امت - صفحه 146

۱۶۹.الإمام الحسين عليه السلام :بَينَما أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله جُلوسٌ في مَسجِدِهِ بَعدَ وَفاتِهِ صلى الله عليه و آله يَتَذاكَرونَ فَضلَهُ ، إذ دَخَلَ عَلَينا حَبرٌ مِن أحبارِ ۱ اليَهودِ مِن أهلِ الشّامِ ، قَد قَرَأَ التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَالزَّبورَ وصُحُفَ إبراهيمَ وَالأَنبِياءِ ، وعَرَفَ دَلائِلَهُم ، فَسَلَّمَ عَلَينا وجَلَسَ ، ولَبِثَ هُنَيئَةً ، ثُمَّ قالَ : يا اُمَّةَ مُحَمَّدٍ ، ما تَرَكتُم لِنَبِيٍّ دَرَجَةً ولا لِمُرسَلٍ فَضيلَةً إلّا وقَد نَحَلتُموها ۲ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكُم ! فَهَل عِندَكُم جَوابٌ إن أنَا سَأَلتُكُم ؟
فَقالَ لَهُ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام : سَل يا أَخَا اليَهودِ ما أحبَبتَ ، فَإِنّي اُجيبُكَ عَن كُلِّ ما تَسأَلُ بِعَونِ اللّهِ ومَشيئَتِهِ . . . .
قالَ اليَهودِيُّ : فَإِنَّ اللّهَ تَعالى ناجى موسى عَلى طورِ سَيناءَ ۳ بِثَلاثِمِئَةٍ وثَلاثَ عَشرَةَ كَلِمَةً ، مَعَ كُلِّ كَلِمَةٍ يَقولُ لَهُ : يا موسى إنّي أنَا اللّهُ ، فَهَل فَعَلَ بِمُحَمَّدٍ شَيئا مِن ذلِكَ ؟
فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : لَقَد كانَ كَذلِكَ ، ومُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ناجاهُ اللّهُ تَعالى فَوقَ سَبعِ سَماواتٍ رَفَعَهُ عَلَيهِنَّ ، فَناجاهُ في مَوطِنَينِ : أحَدُهُما عِندَ سِدرَةِ المُنتَهى ۴ ، وكانَ لَهُ هُناكَ مَقامٌ مَحمودٌ ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ حَتَّى انتَهى بِهِ إلى ساقِ العَرشِ ، وقالَ اللّهُ تَعالى : «دَنَا فَتَدَلَّى»۵ ، ودُلِّيَ لَهُ رَفرَفٌ أخضَرُ ، غُشِّيَ عَلَيهِ نورٌ عَظيمٌ حَتّى كانَ في دُنُوِّهِ كَقابِ قَوسَينِ أو أدنى ، وهُوَ مِقدارُ ما بَينَ الحاجِبِ إلَى الحاجِبِ ، وناجاهُ بِما ذَكَرَهُ اللّهُ تَعالى في كِتابِهِ ، في سورَةِ البَقَرَةِ ، قالَ اللّهُ تَعالى : «وَإِن تُبْدُواْ مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ»۶ .
وكانَت هذِهِ الآيَةُ قَد عُرِضَت عَلى سائِرِ الاُمَمِ مِن لَدُن آدَمَ عليه السلام إلى مَبعَثِ النَّبِيِّ المُعَظَّمِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَأَبَوا جَميعا أن يَقبَلوها مِن ثِقَلِها ، وقَبِلَها مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله واُمَّتُهُ ، فَلَمّا رَأَى اللّهُ تَعالى مِنهُ وَمِن اُمَّتِهِ القَبولَ خَفَّفَ عَنهُ ثِقَلَها ، فَقالَ اللّهُ تَعالى لِمُحَمَّدٍ : «ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَا اُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ» ثُمَّ إنَّ اللّهَ تَعالى تَكَرَّمَ عَلى مُحَمَّدٍ ، وأشفَقَ عَلَيهِ مِن شَديدِ الآيَةِ التَّي قَبِلَها هُوَ واُمَّتُهُ ، فَأَجابَ عَن نَفسِهِ واُمَّتُهُ فَقالَ : «وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» ، فَقالَ اللّهُ تَعالى : لَهُمُ المَغفِرَةُ وَالجَنَّةُ إذا فَعَلوا ذلِكَ ، فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»۷ ، يَعنِي المَرجِعَ فِي الآخِرَةِ ، فَأَجابَهُ سُبحانَهُ : قَد فَعَلتُ ذلِكَ، تُباهي اُمَّتُكَ الاُمَمَ ، قَد أوجَبتُ لَهُمُ المَغفِرَةَ .
ثُمَّ قالَ اللّهُ تَعالى : أمّا إذا قَبِلتَها أنتَ وَاُمَّتُكَ ، وقَد كانَت مِن قَبلُ عَرَضتُها عَلَى الأَنبِياءِ وَالاُمَمِ فَلَم يَقبَلوها ، فَحَقَّ عَلَيَّ أن أرفَعَها عَن اُمَّتِكَ ، فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ» مِن خَيرٍ «وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ» مِن شَرٍّ . ثُمَّ ألهَمَ اللّهُ تَعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله أن قالَ : «رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» ، فَقالَ اللّهُ سُبحانَهُ : لِكَرامَتِكَ ـ يا مُحَمَّدُ ـ عَلَيَّ، إنَّ الاُمَمَ السّابِقَةَ كانوا إذا نَسوا ما ذُكِّروا فَتَحتُ عَلَيهِم أبوابَ عَذابي ، وقَد رَفَعتُ ذلِكَ عَن اُمَّتِكَ ، فَقالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا»۸ ، يَعني بِالآصارِ الشَّدائِدَ الَّتي كانَت عَلَى الاُمَمِ مِمَّن كانَ قَبلَ مُحَمَّدٍ .
فَقالَ اللّهُ تَعالى : قَد رَفَعتُ عَن اُمَّتِكَ الآصارَ الَّتي كانَت عَلَى الاُمَمِ السّالِفَةِ ، وذلِكَ أنّي جَعَلتُ عَلَى الاُمَمِ ألّا أقبَلَ مِنهُم فِعلاً إلّا في بِقاعٍ مِنَ الأَرضِ اختَرتُها لَهُم وإن بَعُدَت ، وقَد جَعَلتُ الأرضَ لَكَ ولِاُمَّتِكَ طَهورا ومَسجِدا ، فَهذِهِ مِنَ الآصارِ وقَد رَفَعتُها عَن اُمَّتِكَ .
وقَد كانَتِ الاُمَمُ ۹ السّالِفَةُ تَحمِلُ قُربانَها ۱۰ عَلى أعناقِها إلى بَيتِ المَقدِسِ ، فَمَن قَبِلتُ ذلِكَ مِنهُ أرسَلتُ عَلى قُربانِهِ نارا تَأكُلُهُ ۱۱ ، وإن لَم أقبَل ذلِكَ مِنهُ رَجَعَ بِهِ مَثبورا ۱۲ ، وقَد جَعَلتُ قُربانَ اُمَّتِكَ في بُطونِ فُقَرائِها ومَساكينِها ، فَمَن قَبلِتُ ذلِكَ مِنهُ اُضاعِفُ لَهُ الثَّوابَ أضعافا مُضاعَفَةً ، ومَن لَم أقبَل ذلِكَ مِنهُ رَفَعتُ عَنهُ عُقوباتِ الدُّنيا ، وقَد رَفَعتُ ذلِكَ عَن اُمَّتِكَ وهِيَ مِنَ الآصارِ الَّتي كانَت عَلَى الاُمَمِ السّالِفَةِ .
وكانَتِ الاُمَمُ السّالِفَةُ مَفروضا عَلَيها صَلَواتُها في كَبِدِ اللَّيلِ وأَنصافِ النَّهارِ ، وهِيَ مِنَ الشَّدائِدِ الَّتي كانَت عَلَيهِم وقَد رَفَعتُها عَن اُمَّتِكَ ، وقَد فَرَضتُ عَلَيهِم صَلواتِهِم في أطرافِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ في أوقاتِ نَشاطِهِم .
وكانَتِ الاُمَمُ السّالِفَةُ مَفروضا عَلَيهِم خَمسونَ صَلاةً في خَمسينَ وَقتاً ۱۳ ، وهِيَ مِنَ الآصارِ الَّتي كانَت عَلَيهِم ، وقَد رَفَعتُها عَن اُمَّتِكَ .
وكانَتِ الاُمَمُ السّالِفَةُ حَسَنَتُهُم بِحَسَنَةٍ واحِدَةٍ ، وسَيِّئَتُهُم بِسَيِّئَةٍ واحِدَةٍ ، وجَعَلتُ لِاُمَّتِكَ الحَسَنَةَ بِعَشرٍ ، وَالسَّيِّئَةَ بِسَيِّئَةٍ واحِدَةٍ .
وكانَتِ الاُمَمُ السّالِفَةُ إذا نَوى أحَدُهُم حَسَنَةً لَم تُكتَب لَهُ ، وَإذا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ كَتَبتُها عَلَيهِ وإن لَم يَعمَلها ، وقَد رَفَعتُها عَن اُمَّتِكَ ؛ فَإِذا هَمَّ أحَدُهُم بِسَيِّئَةٍ وَلَم يَعمَلها لَم تُكتَب عَلَيهِ ، وإذا هَمَّ بِحَسَنَةٍ لَم يَعمَلها كُتِبَت لَهُ حَسَنَةٌ .
وكانَتِ الاُمَمُ السّالِفَةُ إذا أذنَبوا كُتِبَت [ذُنوبُهُم] ۱۴ عَلى أبوابِهِم ، وجَعَلتُ تَوبَتَهُم مِنَ الذَّنبِ أن اُحَرِّمَ عَلَيهِم أحَبَّ الطَّعامِ إلَيهِم . وكانَتِ الاُمَمُ السّالِفَةُ يَتوبُ أحَدُهُم مِنَ الذَّنبِ الواحِدِ المِئَةَ وَالمِئَتَي سَنَةٍ ، ثُمَّ لَم أقبَل تَوبَتَهُ دونَ أن اُعاقِبَهُ فِي الدُّنيا بِعُقوبَةٍ ، وقَد رَفَعتُ ذلِكَ عَن اُمَّتِكَ ، وإنَّ الرَّجُلَ مِن اُمَّتِكَ لَيُذنِبُ المِئَةَ ثُمَّ يَتوبُ ويَندَمُ طَرفَةَ عَينٍ ، فَأَغفِرُ لَهُ ذلِكَ كُلَّهُ وأَقبَلُ تَوبَتَهُ .
وكانَتِ الاُمَمُ السّالِفَةُ إذا أصابَهُم أدنى نَجَسٍ قَرَضوهُ مِن أجسادِهِم ، وقَد جَعَلتُ الماءَ طَهورا لِاُمَّتِكَ مِن جَميعِ الأَنجاسِ ، وَالصَّعيدَ ۱۵ فِي الأَوقاتِ ۱۶ ، [و] ۱۷ هذِهِ مِنَ الآصارِ الَّتي كانَت عَلَيهِم ورَفَعتُها عَن اُمَّتِكَ .
قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إذا قَد فَعَلتَ ذلِكَ بي فَزِدني ! فَأَلهَمَهُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى أن قالَ : «رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا» قالَ اللّهُ تَعالى : قَد فَعَلتُ ذلِكَ بِاُمَّتِكَ ، وقَد رَفَعتُ عَنهُم عَظيمَ بَلايَا الاُمَمِ ، وذلِكَ حُكمي في جَميعِ الاُمَمِ ألّا اُكَلِّفَ نَفسا فَوقَ طاقَتِها ، قالَ : «وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا» قالَ اللّهُ تَعالى : قَد فَعَلتُ ذلِكَ ، تُباهِي الاُمَمَ اُمَّتُكَ ، ثُمَّ قالَ : «فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ»۱۸ . قالَ اللّهُ تَعالى قَد فَعَلتُ ذلِكَ ، وجَعَلتُ اُمَّتَكَ يا أَحمَدُ كَالشّامَةِ البَيضاءِ فِي الثَّورِ الأَسوَدِ ، هُمُ القادِرونَ ، وهُمُ القاهِرونَ ، يَستَخدِمونَ ولايَخدِمونَ ، لِكَرامَتِكَ عَلَيَّ ، وحَقٌّ عَلَيَّ أن اُظهِرَ دينُكَ عَلَى الأَديانِ حَتّى لا يَبقى في شَرقِ الأَرضِ ولا في غَربِها دينٌ إلّا دينُكَ ، ويُؤَدّونَ إلى أهلِ دينِكَ الجِزيَةَ وهُم صاغِرونَ ، «وَ لَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً اُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى»۱۹ .
فَهذا أعظَمُ يا أَخَا اليَهودِ مِن مُناجاتِهِ لِموسى عليه السلام عَلى طورِ سَيناءَ ، ثُمَّ زادَ اللّهُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله أن مَثَّلَ النَّبِيّينَ فَصَلّى بِهِم وهُم خَلفَهُ يَقتَدونَ بِهِ ، ولَقَد عايَنَ تِلكَ اللَّيلَةَ الجَنَّةَ وَالنّارَ ، وعُرِجَ بِهِ سَماءً سَماءً ، وسَلَّمَت عَلَيهِ المَلائِكَةُ ، فَهذا أكثَرُ مِن ذلِكَ .
قالَ اليَهودِيُّ : فَإِنَّ اللّهَ تَعالى ألقى عَلى موسى مَحَبَّةً مِنهُ .
فَقالَ لَهُ عليه السلام : لَقَد كانَ كَذلِكَ ، ومُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ألقى عَلَيهِ مِنهُ مَحَبَّةً ، فَسَمَّاهُ حَبيبا ، وذلِكَ أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى أرى إبراهيمَ عليه السلام صورَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله واُمَّتِهِ ، فَقالَ : يا رَبِّ، ما رَأَيتُ مِن اُمَمِ الأَنبِياءِ أنوَرَ مِن هذِهِ الاُمَّةِ ، فَمَن هذا ؟
فَنودِيَ: هذا مُحَمَّدٌ حَبيبي ، لا حَبيبَ لي مِن خَلقي غَيرُهُ ، أحبَبتُهُ قَبلَ أن أخلُقَ سَمائي وَأرضي ، وَسَمَّيتُهُ نَبِيّا وأبوكَ آدَمُ يَومَئِذٍ مِنَ الطّينِ ، ما أجرَيتُ فيهِ روحا ، وأقسَمَ بِحَياتِهِ في كِتابِهِ ، فَقالَ اللّهُ تَعالى : «لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ»۲۰ أي : وحَياتِكَ يا مُحَمَّدُ ، وكَفى بِهذا رِفعَةً وشَرَفا مِنَ اللّهِ عز و جل ورُتبَةً .
قالَ اليَهودِيُّ : فَأَخبِرني بِما فَضَّلَ اللّهُ تَعالى اُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلى سائِرِ الاُمَمِ ؟
قالَ عَلِيٌّ عليه السلام : لَقَد فَضَّلَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى اُمَّتَهُ عَلى سائِرِ الاُمَمِ بِأَشياءَ كَثيرَةٍ، إنَّما أذكُرُ لَكَ مِنها قَليلاً مِن كَثيرٍ :
مِن ذلِكَ قَولُ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى : «كُنتُمْ خَيْرَ اُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ»۲۱ .
وَمِن ذلِكَ أنَّهُ إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ وجَمَعَ اللّهُ الخَلقَ في صَعيدٍ واحِدٍ ، سَأَلَ اللّهُ تَعالَى النَّبِيّينَ : هَل بَلَّغتُم ؟ فَيَقولونَ : نَعَم ، فَيَسأَلُ الاُمَمَ فَيَقولونَ : ما جاءَنا مِن بَشيرٍ ولا نَذيرٍ ، فَيَقولُ اللّهُ عز و جلـ وَهُوَ أعلَمُ بِذلِكَ ـ لِلنَّبِيّينَ : مَن شُهَداؤُكُمُ اليَومَ ؟ فَيَقولونَ : مُحَمَّدٌ واُمَّتُهُ ، فَيَشهَدُ لَهُم اُمَّةُ مُحَمَّدٍ المُصطَفى صلى الله عليه و آله بِالتَّبليغِ ، وتُصَدِّقُ شَهادَتَهُم شَهادَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله فَيُؤمِنونَ عِندَ ذلِكَ ، وَذلِكَ قَولُ اللّهِ عز و جل : «لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»۲۲ يَقولُ : يَكونُ مُحَمَّدٌ عَلَيكُم شَهيدا أنَّكُم قَد بَلَّغتُمُ الرِّسالَةَ .
ومِنها : أنَّهُم ۲۳ أوَّلُ النّاسِ حِسابا ، وأَسرَعُهُم دُخولاً إلَى الجَنَّةِ قَبلَ سائِرِ الاُمَمِ كُلِّها .
ومِنها أيضا : أنَّ اللّهَ عز و جل فَرَضَ عَلَيهِم فِي اللَّيلِ وَالنَّهارِ [خَمسَ] ۲۴ صَلَواتٍ في خَمسَةِ أوقاتٍ : اِثنَتانِ بِاللَّيلِ ، وثَلاثٌ بِالنَّهارِ ، ثُمَّ جَعَلَ هذهِ الخَمسَ صَلَواتٍ تَعدِلُ خَمسينَ صَلاةً ۲۵ وجَعَلَها كَفَّارَةَ خَطاياهُم ، فَقالَ اللّهُ عز و جل : «إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ»۲۶ يَقولُ : صَلَواتُ الخَمسِ ۲۷ تُكفِّرُ الذُّنوبَ مَا اجتَنَبَ العَبدُ الكَبائِرَ .
ومِنها أيضا : أنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ لَهُم الحَسَنَةَ الواحِدَةَ الَّتي يَهُمُّ بِهَا العَبدُ ولا يَعمَلُها حَسَنَةً واحِدَةً يَكتُبُها لَهُ ، فَإِن عَمِلَها كَتَبَها لَهُ عَشرَ حَسَناتٍ وأَمثالَها إلى سَبعِمِئَةِ ضِعفٍ فَصاعِدا .
ومِنها : أنَّ اللّهَ عز و جل يُدخِلُ الجَنَّةَ مِن هذهِ الاُمَّةِ سَبعينَ ألفا بِغَيرِ حِسابٍ ، وُجوهُهُم مِثلُ القَمَرِ لَيلَةَ البَدرِ ، وَالَّذينَ يَلونَهُم عَلى أشَدِّ كَوكَبٍ فِي السَّماءِ ، هُم اُمَناؤُهُ ، ولَا اختِلافَ بَينَهُم ولا تَباغُضَ بَينَهُم .
ومِنها : أنَّ القاتِلَ مِنهُم عَمدا إن شاءَ أولِياءُ دَمِ المَقتولِ ۲۸ أن يَعفوا ۲۹ عَنهُ فَعَلوا ذلِكَ ، وإن شاؤوا قَبِلُوا الدِّيَةَ ، وعَلى أهلِ التَّوراةِ وهُم أهلُ دينِكُم يُقتَلُ القاتِلُ ولا يُعفى عَنهُ ، ولا تُؤخَذُ مِنهُ دِيَةٌ ، قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : ذلِكَ تَخفيفٌ مِن رَبِّكُم ورَحمَةٌ .
ومِنها : أنَّ اللّهَ تَعالى جَعَلَ فاتِحَةَ الكِتابِ نِصفَها لِنَفسِهِ ، ونِصفَها لِعَبدِهِ ، قالَ اللّهُ تبارَكَ وتَعالى : قَسَّمتُ بَيني وبَينَ عَبدي هذهِ السّورَةَ ، فَإِذا قالَ أحَدُهُم : «الْحَمْدُ لِلَّهِ» فَقَد حَمِدَني ، وإذا قالَ : «رَبِّ الْعَالَمِينَ» فَقَد عَرَفَني ، وإذا قالَ : «الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» فَقَد مَدَحَني ، وإذا قالَ : «مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» فَقَد أثنى عَلَيَّ ، وإذا قالَ : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» فَقَد صَدَقَ عَبدي في عِبادَتي بَعدَما سَأَلَني ، وبَقِيَّةُ هذهِ السّورَةِ لَهُ .
ومِنها : أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى بَعَثَ جَبرائيلَ عليه السلام إلَى النَّبِيِّ المُكَرَّمِ أن بَشِّر اُمَّتَكَ بِالزَّينِ وَالسَّناءِ ۳۰ وَالرِّفعَةِ وَالكَرامَةِ وَالنَّصرِ ۳۱ .
ومِنها : أنَّ اللّهَ عز و جل أباحَهُم صَدَقاتِهِم يَأكُلونَها ، ويَجعَلونَها في بُطونِ فُقَرائِهِم يَأكُلونَ مِنها ويُطعِمونَ ، وكانَت صَدَقاتُ مَن كانَ قَبلَهُم مِنَ الاُمَمِ الماضينَ يَحمِلونَها إلى مَكانٍ قَصِيٍّ ۳۲ فَيُحرِقونَها بِالنّارِ .
ومِنها : أنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ لَهُمُ الشَّفاعَةَ خاصَّةً دونَ الاُمَمِ ، وَاللّهُ تَبارَكَ وتَعالى يَتَجاوَزُ عَن ذُنوبِهِم العِظامِ بِشَفاعَةِ نَبِيِّهِم صلى الله عليه و آله .
ومِنها : أنَّهُ يُقالُ يَومَ القِيامَةِ : [لِيَتَقَدَّمِ] ۳۳ الحامِدونَ ، فَتَقَدَّمُ اُمَّةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله قَبلَ الاُمَمِ ، وهُوَ مَكتوبٌ : اُمَّةُ مُحَمَّدٍ هُمُ الحامِدونَ ، يَحمَدونَ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى عَلى كُلِّ مَنزِلَةٍ ، [و] ۳۴ يُكَبِّرونَهُ عَلى كُلِّ حالٍ ، مُناديهِم في جَوفِ السَّماءِ لَهُ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحلِ .
ومِنها : أنَّ اللّهَ تَبارَكَ وتَعالى لا يُهلِكُهُم بِجوعٍ ، ولا يَجمَعُهُم عَلى ضَلالَةٍ ، وَلا يُسَلِّطُ ۳۵ عَلَيهِم عَدُوّا مِن غَيرِهِم ، ولا يُساخُ بِبَيضَتِهِم ۳۶ ، وجَعَلَ لَهُمُ الطّاعونَ شَهادَةً .
ومِنها : أنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ لِمَن صَلّى مِنهُم عَلى نَبِيِّهِم صَلاةً واحِدَةً عَشرَ حَسَناتٍ ، ومَحا عَنهُ عَشرَ سَيِّئاتٍ ، ورَدَّ اللّهُ سُبحانَهُ عَلَيهِ مِثلَ صَلاتِهِ عَلَى النَّبِيِّ المُكَرَّمِ صلى الله عليه و آله .
ومِنها : أنَّهُ جَعَلَهُم أزواجا ثَلاثَةً اُمَما ، فَمِنهُم ظالِمٌ لِنَفسِهِ ، ومِنهُم مُقتَصِدٌ ، ومِنهُم سابِقٌ بِالخَيراتِ ، وَالسّابِقُ بِالخَيراتِ يَدخُلُ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسابٍ ، وَالمُقتَصِدُ يُحاسَبُ حِسابا يَسيرا ، وَالظّالِمُ لِنَفسِهِ مَغفورٌ لَهُ إن شاءَ اللّهُ تَعالى .
ومِنها : أنَّ اللّهَ عز و جل جَعَلَ تَوبَتَهُمُ النَّدَمَ وَالاِستِغفارَ وَالتَّركَ لِلإِصرارِ ، وكانَ تَوبَةُ بَني إسرائيلَ قَتلَ أنفُسِهِم .
ومِنها : قَولُ اللّهِ عز و جل لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله : اُمَّتُكَ هذهِ مَرحومَةٌ ، عَذابُهُم فِي الدُّنيَا الزِّلزِلَةُ وَالفَقرُ. ۳۷

1.الأحْبارُ : العلماء ، جمع حِبْر وحَبْر (النهاية : ج ۱ ص ۳۲۸ «حبر») .

2.يَنْحَلُه : أي ينسبه إليه ؛ من النِّحلَة : وهي النسبة بالباطل (النهاية : ج ۵ ص ۲۹ «نحل») .

3.طور سيناء : جبل بالشام (معجم البلدان : ج ۴ ص ۴۸) .

4.سِدْرَةُ المنتهى : شجرة في أقصى الجنّة إليها ينتهي علم الأوّلين والآخرين (النهاية : ج ۲ ص ۳۵۳«سدر») .

5.النجم : ۸ .

6.البقرة : ۲۸۴ .

7.البقرة : ۲۸۵ .

8.البقرة : ۲۸۶ .

9.في المصدر : «في الاُمم» ، والتصويب من بحارالأنوار .

10.القُربان : ما تقرّبتَ به إلى اللّه عز و جل (الصحاح : ج ۱ ص ۱۹۸ «قرب») .

11.راجع : آل عمران : ۱۸۳ .

12.الثُّبُورُ : الهَلاكُ (النهاية : ج ۱ ص ۲۰۶ «ثبر») .

13.في المصدر : «وقت»، والتصويب من بحارالأنوار .

14.ما بين المعقوفين أثبتناه من بحار الأنوار .

15.الصّعيدُ : التراب (الصحاح : ج ۲ ص ۴۹۸ «صعد») .

16.كذا في المصدر وبحارالأنوار .

17.ما بين المعقوفين أثبتناه من بحارالأنوار .

18.النجم : ۱۳ ـ ۱۸ .

19.الحِجر : ۷۲ .

20.آل عمران : ۱۱۰ .

21.البقرة : ۱۴۳ .

22.في المصدر : «أنّه» ، والتصويب من بحارالأنوار .

23.في المصدر : «صلوات» ، والتصويب من بحار الأنوار .

24.هود : ۱۱۵ .

25.في بحارالأنوار : «صَلاةُ الخمس» .

26.في المصدر : «أولياء الدّم المقتول» ، والتصويب من بحار الأنوار .

27.في المصدر : «يقفوا» ، والتصويب من بحار الأنوار .

28.في المصدر : «والنساء» ، والتصويب من بحار الأنوار .

29.في المصدر : «والنضرة» ، والتصويب من بحار الأنوار .

30.في المصدر : «قضي» ، والتصويب من بحار الأنوار .

31.في المصدر : «ولا يسلك عليهم عدو» ، والتصويب من بحار الأنوار .

32.بيضتهم : أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقرّ دعوتهم (النهاية : ج ۱ ص ۱۷۲ «بيض») .

33.إرشاد القلوب : ص ۴۰۶ عن الإمام الكاظم عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج ۱۶ ص ۳۴۱ ح ۳۳ .

صفحه از 314