93
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10

اللّه تعالى والإنسان ، فالامتحان الإلهي له هدف آخر ، فالإنسان يلجأ إلى الاختبار لاكتشاف الحقيقة بسبب قصور علمه ولكن هذا المعنى غير معقول بالنسبة إلى العالم المطلق ! وبناء على ذلك فإن للاختبار الإلهي معنى آخر .
يقول الراغب الإصفهاني في بيان معنى البلاء الإلهي :
وإذا قيلَ : اِبتَلى فُلانٌ كَذا وأَبلاهُ فَذلِكَ يَتَضَمَّنُ أمرَينِ : أحَدُهُما تَعَرُّفُ حالِهِ وَالوُقوفُ عَلى ما يُجهَلُ مِن أمرِهِ . وَالثّاني : ظُهورُ جَودَتِهِ ورَداءَتِهِ ، ورُبَّما قُصِدَ بِهِ الأَمرانِ ، ورُبَّما يُقصَدُ بِهِ أحَدُهُما ، فَإِذا قيلَ فِي اللّهِ تَعالى : بَلا كَذا وأَبلاهُ فَلَيسَ المُرادُ مِنهُ إلّا ظُهورَ جَودَتِهِ ورَداءَتِهِ ، دونَ التَّعَرُّفِ لِحالِهِ وَالوقوفِ عَلى ما يُجهَلُ مِن أمرِهِ إذ كانَ اللّهُ عَلّامَ الغُيوبِ . ۱
وإيضاح ذلك هو أنّ الامتحان والاختبار قد يكونان أحياناً بهدف الكشف عن حقيقة أمرٍ غير واضح للمختبِر ، ويكونان أحياناً لإماطة اللثام عن شيء تكون حقيقته واضحة للمختبر .
ويتحقّق النوع الثاني من الاختبار من خلال طريقين :
الطريق الأول : أن يكشف المختبر النقاب عن حقيقة ما بُغية أن تتّضح هذه الحقيقة كما هي .
الطريق الثاني : أن يهيّئ المختبِر الأرضيّة لنموّ شيء ورعايته إلى أن تتضح قابلياته وقدراته الكامنة على إثر نموّه وازدهاره ، مثل : تهيئة الظروف المطلوبة لنموّ حبّة أو نواة ما وتكاملها ، بحيث تكشف عن استعداداتها وخصوصياتها الكامنة .
والملاحظة التي تثير الاهتمام أنّ الاختبار في الصورة الثانية لا يعني الكشف عن السرّ الخفيّ ، بل يعني تنمية الاستعدادات الكامنة . وابتلاء اللّه ـ تعالى ـ للعباد هو بالمعنى الأخير بالضبط . وعلى هذا الأساس ، فإنّ فلسفة الاختبار الإلهي ،

1.مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۴۶ .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
92

الاختبار ، ولكن يبدو أنّ هناك ثمّة تفاوت فيما بينها في نوع الاختبار ودرجاته ، رغم أنّها قد تستعمل أحياناً بدلاً من بعضها البعض من باب التوسّع والتسامح ، وربما أمكننا القول ، مع الأخذ بنظر الاعتبار المادة اللغوية ، أنّ «الامتحان» يطلق على البلاء الذي يكون أدقّ من «الاختبار» ؛ ذلك لأن الاختبار يكون مع الشدّة ومع غيرها ، أمّا الامتحان فيقترن عادة مع المحنة والشدّة . كما أنّ «البلاء» أدقّ من الامتحان وأشدّ ، و«الفتنة» أصعب أنواع الاختبار وأدقّها . ۱

البلاء في الكتاب والسنة

استُخدمت كلمة البلاء ومشتقّاتها ثمان وثلاثين مرّة في القرآن ، ويراد منها جميعا ـ تقريباً ـ الاختبار الإلهي للإنسان ، كما استخدمت كلمة «الفتنة» ومشتقّاتها ستّين مرة في القرآن ، حيث جاء البعض منها ۲ بهذا المعنى ، وكذا استخدمت مادة «امتحان» مرّتين ۳ في القرآن بمعنى الاختبار الإلهي .

معنى الاختبار الإلهي

عندما يطرح موضوع الاختبار الإلهي ، يتبادر السؤال التالي إلى الذهن : إنّ من يحتاج إلى الامتحان والاختبار هو الذي لا يعلم بنتيجة الامتحان وعاقبة الأمر ، وبناءً على ذلك فما حاجة اللّه تعالى العالِم بكلّ شيء والذي يتساوى عنده الظاهر والباطن ، إلى ابتلاء عباده؟ وباختصار ما هي الحكمة من البلاء الإلهي؟!
للإجابة على هذا السؤال نقول : إنّه ممّا لاشكّ فيه أنّ مفهوم البلاء مختلف بشأن

1.ورد في معجم الفروق اللغوية ص ۳۹۶ : «الفرق بين الفتنة والاختبار : أنّ الفتنة أشدّ الاختبار وأبلغه ، وأصله عرض الذهب على النار لتبيّن صلاحه من فساده» .

2.العنكبوت : ۳ ، الأنعام : ۵۳ ، الأعراف : ۱۵۵ ، طه : ۴۰ و ۸۵ و۹۰ ، ص : ۲۴ و ۳۴ ، الدخان : ۱۷ و . . .

3.الحجرات : ۳ و الممتحنة : ۱۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 118474
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي