335
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8

4 . مناشئ البصيرة

استناداً إلى ما قدّمناه في بيان معنى البصيرة ، فإنّ منشأ البصيرة ، مشابه لمنشأ العلم والمعرفة والحكمة ، كما أنّ عواملها وموانعها مشابهة أيضاً لأسباب وآفات الصفات المذكورة ، ولذلك فإنّ من الضروري ملاحظة قسم كبير من الآيات والروايات المتعلّقة بعلم الدلالة ۱ من أجل إكمال المواضيع المتعلّقة بالبصيرة .
وأمّا ما يطرح في هذا الباب تحت عنوان مناشئ البصيرة ، فإنّ بالإمكان تقسيمه إلى المنشأ الداخلي والمنشأ الخارجي ؛ والمنشأ الداخلي للبصيرة هو القوّة الباطنية القادرة على التمييز بين الحقّ والباطل والخير والشرّ . كما أنّ المنشأ الخارجي للبصيرة على نوعين : النوع الأوّل هو الإرشادات والبرامج التي تمتدّ جذورها في القرآن وتعاليم الأنبياء وتؤدّي إلى ازدهار فطرة البصيرة ونموّها ، ويتمثّل النوع الثاني في الإمدادات الغيبية الإلهية التي تؤدّي إلى تعزيز قوّة البصيرة على إثر تطبيق تعاليم الأنبياء في الحياة . وعلى هذا الأساس فقد لخّصنا مناشئ البصيرة في الفصل الثاني تحت عناوين الفطرة ، كتاب اللّه ، الإسلام والتوفيق .

1.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية (المعرفة) : ج ۱ و ج ۲ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8
334

3 . معنى رؤية البصيرة

يرى القرآن أنّ في باطن الإنسان شعوراً غامضاً يمكنه من خلال الإلهام الإلهي الفطري أن يميّز بين الحقّ والباطل جيداً ، وهذا هو ما يقول اللّه ـ تعالى ـ في هذا المجال :
«وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا » . ۱
وفُسِّر هذا الإلهام الفطري في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال فيها :
أي عَرَّفَها وأَلهَمَها ، ثُمَّ خَيَّرَها فَاختارَت . ۲
وهناك حديث آخر عنه عليه السلام يقول فيه حول إلهام الفجور والتقوى :
عَرَّفَهُ الحَقَّ مِنَ الباطِلِ . ۳
كما روي عنه في تفسير الآية : «وَ هَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ »۴ أنـّه قال :
نَجدَ الخَيرِ ونَجدَ الشَّرِّ . ۵
وفي الحقيقة فإنّ رؤية البصيرة ما هي إلّا الشعور الفطري الغامض والإدراك الباطني الموجود في باطن الإنسان ، والذي يمتلك القدرة على التمييز بين الصالح والطالح ، والخير والشرّ ، والحقّ والباطل ، ويدعوه إلى الرؤية المستقبلية واتّباع الحقّ واجتناب الباطل .
وهذا الشعور والإدراك يوجد في بداية الحياة في فطرة جميع أفراد البشر على شكل استعداد وموهبة ، ثم ينمو تدريجياً . ونموّ هذا الشعور ، هو نموّ وازدهار للإنسانية ، وفلسفة بعث الأنبياء ما هي إلّا نموّ الإنسانية وازدهارها ورُقِيُّها وبناء المجتمع البشري المطلوب .
ومن خلال الإفادة من تعاليم الأنبياء في تعزيز ودعم الإدراكات الباطنية ، تزداد قدرة رؤية البصيرة تدريجياً حتى تصبح الحقائق المعقولة قابلة للرؤية بالنسبة إلى الإنسان بشكل محسوس ، كما روي عن النبي صلى الله عليه و آله قوله :
ما مِن عَبدٍ إلّا وفي وَجهِهِ عَينانِ يُبصِرُ بِهِما أمرَ الدُّنيا ، وعَينانِ في قَلبِهِ يُبصِرُ بِهِما أمرَ الآخِرَةِ ، فَإِذا أرادَ اللّه ُ بِعَبدٍ خَيرا فَتَحَ عَينَيهِ اللَّتَينِ في قَلبِهِ ، فَأَبصَرَ بِهِما ما وَعَدَهُ بِالغَيبِ ، فَآمَنَ بِالغَيبِ عَلَى الغَيبِ . ۶
ومن البديهي أنّ إرادة اللّه الحكيم بشأن انفتاح رؤية البصيرة لدى بعض الناس ، ليست من باب العبث ، بل إنّ رؤية البصيرة إنّما تنفتح عند الأشخاص الذين ساروا باتّجاه تنمية إدراكاتهم الباطنية ، وذلك بمقتضى النظام الحكيم للخلق .

1.الشمس : ۷ و ۸ .

2.راجع : ص ۳۴۷ ح ۹۵۸۵.

3.راجع : ص ۳۴۸ ح ۹۵۸۶.

4.البلد : ۱۰ .

5.راجع : ص ۳۴۷ ح ۹۵۸۴.

6.راجع : ص ۳۳۹ ح ۹۵۶۴.

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج8
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 247677
الصفحه من 514
طباعه  ارسل الي