285
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10

قالَ العاقِبُ : أجَل .
قالَ : فَهَل يَتَخالَجُكَ في ذلِكَ رَيبٌ ، أو يَعرِضُ لَكَ فيهِ ظَنٌّ ؟
قالَ العاقِبُ : كَلّا وَالمَعبودِ ، إنَّ هذا لَأَجلى مِن بُوحٍ ۱ ـ وأَشارَ لَهُ إلى جِرمِ الشَّمسِ المُستَديرِ ـ .
فَأَكَبَّ حارِثَةُ مُطرِقا وجَعَلَ يَنكُتُ فِي الأَرضِ عَجَبا ، ثُمَّ قالَ : إنَّمَا الآفَةُ ـ أيُّهَا الزَّعيمُ المُطاعُ ـ أن يَكونَ المالُ عِندَ مَن يَخزِنُهُ لا مَن يُنفِقُهُ ، وَالسِّلاحُ عِندَ مَن يَتَزَيَّنُ بِهِ لا مَن يُقاتِلُ بِهِ ، وَالرَّأيُ عِندَ مَن يَملِكُهُ لا مَن يَنصُرُهُ .
قالَ العاقِبُ : لَقَد أسمَعتَ ـ يا حُوَيرِثُ ـ فَأَقذَعتَ ۲ ، وطَفِقتَ فَأَقدَمتَ ، فَمَهْ ؟ !
قالَ : اُقسِمُ بِالَّذي قامَتِ ۳ السَّماواتُ وَالأَرَضونَ بِإِذنِهِ ، وغَلَبَتِ الجَبابِرَةُ بِأَمرِهِ ، إنَّهُمَا اسمانِ مُشتَقّانِ لِنَفسٍ واحِدَةٍ ولِنَبِيٍّ واحِدٍ ورَسولٍ واحِدٍ ۴ ، أنذَرَ بِهِ موسَى بنُ عِمرانَ ، وبَشَّرَ بِهِ عيسَى بنُ مَريَمَ ، ومِن قَبلِهِما أشارَ بِهِ صُحُفُ إبراهيمَ عليه السلام .
فَتَضاحَكَ السَّيِّدُ ؛ يُري قَومَهُ ومَن حَضَرَهُم أنَّ ضِحكَهُ هُزءٌ مِن حارِثَةَ وتَعَجُّبٌ .
وَانتَشَطَ ۵ العاقِبُ مِن ذلِكَ ، فَأَقبَلَ عَلى حارِثَةَ مُؤَنِّبا فَقالَ : لا يَغرُركَ باطِلُ أبي قُرَّةَ ، فَإِنَّهُ وإن ضَحِكَ لَكَ فَإِنَّما يَضحَكُ مِنكَ .

1.بُوح : الشمس ؛ سُمّيت بذلك لظهورها (لسان العرب : ج ۲ ص ۴۱۶ «بوح») .

2.القذع : الخنا والفحش ... يقال : قذعته وأقذعته ؛ إذا رميته بالفحش وشتمته (الصحاح : ج ۳ ص ۱۲۶۱ «قذع») .

3.في المصدر : «قامت به ...» ، والتصويب من بحار الأنوار .

4.في المصدر : «واحد لنبي وواحد رسول واحد» بدل «ولنبي واحد ورسول واحد» ، والتصويب من بحار الأنوار .

