289
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10

قالا : أجَل .
قالَ : اللّهُ أكبَرُ .
قالا : كَبَّرتَ كَبيرا ، فَما دَعاكَ إلى ذلِكَ ؟
قالَ حارِثَةُ : الحَقُّ أبلَجُ ۱ ، وَالباطِلُ لَجلَجٌ ، ولَنَقلُ ماءِ البَحرِ ولَشَقُّ الصَّخرِ أهوَنُ مِن إماتَةِ ما أحياهُ اللّهُ عز و جل وإحياءِ ما أماتَهُ . الآنَ فَاعلَما أنَّ مُحَمَّدا غَيرُ أبتَرٍ ، وأنَّهُ الخاتِمُ الوارِثُ ، وَالعاقِبُ الحاشِرُ حَقّا ، فَلا نَبِيَّ بَعدَهُ ، وعَلى اُمَّتِهِ تَقومُ السّاعَةُ ، ويَرِثُ اللّهُ الأَرضَ ومَن عَلَيها ، وأَنَّ مِن ذُرِّيَّتِهِ الأَميرُ الصّالِحُ الَّذي بَيَّنتُما ونَبَأّتُما أنَّهُ يَملِكُ مَشارِقَ الأَرضِ ومَغارِبَها ، ويُظهِرُهُ اللّهُ عز و جلبِالحَنيفِيَّةِ الإِبراهيمِيَّةِ عَلَى النَّواميسِ كُلِّها .
قالا : أولى لَكَ يا حارِثَةُ ! لَقَد أغفَلناكَ ، وتَأبى إلّا مُراوَغَةً كَالثَّعالِبَةِ ، فَما تَسأَمُ المُنازَعَةَ ، ولا تَمَلُّ مِنَ المُراجَعَةِ ، ولَقَد زَعَمتَ مَعَ ذلِكَ عَظيما ! فَما بُرهانُكَ بِهِ ؟
قالَ : أما ـ وجَدِّكُما ـ لَأُنَبِئُّكُما بِبُرهانٍ يُجيرُ مِنَ الشُّبهَةِ ، ويُشفى بِهِ جَوَى الصُّدورِ . ثُمَّ أقبَلَ عَلى أبي حارِثَةَ حُصَينِ بنِ عَلقَمَةَ شَيخِهِم واُسقُفِّهِمُ الأَوَّلِ ، فَقالَ : إن رَأَيتَ أيُّهَا الأَبُ الأَثيرُ أن تُؤنِسَ قُلوبَنا وتُثلِجَ صُدورَنا بِإِحضارِ الجامِعَةِ وَالزّاجِرَةِ .
قالوا : وكانَ هذَا المَجلِسُ الرّابِعُ مِنَ اليَومِ الرّابِعِ ، وذلِكَ لَمّا حَلَّقَتِ الشَّمسُ ۲ ، وفي زَمَنِ قَيظٍ ۳ شَديدٍ ، فَأَقبَلا عَلى حارِثَةَ فَقالا : أرجِ هذا إلى غَدٍ ؛ فَقَد بَلَغَتِ القُلوبُ مِنّا الصُّدورَ .

1.البلوج : الإشراق ... وصبح أبلج ؛ أي مشرق مضيء (الصحاح : ج ۱ ص ۳۰۰ «بلج») .

2.في المصدر : «وذلك لمّا خَلَّقَتِ الأرضُ ورَكَدَتِ الشمسُ» وما في المتن أثبتناه من بحار الأنوار . وتحليق الشمس : ارتفاعها .

