۳۱.الإمام الحسين عليه السلام :كُنّا جُلوسا فِي المَسجِدِ إذ صَعِدَ المُؤَذِّنُ المَنارَةَ فَقالَ : «اللّهُ أكبَرُ اللّهُ أكبَرُ» ، فَبَكى أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام وبَكَينا لِبُكائِهِ ، فَلَمّا فَرَغَ المُؤَذِّنُ قالَ : أتَدرونَ ما يَقولُ المُؤَذِّنُ ؟ قُلنا : اللّهُ ورَسولُهُ ووَصِيُّهُ أعلَمُ ! قالَ : لَو تَعلَمونَ ما يَقولُ لَضَحِكتُم قَليلاً ولَبَكَيتُم كَثيرا ! فَلِقَولِهِ : «اللّهُ أكبَرُ» مَعانٍ كَثيرَةٌ :
مِنها : أنَّ قَولَ المُؤَذِّنِ : «اللّهُ أكبَرُ» يَقَعُ عَلى قِدَمِهِ وأزَلِيَّتِهِ وأبَدِيَّتِهِ وعِلمِهِ وقُوَّتِهِ وقُدرَتِهِ وحِلمِهِ وكَرَمِهِ وجودِهِ وعَطائِهِ وكِبرِيائِهِ ، فَإِذا قالَ المُؤَذِّنُ : «اللّهُ أكبَرُ» فَإِنَّهُ يَقولُ : اللّهُ الَّذي لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ وبِمَشِيَّتِهِ كانَ الخَلقُ ، ومِنهُ كُلُّ شَيءٍ لِلخَلقِ ، وإلَيهِ يَرجِعُ الخَلقُ ، وهُوَ الأَوَّلُ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ لَم يَزَل ، وَالآخِرُ بَعدَ كُلِّ شَيءٍ لا يَزالُ ، وَالظّاهِرُ فَوقَ كُلِّ شَيءٍ لا يُدرَكُ ، وَالباطِنُ دونَ كُلِّ شَيءٍ لا يُحَدُّ ، وهُوَ الباقي وكُلُّ شَيءٍ دونَهُ فانٍ .
وَالمَعنَى الثّاني : «اللّهُ أكبَرُ» أيِ العَليمُ الخَبيرُ عَلَيهِم ۱ بِما كانَ ويَكونُ قَبلَ أن يَكونَ .
وَالثّالِثُ : «اللّهُ أكبَرُ» أيِ القادِرُ عَلى كُلِّ شَيءٍ ، يَقدِرُ عَلى ما يَشاءُ ، القَوِيُّ لِقُدرَتِهِ ، المُقتَدِرُ عَلى خَلقِهِ ، القَوِيُّ لِذاتِهِ ، قُدرَتُهُ قائِمَةٌ عَلَى الأَشياءِ كُلِّها ، إذا قَضى أمرا فَإِنَّما يَقولُ لَهُ : كُن ، فَيَكونُ .
وَالرّابِعُ : «اللّهُ أكبَرُ» عَلى مَعنى حِلمِهِ وكَرَمِهِ ، يَحلُمُ كَأَنَّهُ لا يَعلَمُ ، ويَصفَحُ كَأَنَّهُ لا يَرى ، ويَستُرُ كَأَنَّهُ لا يُعصى ، لا يَعجَلُ بِالعُقوبَةِ كَرَما وصَفحا وحِلما .
وَالوَجهُ الآخَرُ في مَعنى «اللّهُ أكبَرُ» ؛ أيِ الجَوادُ جَزيلُ العَطاءِ كَريمُ الفِعال . ۲
وَالوَجهُ الآخَرُ : «اللّهُ أكبَرُ» فيهِ نَفيُ صِفَتِهِ وكَيفِيَّتِهِ ؛ كَأَنَّهُ يَقولُ : اللّهُ أجَلُّ مِن أن يُدرِكَ الواصِفونَ قَدرَ صِفَتِهِ الَّذي هُوَ مَوصوفٌ بِهِ ، وإنَّما يَصِفُهُ الواصِفونَ عَلى قَدرِهِم لا عَلى قَدرِ عَظَمَتِهِ وجَلالِهِ ، تَعالَى اللّهُ عَن أن يُدرِكَ الواصِفونَ صِفَتَهُ عُلُوّا كَبيرا .
وَالوَجهُ الآخَرُ : «اللّهُ أكبَرُ» كَأَنَّهُ يَقولُ : اللّهُ أعلى وأجَلُّ ، وهُوَ الغَنِيُّ عَن عِبادِهِ ، لا حاجَةَ بِهِ إلى أعمالِ خَلقِهِ .
وأمّا قَولُهُ : «أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ» فَإِعلامٌ بِأَنَّ الشَّهادَةَ لا تَجوزُ إلّا بِمَعرِفَتِهِ مِنَ القَلبِ ، كَأَنَّهُ يَقولُ : أعلَمُ أنَّهُ لا مَعبودَ إلَا اللّهُ عز و جل ، وأنَّ كُلَّ مَعبودٍ باطِلٌ سِوَى اللّهِ عز و جل ، واُقِرُّ بِلِساني بِما في قَلبي مِنَ العِلمِ بِأَنَّهُ لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وأشهَدُ أنَّهُ لا مَلجَأَ مِنَ اللّهِ إلّا إلَيهِ ، ولا مَنجى مِن شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ وفِتنَةِ كُلِّ ذي فِتنَةٍ إلّا بِاللّهِ .
وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ : «أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ» مَعناهُ : أشهَدُ أن لا هادِيَ إلَا اللّهُ ، ولا دَليلَ لي إلَى الدّينِ إلَا اللّهُ ، واُشهِدُ اللّهَ بِأَنّي أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ ، واُشهِدُ سُكّانَ
السَّماواتِ وسُكّانَ الأَرَضينَ وما فيهِنَّ مِنَ المَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ ، وما فيهِنَّ مِنَ الجِبالِ وَالأَشجارِ وَالدَّوابِّ وَالوُحوشِ وكُلِّ رَطبٍ ويابِسٍ ، بِأَنّي أشهَدُ أن لا خالِقَ إلَا اللّهُ ، ولا رازِقَ ولا مَعبودَ ولا ضارَّ ولا نافِعَ ولا قابِضَ ولا باسِطَ ولا مُعطِيَ ولا مانِعَ ولا ناصِحَ ولا كافِيَ ولا شافِيَ ولا مُقَدِّمَ ولا مُؤَخِّرَ إلَا اللّهُ ، لَهُ الخَلقُ وَالأَمرُ ، وبِيَدِهِ الخَيرُ كُلُّهُ ، تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ العالَمينَ .
وأمّا قَولُهُ : «أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ» يَقولُ : اُشهِدُ اللّهَ أنَّهُ لا إلهَ إلّا هُوَ ، وأنَّ مُحَمَّدا عَبدُهُ ورَسولُهُ ونَبِيُّهُ وصَفِيُّهُ ونَجِيُّهُ ، أرسَلَهُ إلى كافَّةِ النّاسِ أجمَعينَ بِالهُدى ودينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ ولَو كَرِهَ المُشرِكونَ ، واُشهِدُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالمُرسَلينَ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ أنَّ مُحَمَّدا سَيِّدُ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ .
وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ : «أشهَدُ أنَّ مُحَمَّدا رَسولُ اللّهِ» يَقولُ : أشهَدُ أن لا حاجَةَ لِأَحَدٍ إلى أحَدٍ إلّا إلَى اللّهِ الواحِدِ القَهّارِ الغَنِيِّ عَن عِبادِهِ وَالخَلائِقِ وَالنّاسِ أجمَعينَ ، وأنَّهُ أرسَلَ مُحَمَّدا إلَى النّاسِ بَشيرا ونَذيرا وداعِيا إلَى اللّهِ بِإِذنِهِ وسِراجا مُنيرا ، فَمَن أنكَرَهُ وجَحَدَهُ ولَم يُؤمِن بِهِ أدخَلَهُ اللّهُ عز و جلنارَ جَهَنَّمَ خالِدا مُخَلَّدا لا يَنفَكُّ عَنها أبَدا .
وأمّا قَولُهُ : «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ» أي هَلُمّوا إلى خَيرِ أعمالِكُم ودَعوَةِ رَبِّكُم ، وسارِعوا إلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم ، وإطفاءِ نارِكُمُ الَّتي أوقَدتُموها ، وفِكاكِ رِقابِكُمُ الَّتي رَهَنتُموها ، لِيُكَفِّرَ اللّهُ عَنكُم سَيِّئاتِكُم ، ويَغفِرَ لَكُم ذُنوبَكُم ، ويُبَدِّلَ سَيِّئاتِكُم حَسَناتٍ ، فَإِنَّهُ مَلَكٌ كَريمٌ ذُو الفَضلِ العَظيمِ ، وقَد أذِنَ لَنا مَعاشِرَ المُسلِمينَ بِالدُّخولِ في خِدمَتِهِ ، وَالتَّقَدُّمِ إلى بَينِ يَدَيهِ .
وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ : «حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ» أي قوموا إلى مُناجاةِ اللّهِ رَبِّكُم ، وعَرضِ حاجاتِكُم ۳ عَلى رَبِّكُم ، وتَوَسَّلوا إلَيهِ بِكَلامِهِ وتَشَفَّعوا بِهِ ، وأكثِرُوا الذِّكرَ وَالقُنوتَ وَالرُّكوعَ وَالسُّجودَ وَالخُضوعَ وَالخُشوعَ ، وَارفَعوا إلَيهِ حَوائِجَكُم ، فَقَد أذِنَ لَنا في ذلِكَ .
وأمّا قَولُهُ : «حَيَّ عَلَى الفَلاحِ» فَإِنَّهُ يَقولُ : أقبِلوا إلى بَقاءٍ لا فَناءَ مَعَهُ ، ونَجاةٍ لا هَلاكَ مَعَها ، وتَعالَوا إلى حَياةٍ لا مَوتَ مَعَها ، وإلى نَعيمٍ لا نَفادَ لَهُ ، وإلى مُلكٍ لا زَوالَ عَنهُ ، وإلى سُرورٍ لا حُزنَ مَعَهُ ، وإلى اُنسٍ لا وَحشَةَ مَعَهُ ، وإلى نورٍ لا ظُلمَةَ مَعَهُ ، وإلى سَعَةٍ لا ضيقَ مَعَها ، وإلى بَهجَةٍ لَا انقِطاعَ لَها ، وإلى غِنىً لا فاقَةَ مَعَهُ ، وإلى صِحَّةٍ لا سُقمَ مَعَها ، وإلى عِزٍّ لا ذُلَّ مَعَهُ ، وإلى قُوَّةٍ لا ضَعفَ مَعَها ، وإلى كَرامةٍ يا لَها مِن كَرامَةٍ ، وَاعجَلوا إلى سُرورِ الدُّنيا وَالعُقبى ، ونَجاةِ الآخِرَةِ وَالاُولى .
وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ : «حَيَّ عَلَى الفَلاحِ» فَإِنَّهُ يَقولُ : سابِقوا إلى ما دَعَوتُكُم إلَيهِ ، وإلى جَزيلِ الكَرامَةِ وعَظيمِ المِنَّةِ وسَنِيِّ ۴ النِّعمَةِ وَالفَوزِ العَظيمِ ، ونَعيمِ الأَبَدِ في جِوارِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله «فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ» .
