273
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10

فَأَشفَقا أن يَكونَ ذلِكَ سَبَبا لِانصِرافِ قَومِهِما عَن طاعَتِهِما لِدينِهِما وفَسخا لِمَنزِلَتِهِما فِي النّاسِ .
فَأَقبَلَ العاقِبُ عَلى حارِثَةَ فَقالَ : أمسِك عَلَيكَ يا حارِ ، فَإِنَّ رادَّ هذَا الكَلامِ عَلَيكَ أكثَرُ مِن قابِلِهِ ، ورُبَّ قَولٍ يَكونُ بَلِيَّةً عَلى قائِلِهِ ، ولِلقُلوبِ نَفَراتٌ عِندَ الإِصداعِ بِمَظنونِ الحِكمَةِ ، فَاتَّقِ نُفورَها ، فَلِكُلِّ نَبَإٍ أهلٌ ، ولِكُلِّ خَطبٍ مَحَلٌّ ، وإنَّمَا الدَّرَكُ ما أخَذَ لَكَ بِمَواضِي النَّجاةِ ، وأَلبَسَكَ جُنَّةَ السَّلامَةِ ، فَلا تَعدِلَنَّ بِهِما حَظّا ، فَإِنّي لَم آلُكَ ـ لا أبا لَكَ ۱ ـ نُصحا . ثُمَّ أرَمَّ ۲ .
فَأَوجَبَ السَّيِّدُ أن يُشرِكَ العاقِبَ في كَلامِهِ ، فَأَقبَلَ عَلى حارِثَةَ فَقالَ : إنّي لَم أزَل أتَعَرَّفُ لَكَ فَضلاً تَميلُ إلَيكَ الأَلبابُ ، فَإِيّاكَ أن تَقتَعِدَ ۳ مَطِيَّةَ اللَّجاجِ ، وأَن توجِفَ ۴ إلَى السَّرابِ ، فَمَن عُذِرَ بِذلِكَ فلَستَ فيهِ أيُّهَا المَرءُ بِمَعذورٍ ، وقَد أغفَلَكَ أبو واثِلَةَ ـ وهُوَ وَلِيُّ أمرِنا وسَيِّدُ حَضَرِنا ـ عِتابا ، فَأَولِهِ اعتِبارا ۵ .
ثُمَّ تَعلَمُ أنَّ ناجِمَ ۶ قُرَيشٍ ـ يَعني رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ـ يَكونُ رُزؤُهُ قَليلاً ثُمَّ يَنقَطِعُ ، ويَخلو أنَّ بَعدَ ذلِكَ قَرنٌ ۷ يُبعَثُ في آخِرِهِ النَّبِيُّ المَبعوثُ بِالحِكمَةِ وَالبَيانِ وَالسَّيفِ وَالسُّلطانِ ، يَملِكُ مُلكا مُؤَجَّلاً تُطَبِّقُ فيهِ اُمَّتُهُ المَشارِقَ وَالمَغارِبَ ، ومِن ذُرِّيَّتِهِ الأَميرُ الظّاهِرُ ؛ يَظهَرُ عَلى جَميعِ المَلَكاتِ وَالأَديانِ ، ويَبلُغُ مُلكُهُ ما طَلَعَ عَلَيهِ اللَّيلُ

1.لا أباً لك : أكثر ما يُذكر في المدح ؛ أي لا كافي لك غير نفسك ، وقد يذكر في معرض الذمّ (النهاية في غريب الحديث : ج ۱ ص ۱۹ «أبا») .

2.أرَمَّ : أي سَكَتَ (النهاية : ج ۲ ص ۲۶۷ «رمم») .

3.في المصدر : «تقعد» ، والتصويب من بحار الأنوار .

4.وَجَفَ : اضطرَبَ وسار سريعا (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۹۱۱ «وجف») .

5.في بحار الأنوار : «أعتابا» بدل «اعتبارا» .

6.نجم الشيء ينجم نجوما : ظهر وطلع (الصحاح : ج ۵ ص ۲۰۳۹ «نجم») .

7.في بحار الأنوار : «ويكون بعد ذلك قرنٌ» بدل «ويخلو أنّ بعد ذلك قرنٌ» .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
272

ثُمَّ استَقبَلَ السَّيِّدَ وَالعاقِبَ وَالقِسّيسينَ وَالرُّهبانَ وكافَّةَ نَصارى نَجرانَ بِوَجهِهِ لَم يَخلِط مَعَهُم غَيرَهُم ، فَقالَ : سَمعا سَمعا يا أبناءَ الحِكمَةِ ، وبَقايا حَمَلَةِ الحُجَّةِ ، إنَّ السَّعيدَ وَاللّهِ مَن نَفَعَتهُ المَوعِظَةُ ، ولَم يَعشُ عَنِ التَّذكِرَةِ ، ألا وإنّي اُنذِرُكُم واُذَكِّرُكُم قَولَ مَسيحِ اللّهِ عز و جل . ثُمَّ شَرَحَ وَصِيَّتَهُ ونَصَّهُ عَلى وَصِيِّهِ شَمعونَ بنِ يوحَنّا ، وما يَحدُثُ عَلى اُمَّتِهِ مِنَ الاِفتِراقِ ، ثُمَّ ذَكَرَ عيسى عليه السلام وقالَ : إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ أوحى إلَيهِ :
«فَخُذ يَابنَ أمَتي كِتابي بِقُوَّةٍ ، ثُمَّ فَسِّرهُ لِأَهلِ سورِيا بِلِسانِهِم ، وأَخبِرهُم أنّي أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا الحَيُّ القَيّومُ ، البَديعُ الدّائِمُ الَّذي لا أحولُ ولا أزولُ ، إنّي بَعَثتُ رُسُلي ونَزَّلتُ كُتُبي رَحمَةً ونورا وعِصمَةً لِخَلقي ، ثُمَّ إنّي باعِثٌ بِذلِكَ نَجيبَ رِسالَتي أحمَدَ ، صَفوَتي مِن بَرِيَّتي ، البارِقليطا ۱ عَبدي ، اُرسِلُهُ في خُلُوٍّ مِنَ الزَّمانِ ، أبعَثُهُ بِمَولِدِهِ فارانَ مِن مَقامِ أبيهِ إبراهيمَ عليه السلام ، اُنزِلُ عَلَيهِ تَوراةً حَديثَةً ، أفتَحُ بِها أعيُنا عُميا ، آذانا ۲ صُمّا ، وقُلوبا غُلفا ، طوبى لِمَن شَهِدَ أيّامَهُ وسَمِعَ كَلامَهُ فَآمَنَ بِهِ ، وَاتَّبَعَ النّورَ الَّذي جاءَ بِهِ ، فَإِذا ذَكَرتَ يا عيسى ذلِكَ النَّبِيَّ فَصَلِّ عَلَيهِ فَإِنّي ومَلائِكَتي نُصَلّي عَلَيهِ» .
قالَ : فَما أتى حارِثَةُ بنُ أثالٍ عَلى قَولِهِ هذا ، حَتّى أظلَمَ بِالسَّيِّدِ وَالعاقِبِ مَكانُهُما ، وكَرِها ما قامَ بِهِ فِي النّاسِ مُعرِبا ومُخبِرا عَنِ المَسيحِ عليه السلام بِما أخبَرَ وقَدَّمَ
مِن ذِكرِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّهُما كانا قَد أصابا بِمَواضِعِهِما مِن دينِهِما شَرَفا بِنَجرانَ ، ووَجها عِندَ مُلوكِ النَّصرانِيَّةِ جَميعا ، وكَذلِكَ عِندَ سوقَتِهِم وعَرَبِهِم فِي البِلادِ ،

1.البارقليط : قال القاضي : هو اسمه صلى الله عليه و آله في الإنجيل ؛ ومعناه روح القدس . وقال ثعلب : الذي يفرّق بين الحقّ والباطل ، وقيل : الحامد ، وقيل : الحمّاد (سبيل الهدى والرشاد : ج ۱ ص ۴۳۸) .

2.في المصدر : «واُذنا» ، والتصويب من بحار الأنوار .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 152534
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي