راجع : ص 324 (الأعمال المختصّة بالعشر الأواخر / الدعاء) .
نكتة لطيفة
قالَ السيّد ابن طاووس قدس سره : كنت في ليلة جليلة من شهر رمضان بعد تصنيف هذا الكتاب بزمان ، وأنا أدعو في السّحر لمن يجب أو يحسن تقديم الدعاء له ولي ولمن يليق بالتّوفيق أن أدعو له ، فورد على خاطري أنّ الجاحدين للّه ـ جلّ جلاله ـ ولنعمه والمستخفّين بحرمته ، والمبدّلين لحكمه في عباده وخليقته ، ينبغي أن يبدأ بالدّعاء لهم بالهداية من ضلالتهم ؛ فإنّ جنايتهم على الرّبوبية ، والحكمة الإلهيّة، والجلاله النّبويّة أشدّ من جنايه العارفين باللّه وبالرّسول صلوات اللّه عليه وآله. 
 فيقتضي تعظيم اللّه وتعظيم جلاله ، وتعظيم رسوله صلى الله عليه و آله وحقوق هدايته بمقاله وفعاله ، أن يقدّم الدّعاء بهداية من هو أعظم ضرراً ، وأشدّ خطراً ، حيث لم يقدر أن يزال ذلك بالجهاد ، ومنعهم من الإلحاد والفساد . 
 أقول : فدعوت لكلّ ضالّ عن اللّه بالهداية إليه ، ولكلّ ضالّ عن الرّسول بالرّجوع إليه ، ولكلّ ضالّ عن الحقّ بالاعتراف به والاعتماد عليه . 
 ثمّ دعوت لأهل التّوفيق والتّحقيق بالثّبوت على توفيقهم ، والزّيادة في تحقيقهم ، ودعوت لنفسي ومن يعنيني أمره بحسب ما رجوته من التّرتيب الّذي يكون أقرب إلى من أتضرّع إليه ، وإلى مراد رسوله صلى الله عليه و آله ، وقد قدّمت مهمّات الحاجات بحسب ما رجوت أن يكون أقرب إلى الإجابات . 
 أفلا ترى ما تضمّنه مقدّس القرآن من شفاعة إبراهيم عليه السلام في أهل الكفران!؟ 
 فقال اللّه جل جلاله : «يُجَـدِلُنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَ هِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّ هٌ مُّنِيبٌ »۱ ، فمدحه جلّ جلاله على حلمه وشفاعته ومجادلته في قوم لوط ، الّذين قد بلغ كفرهم إلى تعجيل نقمته . 
 أما رأيت ما تضمّنته أخبار صاحب الرّسالة ـ وهو قدوة أهل الجلالة ـ كيف كان كلّما آذاه قومه الكفّار وبالغوا فيما يفعلون . قال صلوات اللّه عليه وآله : «اللّهُمَّ اغفِر لِقَومي ؛ فَإِنَّهُم لا يَعلَمونَ» . 
 أما رأيت الحديث عن عيسى عليه السلام : «كُن كَالشَّمسِ تَطلُعُ عَلَى البَرِّ وَالفاجِرِ»!؟ وقول نبيّنا صلوات اللّه عليه وآله : «اِصنَعِ الخَيرَ إلى أهلِهِ وإلى غَيرِ أهلِهِ ؛ فَإِن لَم يَكُن أهلَهُ فَكُن أنتَ أهلَهُ» . وقد تضمّن ترجيح مقام المحسنين إلى المسيئين قوله جلّ جلاله : «لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَـرِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ »۲ ، ويكفي أنّ محمّداً صلى الله عليه و آلهبعث رحمةً للعالمين . ۳