للّهِِ عز و جل عَبدٌ ، وذلِكَ عَلَيهِ غَيرُ عارٍ ، وهُوَ مِنهُ غَيرُ مُستَنكِفٍ ، فَقَد كانَ لَحما ودَما وشَعرا وعَظما وعَصَبا وأَمشاجا ۱ ، يَأكُلُ الطَّعامَ ويَظمَأُ ويَنصَبُ بِأَرَبِهِ ، ورَبُّهُ الأَحَدُ الحَقُّ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، ولَيسَ لَهُ نِدٌّ .
قالوا : فَأَرِنا مِثلَهُ مَن جاءَ مِن غَيرِ فَحلٍ ولا أبٍ ؟
قالَ : هذا آدَمُ عليه السلام أعجَبُ مِنهُ خَلقا ، جاءَ مِن غَيرِ أبٍ ولا اُمٍّ ، ولَيسَ شَيءٌ مِنَ الخَلقِ بِأَهوَنَ عَلَى اللّهِ عز و جل في قُدرَتِهِ مِن شَيءٍ ولا أصعَبَ ، «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْـ?ا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ »۲ . وتَلا عَلَيهِم : « إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ »۳ .
قالا : فَما نَزدادُ مِنكَ في أمرِ صاحِبِنا إلّا تَبايُنا ، وهذَا الأَمرُ الَّذي لا نُقِرُّ لَكَ ، فَهَلُمَّ فَلنُلاعِنكَ أيُّنا أولى بِالحَقِّ فَنَجعَلَ لَعنَةَ اللّهِ عَلَى الكاذِبينَ ، فَإِنَّها مُثلَةٌ وآيَةٌ مُعَجَّلَةٌ .
فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل آيَةَ المُباهَلَةِ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : « فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ »۴ ، فَتَلا عَلَيهِم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما نَزَلَ عَلَيهِ في ذلِكَ مِنَ القُرآنِ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ قَد أمَرَني [أن] ۵ أصيرَ إلى مُلتَمَسِكُم ، وأَمَرَني بِمُباهَلَتِكُم إن أقَمتُم وأَصرَرتُم عَلى قَولِكُم .
قالا : وذلِكَ آيَةُ ما بَينَنا وبَينَكَ ، إذا كانَ غَدا باهَلناكَ .