6 / 1
وَصفُهُ بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ
۸۲.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :إنَّ الخالِقَ لا يوصَفُ إِلّا بِما وَصَفَ بِهِ نَفسَهُ ، وكَيفَ يوصَفُ الخالِقُ الَّذي تَعجِزُ الحَواسُّ أن تُدرِكَهُ ، وَالأَوهامُ أن تَنالَهُ ، والخَطَراتُ أن تَحُدَّهُ ، وَالأَبصارُ الإحاطَةَ بِهِ ؟! جَلَّ عَمّا يَصِفُهُ الواصِفونَ ، نَأى ۱ في قُربِهِ ، وقَرُبَ في نَأيِهِ، كَيَّفَ الكَيفِيَّةَ؛ فَلا يُقالُ لَهُ: كَيفَ، وأَيَّنَ الأَينَ ؛ فَلا يُقالُ لَهُ: أَينَ،وهُوَ مُنقَطِعُ الكَيفِيَّةِ فيهِ وَالأَينونِيَّةِ، فَهُوَالأَحَدُ الصَّمَدُ كَما وَصَفَ نَفسَهُ، وَالواصِفونَ لا يَبلُغونَ نَعتَهُ، لَم يَلِد ولَم يُولَد ولَم يَكُن لَهُ كُفُوا أَحَدٌ. ۲
۸۳.الإمام عليّ عليه السلامـ مِن خُطبَةٍ لَهُ في جَوابِ رَجُلٍ قالَ لَهُ: صِف لَنا رَبَّنا مِثلَما نَراهُ عِيانا ـ :فَانظُر أَيُّهَا السّائِلُ: فَما دَلَّكَ القُرآنُ عَلَيهِ مِن صِفَتِهِ فَائتَمَّ بِهِ وَاستَضِئ بِنورِ هِدايَتِهِ ، وما كَلَّفَكَ الشَّيطانُ عِلمَهُ مِمّا لَيسَ فِي الكِتابِ عَلَيكَ فَرضُهُ ، ولا في سُنَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وأَئِمَّةِ الهُدى أَثَرُهُ ، فَكِل عِلمَه إِلَى اللّهِ سُبحانَهُ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ مُنتَهى حَقِّ اللّهِ عَلَيكَ .
وَاعلَم أَنَّ الرّاسِخينَ فِي العِلم هُمُ الَّذينَ أَغناهُم عَنِ اقتِحامِ السُّدَدِ المَضروبَةِ دونَ الغُيوبِ الإِقرارُ بِجُملَةِ ما جَهِلوا تَفسيرَهُ مِنَ الغَيبِ المَحجوبِ ، فَمَدَحَ اللّهُ ـ تَعالَى ـ اعترافَهُم بِالعَجزِ عَن تَناوُلِ ما لَم يُحيطوا بِه عِلما ، وسَمّى تَركَهُمُ التَّعَمُّقَ فيما لَم يُكَلِّفهُمُ البَحثَ عَن كُنهِهِ رُسوخا ، فَاقتَصِر عَلى ذلِكَ ، ولا تُقَدِّر عَظَمَةَ اللّهِ سُبحانَهُ عَلى قَدرِ عَقلِكَ؛ فَتَكونَ مِنَ الهالِكينَ .
هُوَ القادِرُ الَّذي إِذَا ارتَمَتِ الأَوهامُ لِتُدرِكَ مُنقَطَعَ قُدرَتِهِ ، وحاوَلَ الفِكرُ المُبَرَّأُ مِن خَطَراتِ الوَساوِسِ أن يَقَعَ عَلَيهِ في عَميقاتِ غُيوبِ مَلَكوتِهِ ، وتَوَلَّهَتِ القُلوبُ إِلَيهِ لِتَجرِيَ في كَيفِيَّة صِفاتِهِ ، وغَمَضَت مَداخِلُ العُقولِ في حَيثُ لا تَبلُغُهُ الصِّفاتُ لِتَناوُلِ عِلمِ ذاتِهِ ، رَدَعَها وهِيَ تَجوبُ مَهاوِيَ سُدَفِ الغُيوبِ ، مُتَخَلِّصَةً إِلَيهِ ـ سُبحانَهُ ـ فَرَجَعَت إِذ جُبِهَت مُعتَرِفَةً بِأَنَّهُ لا يُنالُ بِجَورِ الاِعتِسافِ كُنهُ مَعرِفَتِهِ ، ولا تَخطُرُ بِبالِ أُولِي الرَّوِيّاتِ ۳ خاطِرَةٌ مِن تَقديرِ جَلالِ عِزَّتِهِ . ۴
1.نأى : بَعُد (لسان العرب : ج ۱۵ ص ۳۰۰ «نأي») .
2.كفاية الأثر : ص ۱۲ عن ابن عبّاس ، كشف الغمّة : ج ۳ ص ۱۷۶ ، الكافي : ج ۱ ص ۱۳۸ ح ۳ ، التوحيد : ص ۶۱ ح ۱۸ كلّها عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن الإمام أبي الحسن عليه السلام ، تحف العقول : ص ۴۸۲ عن الإمام الهادي عليه السلام وليس في الثلاثة الأخيرة ذيله من «فهو الأحد الصمد . . .» وكلّها نحوه ، بحار الأنوار : ج ۳۶ ص ۲۸۳ .
3.الرَّوِيَّة : التفَكّر في الأمر . ورَوَّيتُ في الأمرِ : إذا نظرت فيه وفكّرت (الصحاح : ج ۶ ص ۲۳۶۴ «روى») .
4.نهج البلاغة : الخطبة ۹۱ عن مسعدة بن صدقة عن الإمام الصادق عليه السلام وراجع : التوحيد : ص ۵۵ ح ۱۳ .