وأمّا قَولُهُ : «اللّهُ أكبَرُ» فَإِنَّهُ يَقولُ : اللّهُ أعلى وأجَلُّ مِن أن يَعلَمَ أحَدٌ مِن خَلقِهِ ما عِندَهُ مِنَ الكَرامَةِ لِعَبدٍ أجابَهُ وأطاعَهُ ، وأطاعَ أمرَهُ وعَبَدَهُ ، وعَرَفَ وَعيدَهُ وَاشتَغَلَ بِهِ وبِذِكرِهِ ، وأحَبَّهُ وآمَنَ بِهِ ، وَاطمَأَنَّ إلَيهِ ووَثِقَ بِهِ ، وخافَهُ ورَجاهُ ، وَاشتاقَ إلَيهِ ووافَقَهُ في حُكمِهِ وقَضائِهِ ورَضِيَ بِهِ .
وفِي المَرَّةِ الثّانِيَةِ : «اللّهُ أكبَرُ» فَإِنَّهُ يَقولُ : اللّهُ أكبَرُ وأعلى وأجَلُّ مِن أن يَعلَمَ أحَدٌ مَبلَغَ كَرامَتِهِ لِأَولِيائِهِ ، وعُقوبَتِهِ لِأَعدائِهِ ، ومَبلَغِ عَفوِهِ وغُفرانِهِ ونِعمَتِهِ لِمَن أجابَهُ وأجابَ رَسولَهُ ، ومَبلَغَ عَذابِهِ ونَكالِهِ ۵ وهَوانِهِ لِمَن أنكَرَهُ وجَحَدَهُ .
وأمّا قَولُهُ : «لا إلهَ إلَا اللّهُ» مَعناهُ : للّهِِ الحُجَّةُ البالِغَةُ عَلَيهِم بِالرَّسولِ وَالرِّسالَةِ وَالبَيانِ وَالدَّعوَةِ ، وهُوَ أجَلُّ مِن أن يَكونَ لِأَحَدٍ مِنهُم عَلَيهِ حُجَّةٌ ، فَمَن أجابَهُ فَلَهُ النّورُ وَالكَرامَةُ ، ومَن أنكَرَهُ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ العالَمينَ ، وهُوَ أسرَعُ الحاسِبينَ .
ومَعنى «قَد قامَتِ الصَّلاةُ» فِي الإِقامَةِ ؛ أي حانَ وَقتُ الزِّيارَةِ وَالمُناجاةِ وقَضاءِ الحَوائِجِ ودَركِ المُنى وَالوُصولِ إلَى اللّهِ عز و جل وإلى كَرامَتِهِ وعَفوِهِ ورِضوانِهِ وغُفرانِهِ ۶ . ۷
1.. كذا في المصدر ، وفي جميع المصادر الاُخرى «علم» بدل «عليهم» .
2.. في بعض نسخ المصدر : «النوال» .
3.. في بعض نسخ المصدر : «حاجتكم» .
4.. السنيّ : الرفيع (الصحاح : ج ۶ ص ۲۳۸۴ «سنا») .
5.. نَكَّلَ به تنكيلاً : صنع به صنيعا يُحذِّر غيره . والنَّكال : ما نكَّلْتَ به غيرك كائنا ما كان (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۶۰ «نكل») .
6.. قال الصدوق رحمه الله: إنّما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر «حيّ على خير العمل» للتقيّة (معانيالأخبار: ص۴۱ ح ۱).
7.. معاني الأخبار : ص ۳۸ ح ۱ ، التوحيد : ص ۲۳۸ ح ۱ كلاهما عن يزيد بن الحسن عن الإمام الكاظم عن آبائه عليهم السلام ، فلاح السائل : ص ۲۶۲ ح ۱۵۶ عن زيد بن الحسن عن الإمام الكاظم عن آبائه عن الإمام عليّ عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج ۸۴ ص ۱۳۱ ح ۲۴ .