امامت - صفحه 294

۴۰۰.الإمام الباقر عليه السلام :خَطَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام النّاسَ بِصِفّينَ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وصَلّى عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ فَقَد جَعَلَ اللّهُ تَعالى لي عَلَيكُم حَقّا بِوِلايَةِ أمرِكُم ، ومَنزِلَتِيَ الَّتي أنزَلَنِيَ اللّهُ عَزَّ ذِكرُهُ بِها مِنكُم ، ولَكُم عَلَيَّ مِنَ الحَقِّ مِثلُ الَّذي لي عَلَيكُم ، وَالحَقُّ أجمَلُ الأَشياءِ فِي التَّواصُفِ وأوسَعُها فِي التَّناصُفِ، لا يَجري لِأَحَدٍ إلّا جَرى عَلَيهِ ولا يَجري عَلَيهِ إلّا جَرى لَهُ ، وَلَو كانَ لِأَحَدٍ أن يَجرِيَ ذلِكَ لَهُ ولا يَجرِيَ عَلَيهِ لَكانَ ذلِكَ للّهِِ عز و جلخالِصا دونَ خَلقِهِ ؛ لِقُدرَتِهِ عَلى عِبادِهِ ، ولِعَدلِهِ في كُلِّ ما جَرَت عَلَيهِ ضُروبُ قَضائِهِ ، ولكِن جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى العِبادِ أن يُطيعوهُ ، وجَعَلَ كَفّارَتَهُم عَلَيهِ بِحُسنِ الثَّوابِ تَفَضُّلاً مِنهُ ، وتَطَوُّلاً بِكَرَمِهِ ، وتَوَسُّعا بِما هُوَ مِنَ المَزيدِ لَهُ أهلاً ، ثُمَّ جَعَلَ مِن حُقوقِهِ حُقوقا فَرَضَها لِبَعضِ النّاسِ عَلى بَعضٍ ، فَجَعَلَها تَتَكافَأُ في وُجوهِها ويوجِبُ بَعضُها بَعضا ولا يُستَوجَبُ بَعضُها إلّا بِبَعضٍ .
فَأَعظَمُ مِمَّا افتَرَضَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى مِن تِلكَ الحُقوقِ ؛ حَقُّ الوالي عَلَى الرَّعِيَّةِ وحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الوالي ، فَريضَةً فَرَضَهَا اللّهُ عز و جل لِكُلًّ عَلى كُلًّ ، فَجَعَلَها نِظامَ اُلفَتِهِم وعِزّا لِدينِهِم ، وقِواما لِسُنَنِ الحَقِّ فيهِم ، فَلَيسَت تَصلُحُ الرَّعِيَّةُ إلّا بِصَلاحِ الوُلاةِ ، ولا تَصلُحُ الوُلاةُ إلّا بِاستِقامَةِ الرَّعِيَّةِ .
فَإِذا أدَّتِ الرَّعِيَّةُ إلَى الوالي حَقَّهُ ، وأدّى إلَيهَا الوالي كَذلِكَ ، عَزَّ الحَقُّ بَينَهُم ، فَقامَت مَناهِجُ الدّينِ ، وَاعتَدَلَت مَعالِمُ العَدلِ ، وجَرَت عَلى أذلالِهَا السُّنَنُ، فَصَلُحَ بِذلِكَ الزَّمانُ ، وطابَ بِهِ العَيشُ ، وطُمِعَ في بَقاءِ الدَّولَةِ ، ويَئِسَت مَطامِعُ الأَعداءِ .
وإذا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ والِيَهُم ، وعَلَا الوالِي الرَّعِيَّةَ ، اختَلَفَت هُنالِكَ الكَلِمَةُ ، وظَهَرَت مَطامِعُ الجَورِ ، وكَثُرَ الإِدغالُ فِي الدّينِ ، وتُرِكَت مَعالِمُ السُّنَنِ ، فَعُمِلَ بِالهَوى ، وعُطِّلَتِ الآثارُ ، وكَثُرَت عِلَلُ النّفوسِ ، ولا يُستَوحَشُ لِجَسيمِ حَدًّ عُطِّلَ ، ولا لِعَظيمِ باطِلٍ أُثِّلَ ۱ ، فَهُنالِكَ تَذِلُّ الأَبرارُ ، وتَعِزُّ الأَشرارُ ، وتَخرَبُ البِلادُ ، وتَعظُمُ تَبِعاتُ اللّهِ عز و جلعِندَ العِبادِ .
فَهَلُمَّ أيُّهَا النّاسُ إلَى التَّعاوُنِ عَلى طاعَةِ اللّهِ عز و جل ، وَالقِيامِ بِعَدلِهِ ، وَالوَفاءِ بِعَهدِهِ ، وَالإِنصافِ لَهُ في جَميعِ حَقِّهِ ، فَإِنَّهُ لَيسَ العِبادُ إلى شَيءٍ أحوَجَ مِنهُم إلَى التَّناصُحِ في ذلِكَ وحُسنِ التَّعاوُنِ عَلَيهِ ، وَلَيسَ أحَدٌ وإنِ اشتَدَّ عَلى رِضَا اللّهِ حِرصُهُ ، وطالَ فِي العَمَلِ اجتِهادُهُ ، بِبالِغٍ حَقيقَةَ ما أعطَى اللّهُ مِنَ الحَقِّ أهلَهُ ، ولكِنّ مِن واجِبِ حُقوقِ اللّهِ عز و جل عَلَى العِبادِ النَّصيحَةَ لَهُ بِمَبلَغِ جُهدِهِم ، وَالتَّعاوُنَ عَلى إقامَةِ الحَقِّ فيهِم .
ثُمَّ لَيسَ امرُؤٌ وإِن عَظُمَت فِي الحَقِّ مَنزِلَتُهُ ، وجَسُمَت فِي الحَقِّ فَضيلَتُهُ ، بِمُستَغنٍ عَن أن يُعانَ عَلى ما حَمَّلَهُ اللّهُ عز و جل مِن حَقِّهِ ، ولا لِامرِىً?مَعَ ذلِكَ خَسِئت بِهِ الاُمورُ ، وَاقتَحَمَتهُ العُيونُ بِدونِ ما أن يُعينَ عَلى ذلِكَ ويُعانَ عَلَيهِ ، وأهلُ الفَضيلَةِ فِي الحالِ وأهلُ النِّعَمِ العِظامِ أكثَرُ في ذلِكَ حاجَةً ، وكُلٌّ فِي الحاجَةِ إلَى اللّهِ عز و جل شَرَعٌ سَواءٌ .
فَأجابَهُ رَجُلٌ مِن عَسكَرِهِ لا يُدرى مَن هُوَ ، ويُقالُ إنَّهُ لَم يُرَ في عَسكَرِهِ قَبلَ ذلِكَ اليَومِ ولا بَعدَهُ ، فَقامَ وأحسَنَ الثَّناءَ عَلَى اللّهِ عز و جل بِما أبلاهُم وأعطاهُم مِن واجِبِ حَقِّهِ عَلَيهِم ، وَالإِقرارِ بِكُلِّ ما ذُكِرَ مِن تَصَرُّفِ الحالاتِ بِهِ وبِهِم ، ثُمَّ قالَ :
أنتَ أميرُنا ونَحنُ رَعِيَّتُكَ ، بِكَ أخرَجَنَا اللّهُ عز و جل مِنَ الذُّلِّ ، وبإعزازِكَ أطلَقَ عِبادَهُ مِن الغِلِّ ، فَاختَر عَلَينا وأمضِ اختِيارَكَ ، وَائتَمِر فَأَمضِ ائتِمارَكَ ۲ ، فَإِنَّكَ القائِلُ المُصَدَّقُ ، وَالحاكِمُ المُوَفَّقُ ، وَالمَلِكُ المُخَوَّلُ، لا نَستَحِلُّ في شَيءٍ مَعصِيَتَكَ ، ولا نَقيسُ عِلما بِعِلمِكَ ، يَعظُمُ عِندَنا في ذلِكَ خَطَرُكَ ، ويَجِلُّ عَنهُ في أنفُسِنا فَضلُكَ .
فَأَجابَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : إنَّ مِن حَقِّ مَن عَظُمَ جَلالُ اللّهِ في نَفسِهِ وجَلَّ مَوضِعُهُ مِن قَلبِهِ ، أن يَصغُرَ عِندَهُ ـ لِعِظَمِ ذلِكَ ـ كُلُّ ما سِواهُ ، وإنَّ أحَقَّ مَن كانَ كذلِكَ لَمَن عَظُمَت نِعمَةُ اللّهِ عَلَيهِ ولَطُفَ إحسانُهُ إلَيهِ ، فَإِنَّهُ لَم تَعظُم نِعمَةُ اللّهِ عَلى أحَدٍ إلّا زادَ حَقُّ اللّهِ عَلَيهِ عِظَما . وإنَّ مِن أسخَفِ حالاتِ الوُلاةِ عِندَ صالِحِ النّاسِ ، أن يُظَنَّ بِهِم حُبُّ الفَخرِ ، ويوضَعَ أمرُهُم عَلَى الكِبرِ ، وقَد كَرِهتُ أن يَكونَ جالَ في ظَنِّكُم أنّي اُحِبُّ الإِطراءَ ۳ وَاستِماعَ الثَّناءِ ، ولَستُ بِحَمدِ اللّهِ كذلِكَ ، وَلَو كُنتُ اُحِبُّ أن يُقالَ ذلِكَ لَتَرَكتُهُ انحِطاطا للّهِِ سُبحانَهُ عَن تَناوُلِ ما هُوَ أحَقُّ بِهِ مِنَ العَظَمَةِ وَالكِبرياءِ ، ورُبَّما استَحلَى النّاسُ الثَّناءَ بَعدَ البَلاءِ ، فَلا تُثنوا عَلَيَّ بِجَميلِ ثَناءٍ لِاءِخراجي نَفسي إلَى اللّهِ وإلَيكُم مِنَ البَقِيَّةِ في حُقوقٍ لَم أفرُغ من أدائِها ، وفَرائِضَ لابُدَّ مِن إمضائِها ، فَلا تُكَلِّموني بِما تُكَلَّمُ بِهِ الجَبابِرَةُ ، ولا تَتَحَفَّظوا مِنّي بِما يُتَحَفَّظُ بِهِ عِندَ أهلِ البادِرَةِ ، ولا تُخالِطوني بِالمُصانَعَةِ ، ولا تَظُنّوا بِيَ استثِقالاً في حَقًّ قيلَ لي ، ولَا التِماسَ إعظامٍ لِنَفسي لِما لا يَصلُحُ لي ، فَإِنَّهُ مَنِ استَثقَلَ الحَقَّ أن يُقالَ لَهُ أوِ العَدلَ أن يُعرَضَ عَلَيهِ كانَ العَمَلُ بِهِما أثقَلَ عَلَيهِ ، فَلا تَكُفّوا عَنّي مَقالَةً بِحَقٍّ أو مَشورَةً بِعَدلٍ ، فَإِنّي لَستُ في نَفسي بِفَوقِ ما أن اُخطِئَ ، ولا آمَنُ ذلِكَ مِن فِعلي إلّا أن يَكفِيَ اللّهُ مِن نَفسي ما هُوَ أملَكُ بِهِ مِنّي ، فَإِنَّما أنَا وأَنتُم عَبيدٌ مَملوكونَ لِرَبٍّ لا رَبَّ غَيرُهُ ، يَملِكُ مِنّا ما لا نَملِكُ مِن أنفُسِنا ، وأخرَجَنا مِمّا كُنّا فيهِ إِلى ما صَلُحنا عَلَيهِ ، فَأَبدَلَنا بَعدَ الضَّلالَةِ بِالهُدى ، وأعطانَا البَصيرَةَ بَعدَ العَمى.
فَأَجابَهُ الرَّجُلُ الَّذي أجابَهُ مِن قَبلُ فَقالَ : أنتَ أهلُ ما قُلتَ ، وَاللّهُ وَاللّهِ فَوقَ ما قُلتَهُ ، فَبَلاؤُهُ عِندَنا ما لا يُكفَرُ ، وقَد حَمَّلَكَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى رِعايَتَنا ووَلّاكَ سِياسَةَ اُمورِنا ، فَأَصبَحتَ عَلَمَنَا الَّذي نَهتَدي بِهِ ، وإمامَنا الَّذي نَقتَدي بِهِ ، وأمرُكَ كُلُّهُ رُشدٌ ، وقَولُكَ كُلُّهُ أدَبٌ ، قَد قَرَّت بِكَ فِي الحَياةِ أعيُنُنا ، وَامتَلَأَت مِن سُرورٍ بِكَ قُلوبُنا ، وتَحَيَّرَت مِن صِفَةِ ما فيكَ مِن بارِعِ الفَضلِ عُقولُنا ، وَلَسنا نَقولُ لَكَ : أيُّهَا الإِمامُ الصّالِحُ تَزكِيَةً لَكَ ، ولا نُجاوِزُ القَصدَ فِي الثَّناءِ عَلَيكَ ، ولَم يَكُن في أنفُسِنا طَعنٌ عَلى يَقينِكَ ، أو غِشٌّ في دينِكَ ، فَنَتَخَوَّفَ أن تَكونَ أحدَثتَ بِنِعمَةِ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى تَجَبُّرا ، أو دَخَلَكَ كِبرٌ ، ولكِنّا نَقولُ لَكَ ما قُلنا تَقَرُّبا إلَى اللّهِ عز و جل بِتَوقيرِكَ ، وتَوسُّعا بِتَفضيلِكَ ، وشُكرا بِإِعظامِ أمرِكَ ، فَانظُر لِنَفسِكَ ولَنا ، وآثِر أمرَ اللّهِ عَلى نَفسِكَ وعَلَينا ، فَنَحنُ طُوَّعٌ فيما أمَرتَنا ، نَنقادُ مِنَ الاُمور مَعَ ذلِكَ فيما يَنفَعُنا .
فَأَجابَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام فَقالَ : وأنَا أستَشهِدُكُم عِندَ اللّهِ عَلى نَفسي لِعِلمِكُم فيما وُلِّيتُ بِهِ مِن اُمورِكُم ، وعَمّا قَليلٍ يَجمَعُني وإيّاكُمُ المَوقِفُ بَينَ يَدَيهِ وَالسُّؤالُ عَمّا كُنّا فيهِ ، ثُمَّ يَشهَدُ بَعضُنا عَلى بَعضٍ ، فَلا تَشهَدُوا اليَومَ بِخِلافِ ما أَنتُم شاهِدونَ غَدا ، فَإِنَّ اللّهَ عز و جل لا يَخفى عَلَيهِ خافِيَةٌ ، ولا يَجوزُ عِندَهُ إلّا مُناصَحَةُ الصُّدورِ في جَميعِ الاُمورِ .
فَأَجابَهُ الرَّجُلُ ، ويُقالُ : لَم يُرَ الرَّجُلُ بَعدَ كَلامِهِ هذا لِأَميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، فَأَجابَهُ وقَد عالَ الَّذي ۴ في صَدرِهِ ، فَقالَ وَالبُكاءُ يَقطَعُ مَنطِقَهُ ، وغُصَصُ الشَّجا تُكَسِّرُ صَوتَهُ إعظاما لِخَطَرِ مَرزِئَتِهِ ووَحشَةً مِن كَونِ فَجيعَتِهِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ شَكا إلَيهِ هَولَ ما أشفى عَلَيهِ مِن الخَطَرِ العَظيمِ وَالذُّلِ الطَّويلِ في فَسادِ زَمانِهِ ، وَانقِلابِ حَدِّهِ ، وَانقِطاعِ ما كانَ مِن دَولَتِهِ ، ثُمَّ نَصَبَ المَسأَلَةَ إلَى اللّهِ عز و جل بِالاِمتِنانِ عَلَيهِ وَالمُدافَعَةِ عَنهُ بِالتَّفَجُّعِ وَحُسنِ الثَّناءِ ، فَقالَ :
يا رَبّانِيَّ العِبادِ ، ويا سَكَنَ البِلادِ ، أينَ يَقَعُ قَولُنا مِن فَضلِكَ ، وأينَ يَبلُغُ وَصفُنا مِن فِعلِكَ ، وأنّى نَبلُغُ حَقيقَةَ حُسنِ ثَنائِكَ ، أو نُحصي جَميلَ بَلائِكَ ، فَكَيفَ وبِكَ جَرَت نِعَمُ اللّهِ عَلَينا ، وعَلى يَدِكَ اتَّصَلَت أسبابُ الخَيرِ إلَينا ، ألَم تَكُن لِذُلِّ الذَّليلِ مَلاذا ، وَلِلعُصاةِ الكُفّارِ إخوانا ۵ ؟ فَبِمَن إلّا بِأَهلِ بَيتِكَ وَبِكَ أخرَجَنَا اللّهُ عز و جل مِن فَظاعَةِ تِلكَ الخَطَراتِ ؟ أو بِمَن فَرَّجَ عَنّا غَمَراتِ الكُرُباتِ ؟ وبِمَن إلّا بِكُم أظهَرَ اللّهُ مَعالِمَ دينِنا ، وَاستَصلَحَ ما كانَ فَسَدَ مِن دُنيانا ، حَتَّى استَبانَ بَعدَ الجَورِ ذِكرُنا ، وقَرَّت مِن رَخاءِ العَيشِ أعيُنُنا ، لِما وَليتَنا بِالإِحسانِ جُهدَكَ ، ووَفَيتَ لَنا بِجَميعِ وَعدِكَ ، وقُمتَ لَنا عَلى جَميعِ عَهدِكَ ، فَكُنتَ شاهِدَ مَن غابَ مِنّا ، وخَلَفَ أهلِ البَيتِ لَنا ، وكُنتَ عِزَّ ضُعَفائِنا ، وثِمالَ ۶ فُقَرائِنا ، وعِمادَ عُظَمائِنا ، يَجمَعُنا فِيالاُمورِ عَدلُكَ ، ويَتَّسِعُ لَنا فِي الحَقِّ تَأَنّيكَ ۷ ، فَكُنتَ لَنا اُنسا إذا رَأَيناكَ وسَكَنا إذا ذَكَرناكَ .
فَأَيَّ الخَيراتِ لَم تَفعَل ؟ وأيَّ الصّالِحاتِ لَم تَعمَل ؟ ولَولا أنَّ الأَمرَ الَّذي نَخافُ عَلَيكَ مِنهُ يَبلُغُ تَحويلَهُ جُهدُنا ، وتَقوى لِمُدافَعَتِهِ طاقَتُنا أو يَجوزُ الفِداءُ عَنكَ مِنهُ بِأَنفُسِنا وبِمَن نَفديهِ بِالنُّفوسِ مِن أبنائِنا ، لَقَدَّمنا أنفُسَنا وأبناءَنا قَبلَكَ ولَأَخطَرناها ، وَقَلَّ خَطَرُها دونَكَ ، ولَقُمنا بِجَهدِنا في مُحاوَلَةِ مَن حاوَلَكَ ، وفي مُدافَعَةِ مَن ناواكَ ۸ ، ولكِنَّهُ سُلطانٌ لا يُحاوَلُ ، وعِزٌّ لا يُزاوَلُ ، ورَبٌّ لا يُغالَبُ ، فَإِن يَمنُن عَلَينا بِعافِيَتِكَ ، ويَتَرَحَّم عَلَينا بِبَقائِكَ ، ويَتَحَنَّن عَلَينا بِتَفريجِ هذا مِن حالِكَ ، إلى سَلامَةٍ مِنكَ لَنا وبَقاءٍ مِنكَ بَينَ أظهُرِنا ، نُحدِث للّهِِ عز و جلبِذلِكَ شُكرا نُعَظِّمُهُ ، وذِكرا نُديمُهُ ، ونُقَسِّم أنصافَ أموالِنا صَدَقاتٍ وأنصافَ رَقيقِنا ۹ عُتَقاءَ ، ونُحدِث لَهُ تَواضُعا في أنفُسِنا ، ونَخشَع في جَميعِ اُمورِنا ، وإن يَمضِ بِكَ إلَى الجِنانِ ، ويُجري عَلَيكَ حَتمَ سَبيلِهِ ، فَغَيرُ مُتَّهَمٍ فيكَ قَضاؤُهُ ، ولا مَدفوعٍ عَنكَ بَلاؤُهُ ، ولا مُختَلِفَةٍ مَعَ ذلِكَ قُلوبُنا بِأَنَّ اختِيارَهُ لَكَ ما عِندَهُ عَلى ما كُنتَ فيهِ ، ولكِنّا نَبكي مِن غَيرِ إثمٍ لِعِزِّ هذَا السُّلطانِ أن يَعودَ ذَليلاً ، ولِلدّينِ وَالدُّنيا أكيلاً ، فَلا نَرى لَكَ خَلَفا نَشكو إلَيهِ ، وَلا نَظيرا نَأمَلُهُ وَلا نُقيمُهُ. ۱۰

1.أثلَةُ كلِّ شيءٍ : أصله . وأثَلَ : تأصَّل . وأثَّلَ اللّه ُ ملكَهُ : عظَّمَهُ . وتأثَّل هُوَ : عَظُم (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۹ «أثل») .

2.ائتَمَر : أي شاور نفسه وارتأى قبل مواقعة الأمر ، وقيل : المؤتَمِر : الذي يهمّ بأمرٍ يفعله (النهاية : ج ۱ ص ۶۶ «أمر») .

3.أطريت فلانا : مدحته بأحسن ما فيه ، وقيل : بالغت في مدحه وجاوزت الحدّ (المصباح المنير : ص ۳۷۲ «طرو») .

4.عالَ الشيءُ فلانا : غَلَبَه وثقُل عليه وأهمّه (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۲۲ «عال») .

5.قال العلّامة المجلسي رحمه الله : أي كنت تعاشر من يعصيك ويكفر نعمتك معاشرة الإخوان شفقة منك عليهم ، أو المراد الشفقة على الكفّار والعصاة والاهتمام في هدايتهم . ويحتمل أن يكون المراد المنافقين الذين كانوا في عسكره ، وكان يلزمه رعايتهم بظاهر الشَّرع (مرآة العقول : ج ۲۶ ص ۵۳۱).

6.الثمال ـ بالكسر ـ : الملجأ والغياث وقيل : هو المطعم في الشدّة (النهاية : ج ۱ ص ۲۲۲ «ثمل») .

7.قال العلّامة المجلسي رحمه الله : أي صار مداراتك وتأنّيك وعدم مبادرتك في الحكم علينا بما نستحقّه ، سببا لوسعة الحقّ علينا وعدم تضيّق الاُمور بنا (مرآة العقول : ج ۲۶ ص ۵۳۲).

8.ناوَأهُم : أي ناهَضَهم وعاداهُم (النهاية : ج ۵ ص ۱۲۳ «نوأ») .

9.الرقيق : المملوك (النهاية : ج ۲ ص ۲۵۱ «رقَق»).

10.الكافي : ج ۸ ص ۳۵۲ ح ۵۵۰ عن جابر ، نهج البلاغة : الخطبة ۲۱۶ نحوه و ليس فيه من وسطه «فأجابه الرجل الذي أجابه من قبل» إلى آخره ، بحار الأنوار : ج ۷۷ ص ۳۵۳ ح ۳۲.

صفحه از 327