الجامِعَةُ بَلَغَ ذلِكَ مِنَ السَّيِّدِ وَالعاقِبِ كُلَّ مَبلَغٍ ؛ لِعِلمِهِما بِما يَهجُمانِ عَلَيهِ في تَصَفُّحِهِما مِن دَلائِلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وصِفَتِهِ ، وذِكرِ أهلِ بَيتِهِ وأَزواجِهِ وذُرِّيَّتِهِ ، وما يَحدُثُ في اُمَّتِهِ وأَصحابِهِ مِن بَوائِقِ الاُمورِ مِن بَعدِهِ إلى فَناءِ الدُّنيا وَانقِطاعِها .
فَأَقبَلَ أحَدُهُما عَلى صاحِبِهِ فَقالَ : هذا يَومٌ ما بورِكَ لَنا في طُلوعِ شَمسِهِ ! لَقَد شَهِدَتهُ أجسامُنا وغابَت عَنهُ آراؤُنا بِحُضورِ طَغامِنا ۱ وسَفَلَتِنا ، ولَقَلَّما شَهِدَ سُفَهاءُ قَومٍ مَجمَعَةً إلّا كانَت لَهُمُ الغَلَبَةُ .
قالَ الآخَرُ : فَهُم شَرُّ غالِبٍ لِمَن غَلَبَ ، إنَّ أحَدَهُم لَيُفيقُ ۲ بِأَدنى كَلِمَةٍ ، ويَفسُدُ في بَعضِ ساعَةٍ ، ما لا يَستَطيعُ الآسِي الحَليمُ لَهُ رَتقا ، ولَا الخَوَلِيُّ ۳ النَّفيسُ إصلاحا لَهُ في حَولٍ مُحَرَّمٍ ؛ ذلِكَ لِأَنَّ السَّفيهَ هادِمٌ وَالحَليمَ بانٍ ، وشَتّانَ بَينَ البِناءِ وَالهَدمِ .
قالَ : فَانتَهَزَ حارِثَةُ الفُرصَةَ فَأَرسَلَ في خُفيَةٍ وسِرٍّ إلَى النَّفَرِ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَاستَحضَرَهُمُ استِظهارا بِمَشهَدِهِم ، فَحَضَروا ، فَلَم يَستَطِعِ الرَّجُلانِ فَضَّ ذلِكَ المَجلِسِ ولا إرجاءَهُ ، وذلِكَ لِما تَبَيَّنا ۴ مِن تَطَلُّعِ عامَّتِهِما مِن نَصارى نَجرانَ إلى مَعرِفَةِ ما تَضَّمَنَتِ الجامِعَةُ مِن صِفَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَانبِعاثِهِم ۵ لَهُ مَعَ حُضورِ رُسُلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِذلِكَ ، وتَأليبِ حارِثَةَ عَلَيهِما فيهِ ، وصَغوِ ۶ أبي حارِثَةَ شَيخِهِم إلَيهِ .
1.في المصدر : «طغاتنا» ، والتصويب من بحار الأنوار . والطَّغام : أوغاد الناس وأرذالهم (تاج العروس : ج ۱۷ ص ۴۴۱ «طغم») .
2.في بحار الأنوار : «ليفتق» .
3.الخَوَلّيُّ : القَيِّمُ بأمر الإبل وإصلاحها ، من التخوّل : التعهّدُ وحسنُ الرعاية (النهاية : ج ۲ ص ۸۸ «خول») .
4.في المصدر : «بيّنا» ، والتصويب من بحار الأنوار .
5.في المصدر : «وانبعاث» ، والتصويب من بحار الأنوار .
6.صَغا إليه : مالَ ( لسان العرب : ج ۱۴ ص ۴۶۱ «صغا») .