3.القيظ : صميم الصيف (لسان العرب : ج ۷ ص ۴۵۶ «قيظ») .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
288

قالَ حارِثَةُ : العِبَرُ ـ لَعَمرُو اللّهِ ـ كَثيرَةٌ ، وَالاِعتِبارُ بِها قَليلٌ ، وَالدَّليلُ موفٍ عَلى سُنَنِ السَّبيلِ إن لَم يَعشُ عَنهُ ناظِرٌ ، وكَما أنَّ أبصارَ الرَّمِدَةِ لا تَستَطيعُ النَّظَرَ في قُرصِ الشَّمسِ لِسُقمِها ، فَكَذلِكَ البَصائِرُ القَصيرَةُ لا تَتَعَلَّقُ بِنورِ الحِكمَةِ لِعَجزِها ، ألا ومَن كانَ كَذلِكَ فَلَستُماهُ ـ وأَشارَ إلَى السَّيِّدِ وَالعاقِبِ ـ إنَّكُما ـ ويَمينُ اللّهِ ـ لَمَحجوجانِ بِما آتاكُمَا اللّهُ عز و جل مِن ميراثِ الحِكمَةِ ، وَاستَودَعَكُما مِن بَقايَا الحُجَّةِ ، ثُمَّ بِما أوجَبَ لَكُما مِنَ الشَّرَفِ وَالمَنزِلَةِ فِي النّاسِ ، فَقَد جَعَلَ اللّهُ عز و جل مَن آتاهُ سُلطانا مُلوكا لِلنّاسِ وأَربابا ، وجَعَلَكُما حَكَما وقُوّاما عَلى مُلوكِ مِلَّتِنا ، وذادَةً ۱ لَهُم يَفزَعونَ إلَيكُما في دينِهِم ولا تَفزَعانِ إلَيهِم ، وتَأمُرانِهِم فَيَأتَمِرونَ لَكُما ، وحَقٌّ لِكُلِّ مَلِكٍ أو مُوَطَّإِ الأَكنافِ ، أن يَتَواضَعَ للّهِِ عز و جل إذ رَفَعَهُ ، وأَن يَنصَحَ للّهِِ عز و جل في عِبادِهِ ، ولا يَدَّهِنَ ۲ في أمرِهِ .
وذَكَرتُما مُحَمَّدا بِما حَكَمَت لَهُ الشَّهاداتُ الصّادِقَةُ ، وبَيَّنَتهُ فيهِ الأَسفارُ المُستَحفَظَةُ ، ورَأَيتُماهُ مَعَ ذلِكَ مُرسَلاً إلى قَومِهِ لا إلَى النّاسِ جَميعاً ، وأَن لَيسَ بِالخاتِمِ الحاشِرِ ۳ ولَا الوارِثِ العاقِبِ ؛ لِأَنَّكُما زَعَمتُماهُ أبتَرَ ، ألَيسَ كَذلِكَ ؟
قالا : نَعَم .
قالَ : أ رَأَيتُكُما لَو كانَ لَهُ بَقِيَّةٌ وعَقِبٌ هَل كُنتُما مُمتَرِيانِ ـ لِما تَجِدانِ وبِما تُكَذِّبانِ مِنَ الوَراثَةِ وَالظُّهورِ عَلَى النَّواميسِ ـ أنَّهُ النَّبِيُّ الخاتِمُ ، وَالمُرسَلُ إلى كافَّةِ البَشَرِ ؟
قالا : لا .
قالَ : أفَلَيسَ هذَا القيلُ لِهذِهِ الحالِ مَعَ طولِ اللَّوائِمِ وَالخَصائِمِ عِندَكُما مُستَقَرّا ؟

1.أذدت الرجل : أعنته على ذياد إبله ، ورجل ذائد وذوّاد ؛ أي حامي الحقيقة (الصحاح : ج ۲ ص ۴۷۱ «ذود») .

2.المداهنة كالمصانعة ، والادّهان مثله (الصحاح : ج ۵ ص ۲۱۱۶ «دهن») .

3.الحاشِرُ : الذي يُحشَرُ الناس خَلفَهُ وعلى مِلّتِهِ دون مِلَّةِ غيره (النهاية : ج ۱ ص ۳۸۸ «حشر») .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 139339
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي