95
موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10

وبناء على ذلك ، يمكن القول إن البلاء الإلهي في مفهوم القرآن والحديث هو إعداد الأرضية لتكامل الإنسان أو انحطاطه اختيارياً ۱ .

حكمة الابتلاء الإلهي

من خلال التأمل في معنى الابتلاء الإلهي تتّضح لنا حكمته أيضاً ، فالحكمة من الاختبار والهدف الرئيس منه هما نموّ قدرات الإنسان وازدهارها ، نعم قد يسيء الإنسان استغلال إرادته فيفشل في هذا الاختبار ويسلك طريق الانحطاط بدلاً من طريق التكامل ، وبناء على ذلك ، فإن ماجاء في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة حول الحكمة من الابتلاء الإلهي ، مثل : ظهور الاعتقاد القلبي بالإسلام ومدى خلوصه وقوته ، اتضاح التقوى ومستوى خلوصها وثباتها ، انكشاف التقوى ومدى طاعة اللّه تعالى ، تعيين الأشخاص الذين يتمتعون بكمالات أكثر وما إلى ذلك ۲ . . . كل ذلك منصب بلحاظ الهدف الرئيس من الاختبار الإلهي ، أي التكامل الاختياري للإنسان .

الابتلاء ، سنّة إلهيّة شاملة ومستمرّة

يتّضح من خلال الأخذ بنظر الاعتبار معنى الابتلاء الإلهي وحكمته ، أنّ جميع الكائنات التي تتمتع بالإرادة والاختيار ، ويكون تكاملها اختيارياً ، ليس أمامها من طريق سوى الاختبار والابتلاء بغية بلوغ الهدف من خلقها . ولذلك ، فإن الاختبار هو من جملة السنن الإلهية الأكيدة والشاملة ۳ . يقول القرآن الكريم حول جريان

1.جدير ذكره أنّ هذا المعنى ، هو الحكمة الرئيسية من الابتلاء الإلهي ، وهناك حكم اُخرى أيضاً يمكن أن تترتب عليه وهي حكم فرعية ، مثل بيان مرتبة الإنسان الكامل ، أو إبليس بالنسبة إلى الملائكة .

2.راجع : ص ۱۶۷ ( الفصل الثاني : حكمة البلاء ) .

3.راجع : ص ۱۰۱ ( الفصل الأول : الابتلاء سنة من سنن اللّه عز و جل ) .


موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
94

ليست معرفة السر الخفيّ ، أو إظهاره للآخرين ، بل إنّ الحكمة منه هي تنمية الاستعدادات والقدرات الكامنة في الإنسان بإراداته واختياره .
وتوضيح أنّ تكامل الإنسان اختياري ، هو أنّه قد أودع في صلب وجوده منذ بدء الخليقة نوعين من القدرات المتضادة تسمّى إحداهما العقل ، والاُخرى الشهوة ، وهذا التركيب العجيب ، يهيّئ أرضية نموّ الإنسان بشكل بحيث يمكنه أن يتفوّق على الملائكة ، كما أنّ من شأنه أن يهيّئ أرضية انحطاطه حتى يغدو أدنى من البهائم ۱ ، والاختبار الإلهي ليس إلاّ إعداد أدوات وإمكانيات التكامل الاختياري ، أو الانحطاط الإرادي ۲ .
وقد جاء في رواية عن الإمام علي عليه السلام في تفسير قوله تعالى : « وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ »۳ يقول فيها :
أنَّهُ يَختَبِرُهُم بِالأَموالِ وَالأَولادِ ؛ لِيَتَبَيَّنَ السّاخِطَ لِرِزقِهِ وَالرّاضِيَ بِقِسمِهِ ، وإن كانَ سُبحانَهُ أعلَمَ بِهِم مِن أنفُسِهِم ، ولكِن لِتَظهَرَ الأَفعالُ الَّتي بِها يُستَحَقُّ الثَّوابُ وَالعِقابُ . ۴
كما جاء في رواية اُخرى عنه عليه السلام :
ألا إنَّ اللّهَ تَعالى قَد كَشَفَ الخَلقَ كَشفَةً ، لا أنَّهُ جَهِلَ ما أخفَوهُ مِن مَصونِ أسرارِهِم ومَكنونِ ضَمائِرِهِم ، ولكِن لِيَبلُوَهُم أيُّهُم أحسَنُ عَمَلاً ، فَيَكونَ الثَّوابُ جَزاءً ، وَالعِقابُ بَواءً ۵ . ۶

1.راجع : هذه الموسوعة: ج ۵ ص ۴۳۹ ( الفصل الأوّل :تعريف الإنسان / تركيب العقل والشهوة ) .

2.«كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلَاءِ وَ هَـؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَ مَا كَانَ عَطَـاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا » (الإسراء : ۲۰) .

3.الأنفال : ۲۸ .

4.راجع : ص ۱۷۲ ح ۱۱۱۹۲ .

5.قوله : «والعقاب بواءً»: أي مكافأةً (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۹ ص ۸۵ ) .

6.راجع : ص ۱۷۴ ح ۱۱۱۹۷.

  • نام منبع :
    موسوعة معارف الکتاب و السنّة ج10
    سایر پدیدآورندگان :
    المسعودي، عبدالهادي؛ الطباطبائي، محمد کاظم؛ الأفقي، رسول؛ الموسوي، رسول
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 120227
الصفحه من 531
طباعه  ارسل الي