5.النشط : اللسع باختلاسٍ وسرعةٍ، وكلّ شيء اختُلس فقد انتشط (الفائق في غريب الحديث : ج ۲ ص ۲۷۷ «ضحضح») .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
284

قالَ : وبِمَ ؟ ألَم تَعتَرِف لَهُ بِنُبُوَّتِهِ ورِسالَتِهِ الشَّواهِدُ ؟
قالَ العاقِبُ : بَلى ـ لَعَمرُو اللّهِ ـ ولكِنَّهُما نَبِيّانِ رَسولانِ ، يَعتَقِبانِ ۱ بَينَ مَسيحِ اللّهِ عز و جلوبَينَ السّاعَةِ ، اشتُقَّ اسمُ أحَدِهِما مِن صاحِبِهِ : مُحَمَّدٍ وأَحمَدَ ، بَشَّرَ بِأَوَّلِهِما موسى عليه السلام وبِثانيهِما عيسى عليه السلام ، فَأَخو قُرَيشٍ هذا مُرسَلٌ إلى قَومِهِ ، ويَقفوهُ مِن بَعدِهِ ذُو المُلكِ الشَّديدِ ، وَالأَكلِ الطَّويلِ ، يَبعَثُهُ اللّهُ عز و جلخاتِما لِلدّينِ ، وحُجَّةً عَلَى الخَلائِقِ أجمَعينَ ، ثُمَّ تَأتي مِن بَعدِهِ فَترَةٌ تَتَزايَلُ فيهَا القَواعِدُ مِن مَراسيها ، فَيُعيدُهَا اللّهُ عز و جلويُظهِرُهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ ، فَيَملِكُ هُوَ وَالمُلوكُ الصّالِحونَ مِن عَقِبِهِ جَميعَ ما طَلَعَ عَلَيهِ اللَّيلُ وَالنَّهارُ ، مِن أرضٍ وجَبَلٍ وبَرٍّ وبَحرٍ ، يَرِثونَ أرضَ اللّهِ عز و جل مُلكا كَما وَرِثَهُما أو مَلَكَهُمَا الأَبَوانِ آدَمُ ونوحٌ عليهماالسلام . يُلقَونَ ـ وهُمُ المُلوكُ الأَكابِرُ ـ في مِثلِ هَيئَةِ المَساكينِ بَذاذَةً ۲ وَاستِكانَةً ، فَاُولئِكَ الأَكرَمونَ الأَماثِلُ ، لا يَصلُحُ عِبادُ اللّهِ وبِلادُهُ إلّا بِهِم ، وعَلَيهِم يَنزِلُ عيسَى ابنُ البِكرِ عليه السلام عَلى آخِرِهِم ، بَعدَ مَكثٍ طَويلٍ ومُلكٍ شَديدٍ ، لا خَيرَ فِي العَيشِ بَعدَهُم . وتَردِفُهُم رَجرَجَةُ طَغامٍ ۳ في مِثلِ أحلامِ العَصافيرِ ، وعَلَيهِم تَقومُ السّاعَةُ ، وإنَّما تَقومُ عَلى شِرارِ النّاسِ وأَخابِثِهِم ، فَذلِكَ الوَعدُ الَّذي صَلّى بِهِ اللّهُ عز و جل عَلى أحمَدَ ، كَما صَلّى بِهِ [عَلى] ۴ خَليلِهِ إبراهيمَ عليه السلام في كَثيرٍ مِمّا لِأَحمَدَ صلى الله عليه و آله مِنَ البَراهينِ وَالتَّأييدِ ، الَّذي خَبَّرَت بِهِ كُتُبُ اللّهِ الأُولى .
قالَ حارِثَةُ : فَمِنَ الأَثَرِ المُستَقَرِّ عِندَكَ ـ أبا واثِلَةَ ـ في هذَينِ الاِسمَينِ أنَّهُما لِشَخصَينِ ؛ لِنَبِيَّيَّنِ مُرسَلَينِ ، في عَصرَينِ مُختَلِفَينِ ؟

1.أي يأتي كلّ منهما عقيب صاحبه .

2.البذاذة : رثاثة الهيئة (لسان العرب : ج ۳ ص ۴۷۷ «بذذ») .

3.الرجرجة : الاضطراب (الصحاح : ج ۱ ص ۳۱۷ «رجرج») . والطغام : أوغاد الناس (الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۷۵ «طغم») .

4.ما بين المعقوفين أثبتناه من بحار الأنوار .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 139362
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي