آرزو - صفحه 26

الفصل الثاني: المأمول الحقيقي

2 / 1

مُعَلِّمُ الأَمَلِ

۲۷.بحار الأنوار عن نَوفٍ البِكالِيّ :رَأَيتُ أميرَالمُؤمِنينَ ـ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِ ـ مُوَلِّيا مُبادِرا ، فَقُلتُ : أينَ تُريدُ يا مَولايَ ؟ فَقالَ : دَعني يا نَوفُ ، إنَّ آمالي تَقَدَّمُني فِي المَحبوبِ ، فَقُلتُ : يا مَولايَ وما آمالُكَ ؟ قالَ : قَد عَلِمَهَا المَأمولُ ، وَاستَغنَيتُ عَن تَبيينِها لِغَيرِهِ ، وكَفى بِالعَبدِ أدَبا ألّا يُشرِكَ في نِعَمِهِ وأرَبِهِ ۱ غَيرَ رَبِّهِ .
فَقُلتُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ إنّي خائِفٌ عَلى نَفسي مِنَ الشَّرَهِ ۲ ، وَالتَّطَلُّعِ إلى طَمَعٍ مِن أطماعِ الدُّنيا .
فَقالَ لي : وأينَ أنتَ عَن عِصمَةِ الخائِفينَ وكَهفِ العارِفينَ؟!
فَقُلتُ : دُلَّني عَلَيهِ !
قالَ : اللّهُ العَلِيُّ العَظيمُ ؛ تَصِلُ أمَلَكَ بِحُسنِ تَفَضُّلِهِ ، وتُقبِلُ عَلَيهِ بِهَمِّكَ ، وأعرِض عَنِ النّازِلَةِ في قَلبِكَ ، فَإِن أجَّلَكَ بِها فَأَنَا الضّامِنُ مِن مَورِدِها ، وَانقَطِع إلَى اللّهِ سُبحانَهُ فَإِنَّهُ يَقولُ :
«وعِزَّتي وجَلالي ، لَاَقطَعَنَّ أمَلَ كُلِّ مَن يُؤَمِّلُ غَيريِ بِاليَأسِ ، ولَأَكسُوَنَّهُ ثَوبَ المَذَلَّةِ فِي النّاسِ ، ولَاُبعِدَنَّهُ مِن قُربي ، ولَأَقَطَعَنَّهُ عَن وَصلي ، ولَاُخمِلَنَّ ۳ ذِكرَهُ حينَ يَرعى غَيري . أيُؤَمِّلُ ـ وَيلَهُ ـ لِشَدائِدِهِ غَيري وكَشفُ الشَّدائِدِ بِيَدي؟! ويَرجو سِوايَ وأنَا الحَيُّ الباقي ! ويَطرُقُ أبوابَ عِبادي وهِيَ مُغلَقَةٌ ويَترُكُ بابي وهُوَ مَفتوحٌ ! فَمَن ذَاالَّذي رَجاني لِكَثيرِ جُرمِهِ فَخَيَّبتُ رَجاءَهُ ؟!
جَعَلتُ آمالَ عِبادي مُتَّصِلَةً بي ، وجَعَلتُ رَجاءَهُم مَذخورا لَهُم عِندي ، ومَلَأتُ سَماواتي مِمَّن لا يَمَلُّ تَسبيحي ، وأمَرتُ مَلائِكَتي أن لا يُغلِقُوا الأَبوابَ بَيني وبَينَ عِبادي .
ألَم يَعلَم مَن فَدَحَتهُ ۴ نائِبَةٌ مِن نَوائِبي أن لا يَملِكَ أحَدٌ كَشفَها إلّا بِإِذني؟! فَلِمَ يُعرِضُ العَبدُ بِأَمَلِهِ عَنّي وقَد أعطَيتُهُ ما لَم يَسأَلني ، فَلَم يَسأَلني وسَأَلَ غَيري ؟ أفَتَراني أبتَدِئُ خَلقي مِن غَيرِ مَسألَةٍ ، ثُمَّ اُسألُ فَلا اُجيبُ سائِلي؟! أبَخيلٌ أنَا فَيُبَخِّلُني عَبدي؟ أوَلَيسَ الدُّنيا وَالآخِرَةُ لي؟ أوَلَيسَ الكَرَمُ وَالجودُ صِفَتي ؟ أوَلَيسَ الفَضلُ وَالرَّحمَةُ بِيَدي ؟ أوَلَيسَ الآمالُ لاتَنتَهي إلّا إلَيَّ ، فَمَن يَقطَعُها دوني؟ وما عَسى أن يُؤَمِّلَ المُؤَمِّلونَ مَن سِوايَ؟!
وعِزَّتي وجَلالي ، لَو جَمَعتُ آمالَ أهلِ الأَرضِ وَالسَّماءِ ثُمَّ أعطَيتُ كُلَّ واحِدٍ مِنهُم ، ما نَقَصَ مِن مُلكي بَعضُ عُضوِ الذَّرَّةِ ، وكَيفَ يَنقُصُ نائِلٌ أنَا أفَضتُهُ؟!
يا بُؤسا لِلقانِطينَ مِن رَحمَتي ، يا بُؤسا لِمَن عَصاني وتَوَثَّبَ عَلى مَحارِمي ، ولَم
يُراقِبني وَاجتَرَأَ عَلَيَّ» .
ثُمَّ قالَ ـ عَلَيهِ وعَلى آلِهِ السَّلامُ ـ لي : يا نَوفُ ، ادعُ بِهذَا الدُّعاءِ :
إلهي ، إن حَمِدتُكَ فَبِمَواهِبِكَ ، وإن مَجَّدتُكَ فَبِمُرادِكَ ، وإن قَدَّستُكَ فَبِقُوَّتِكَ ، وإن هَلَّلتُكَ فَبِقُدرَتِكَ ، وإن نَظَرتُ فَإِلى رَحمَتِكَ ، وإن عَضَضتُ فَعَلى نِعمَتِكَ ، إلهي إنَّهُ مَن لَم يَشغَلهُ الوُلوعُ ۵ بِذِكرِكَ ، ولَم يَزوِهِ ۶ السَّفَرُ بِقُربِكَ ، كانَت حَياتُه عَلَيهِ ميتَةً وميتَتُهُ عَلَيهِ حَسرَةً .
إلهي ، تَناهَت أبصارُ النّاظِرينَ إلَيكَ بِسَرائِرِ القُلوبِ ، وطالَعَت أصغَى السّامِعينَ لَكَ نَجِيّاتِ الصُّدورِ ، فَلَم يَلقَ أبصارُهُم رَدّاً ۷ دونَ ما يُريدونَ ، هَتَكتَ بَينَكَ وبَينَهُم حُجُبَ الغَفلَةِ ، فَسَكَنوا في نورِكَ ، وتَنَفَّسوا بِرَوحِكَ ، فَصارَت قُلوبُهُم مَغارِسَ لِهَيبَتِكَ ، وأبصارُهُم مَآكِفَ لقُدرَتِكَ ، وقَرَّبتَ أرواحَهُم مِن قُدسِكَ ، فَجالَسُوا اسمَكَ بِوَقارِ المُجالَسَةِ ، وخُضوعِ المُخاطَبَةِ ، فَأَقبَلتَ إلَيهمِ إقبالَ الشَّفيقِ ، وأنصَتَّ لَهُم إنصاتَ الرَّفيقِ ، وأجَبتَهُم إجاباتِ الأَحِبّاءِ ، وناجَيتَهُم مُناجاةَ الأَخِلّاءِ ، فَبَلِّغ بِيَ المَحَلَّ الَّذي إلَيهِ وَصَلوا ، وَانقُلني مِن ذِكري إلى ذِكرِكَ ، ولا تَترُك بَيني وبَينَ مَلَكوتِ عِزِّكَ بابا إلّا فَتَحتَهُ ، ولا حِجابا مِن حُجُبِ الغَفلَةِ إلّا هَتَكتَهُ ، حَتّى تُقيمَ روحي بَينَ ضِياءِ عَرشِكَ ، وتَجعَلَ لَها مَقاما نُصبَ نورِكَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ .
إلهي ، ما أوحَشَ طَريقا لا يَكونُ رَفيقي فيهِ أمَلي فيكَ ، وأبعَدَ سَفَرا لا يَكونُ رَجائي مِنهُ دَليلي مِنكَ ، خابَ مَنِ اعتَصَمَ بِحَبلِ غَيرِكَ ، وضَعُفَ رُكنُ مَنِ استَنَدَ إلى غَيرِ رُكنِكَ . فَيا مُعَلِّمَ مُؤَمِّليهِ الأَمَلَ فَيُذهِبُ عَنهُم كَآبَةَ الوَجَلِ ۸ ، لا تَحرِمني صالِحَ
العَمَلِ ، وَاكلَأني كِلاءَةَ ۹ مَن فارَقَتهُ الحِيَلُ ، فَكَيفَ يَلحَقُ مُؤَمِّليكَ ذُلُّ الفَقرِ وأنتَ الغَنِيُّ عَن مَضارِّ المُذنِبينَ !
إلهي ، وإنَّ كُلَّ حَلاوَةٍ مُنقَطِعَةٌ ، وحَلاوَةَ الإِيمانِ تَزدادُ حَلاوَتُهَا اتِّصالاً بِكَ .
إلهي ، وإنَّ قَلبي قَد بَسَطَ أمَلَهُ فيكَ ، فَأَذِقهُ مِن حَلاوَةِ بَسطِكَ إيّاهُ البُلوغَ لِما أمَّلَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ .
إلهي ، أسأَلُكَ مَسأَلَةَ مَن يَعرِفُكَ كُنهَ ۱۰ مَعرِفَتِكَ مِن كُلِّ خَيرٍ يَنبَغي لِلمُؤمِنِ أن يَسلُكَهُ ، وأعوذُ بِكَ مِن كُلِّ شَرٍّ وفِتنَةٍ أعَذتَ بِها أحِبّاءَكَ مِن خَلقِكَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ .
إلهي ، أسأَلُكَ مَسأَلَةَ المِسكينِ الَّذي قَد تَحَيَّرَ في رَجاهُ ، فَلايَجِدُ مَلجَأً ولا مَسنَدا يَصِلُ بِهِ إلَيكَ ، ولا يُستَدَلُّ بِهِ عَلَيكَ إلّا بِكَ ، وبِأَركانِكَ ومَقاماتِكَ الَّتي لاتَعطيلَ لَها مِنكَ ، فَأَسأَلُكَ بِاسمِكَ الَّذي ظَهَرتَ بِهِ لِخاصَّةِ أولِيائِكَ فَوَحَّدوكَ وعَرَفوكَ فَعَبَدوكَ بِحَقيقَتِكَ ، أن تُعَرِّفَني نَفسَكَ لِاُقِرَّ لَكَ بِرُبوبِيَّتِكَ عَلى حَقيقَةِ الإِيمانِ بِكَ ، ولا تَجعَلني يا إلهي مِمَّن يَعبُدُ الاِسمَ دونَ المَعنى ، وَالحَظني بِلَحظَةٍ مِن لَحَظاتِكَ تُنَوِّرُ بِها قَلبي بِمَعرِفَتِكَ خاصَّةً ومَعرِفَةِ أولِيائِكَ ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . ۱۱

1.الأرَب : الحاجة (المصباح المنير : ص ۱۱ «أرب») .

2.الشَّرَه : أسوَأ الحِرص ؛ وهو غلبة الحِرص (لسان العرب : ج ۱۳ ص ۵۰۶ «شره») .

3.الخامل : الخفيّ الساقط الذي لا نباهة له ، يقال : هو خامِل الذِّكر ، خَمَل يخمُل خُمولاً وأخملَه اللّه (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۲۲۱ «خمل») .

4.فَدَحَته : أثقَلَته (النهاية : ج ۳ ص ۴۱۹ «فدح») .

5.اُولِع بالشيءِ فهو مُولَعٌ به : أي مُغرىً به (الصحاح : ج ۳ ص ۱۳۰۴ «ولع») .

6.زَوى : جمع (لسان العرب : ج ۱۴ ص ۳۶۵ «زوي») .

7.في المصدر : «ردّ» ، والصواب ما أثبتناه .

8.الوَجَل : الفزع (النهاية : ج ۵ ص ۱۵۷ «وجل») .

9.الكِلاءة : الحفظ والحراسة (النهاية : ج ۴ ص ۱۹۴ «كلأ») .

10.الكُنْه : نهاية الشيء وحقيقته (لسان العرب : ج ۱۳ ص ۵۳۷ «كنه») .

11.بحار الأنوار : ج ۹۴ ص ۹۴ ح ۱۲ نقلاً عن الكتاب العتيق الغروي .

صفحه از 150