281
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10

جاءَ بِهِ كَمَثلِ الرَّأسِ لِلجَسَدِ ، فَما حالُ جَسَدٍ لا رَأسَ لَهُ ؟ ! فَأَمهِل رُوَيدا نَتَجَسَّسُ الأَخبارَ ونَعتَبِرُ الآثارَ ، وَلنَستَشِفَّ ما ألفَينا مِمّا اُفضِيَ إلَينا ، فَإِن آنَسنَا الآيَةَ الجامِعَةَ الخاتِمَةَ لَدَيهِ ، فَنَحنُ إلَيهِ أسرَعُ ولَهُ أطوَعُ ، وإلّا فَاعلَم ما تَذكُرُ ۱ بِهِ النُّبُوَّةَ وَ السِّفارَةَ عَنِ الرَّبِّ الَّذي لا تَفاوُتَ في أمرِهِ ولا تُغايَرَ في حُكمِهِ .
قالَ لَهُ حارِثَةُ : قَد نادَيتَ فَأَسمَعتَ ، وقَرَعتَ ۲ فَصَدَعتَ ، وسَمِعتَ وأَطَعتَ ، فَما هذِهِ الآيَةُ الَّتي أوحَشَ بَعدَ الأُنسَةِ فَقدُها ، وأَعقَبَ الشَّكَّ بَعدَ البَيِّنَةِ عُدمُها ؟ !
وقالَ لَهُ العاقِبُ : قَد أثلَجَكَ أبو قُرَّةَ بِها ، فَذَهَبتَ عَنها في غَيرِ مَذهَبٍ ، وحاوَرتَنا فَأَطَلتَ في غيرِ ما طائِلٍ حِوارَنا ۳ .
قالَ حارِثَةُ : إلى ذلِكَ فَجَلِّهَا الآنَ لي فِداكَ أبي واُمّي .
قالَ العاقِبُ : أفلَحَ مَن سَلَّمَ لِلحَقِّ وصَدَعَ بِهِ ولَم يَرغَب عَنهُ ، وقَد أحاطَ بِهِ عِلما ، فَقَد عَلِمنا وعَلِمتَ مِن أنباءِ الكُتُبِ المُستَودَعَةِ عِلمَ القُرونِ ، وما كانَ وما يَكونُ ، فَإِنَّهَا استَهَلَّت بِلِسانِ كُلِّ اُمَّةٍ مِنهُم ، مُعرِبَةً مُبَشِّرَةً ومُنذِرَةً بِأَحمَدَ النَّبِيِّ العاقِبِ ، الَّذي تُطَبِّقُ اُمَّتُهُ المَشارِقَ وَالمَغارِبَ ، يَملِكُ ـ وشيعَتُهُ مِن بَعدِهِ ـ مُلكا مُؤَجَّلاً يَستَأثِرُ مُقتَبَلُهُم مُلكا عَلَى الأَحَمِّ ۴ مِنهُم بِذلِكَ النَّبِيِّ وتَباعَةَ وبَيتا ۵ .
ويوسِع مِن بَعدِهِم اُمَّتُهُم عُدوانا وهَضما ، فَيَملِكونَ بِذلِكَ سَبتا ۶ طَويلاً ، حَتّى

1.في المصدر : «نذكر» ، والتصويب من بحار الأنوار .

2.في المصدر : «وفزعت» ، والتصويب من بحار الأنوار .

3.في المصدر : «وجاورتها ... وحاورتنا» بدل «وحاورتنا ... حوارنا» ، والتصويب من بحار الأنوار .

4.الحَميم : القريب ، والجمع أحِمّاء (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۱۵۲ «حمم») .

5.في المصدر : «وتباعة وسيما» ، والتصويب من بحار الأنوار ؛ أي على من كان أقرب منهم من جهة المتابعة . والبيت : النسب .

6.السَّبت : الدهر (الصحاح : ج ۱ ص ۲۵۰ «سبت») .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
280

قالوا : وكانَ حارِثَةُ بِنَجرانَ حَثيثا ۱ ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ العاقِبُ وقَد قَطَعَهُ ما فَرَطَ إلَى السَّيِّدِ مِن قَولِهِ ، فَقالَ لَهُ :
عَلَيكَ أخا بَني قَيسِ بنِ ثَعلَبَةَ ، وَ احبِس عَلَيكَ ذَلَقَ ۲ لِسانِكَ ، وما لَم تَزَل تَستَحِمُّ ۳ لَنا مِن مَثابَةِ سَفَهِكَ ، فَرُبَّ كَلِمَةٍ يَرفَعُ صاحِبُها بِها رَأسا قَد ألقَتهُ في قَعرٍ مُظلِمَةٍ ، ورُبَّ كَلِمَةٍ لَأَمَت ورَأَبَت قُلوبا نَغلَةً ۴ ، فَدَع عَنكَ ما يَسبِقُ إلَى القُلوبِ إنكارُهُ ، وإن كانَ عِندَكَ ما يَبينُ اعتِذارُهُ .
ثُمَّ اعلَم أنَّ لِكُلِّ شَيءٍ صورَةً ، وصورَةُ الإِنسانِ العَقَلُ ، وصورَةُ العَقلِ الأَدَبُ ، وَالأَدَبُ أدَبانِ : طباعِيٌّ ومُرتاضِيٌّ ، فَأَفضَلُهُما أدَبُ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ ، ومِن أدَبِ اللّهِ سُبحانَهُ وحِكمَتِهِ أن يُرى لِسُلطانِهِ حَقٌّ لَيسَ لِشَيءٍ مِن خَلقِهِ ؛ لِأَنَّهُ الحَبلُ بَينَ اللّهِ وبَينَ عِبادِهِ ، وَالسُّلطانُ اثنانِ : سُلطانُ مَلَكَةٍ وقَهرٍ ، وسُلطانُ حِكمَةٍ وشَرعٍ ، فَأَعلاهُما فَوقا سُلطانُ الحِكمَةِ ، قَد تَرى يا هذا أنَّ اللّهَ عز و جل قَد صَنَعَ لَنا حَتّى جَعَلَنا حُكّاما وقُوّاما عَلى مُلوكِ مِلَّتِنا ، ومِن بَعدِهِم مِن حَشوَتِهِم وأَطرافِهِم ، فَاعرِف لِذِي الحَقِّ حَقَّهُ أيُّهَا المَرءُ وخَلّاكَ ۵ ذَمٌّ .
ثُمَّ قالَ : وذَكَرتَ أخا قُرَيشٍ وما جاءَ بِهِ مِنَ الآياتِ وَالنُّذُرِ ، فَأَطَلتَ وأَعرَضتَ ، ولَقد بَرَرتَ ۶ ؛ فَنَحنُ بِمُحَمَّدٍ عالِمونَ ، وبِهِ جِدّا موقِنونَ ، شَهِدتُ لَقَد انتَظَمَت لَهُ الآياتُ وَالبَيِّناتُ ، سالِفُها وآنِفُها ، إلّا آيَةً ۷ هِيَ أشفاها وأَشرَفُها ، وإنَّما مَثَلُها فيما

1.رجلٌ حثيثٌ وحَثوث : حادٌّ سريع في أمره ، كأنّ نفسه تحثّه (تاج العروس : ج ۳ ص ۱۸۸ «حثث») . وفي بحار الأنوار : «جنيبا ـ يعني غريبا ـ » بدل «حثيثا» .

2.ذَلَقُ اللسان : حِدّته (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۱۰۹ «ذلق») .

3.في بحار الأنوار : تستخمّ بدل «تَستَحِمُّ» .

4.نَغل قلبه عليَّ : أي ضغن ، يقال : نغلت نيّاتهم ؛ أي فسدت (الصحاح : ج ۵ ص ۱۸۳۲ «نغل») .

5.وخلّاك ذمّ : أي اُعذرت وسقط عنك الذمّ (النهاية : ج ۲ ص ۷۶ «خلل») .

6.في المصدر : «برزت» ، والتصويب من بحار الأنوار .

7.في المصدر : «إنّه» ، والتصويب من بحار الأنوار .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 139383
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي