي عن الإمام الكاظم عليه السلام :
إنَّ للّه ِِ عَلَى النّاسِ حُجَّتَينِ : حُجَّةً ظاهِرَةً وحُجَّةً باطِنَةً ؛ فَأَمَّا الظّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَالأَنبِياءُ وَالأَئِمَّةُ عليهم السلام ، وأَمَّا الباطِنَةُ فَالعُقولُ . ۱
وتتمتّع براهين اللّه تعالى الباطنية ـ أي البراهين الفطرية والعقلية ـ بجميع الخصائص التي سبقت الإشارة إليها ، بمعنى أن جميع أفراد البشر كانوا على مرّ التاريخ يميّزون بشكل واضح بين الخير والشرّ ، فهم يعرفون على سبيل المثال أنّ العدل خير والظلم شر :
«وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّيهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَيهَا » . ۲
ولعلّ في الرواية التالية عن الإمام الصادق عليه السلام ، إشارة إلى هذا المعنى :
ما مِن عَبدٍ إلّا وللّه ِِ عَلَيهِ حُجَّةٌ . ۳
وأمّا البراهين الإلهية الظاهرة ـ أي الأنبياء وأوصياؤهم ـ فإنّها لا تشتمل على جميع الأوصاف التي سبقت الإشارة إليها ، فما أكثر ما تكون الحجة الإلهية غير ظاهرة بسبب وجود المانع أو لا تكون في متناول كلّ الناس ، كما هو الحال بالنسبة إلى الإمام المهدي(عج) فإنّه غائب عن الأنظار منذ قرون ، وقد روي في هذا المجال عن الإمام علي عليه السلام :
لا تَخلُو الأَرضُ مِن قائِمٍ للّه ِِ بِحُجَّةٍ ، إمّا ظاهِرا مَشهورا ، وإمّا خائِفا ۴ مَغمورا لِئَلّا تَبطُلَ حُجَجُ اللّه ِ وبَيِّناتُهُ . ۵
وأما فيما يتعلق بفائدة البرهان المخفي والإمام الغائب للمجتمع ، فإنّ ذلك يمثّل موضوعاً آخر مرّ بيانه في مبحث الإمامة . ۶
والملاحظة الملفتة للنظر هي أنّ البرهان الباطني أي البرهان الفطري والعقلي لا يمكن أن يكون مبنى ومعيار التكليف الإلهي ، حيث يصرّح القرآن :
«وَ مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا » . ۷
وهذا الكلام يعني أنّ الإنسان رغم أنّه يستطيع بنفسه التمييز بشكل إجمالي بين الخير والشرّ ، إلّا أنّ اللّه سوف لا يؤاخذه ما لم تصله التكاليف الإلهية عن طريق الأنبياء أو أوصيائهم .

1.راجع : ص ۱۹۱ ح ۹۱۵۴ .

2.الشمس : ۷ و ۸ .

3.راجع : ص ۲۲۲ ح ۹۲۶۸.

4.في الأمالي للطوسي : « مستترا » بدل « خائفا » .

5.راجع : ص ۲۲۴ ح ۹۲۷۲.

6.راجع : هذه الموسوعة : ج ۴ ص ۱۸۴ (بحث حول فلسفة الإمامة والقيادة) .

7.الإسراء : ۱۵ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8
172

د ـ البيّنة

البرهان دليل واضح وبيّن لإثبات الادّعاء والتمييز بين الحقّ والباطل ، ولذلك فقد اُطلق عليه مصطلح «البيّنة» ۱ ، مثل :
«أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ» . ۲
«لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَىَّ عَن بَيِّنَةٍ» . ۳

2 . قيمة البرهان وأهميته

البرهان من وجهة نظر الكتاب وسنّة أهل البيت عليهم السلام ، قاعدة الإسلام وأساسه في العقيدة والأخلاق والعمل ، وأئمة الدين يدعون الناس على أساس البرهان إلى التوحيد والنبوة والمعاد والإمامة ، وكذلك إلى القيم الأخلاقية والعملية . وباختصار فإنّ الإسلام يرى أنّ البرهان هو ميزان ومعيار التمييز بين الحقّ والباطل ، والإسلام نفسه يعتمد على البرهان وكما يطالب المعارضين بالبرهان . ۴

3 . وَقفةٌ عند ما يسمّى بالبرهان

إذا تأمّلنا فيما سُمّي برهاناً في الكتاب والسنّة ـ مثل : القرآن نفسه ، الأنبياء ، معجزات الأنبياء وأهل البيت عليهم السلام وما إلى ذلك ـ إلى جانب الآيات والروايات التي تعتبر الفطرة والعقل معيار التمييز بين الحقّ والباطل ، فإنّنا سنخلص إلى أنّ العقل السليم والفطرة النقيّة هما من وجهة نظر الإسلام قاعدة البرهان وأساسه ، وقد سمّيت معجزات الأنبياء بالبرهان لأنّ العقل يدرك بوضوح دلالتها على صدق المدّعي ، وسمّي الأنبياء والقرآن والإسلام وأهل البيت بالبرهان لأنّهم يقدّمون برامج للحياة تتطابق مع المقاييس العقلية والفطرية ، كما أنّ تسمية اُمور اُخرى بالبرهان تدلّ على انسجامها مع الفطرة والعقل .
وعلى هذا الأساس ، فلا وجود في الإسلام لشيء يتناقض مع العقل والفطرة ، وإذا ما نُسب شيء إلى اللّه والأنبياء وأهل البيت عليهم السلام يخالف العقل والفطرة ، فإنّه غير صحيح بالتأكيد . ۵

1.البينة : الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۵۷ «بان») .

2.هود : ۱۷ .

3.الأنفال : ۴۲ .

4.راجع : البقرة : ۵۶ ، الأنبياء : ۲۴ ، النمل : ۶۴ ، القصص : ۷۵ .

5.على أنّ هذا لا يعني أن بإمكان العقل أن يحيط بكلّ الحقائق الدينية ؛ كأن يدرك كنه اللّه ، أو يكتشف حقيقة الروح والملائكة ، وهذه الاُمور تفوق العقل ، وليست ضدّه .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 243595
الصفحه من 514
طباعه  ارسل الي