حَواصِلِها ، وما عَلَيها للّهِِ عز و جل مِن تَبِعَةٍ ، لَيسَ ذلِكَ إلّا ما قَد أظَلَّ مِنَ العَذابِ ! وَانظُرا إلَى اقشِعرارِ الجِبالِ ، وإلَى الدُّخانِ المُنتَشِرِ ، وقَزَعِ السَّحابِ ، هذا ونَحنُ في حَمارَّةِ القَيظِ ۱ وإبّانِ الهَجيرِ ! وَانظُروا إلى مُحَمَّدٍ رافِعا يَدَهُ وَالأَربَعَةُ مِن أهلِهِ ۲ مَعَهُ ، إنَّما يَنتَظِرُ ما تُجيبانِ بِهِ ، ثُمَّ اعلَموا أنَّهُ إن نَطَقَ فوهُ بِكَلِمَةٍ مِن بَهلَةٍ ، لَم نَتَدارَكَ هَلاكا ، ولَم نَرجِع إلى أهلٍ ولا مالٍ .
فَنَظَرا فَأَبصَرا أمرا عَظيما ، فَأَيقَنا أنَّهُ الحَقُّ مِنَ اللّهِ تَعالى ، فَزَلزَلَت أقدامُهُما ، وكادَت أن تَطيشَ عُقولُهُما ، وَاستَشعرا أنَّ العَذابَ واقِعٌ بِهِما .
فَلَمّا أبصَرَ المُنذِرُ بنُ عَلقَمَةَ ما قَد لَقِيا مِنَ الخيفَةِ وَالرَّهبَةِ ، قالَ لَهُما : إنَّكُما إن أسلَمتُما لَهُ سَلِمتُما في عاجِلِهِ وآجِلِهِ ۳ ، وإن آثَرتُما دينَكُما وغَضارَةَ مِلَّتِكُما ۴ وشَحَحتُما بِمَنزِلَتِكُم مِنَ الشَّرَفِ في قَومِكُما ، فَلَستُ أحجُرُ عَلَيكُمَا الضَّنينَ بِما نِلتُما مِن ذلِكَ ، ولكِنَّكُما بَدَهتُما مُحَمَّدا بِتَطَلُّبِ المُباهَلَةِ ، وجَعَلتُماها حِجازا وآيَةً بَينَكُما وبَينَهُ ، وشَخَصتُما مِن نَجرانَ وذلِكَ مِن تَأَلّيكُما ، فَأَسرَعَ مُحَمَّدٌ إلى ما بَغَيتُما مِنهُ ، وَالأَنبِياءُ إذا أظهَرَت بِأَمرٍ لَم تَرجِع إلّا بِقَضائِهِ وفِعلِهِ ، فَإِذا نَكَلتُما عَن ذلِكَ ، وأَذهَلَتكُما مَخافَةُ ما تَرَيانِ ، فَالحَظُّ فِي النُّكولِ لَكُما ، فَالوَحا ۵ ـ يا إخوَتي ـ الوَحا ، صالِحا مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله وأَرضِياهُ ، ولا تُرجِئا ذلِكَ ؛ فَإِنَّكُما ـ وأَنَا مَعَكُما ـ بِمَنزِلَةِ قَومِ يونُسَ لَمّا غَشِيَهُمُ العَذابُ !
قالا : فَكُن أنتَ ـ يا أبَا المُثَنَّى ـ أنتَ الَّذي تَلقى مُحَمَّدا بِكِفالَةِ ما يَبتَغيهِ لَدَينا ،
1.حمارَّة القَيظ : أي شدّة الحَرّ (النهاية : ج ۱ ص ۴۳۹ «حمر») .
2.في المصدر «أهل» ، والتصويب من بحارالأنوار .
3.في بحار الأنوار : «في عاجلةٍ وآجلةٍ» .
4.في طبعة دار الكتب الإسلامية و بحار الأنوار : «أيكتكما» بدل «ملّتكما» .
5.الوَحا الوَحا : أي السرعة السرعة (النهاية : ج ۵ ص ۱۶۳ «وحا») .