275
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10

مِن قائِلِهِ ، وأَنتَ لعَمرُو اللّهِ حَرِيٌّ ألّا يُؤثَرُ هذا عَنكَ ، فَقَد عَلِمتَ وعَلِمنا اُمَّةَ الإِنجيلِ مَعا بِسيرَةِ ما قامَ بِهِ المَسيحُ عليه السلام في حَوارِيِّهِ ، ومَن آمَنَ لَهُ مِن قَومِهِ ، وهذِهِ مِنكَ فَهَّةٌ ۱ لا يَرحَضُها ۲ إلَا التَّوبَةُ وَالإِقرارُ بِما سَبَقَ بِهِ الإِنكارُ .
فَلَمّا أتى عَلى هذَا الكَلامِ صَرَفَ إلَى السَّيِّدِ وَجهَهُ ، فَقالَ :
لا سَيفَ إلّا ذو نَبوَةٍ ، ولا عَليمَ إلّا ذو هَفوَةٍ ، فَمَن نَزَعَ عَن وَهلَةٍ وأَقلَعَ فَهُوَ السَّعيدُ الرَّشيدُ ، وإنَّمَا الآفَةُ فِي الإِصرارِ .
وأَعرَضتَ بِذِكرِ نَبِيَّينِ يُخلَقانِ ـ زَعَمتَ ـ بَعدَ ابنِ البَتولِ ، فَأَينَ يَذهَبُ بِكَ عَمّا خَلَدَ فِي الصُّحفِ مِن ذِكرى ذلِكَ ؟ ألَم تَعلَم ما أنبَأَ بِهِ المَسيحُ عليه السلام في بَني إسرائيلَ ، وقَولَهُ لَهُم :
«كَيفَ بِكُم إذا ذُهِبَ بي إلى أبي وأَبيكُم ، وخُلِّفَ بَعدَ أعصارٍ يَخلو مِن بَعدي وبَعدِكُم صادِقٌ وكاذِبٌ ؟ قالوا : ومَن هُما يا مَسيحَ اللّهِ ؟ قالَ : نَبِيٌّ مِن ذُرِّيَّةِ إسماعيلَ عليه السلام صادِقٌ ، ومُتَنَبِّئٌ مِن بَني إسرائيلَ كاذِبٌ ، فَالصّادِقُ مُنبَعِثٌ مِنهُما بِرَحمَةٍ ومَلحَمَةٍ ، يَكونُ لَهُ المُلكُ وَالسُّلطانُ ما دامَتِ الدُّنيا ، وأَمَّا الكاذِبُ فَلَهُ نَبزٌ يُذكَرُ بِهِ المَسيحُ الدَّجّالُ ، يَملِكُ فُواقا ۳ ثُمَّ يَقتُلُهُ اللّهُ بِيَدي إذا رُجِعَ بي» .
قالَ حارِثَةُ : واُحَذِّرُكُم يا قَومِ أن يَكونَ مَن قَبلَكُم مِنَ اليَهودِ اُسوَةً لَكُم ، إنَّهُم اُنذِروا بِمَسيحَينِ ؛ مَسيحِ رَحمَةٍ وهُدىً ، ومَسيحِ ضَلالَةٍ ، وجُعِلَ لَهُم عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنهُما آيَةٌ وأَمارَةٌ ، فَجَحَدوا مَسيحَ الهُدى وكَذَّبوا بِهِ ، وآمَنوا بِمَسيحِ الضَّلالَةِ الدَّجّالِ

1.الفهه والفهاهة : العيّ (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۴۵ «فهه») .

2.يَرحضُها : أي يغسلها (النهاية : ج ۲ ص ۲۰۸ «رحض») .

3.الفَواقُ : ما بين الحلبتين من الوقت ـ أي قليلاً من الوقت ـ (الصحاح : ج ۴ ص ۱۵۴۶ «فوق») .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
274

وَالنَّهارُ ، وذلِكَ ـ يا حارِ ـ أمَلٌ مِن وَرائِهِ أمَدٌ ومِن دونِهِ أجَلٌ ، فَتَمَسَّك مِن دِينِكَ بِما تَعلَمُ ، وتَمَنَّع ـ للّهِِ أبوكَ ۱ ـ مِن اُنسٍ مُتَصَرِّمٍ ۲ بِالزَّمانِ ، أو لِعارِضٍ مِنَ الحَدَثانِ ، فَإِنَّما نَحنُ لِيَومِنا ولِغَدٍ أهلُهُ .
فَأَجابَهُ حارِثَةُ بنُ أثالٍ فَقالَ : إيها عَلَيكَ أبا قُرَّةَ ! فَإِنَّهُ لا حَظَّ في يَومِهِ لِمَن لا دَرَكَ لَهُ في غَدِهِ ، وَاتَّقِ اللّهَ تَجدِ اللّهَ جَلَّ وتَعالى بِحَيثُ لا مَفزَعَ إلّا إلَيهِ .
وعَرَّضتَ مُشَيِّدا بِذِكرِ أبي واثِلَةَ ! فَهُوَ العَزيزُ المُطاعُ ، الرَّحِبُ الباعُ ، وإلَيكُما مَعا مُلقَى الرِّحالِ ، فَلَو اُضرِبَتِ التَّذكِرَةُ عَن أحَدٍ لِتَبريزِ فَضلٍ لَكُنتُماهُ ، لكِنَّها أبكارُ الكَلامِ تُهدى لِأَربابِها ، ونَصيحَةٌ كُنتُما أحَقَّ مَن أصغى لَها ۳ . إنَّكُما مَليكا ثَمَراتِ قُلوبِنا ، ووَلِيّا طاعَتِنا في دينِنا ، فَالكَيَسَ الكَيَسَ ـ يا أيُّهَا المُعَظَمّانِ ـ عَلَيكُما بِهِ ، أرِيا مَقاما يُدهِكُما نَواحيهِ ، وَاهجُرا سُنَّةَ ۴ التَّسويفِ فيما أنتُما بِعَرضِهِ .
آثِرَا اللّهَ فيما كانَ يُؤثِرُكُما بِالمَزيدِ مِن فَضلِهِ ، ولا تَخلُدا فيما أظَلَّكُما إلَى الونيّةِ ۵ ، فَإِنَّهُ مَن أطالَ عِنانَ الأَمرِ أهلَكَتهُ الغِرَّةُ ۶ ، ومَنِ اقتَعَدَ مَطِيَّةَ الحَذَرِ كانَ بِسَبيلِ أمنٍ مِنَ المَتالِفِ ، ومَنِ استَنصَحَ عَقلَهُ كانَتِ العِبرَةُ لَهُ لا بِهِ ، ومَن نَصَحَ للّهِِ عز و جل آنَسَهُ اللّهُ جَلَّ وتَعالى بِعِزِّ الحَياةِ وسَعادَةِ المُنقَلَبِ .
ثُمَّ أقبَلَ عَلَى العاقِبِ مُعاتِبا ، فَقالَ : وزَعَمتَ ـ أبا واثِلَةَ ـ أنَّ رادَّ ما قُلتُ أكثَرُ

1.للّه أبوك : في معرض المدح والتعجّب ؛ أي أبوك للّه خالصا حيث أنجب بك وأتى بمثلك (النهاية : ج ۱ ص ۱۹ «أبا») .

2.الانصرام : الانقطاع ... والتصرّم : التقطّع (الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۶۵ «صرم») .

3.في المصدر : «بها» ، والتصويب من بحار الأنوار .

4.في المصدر : «سنته» ، والتصويب من بحارالأنوار .

5.الوني : الضعف والفتور والكلال والإعياء (تاج العروس : ج ۲۰ ص ۳۱۷ «وني») .

6.في بحار الأنوار : «العِزَّة» بدل «الغِرَّة» .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 152535
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي