خدا - صفحه 364

الفصل الأوّل : معنى أسماء اللّه عزّوجلّ

هناك اختلاف في الآراء حول الجذر اللغوي للاسم ، فالكوفيّون يرون أنّه مشتقّ من«الوسم» بمعنى العلامة ، ويرى البصريّون أنّه مشتقّ من «السموّ» بمعنى العلوّ والرفعة ، بيد أنّهم يعترفون بأنّه يستعمل من حَيثُ المَعنى اللغوي بمعنى العلامة . ۱
أمّا «الصفة» فقد جاءت بهذه الهيئة ولكنّ أصلها اللغوي هو «الوصف» كما أنّ «العِدَة» اشتقّت من «الوعد» . وبناءً على هذا فإنّ «الصفة» هي مصدر بمعنى الوصف، ولكنّها في كثير من الأحيان تستعمل بمعنى اسم المصدر ، ويراد منها حينئذٍ الأمارة والعلامة ، ۲ غير أنّ الصفة أمارة تبيّن إحدى خصائص الموصوف . ۳
وعلى هذا فالاسم والصفة كلاهما بمعنى العلامة والأمارة للمسمّى والموصوف؛ فالاسم يشمل كلّ علامة وأمارة ، وأمّا الصفة فهي علامة مخصّصة ومقيّدة . ومن هنا فإنّ بين الاسم والصفة علاقة عموم وخصوص مطلق ، أي أنّ كلّ صفة اسم ، ولكن ليس كلّ اسم صفة ، فالأعلام والأسماء الخاصّة مثل «زيد» و«بكر» أسماء وليست صفات . أمّا الأسماء الدالّة على الأوصاف فهي أسماء وصفات كالعالم والعلم . ۴
أمّا في علوم الأدب والعرفان والكلام فإنّ للاسم والصفة إطلاقات أُخرى أيضا؛ فطبقا لإحدى الإطلاقات في العلوم الأدبية تكون المصادر كالعلم والقدرة أسماء وليست صفات ، أما المشتقات كالعالم والقادر فهي صفات وليست أسماء . ويحمل الاسم والصفة في العرفان النظري مَعنىً معاكسا تماما للمعنى المذكور . ۵
وأمّا الأحاديث في بيان أسماء اللّه وصفاته فلم يؤخذ فيها بنظر الاعتبار التفاوت الموجود في الاصطلاحات المختلفة للاسم والصفة ؛ واُطلق الاسم والصفة كلاهما على الكمالات من قبيل «العلم» ، وعلى الصفات المتّصفة بالكمالات مثل «العالم» ، نذكر على سبيل المثال أنّ بعض الأحاديث في خصوص السميع والبصير استخدمت فيها لفظة «الصفة» ، ۶ وفي بعضها الآخر استخدمت لفظة «الاسم» . ۷ بل إنّ هذين المعنيين اُطلقا حتّى على كلمتي العلم والعالِم في الحديث الواحد . وقد صرّحت بعض الأحاديث بأنّ الاسم والصفة على مَعنى واحد ، فقد رُوي عَن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:
إنَّ الأَسماءَ صِفاتٌ وَصَفَ بِها نَفسَهُ . ۸
و عندما سأل محمّد بن سنان الإمام الرضا عليه السلام : مَا الاِسمُ؟ قالَ :
صِفَةٌ لمَوصوفٍ . ۹
بناءً على ما سبق ذكرُه فإنّ جميع أسماء اللّه تعالى هي صفاتُه ، وكلّ صفاته أسماؤه . وقد جاء الفصل بين الأسماء والصفات في تقسيمات هذا الكتاب بناءً على ما اقتضاه نظم التأليف وليس من باب الفصل في المعنى.
بناءً على المعنى اللغوي للاسم والصفة ، وانطلاقا من وحدة مصداقهما بشأن اللّه تعالى وفي ضوء الأحاديث الواردة في هذا المجال ، نستنتج أنّ أسماء اللّه هي من نوع صفاته، وأنّه تعالى ليس له اسم إلّا ويحمل صفة من صفاته . ومن هنا فإنّ اللّه سبحانه و تعالى ليس له اسم عَلَم جامد غير مشتقّ جاء كعلامة له فقط من غير أن ينطوي على وصف من أوصافه ، وبعبارة اُخرى : إنّ اسم اللّه مقيّد ، وكون أسماء اللّه علامة هي من جهة كونها ذات دلالة على وصف خاصّ به.
و سنرى عند تفسير لفظ الجلالة «اللّه » أنّ لهذا الاسم جذر اشتقاقي أيضا ، وقد ذكرت الأحاديث الشريفة جذورا مختلفة له. ۱۰
قال العلّامة الطباطبائي قدس سره في بيان معنى الأسماء الحسنى :
نحن أَوّل ما نفتح أَعيننا ونشاهد من مناظر الوجود ما نشاهده يقع إِدراكنا على أَنفسنا وعلى أَقرب الاُمور منّا ، وهي روابطنا مع الكون الخارج من مستدعيات قوانا العاملة لإبقائنا ، فأَنفسنا وقوانا وأَعمالنا المتعلّقة بها هي أَوّل ما يدقّ باب إِدراكنا ، لكنّا لا نرى أَنفسنا إِلّا مرتبطة بغيرها ، ولا قوانا ولا أَفعالنا إِلّا كذلك ، فالحاجة من أَقدم ما يشاهده الإنسان ، يشاهدها من نفسه ومن كلّ ما يرتبط به من قواه وأَعماله والدنيا الخارجة ، وعند ذلك يقضي بذات ما يقوم بحاجته ويسدّ خلّته وإِليه ينتهي كلّ شيء ، وهو اللّه سبحانه ، ويصدّقنا في هذا النظر والقضاء قوله تعالى : «يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِىُّ» . ۱۱
وقد عجز التاريخ عن العثور على بدء ظهور القول بالربوبيّة بين الأَفراد البشريّة، بل وجده وهو يصاحب الإنسانيّة إِلى أَقدم العهود الّتي مرّت على هذا النوع حتّى أَنّ الأَقوام الوحشيّة الّتي تحاكي الإنسان الأَوّلي في البساطة لمّا اكتشفوهم في أَطراف المعمورة كقطّان أَميركا وأُستراليا وجدوا عندهم القول بقوى عالية هي وراء مستوى الطبيعة ينتحلون بها ، وهو قول بالربوبيّة وإِن اشتبه عليهم المصداق ، فالإذعان بذات ينتهي إِليها أَمر كلّ شيء من لوازم الفطرة الإنسانيّة، لايحيد عنه إِلّا من انحرف عن إِلهام فطرته لشبهة عرضت له؛ كمن يضطرّ نفسه على الاعتياد بالسمّ وطبيعته تحذّره بإلهامها ، وهو يستحسن ما ابتلي به .
ثمّ إِنّ أَقدم ما نواجهه في البحث عن المعارف الإلهيّة أَنّا نذعن بانتهاء كلّ شيء إِليه ، وكينونته ووجوده منه ، فهو يملك كلّ شيء؛ لعلمنا أَنّه لو لم يملكها لم يمكن أَن يفيضها ويفيدها لغيره ، على أَنّ بعض هذه الأَشياء ممّا ليست حقيقته إِلّا مبنيّة على الحاجة ، منبئة عن النقيصة ، وهو تعالى منزّه عن كلّ حاجة ونقيصة ؛ لأَنّه الذي إليه يرجع كلّ شيء في رفع حاجته ونقيصته .
فله الملك ـ بكسر الميم وبضمّها ـ على الإطلاق ، فهو سبحانه يملك ما وجدناه في الوجود من صفة كمال ؛ كالحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والرزق والرحمة والعزّة وغير ذلك .
فهو سبحانه حيّ ، قادر ، عليم ، سميع ، بصير ؛ لأَنّ في نفيها إِثبات النقص ، ولا سبيل للنقص إِليه . ورازق ، ورحيم ، وعزيز ، ومحيي ، ومميت ، ومبدئ ، ومعيد ، وباعث ، إِلى غير ذلك ؛ لأَنّ الرزق والرحمة والعزّة والإحياء والإماتة والإبداء والإعادة والبعث له ، وهو السبّوح القدّوس العليّ الكبير المتعال ، إِلى غير ذلك ، نعني بها نفي كلّ نعت عدميّ ، وكلّ صفة نقص عنه .
فهذا طريقنا إِلى إِثبات الأَسماء والصفات له تعالى على بساطته ، وقد صدّقنا كتاب اللّه في ذلك حيث أَثبت الملك ـ بكسر الميم ـ والملك ـ بضمّ الميم ـ له على الإطلاق في آيات كثيرة لا حاجة إِلى إِيرادها . ۱۲

1.راجع : الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويّين «البصريّين والكوفيّين» : ج ۶ ص ۱۶ والمصباح المنير : ص ۲۹۰ ولسان العرب : ج ۱۴ ص ۴۰۱ ومشكل إعراب القرآن : ج ۱ ص ۶ .

2.معجم مقاييس اللغة : ج ۶ ص ۱۱۵ ، كتاب التعريفات : ص ۵۸ .

3.المصباح المنير : ص ۶۶۱ ، العين : ص ۱۹۵۷.

4.معجم الفروق اللغويّة : ص ۳۱۴ الرقم ۱۲۶۹.

5.راجع : شرح فصوص الحكم للقيصري : ج ۱ ص ۳۴ ، الفتوحات المكيّة : ج ۲ ص ۵۸ ، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون : ج ۲ ص ۱۷۹۱ و ص ۱۰۷۸ وج ۱ ص ۱۸۱ وص ۱۸۴ ، جامع الدروس العربية : ج ۱ ص ۹۷ ، صرف ساده (بالفارسية) : ص ۲۲۴ .

6.التوحيد : ص ۱۴۶ ح ۱۴.

7.التوحيد : ص ۱۸۷ ح ۲.

8.راجع : ص ۴۹۸ ح ۴ .

9.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ۱ ص ۱۲۹ ح ۲۵.

10.راجع : ص ۴۹۸ (أسماؤه تعبير / معنى اللّه عز و جل) .

11.فاطر : ۱۵ .

12.الميزان في تفسير القرآن : ج ۸ ص ۳۴۹ ـ ۳۵۰ ، راجع : تمام كلامه .

صفحه از 417