307
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10

للّهِِ عز و جل عَبدٌ ، وذلِكَ عَلَيهِ غَيرُ عارٍ ، وهُوَ مِنهُ غَيرُ مُستَنكِفٍ ، فَقَد كانَ لَحما ودَما وشَعرا وعَظما وعَصَبا وأَمشاجا ۱ ، يَأكُلُ الطَّعامَ ويَظمَأُ ويَنصَبُ بِأَرَبِهِ ، ورَبُّهُ الأَحَدُ الحَقُّ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، ولَيسَ لَهُ نِدٌّ .
قالوا : فَأَرِنا مِثلَهُ مَن جاءَ مِن غَيرِ فَحلٍ ولا أبٍ ؟
قالَ : هذا آدَمُ عليه السلام أعجَبُ مِنهُ خَلقا ، جاءَ مِن غَيرِ أبٍ ولا اُمٍّ ، ولَيسَ شَيءٌ مِنَ الخَلقِ بِأَهوَنَ عَلَى اللّهِ عز و جل في قُدرَتِهِ مِن شَيءٍ ولا أصعَبَ ، «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْـ?ا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ »۲ . وتَلا عَلَيهِم : « إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ »۳ .
قالا : فَما نَزدادُ مِنكَ في أمرِ صاحِبِنا إلّا تَبايُنا ، وهذَا الأَمرُ الَّذي لا نُقِرُّ لَكَ ، فَهَلُمَّ فَلنُلاعِنكَ أيُّنا أولى بِالحَقِّ فَنَجعَلَ لَعنَةَ اللّهِ عَلَى الكاذِبينَ ، فَإِنَّها مُثلَةٌ وآيَةٌ مُعَجَّلَةٌ .
فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل آيَةَ المُباهَلَةِ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : « فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ »۴ ، فَتَلا عَلَيهِم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما نَزَلَ عَلَيهِ في ذلِكَ مِنَ القُرآنِ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ قَد أمَرَني [أن] ۵ أصيرَ إلى مُلتَمَسِكُم ، وأَمَرَني بِمُباهَلَتِكُم إن أقَمتُم وأَصرَرتُم عَلى قَولِكُم .
قالا : وذلِكَ آيَةُ ما بَينَنا وبَينَكَ ، إذا كانَ غَدا باهَلناكَ .

1.ما بين المعقوفين أثبتناه من بحار الأنوار .

2.أمشاجٍ : أي أخلاطٍ من الدم (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۷۶۹ «مشبح») .

3.يس : ۸۲ .

4.آل عمران : ۵۹ .

5.آل عمران : ۶۱ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
306

فَقاموا يُصَلّونَ إلَى المَشرِقِ ، فَأَرادَ النّاسُ أن يَنهَوهُم عَن ذلِكَ ، فَكَفَّهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ أمهَلَهُم وأَمهَلوهُ ثَلاثا ، فَلَم يَدعُهُم ولَم يَسأَلوهُ لِيَنظُروا إلى هَدْيِهِ ، ويَعتَبِروا ما يُشاهِدونَ مِنهُ مِمّا يَجِدونَ مِن صِفَتِهِ ، فَلَمّا كانَ بَعدَ ثالِثَةٍ دَعاهُم صلى الله عليه و آله إلَى الإِسلامِ .
فَقالوا : يا أبَا القاسِمِ ، ما أخبَرَتنا كُتُبُ اللّهِ عز و جل بِشَيءٍ مِن صِفَةِ النَّبِيِّ المَبعوثِ بَعدَ الرّوحِ عيسى عليه السلام إلّا وقَد تَعَرَّفناهُ فيكَ ، إلّا خَلَّةً هِيَ أعظَمُ الخِلالِ آيَةً ومَنزِلَةً ، وأَجلاها أمارَةً ودَلالَةً !
قالَ صلى الله عليه و آله : وما هِيَ ؟
قالوا : إنّا نَجِدُ فِي الإِنجيلِ مِن صِفَةِ النَّبِيِّ الغابِرِ مِن بَعدِ المَسيحِ أنَّهُ يُصَدِّقُ بِهِ ويُؤمِنُ بِهِ ، وأَنتَ تَسُبُّهُ وتُكَذِّبُ بِهِ ، وتَزعُمُ أنَّهُ عَبدٌ !
قالَ : فَلَم تَكُن خُصومَتُهُم ولا مُنازَعَتُهُم لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلّا في عيسى عليه السلام .
فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لا ، بَل اُصَدِّقُهُ واُصَدِّقُ بِهِ واُؤمِنُ بِهِ ، وأَشهَدُ أنَّهُ النَّبِيُّ المُرسَلُ مِن رَبِّهِ عز و جل ، وأَقولُ : إنَّهُ عَبدٌ لا يَملِكُ لِنَفسِهِ نَفعا ولا ضَرّا ولا مَوتا ولا حَياةً ولا نُشورا .
قالوا : وهَل يَستَطيعُ العَبدُ أن يَفعَلَ ما كانَ يَفعَلُ ؟ ! وهَل جاءَتِ الأَنبِياءُ بِما جاءَ بِهِ مِنَ القُدرَةِ القاهِرَةِ ؟ أ لَم يَكُن يُحيِي المَوتى ويُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ ، ويُنَبِّئُهُم بِما يُكِنّونَ في صُدورِهِم وما يَدَّخِرونَ في بُيوتِهِم ؟ فَهَل يَستَطيعُ هذا إلَا اللّهُ عز و جل أوِ ابنُ اللّهِ ؟ !
وقالوا فِي الغُلُوِّ فيهِ وأَكثَروا ، تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ عُلُوّا كَبيرا .
فَقالَ صلى الله عليه و آله : قَد كانَ عيسى أخي كَما قُلتُم ، يُحيِي المَوتى ويُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ ، ويُخبِرُ قَومَهُ بِما في نُفوسِهِم وبِما يَدَّخِرونَ في بُيوتِهِم ، وكُلُّ ذلِكَ بِإِذنِ اللّهِ عز و جل ، وهُوَ

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 138843
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي