279
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10

قالَ حارِثَةُ : فَما دونَ الحَقِّ مِن مُقنِعٍ ، وما بَعدَهُ لِامرِئٍ مَفزَعٌ ، ولِذلِكَ قُلتُ الَّذي قُلتُ .
فَاعتَرَضَهُ السَّيِّدُ ـ وكانَ ذا مِحالٍ ۱ وجِدالٍ شَديدٍ ـ فَقالَ : ما أحرى وما أرى أخا قُرَيشٍ مُرسَلاً إلّا إلى قَومِهِ بَني إسماعيلَ [ بـِ ] ۲ ـدينِهِ ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جلأرسَلَهُ إلَى النّاسِ جَميعا !
قالَ حارِثَةُ : أفتَعَلَمُ أنتَ ـ يا أبا قُرَّةَ ـ أنَّ مُحَمَّدا مُرسَلٌ مِن رَبِّهِ إلى قَومِهِ خاصَّةً ؟ قالَ : أجَل .
قالَ : أتَشهَدُ لَهُ بِذلِكَ ؟
قالَ : وَيحَكَ! وهَل يُستَطاعُ دَفعُ الشَّواهِدِ ؟ نَعَم ، أشهَدُ غَيرَ مُرتابٍ بِذلِكَ ، وبِذلِكَ شَهِدَت لَهُ الصُّحُفُ الدّارِسَةُ وَالأَنباءُ الخالِيَةُ .
فَأَطرَقَ حارِثَةُ ضاحِكا يَنكُتُ الأَرضَ بِسَبّابَتِهِ .
قالَ السَّيِّدُ : ما يُضحِكُكَ يَابنَ اُثالٍ ؟ قالَ : عَجِبتُ فَضَحِكتُ ، قالَ : أوَ عَجَبٌ ما تَسمَعُ ؟ قالَ : نَعَم ، العَجَبُ أجمَعُ ، أ لَيسَ ـ بِالإِلهِ ـ بِعَجيبٍ مِن رَجُلٍ اُوتِيَ أثَرَةً مِن عِلمٍ وحِكمَةٍ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جل اصطَفى لِنُبُوَّتِهِ وَاختَصَّ بِرِسالَتِهِ وأَيَّدَ بِروحِهِ وحِكمَتِهِ ، رَجُلاً خَرّاصا ۳ يَكذِبُ عَلَيهِ ، ويَقولُ : اُوحِيَ إلَيَّ ولَم يوحَ إلَيهِ ، فَيَخلِطُ ـ كَالكاهِنِ ـ كَذِبا بِصِدقٍ وباطِلاً بِحَقٍّ ؟!
فَارتَدَعَ السَّيِّدُ وعَلِمَ أنَّهُ قَد وَهِلَ ۴ ، فَأَمسَكَ مَحجوجا .

1.المِحال : الكيد وروم الأمر بالحيل (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۶۱۶ «محل») .

2.إضافة يقتضيها السياق .

3.الخَرّاصُ : الكَذّابُ (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۳۵ «خرص») .

4.وَهِلَ : أي غَلِطَ (المصباح المنير : ص ۶۷۴ «وهل») .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
278

قالوا : وكانَ العاقِبُ أحَبَّ ـ مَعَ ما تَبَيَّنَ مِن ذلِكَ ـ أن يُشَيِّدَ ما فَرَطَ مِن تَفريطِ مُسَيلِمَةَ ، ويُؤَهِّلَ ۱ مَنزِلَتَهُ لِيَجعَلَهُ لِرَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله كُفّا ۲ ، استِظهارا بِذلِكَ في بَقاءِ عِزَّتِهِ ، وما طارَ لَهُ مِنَ السُّمُوِّ في أهلِ مِلَّتِهِ ، فَقالَ : ولَئِن فَخَرَ أخو بَني حَنيفَةَ في زَعمِهِ أنَّ اللّهَ عز و جل أرسَلَهُ ، وقالَ مِن ذلِكَ ما لَيسَ لَهُ بِحَقٍّ ، فَلَقَد بَرَّ في أن نَقَلَ قَومَهُ مِن عِبادَةِ الأَوثانِ إلَى الإِيمانِ بِالرَّحمنِ .
قالَ حارِثَةُ : أنشُدُكَ بِاللّهِ الَّذي دَحاها ۳ ، وأَشرَقَ بِاسمِهِ قَمَراها ، هَل تَجِدُ فيما أنزَلَ اللّهُ عز و جلفِي الكُتُبِ السّالِفَةِ ، يَقولُ اللّهُ عز و جل :
«أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا دَيّانُ يَومِ الدّينِ ، أنزَلتُ كُتُبي وأَرسَلتُ رُسُلي ؛ لِأَستَنقِذَ بِهِم عِبادي مِن حَبائِلِ الشَّيطانِ ، وجَعَلتُهُم في بَرِيَّتي وأَرضي كَالنُّجومِ الدَّراري في سَمائي ، يَهدونَ بِوَحيي وأَمري ، مَن أطاعَهُم أطاعَني ومَن عَصاهُم فَقَد عَصاني ، وإنّي لَعَنتُ ومَلائِكَتي في سَمائي وأَرضي وَالّلاعِنونَ مِن خَلقي ، مَن جَحَدَ رُبوبِيَّتي ، أو عَدَلَ بي شَيئا مِن بَرِيَّتي ، أو كَذَّبَ بِأَحَدٍ مِن أنبِيائي ورُسُلي ، أو قالَ : اُوحِيَ إلَيَّ و لَم يوحَ إلَيهِ شَيءٌ ، أو غَمَصَ ۴ سُلطاني أو تَقَمَّصَهُ مُتَبَرِّيا ، أو أكمَهَ ۵ عِبادي وأَضَلَّهُم عَنّي ، ألا وإنَّما يَعبُدُني مَن عَرَفَ ما اُريدُ مِن عِبادَتي وطاعَتي مِن خَلقي ، فَمَن لَم يَقصِد إلَيَّ مِنَ السَّبيلِ الَّتي نَهَجتُها بِرُسُلي ، لَم يَزدَد في عِبادَتِهِ مِنّي إلّا بُعدا» ؟
قالَ العاقِبُ : رُوَيدَكَ ، فَأَشهَدُ لَقَد نَبَّأتَ حَقّا .

1.في بحارالأنوار : «ويؤثّل» بدل «يؤهّل» . والتأثيل : التأصيل ، قال ابن الأثير : أثلة الشيء : أصله (النهاية : ج ۱ ص ۲۳ «أثل») .

2.في بحار الأنوار : «كفؤا» بدل «كُفّا» .

3.دَحاها : بَسَطَها (المصباح المنير : ص ۱۹۰ «دحا») .

4.غَمَصَ : أي استَصغَرَ . وغَمَصَ النعمَةَ : لم يشكرها (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۴۷ «غمص») .

5.من سَلبِ العقل لا سَلبِ البصر ؛ من قولهم : كمُهَ الرّجُل ؛ إذا سُلِبَ عقله ( راجع : تاج العروس : ج ۱۹ ص ۸۷ « كمه » ) .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 152444
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي