مباهله (نفرين كردن به يكديگر) - صفحه 24

1 / 4

قِصَّةُ المُباهَلَةِ بِرِوايَةِ السَّيِّدِ ابنِ طاووسٍ قدس سره

۷.الإقبالـ في بَيانِ إنفاذِ النَّبِيِ صلى الله عليه و آله لِرُسُلِهِ إلى نَصارى نَجرانَ ومُناظَرَتِهِم فيما بَينَهُم وظُهورِ تَصديقِهِ فيما دَعاهُم إلَيهِ ـ :رَوَينا ذلِكَ بِالأَسانيدِ الصَّحيحَةِ ، وَالرِّواياتِ الصَّريحَةِ إلى أبِي المُفَضَّلِ مُحَمَّدِ بنِ [عَبدِ اللّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ] ۱ المُطَّلِبِ الشَّيبانِيِ رحمه اللهمِن كِتابِ المُباهَلَةِ ، ومِن أصلِ كِتابِ الحَسَنِ بنِ إسماعيلَ بنِ أشناسٍ مِن كِتابِ عَمَلِ ذِي الحِجَّةِ ، فيما رَوَيناهُ بِالطُّرُقِ الواضِحَةِ عَن ذَوِي الهِمَمِ الصّالِحَةِ ، لا حاجَةَ إلى ذِكرِ أسمائِهِم ؛ لِأَنَّ المَقصودَ ذِكرُ كَلامِهِم .
قالوا : لَمّا فَتَحَ النَّبِيُ صلى الله عليه و آله مَكَّةَ ، وَانقادَت لَهُ العَرَبُ ، وأَرسَلَ رُسُلَهُ ودُعاتِهِ إلَى الاُمَمِ ، وكاتَبَ المَلِكَينِ ـ كِسرى وقَيصَرَ ـ يَدعوهُما إلَى الإِسلامِ ، وإلّا أقَرّا بِالجِزيَةِ وَالصَّغارِ ۲ ، وإلّا أذِنا بِالحَربِ العَوانِ ۳ ؛ أكبَرَ شَأنَهُ نَصارى نَجرانَ وخُلَطاؤُهُم مِن بَني عَبدِ المَدانِ وجَميعُ بَنِي الحارِثِ بنِ كَعبٍ ، ومَن ضَوى ۴ إلَيهِم ونَزَلَ بِهِم مِن دَهماءِ ۵ النّاسِ عَلَى اختِلافِهِم هُناكَ في دينِ النَّصرانِيَّةِ ، مِن الأروسِيَّةِ ۶ ، وَالسّالوسِيَّةِ ۷ ، وأَصحابِ دينِ المَلِكِ ۸ ، وَالمارونيَّةِ ، وَالعُبّادِ ، وَالنّسطورِيَّةِ ، واُملِئَت قُلوبُهُم ـ عَلى تَفاوُتِ مَنازِلِهِم ـ رَهبَةً مِنهُ ورُعبا .
فَإِنَّهُم كَذلِكَ مِن شَأنِهِم ، إذا وَرَدَت عَلَيهِم رُسُلُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِكِتابِهِ ؛ وهُم عُتبَةُ بنُ غَزوانَ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ أبي اُمَيَّةَ ، وَالهُدَيرُ بنُ عَبدِ اللّهِ ـ أخو تَيمِ بنِ مُرَّةَ ـ ، وصُهَيبُ بنُ سِنانٍ ـ أخُو النَّمِرِ بنِ قاسِطٍ ـ يَدعوهُم إلَى الإِسلامِ ، فَإِن أجابوا فَإِخوانٌ ، وإن أبَوا وَاستَكبَروا فَإِلَى الخُطَّةِ المُخزِيَةِ ؛ إلى أداءِ الجِزيَةِ عَن يَدٍ ، فَإِن رَغِبوا عَمّا دَعاهُم إلَيهِ مِن إحدَى ۹ المَنزِلَتَينِ وعَنِدوا ، فَقَد آذَنَهُم عَلى سَواءٍ .
وكانَ في كِتابِهِ صلى الله عليه و آله : «قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ » . ۱۰
قالوا : وكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله لا يُقاتِلُ قَوما حَتّى يَدعُوَهُم ، فَازدادَ القَومُ ـ لِوُرودِ رُسُلِ نَبِيِّ اللّهِ صلى الله عليه و آله وكِتابِهِ ـ نُفورا وَامتِزاجا ، فَفَزِعوا لِذلِكَ إلى بِيعَتِهِمُ العُظمى ، وأَمَروا فَفُرِشَ أرضُها واُلبِسَ جُدُرُها بِالحَريرِ وَالدِّيباجِ ، ورَفَعُوا الصَّليبَ الأَعظَمَ ـ وكانَ مِن ذَهَبٍ مُرَصَّعٍ أنفَذَهُ إلَيهِمُ القَيصَرُ الأَكبَرُ ـ ، وحَضَرَ ذلِكَ بَنُو الحارِثِ بنُ كَعبٍ ، وكانوا لُيوثَ الحَربِ وفُرسانَ النّاسِ ، قَد عَرَفَتِ العَرَبُ ذلِكَ لَهُم في قَديمِ أيّامِهِم فِي الجاهِلِيَّةِ .
فَاجتَمَعَ القَومُ جَميعا لِلمَشوَرَةِ وَالنَّظَرِ في اُمورِهِم ، وأَسرَعَت إلَيهِمُ القَبائِلُ مِن مَذحِجٍ وعَكٍّ وحِميَرٍ وأَنمارٍ ومَن دَنا مِنهُم نَسَبا ودارا مِن قَبائِلِ سَبَأٍ ، وكُلُّهُم قَد وَرِمَ أنفُهُ غَضَبا لِقَومِهِم ، ونَكَصَ مَن تَكَلَّمَ مِنهُم بِالإِسلامِ ارتِدادا ، فَخاضوا وأَفاضوا في ذِكرِ المَسيرِ بِنَفسِهِم وجَمعِهِم إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالنُّزولِ بِهِ بِيَثرِبَ لِمُناجَزَتِهِ .
فَلَمّا رَأى أبو حارِثَةَ ۱۱ حُصَينُ بنُ عَلقَمَةَ اُسقُفُّهُمُ الأَوَّلُ وصاحِبُ مَدارِسِهِم وعَلّامُهُم ـ وكانَ رَجُلاً مِن بَني بَكرِ بنِ وائِلٍ ـ ما أزمَعَ القَومُ عَلَيهِ مِن إطلاقِ الحَربِ ، دَعا بِعِصابَةٍ فَرَفَعَ بِها حاجِبَيهِ عَن عَينَيهِ ـ وقَد بَلَغَ يَومَئِذٍ عِشرينَ ومِئَةَ سَنَةٍ ـ ثُمَّ قامَ فيهِم خَطيبا مُعتَمِدا عَلى عَصا ، وكانَت فيهِ بَقِيَّةٌ ولَهُ رَأيٌ ورَوِيَّةٌ ، وكانَ مُوَحِّدا يُؤمِنُ بِالمَسيحِ وبِالنَّبِيِ عليهماالسلام ، ويَكتُمُ ذلِكَ مِن كَفَرَةِ قَومِهِ وأَصحابِهِ ، فَقالَ :
مَهلاً بَني عَبدِ المَدانِ مَهلاً ، استَديمُوا العافِيَةَ وَالسَّعادَةَ ؛ فَإِنَّهُما مَطوِيّانِ فِي الهَوادَةِ ، دُبّوا إلى قَومٍ في هذَا الأَمرِ دَبيبَ ۱۲ الذَّرِّ ۱۳ ، وإيّاكُم وَالسَّورَةَ ۱۴ العَجلى ؛ فَإِنَّ البَديهَةَ بِها لا تُنجَبُ ، إنَّكُم وَاللّهِ عَلى فِعلِ ما لَم تَفعَلوا أقدَرُ مِنكُم عَلى رَدِّ ما فَعَلتُم ، ألا إنَّ النَّجاةَ مَقرونَةٌ بِالأَناةِ ، ألا رُبَّ إحجامٍ أفضَلُ مِن إقدامٍ ، وكَأَيِّن ۱۵ مِن قَولٍ أبلَغُ مِن صَولٍ ۱۶ .
ثُمَّ أمسَكَ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ كُرزُ بنُ سَبرَةَ الحارِثِيُ، وكانَ يَومَئِذٍ زَعيمَ بَنِي الحارِثِ بنِ كَعبٍ وفي بَيتِ شَرَفِهِم وَالمُعَصَّبَ فيهِم وأَميرَ حُروبِهِم ، فَقالَ : لَقَدِ انتَفَخَ سَحرُكَ وَاستُطيرَ قَلبُكَ أبا حارِثَةَ ، فَظِلتَ كَالمَسبوعِ النزاعة ۱۷ الهَلوعِ ، تَضرِبُ لَنَا الأَمثالَ وتُخَوِّفُنَا النِّزالَ ، لَقَد عَلِمتَ ـ وحَقِّ المَنّانِ ـ بِفَضيلَةِ الحُفّاظِ بِالنّوءِ بِالعِب ءِ ۱۸ وهُوَ عَظيمٌ ، وتَلقَحُ الحَربَ وهِيَ عَقيمٌ ، تَثقَفُ أودَ ۱۹ المَلِكِ الجَبّارِ ، ولَنَحنُ أركانُ الرائِشِ ۲۰ وذِي المنارِ ۲۱ الّذينَ شَدَدنا مُلكَهُما وأَمَّرنا مَليكَهُما ، فَأَيَّ أيّامِنا تُنكِرُ أم لِأَيِّهِما ـ وَيكَ ـ تَلمِزُ ؟
فَما أتى عَلى آخِرِ كَلامِهِ حَتَّى انتَظَمَ ۲۲ نَصلَ ۲۳ نَبلَةٍ كانَت في يَدِهِ بِكَفِّهِ غَيظا وغَضَبا وهُوَ لا يَشعُرُ . فَلَمّا أمسَكَ كُرزُ بنُ سَبرَةَ أقبَلَ عَلَيهِ العاقِبُ ، وَاسمُهُ عَبدُ المَسيحِ بنُ شُرَحبيلَ ـ وهُوَ يَومَئِذٍ عَميدُ القَومِ وأَميرُ رَأيِهِم وصاحِبُ مَشوَرَتِهِم ، الَّذي لا يَصدِروُن جَميعا إلّا عَن قَولِهِ ـ فَقالَ لَهُ :
أفلَحَ وَجهُكَ ، وآنَسَ رَبعُكَ ۲۴ ، وعَزَّ جارُكَ ، وَامتَنَعَ ذِمارُكَ ، ذَكَرتَ ـ وحَقِّ مُغبَرَّةِ الجِباهِ ـ حَسَبا صَميما ، وعيصا ۲۵ كَريما ، وعِزّا قَديما ، ولكِن أبا سَبرَةَ ! لِكُلِّ مَقامٍ مَقالٌ ، ولِكُلِّ عَصرٍ رِجالٌ ، وَالمَرءُ بِيَومِهِ أشبَهُ مِنهُ بِأَمسِهِ ، وهِيَ الأَيّامُ تُهلِكُ جيلاً وتُديلُ قَبيلاً ، وَالعافِيَةُ أفضَلُ جِلبابٍ ، ولِلآفاتِ أسبابٌ ، فَمِن أوكَدِ أسبابِهَا التَّعَرُّضُ لِأَبوابِها .
ثُمَّ صَمَتَ العاقِبُ مُطرِقا ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ السَّيِّدُ وَاسمُهُ أهتَمُ بنُ النُّعمانِ ـ وهُوَ يَومَئِذٍ اُسقُفُّ نَجرانَ ، وكانَ نَظيرَ العاقِبِ في عُلُوِّ المَنزِلَةِ ، وهُوَ رَجُلٌ مِن عامِلَةَ وعِدادُهُ في لَخمٍ ، فَقالَ لَهُ : سَعَدَ جَدُّكَ وسَما جَدُّكَ أبا واثِلَةَ ، إنَّ لِكُلِّ لامِعَةٍ ضِياءٌ ، وعَلى كُلِّ صَوابٍ نورا ، ولكِن لا يُدرِكُهُ ـ وحَقِّ واهِبِ العَقلِ ـ إلّا مَن كانَ بَصيرا ، إنَّكَ أفضَيتَ وهذانِ فيما تصرّف بِكُمَا الكَلِمُ إلى سَبيلَي حَزَنٍ ۲۶ وسَهلٍ ، ولِكُلٍّ عَلى تَفاوُتِكُم حَظٌّ مِنَ الرَّأيِ الرَّبيقِ ۲۷ وَالأَمرِ الوَثيقِ إذا اُصيبَ بِهِ مَواضِعُهُ ، ثُمَّ إنَّ أخا قُرَيشٍ قَد نَجَدَكُم لِخَطبٍ عَظيمٍ وأَمرٍ جَسيمٍ ، فَما عِندَكُم فيهِ قولوا وأَنجِزوا ، أبُخوعٌ ۲۸ وإقرارٌ ، أم نُزوعٌ ؟
قالَ عُتبَةُ وَالهَديرُ ۲۹ وَالنَّفَرُ مِن أهلِ نَجرانَ : فَعادَ كُرزُ بنُ سَبرَةَ لِكَلامِهِ وكانَ كَمِيّا ۳۰ أبِيّا ، فَقالَ :
أنَحنُ نُفارِقُ دينا رَسَخَت عَلَيهِ عُروقُنا ، ومَضى عَلَيهِ آباؤُنا ، وعَرَفَ مُلوكُ النّاسِ ثُمّ العَرَبُ ذلِكَ مِنّا ؟ ! أنَتَهالَكُ إلى ذلِكَ أم نُقِرُّ بِالجِزيَةِ وهِيَ الخِزيَةُ حَقّا ؟ لا وَاللّهِ حَتّى نُجَرِّدَ البَواتِرَ مِن أغمادِها ، وتَذهَلَ الحَلائِلُ عَن أولادِها ، أو نَشرُقُ نَحنُ [و] ۳۱ مُحَمَّدٌ بِدِمائِنا ، ثُمَّ يُديلُ اللّهُ عز و جل بِنَصرِهِ مَن يَشاءُ .
قالَ لَهُ السَّيِّدُ : اِربَع ۳۲ عَلى نَفسِكَ وعَلَينا أبا سَبرَةَ ، فَإِنَّ سَلَّ السَّيفِ يَسِلُّ السَّيفَ ، وإنَّ مُحَمَّدا قَد بَخَعَت لَهُ العَرَبُ وأَعطَتهُ طاعَتَها ومَلَكَ رِجالَها وأَعِنَّتَها ، وجَرَت أحكامُهُ في أهلِ الوَبَرِ مِنهُم وَالمَدَرِ ، ورَمَقَهُ المَلِكانِ العَظيمانِ كِسرى وقَيصَرَ ، فَلا أراكُم ـ وَالرّوحِ ـ لَو نَهَدَ ۳۳ لَكُم إلّا وقَد تَصَدَّعَ عَنكُم مَن خَفَّ مَعَكُم مِن هذِهِ القَبائِلِ ، فَصِرتُم جُفاءً كَأَمسِ الذّاهِبِ ، أو كَلَحمٍ عَلى وَضَمٍ ۳۴ .
وكانَ فيهِم رَجُلٌ يُقالُ لَهُ جَهيرُ بنُ سُراقَةَ البارِقِيُّ مِن زَنادِقَةِ نَصارَى العَرَبِ ، و كانَ لَهُ مَنزِلَةٌ مِن مُلوكِ النَّصرانِيَّةِ ، وكانَ مَثواهُ بِنَجرانَ ، فَقالَ لَهُ : أبا سُعادَ ، قُل في أمرِنا وأَنجِدنا بِرَأيِكَ ، فَهذا مَجلِسٌ لَهُ ما بَعدُهُ .
فَقالَ : فَإِنّي أرى لَكُم أن تُقارِبوا مُحَمَّدا وتُطيعوهُ في بَعضِ مُلتَمَسِهِ عِندَكُم ، وَليَنطَلِق وُفودُكُم إلى مُلوكِ أهلِ مِلَّتِكُم ؛ إلَى المَلِكِ الأَكبَرِ بِالرّومِ قَيصَرَ ، وإلى مُلوكِ هذِهِ الجِلدَةِ السَّوداءِ الخَمسَةِ ؛ يَعني مُلوكَ السّودانِ : مَلِكَ النّوبَةِ ، ومَلِكَ الحَبَشَةِ ، و مَلِكَ علوه ، و مَلِكَ الرّعا ، و مَلِكَ الرّاحاتِ ومَريسَ وَالقِبطِ ـ وكُلُّ هؤُلاءِ كانوا نَصارى ـ . قالَ : وكذلك مَن ضَوى ۳۵ إلَى الشّامِ وحَلَّ بِها مِن مُلوكِ غَسّانَ ولَخمٍ وجُذامٍ وقُضاعَةَ ، وغَيرِهِم مِن ذَوي يُمنِكُم ، فَهُم لَكُم عَشيرَةٌ ومَوالي وأَعوانٌ ، وفِي الدّينِ إخوانٌ ـ يَعني أنَّهُم نَصارى ـ وكَذلِكَ نَصارَى الحيرَةِ مِنَ العُبّادِ وغَيرِهِم ، فَقَد صَبَت إلى دينِهِم قَبائِلُ تَغلِبَ بِنتِ وائِلٍ وغَيرِهِم مِن رَبيعَةَ بنِ نزارٍ ، لِتَسيرَ وُفودُكُم ثُمَّ لِتَخرِقَ إلَيهِمُ البِلادَ إغذاذا ۳۶ ، فَيَستَصرِخونَهُم لِدينِكُم فَيَستَنجِدَكُمُ الرّومُ وتَسيرَ إلَيكُمُ الأَساوِدَةُ ۳۷ مَسيرَ أصحابِ الفيلِ ، وتُقبِلَ إلَيكُم نَصارَى العَرَبِ مِن رَبيعَةِ اليَمَنِ . فَإِذا وَصَلَتِ الأَمدادُ وارِدةً سِرُتم أنتُم في قَبائِلِكُم وسائِرِ مَن ظاهَرَكُم وبَذَلَ نَصرَهُ ومُوازَرَتَهُ لَكُم ، حَتّى تُضاهِئونَ مَن أنجَدَكُم وأَصرَخَكُم مِنَ الأَجناسِ وَالقَبائِلِ الوارِدَةِ عَلَيكُم .
فَأُمُّوا مُحَمَّدا حَتّى تَنجوا بِهِ جَميعا ، فَسَيَعتِقُ إلَيكُم وافِدا لَكُم مَن صَبا إلَيهِ مَغلوبا مَقهورا ، ويَنعَتِقُ بِهِ مَن كانَ مِنهُم في مَدَرَتِهِ مَكثورا ۳۸ ، فَيوشِكُ أن تَصطَلِموا ۳۹ حَوزَتَهُ وتُطفِئُوا جَمرَتَهُ ، ويَكونَ لَكُم بِذلِكَ الوَجهُ وَالمَكانُ فِي النّاسِ ، فَلا تَتَمالَكُ العَرَبُ حينَئِذٍ حَتّى تَتَهافَتَ دُخولاً في دينِكُم ، ثُمَّ لَتَعظُمَنَّ بيعَتُكُم هذِهِ ولَتَشرُفُنَّ حَتّى تَصيرَ كَالكَعبَةِ المَحجوجَةِ بِتِهامَةَ ، هذَا الرَّأيُ فَانتَهِزوهُ فَلا رَأيَ لَكُم بَعدَهُ .
فَأَعجَبَ القَومُ كَلامَ جَهيرِ بنِ سُراقَةَ ، ووَقَعَ مِنهُم كُلَّ مَوقِعٍ ، فَكادَ أن يَتَفَرَّقوا عَلَى العَمَلِ بِهِ ، وكانَ فيهِم رَجُلٌ مِن رَبيعَةَ بنِ نزارٍ مِن بَني قَيسِ بنِ ثَعلَبَةَ ، يُدعى حارِثَةَ بنَ أثالٍ عَلى دينِ المَسيحِ عليه السلام ، فَقامَ حارِثَةُ عَلى قَدَمَيهِ وأَقبَلَ عَلى جَهيرٍ وقالَ مُتَمَثِّلاً شِعرا :

مَتى ما تُقِد بِالباطِلِ الحَقَّ يَأبَهُوإن قُدتَ بِالحَقِّ الرَّواسِيَ تَنقَدِ۴۰
إذا ما أتَيتَ الأَمرَ مِن غَيرِ بابِهِضَلَلتَ وإن تَقصِد إلَى البابِ تَهتَدِ
ثُمَّ استَقبَلَ السَّيِّدَ وَالعاقِبَ وَالقِسّيسينَ وَالرُّهبانَ وكافَّةَ نَصارى نَجرانَ بِوَجهِهِ لَم يَخلِط مَعَهُم غَيرَهُم ، فَقالَ : سَمعا سَمعا يا أبناءَ الحِكمَةِ ، وبَقايا حَمَلَةِ الحُجَّةِ ، إنَّ السَّعيدَ وَاللّهِ مَن نَفَعَتهُ المَوعِظَةُ ، ولَم يَعشُ عَنِ التَّذكِرَةِ ، ألا وإنّي اُنذِرُكُم واُذَكِّرُكُم قَولَ مَسيحِ اللّهِ عز و جل . ثُمَّ شَرَحَ وَصِيَّتَهُ ونَصَّهُ عَلى وَصِيِّهِ شَمعونَ بنِ يوحَنّا ، وما يَحدُثُ عَلى اُمَّتِهِ مِنَ الاِفتِراقِ ، ثُمَّ ذَكَرَ عيسى عليه السلام وقالَ : إنَّ اللّهَ جَلَّ جَلالُهُ أوحى إلَيهِ :
«فَخُذ يَابنَ أمَتي كِتابي بِقُوَّةٍ ، ثُمَّ فَسِّرهُ لِأَهلِ سورِيا بِلِسانِهِم ، وأَخبِرهُم أنّي أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا الحَيُّ القَيّومُ ، البَديعُ الدّائِمُ الَّذي لا أحولُ ولا أزولُ ، إنّي بَعَثتُ رُسُلي ونَزَّلتُ كُتُبي رَحمَةً ونورا وعِصمَةً لِخَلقي ، ثُمَّ إنّي باعِثٌ بِذلِكَ نَجيبَ رِسالَتي أحمَدَ ، صَفوَتي مِن بَرِيَّتي ، البارِقليطا ۴۱ عَبدي ، اُرسِلُهُ في خُلُوٍّ مِنَ الزَّمانِ ، أبعَثُهُ بِمَولِدِهِ فارانَ مِن مَقامِ أبيهِ إبراهيمَ عليه السلام ، اُنزِلُ عَلَيهِ تَوراةً حَديثَةً ، أفتَحُ بِها أعيُنا عُميا ، آذانا ۴۲ صُمّا ، وقُلوبا غُلفا ، طوبى لِمَن شَهِدَ أيّامَهُ وسَمِعَ كَلامَهُ فَآمَنَ بِهِ ، وَاتَّبَعَ النّورَ الَّذي جاءَ بِهِ ، فَإِذا ذَكَرتَ يا عيسى ذلِكَ النَّبِيَّ فَصَلِّ عَلَيهِ فَإِنّي ومَلائِكَتي نُصَلّي عَلَيهِ» .
قالَ : فَما أتى حارِثَةُ بنُ أثالٍ عَلى قَولِهِ هذا ، حَتّى أظلَمَ بِالسَّيِّدِ وَالعاقِبِ مَكانُهُما ، وكَرِها ما قامَ بِهِ فِي النّاسِ مُعرِبا ومُخبِرا عَنِ المَسيحِ عليه السلام بِما أخبَرَ وقَدَّمَ مِن ذِكرِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ؛ لِأَنَّهُما كانا قَد أصابا بِمَواضِعِهِما مِن دينِهِما شَرَفا بِنَجرانَ ، ووَجها عِندَ مُلوكِ النَّصرانِيَّةِ جَميعا ، وكَذلِكَ عِندَ سوقَتِهِم وعَرَبِهِم فِي البِلادِ ، فَأَشفَقا أن يَكونَ ذلِكَ سَبَبا لِانصِرافِ قَومِهِما عَن طاعَتِهِما لِدينِهِما وفَسخا لِمَنزِلَتِهِما فِي النّاسِ .
فَأَقبَلَ العاقِبُ عَلى حارِثَةَ فَقالَ : أمسِك عَلَيكَ يا حارِ ، فَإِنَّ رادَّ هذَا الكَلامِ عَلَيكَ أكثَرُ مِن قابِلِهِ ، ورُبَّ قَولٍ يَكونُ بَلِيَّةً عَلى قائِلِهِ ، ولِلقُلوبِ نَفَراتٌ عِندَ الإِصداعِ بِمَظنونِ الحِكمَةِ ، فَاتَّقِ نُفورَها ، فَلِكُلِّ نَبَإٍ أهلٌ ، ولِكُلِّ خَطبٍ مَحَلٌّ ، وإنَّمَا الدَّرَكُ ما أخَذَ لَكَ بِمَواضِي النَّجاةِ ، وأَلبَسَكَ جُنَّةَ السَّلامَةِ ، فَلا تَعدِلَنَّ بِهِما حَظّا ، فَإِنّي لَم آلُكَ ـ لا أبا لَكَ ۴۳ ـ نُصحا . ثُمَّ أرَمَّ ۴۴ .
فَأَوجَبَ السَّيِّدُ أن يُشرِكَ العاقِبَ في كَلامِهِ ، فَأَقبَلَ عَلى حارِثَةَ فَقالَ : إنّي لَم أزَل أتَعَرَّفُ لَكَ فَضلاً تَميلُ إلَيكَ الأَلبابُ ، فَإِيّاكَ أن تَقتَعِدَ ۴۵ مَطِيَّةَ اللَّجاجِ ، وأَن توجِفَ ۴۶ إلَى السَّرابِ ، فَمَن عُذِرَ بِذلِكَ فلَستَ فيهِ أيُّهَا المَرءُ بِمَعذورٍ ، وقَد أغفَلَكَ أبو واثِلَةَ ـ وهُوَ وَلِيُّ أمرِنا وسَيِّدُ حَضَرِنا ـ عِتابا ، فَأَولِهِ اعتِبارا ۴۷ .
ثُمَّ تَعلَمُ أنَّ ناجِمَ ۴۸ قُرَيشٍ ـ يَعني رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله ـ يَكونُ رُزؤُهُ قَليلاً ثُمَّ يَنقَطِعُ ، ويَخلو أنَّ بَعدَ ذلِكَ قَرنٌ ۴۹ يُبعَثُ في آخِرِهِ النَّبِيُّ المَبعوثُ بِالحِكمَةِ وَالبَيانِ وَالسَّيفِ وَالسُّلطانِ ، يَملِكُ مُلكا مُؤَجَّلاً تُطَبِّقُ فيهِ اُمَّتُهُ المَشارِقَ وَالمَغارِبَ ، ومِن ذُرِّيَّتِهِ الأَميرُ الظّاهِرُ ؛ يَظهَرُ عَلى جَميعِ المَلَكاتِ وَالأَديانِ ، ويَبلُغُ مُلكُهُ ما طَلَعَ عَلَيهِ اللَّيلُ وَالنَّهارُ ، وذلِكَ ـ يا حارِ ـ أمَلٌ مِن وَرائِهِ أمَدٌ ومِن دونِهِ أجَلٌ ، فَتَمَسَّك مِن دِينِكَ بِما تَعلَمُ ، وتَمَنَّع ـ للّهِِ أبوكَ ۵۰ ـ مِن اُنسٍ مُتَصَرِّمٍ ۵۱ بِالزَّمانِ ، أو لِعارِضٍ مِنَ الحَدَثانِ ، فَإِنَّما نَحنُ لِيَومِنا ولِغَدٍ أهلُهُ .
فَأَجابَهُ حارِثَةُ بنُ أثالٍ فَقالَ : إيها عَلَيكَ أبا قُرَّةَ ! فَإِنَّهُ لا حَظَّ في يَومِهِ لِمَن لا دَرَكَ لَهُ في غَدِهِ ، وَاتَّقِ اللّهَ تَجدِ اللّهَ جَلَّ وتَعالى بِحَيثُ لا مَفزَعَ إلّا إلَيهِ .
وعَرَّضتَ مُشَيِّدا بِذِكرِ أبي واثِلَةَ ! فَهُوَ العَزيزُ المُطاعُ ، الرَّحِبُ الباعُ ، وإلَيكُما مَعا مُلقَى الرِّحالِ ، فَلَو اُضرِبَتِ التَّذكِرَةُ عَن أحَدٍ لِتَبريزِ فَضلٍ لَكُنتُماهُ ، لكِنَّها أبكارُ الكَلامِ تُهدى لِأَربابِها ، ونَصيحَةٌ كُنتُما أحَقَّ مَن أصغى لَها ۵۲ . إنَّكُما مَليكا ثَمَراتِ قُلوبِنا ، ووَلِيّا طاعَتِنا في دينِنا ، فَالكَيَسَ الكَيَسَ ـ يا أيُّهَا المُعَظَمّانِ ـ عَلَيكُما بِهِ ، أرِيا مَقاما يُدهِكُما نَواحيهِ ، وَاهجُرا سُنَّةَ ۵۳ التَّسويفِ فيما أنتُما بِعَرضِهِ .
آثِرَا اللّهَ فيما كانَ يُؤثِرُكُما بِالمَزيدِ مِن فَضلِهِ ، ولا تَخلُدا فيما أظَلَّكُما إلَى الونيّةِ ۵۴ ، فَإِنَّهُ مَن أطالَ عِنانَ الأَمرِ أهلَكَتهُ الغِرَّةُ ۵۵ ، ومَنِ اقتَعَدَ مَطِيَّةَ الحَذَرِ كانَ بِسَبيلِ أمنٍ مِنَ المَتالِفِ ، ومَنِ استَنصَحَ عَقلَهُ كانَتِ العِبرَةُ لَهُ لا بِهِ ، ومَن نَصَحَ للّهِِ عز و جل آنَسَهُ اللّهُ جَلَّ وتَعالى بِعِزِّ الحَياةِ وسَعادَةِ المُنقَلَبِ .
ثُمَّ أقبَلَ عَلَى العاقِبِ مُعاتِبا ، فَقالَ : وزَعَمتَ ـ أبا واثِلَةَ ـ أنَّ رادَّ ما قُلتُ أكثَرُ مِن قائِلِهِ ، وأَنتَ لعَمرُو اللّهِ حَرِيٌّ ألّا يُؤثَرُ هذا عَنكَ ، فَقَد عَلِمتَ وعَلِمنا اُمَّةَ الإِنجيلِ مَعا بِسيرَةِ ما قامَ بِهِ المَسيحُ عليه السلام في حَوارِيِّهِ ، ومَن آمَنَ لَهُ مِن قَومِهِ ، وهذِهِ مِنكَ فَهَّةٌ ۵۶ لا يَرحَضُها ۵۷ إلَا التَّوبَةُ وَالإِقرارُ بِما سَبَقَ بِهِ الإِنكارُ .
فَلَمّا أتى عَلى هذَا الكَلامِ صَرَفَ إلَى السَّيِّدِ وَجهَهُ ، فَقالَ :
لا سَيفَ إلّا ذو نَبوَةٍ ، ولا عَليمَ إلّا ذو هَفوَةٍ ، فَمَن نَزَعَ عَن وَهلَةٍ وأَقلَعَ فَهُوَ السَّعيدُ الرَّشيدُ ، وإنَّمَا الآفَةُ فِي الإِصرارِ .
وأَعرَضتَ بِذِكرِ نَبِيَّينِ يُخلَقانِ ـ زَعَمتَ ـ بَعدَ ابنِ البَتولِ ، فَأَينَ يَذهَبُ بِكَ عَمّا خَلَدَ فِي الصُّحفِ مِن ذِكرى ذلِكَ ؟ ألَم تَعلَم ما أنبَأَ بِهِ المَسيحُ عليه السلام في بَني إسرائيلَ ، وقَولَهُ لَهُم :
«كَيفَ بِكُم إذا ذُهِبَ بي إلى أبي وأَبيكُم ، وخُلِّفَ بَعدَ أعصارٍ يَخلو مِن بَعدي وبَعدِكُم صادِقٌ وكاذِبٌ ؟ قالوا : ومَن هُما يا مَسيحَ اللّهِ ؟ قالَ : نَبِيٌّ مِن ذُرِّيَّةِ إسماعيلَ عليه السلام صادِقٌ ، ومُتَنَبِّئٌ مِن بَني إسرائيلَ كاذِبٌ ، فَالصّادِقُ مُنبَعِثٌ مِنهُما بِرَحمَةٍ ومَلحَمَةٍ ، يَكونُ لَهُ المُلكُ وَالسُّلطانُ ما دامَتِ الدُّنيا ، وأَمَّا الكاذِبُ فَلَهُ نَبزٌ يُذكَرُ بِهِ المَسيحُ الدَّجّالُ ، يَملِكُ فُواقا ۵۸ ثُمَّ يَقتُلُهُ اللّهُ بِيَدي إذا رُجِعَ بي» .
قالَ حارِثَةُ : واُحَذِّرُكُم يا قَومِ أن يَكونَ مَن قَبلَكُم مِنَ اليَهودِ اُسوَةً لَكُم ، إنَّهُم اُنذِروا بِمَسيحَينِ ؛ مَسيحِ رَحمَةٍ وهُدىً ، ومَسيحِ ضَلالَةٍ ، وجُعِلَ لَهُم عَلى كُلِّ واحِدٍ مِنهُما آيَةٌ وأَمارَةٌ ، فَجَحَدوا مَسيحَ الهُدى وكَذَّبوا بِهِ ، وآمَنوا بِمَسيحِ الضَّلالَةِ الدَّجّالِ وأَقبَلوا عَلَى انتِظارِهِ ، وأَضرَبوا فِي الفِتنَةِ ورَكِبُوا نَتجَها ، ومِن قَبلُ نَبَذوا كِتابَ اللّهِ وَراءَ ظُهورِهِم وقَتَلوا أنبِياءَهُ وَالقَوّامينَ بِالقِسطِ مِن عِبادِهِ ، فَحَجَبَ اللّهُ عز و جل عَنهُمُ البَصيرَةَ بَعدَ التَّبصِرَةِ بِما كَسَبَت أيديهِم ، ونَزَعَ مُلكَهُم مِنهُم بِبَغيِهِم ، وأَلزَمهُمُ الذِّلَّةَ وَالصَّغارَ ، وجَعَلَ مُنقَلَبَهُم إلَى النّارِ .
قالَ العاقِبُ : فَما أشعَرَكَ ـ يا حارِ ـ أن يَكونَ هذَا النَّبِيُّ المَذكورُ فِي الكُتُبِ هُوَ قاطِنُ يَثرِبَ ، ولَعَلَّهُ ابنُ عَمِّكَ صاحِبُ اليَمامَةِ ، فَإِنَّهُ يَذكُرُ مِنَ النُّبُوَّةِ ما يَذكُرُ مِنها أخو قُرَيشٍ ، وكِلاهُما مِن ذُرِّيَّةِ إسماعيلَ ولِجَميعِهِما أتباعٌ وأَصحابٌ ، يَشهَدونَ بِنُبُوَّتِهِ ويُقِرّونَ لَهُ بِرِسالَتِهِ ، فَهَل تَجِدُ بَينَهُما في ذلِكَ مِن فاصِلَةٍ فَتَذكُرُها ؟
قالَ حارِثَةُ : أجَل وَاللّهِ ، أجِدُها وَاللّهِ أكبَرَ وأَبعَدَ مِمّا بَينَ السَّحابِ وَالتُّرابِ ، وهِيَ الأَسبابُ الَّتي بِها وبِمِثلِها تَثبُتُ حُجَّةُ اللّهِ في قُلوبِ المُعتَبِرينَ مِن عِبادِهِ لِرُسُلِهِ وأَنبِيائِهِ .
وأَمّا صاحِبُ اليَمامَةِ فَيَكفيكَ فيهِ ما أخبَرَكُم بِهِ سُفَراؤُكُم وغَيرُكُم ۵۹ ، وَالمُنتَجِعَةُ ۶۰ مِنكُم أرضَهُ ، ومَن قَدِمَ مِن أهلِ اليَمامَةِ عَلَيكُم ، ألَم يُخبِروكُم جَميعا عَن رُوّادِ مُسَيلِمَةَ وسَمّاعيهِ ، ومَن أوفَدَهُ صاحِبُهُم إلى أحمَدَ بِيَثرِبَ ، فَعادوا إلَيهِ جَميعا بِما تَعَرَّفوا هُناكَ في بَني قيلَةَ وتَبَيَّنوا بِهِ ! قالوا : قَدِمَ عَلَينا أحمَدُ يَثرِبَ وبِئارُنا ثِمادٌ ۶۱ ومِياهُنا مَلِحَةٌ ، وكُنّا مِن قَبلِهِ لا نَستَطيبُ ولا نَستَعذِبُ ، فَبَصَقَ في بَعضِها ومَجَّ ۶۲ في بَعضٍ فَعادَت عِذابا مُحلَولِيةً ، وجاشَ ۶۳ مِنها ما كانَ ماؤُها ثِمادا فَحارَ ۶۴ بَحرا .
قالوا : وتَفَلَ مُحَمَّدٌ في عُيونِ رِجالٍ ذَوي رَمَدٍ ، وعَلى كُلومِ ۶۵ رِجالٍ ذوي جِراحٍ ، فَبَرَأَت لِوَقتِهِ عُيونُهُم فَمَا اشتَكوها ، وَاندَمَلَت جِراحاتُهُم فَما ألِموها ، في كَثيرٍ مِمّا أدَّوا ونَبَّئوا عَن مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِن دَلالَةٍ وآيَةٍ .
وأَرادوا صاحِبَهُم مُسَيلِمَةَ عَلى بَعضِ ذلِكَ ، فَأَنعَمَ لَهُم كارِها ، وأَقبَلَ بِهِم إلى بَعضِ بِئارِهِم فَمَجَّ فيها ، وكانَتِ الرَّكِيُّ ۶۶ مَعذوذَبَةً فَصارَت مَلِحا لا يُستَطاعُ شَرابُهُ ، وبَصَقَ في بِئرٍ كانَ ماؤُها وَشَلاً ۶۷ فَعادَت فَلَم تَبِضَّ ۶۸ بِقَطرَةٍ مِن ماءٍ ، وتَفَلَ في عَينِ رَجُلٍ كانَ بِها رَمَدٌ فَعَمِيَت ، وعَلى جِراحٍ ـ أو قالوا : جِراحِ آخَرَ ـ فَاكتَسى جِلدَهُ بَرَصا .
فَقالوا لِمُسَيلِمَةَ فيما أبصَروا في ذلِكَ مِنهُ وَاستَبرَؤوهُ ، فَقالَ : وَيحَكُم! بِئسَ الاُمَّةُ أنتُم لِنَبِيِّكُم وَالعَشيرَةُ لِابنِ عَمِّكُم ، إنَّكُم كَلَّفتُموني يا هؤُلاءِ مِن قَبلِ أن يوحى إلَيَّ في شَيءٍ مِمّا سَأَلتُم ، وَالآنَ فَقَد اُذِنَ لي في أجسادِكُم وأَشعارِكُم دونَ بِئارِكُم ومِياهِكُم ، هذا لِمَن كانَ مِنكُم بي مُؤمِنا ، وأَمّا مَن كانَ مُرتابا فَإِنَّهُ لا يَزيدُهُ تَفلَتي عَلَيهِ إلّا بَلاءً ، فَمَن شاءَ الآنَ مِنكُم فَليَأتِ لِأَتفِلَ في عَينِهِ وعَلى جِلدِهِ .
قالوا : ما فينا ـ وأَبيكَ ـ أحَدٌ يَشاءُ ذلِكَ ، إنّا نَخافُ أن يَشمَتَ بِكَ أهلُ يَثرِبَ . وأَضرَبوا عَنهُ حَمِيَّةً لِنَسَبِهِ فيهِم وتَذَمُّما لِمَكانِهِ مِنهُم .
فَضَحِكَ السَّيِّدُ وَالعاقِبُ حَتّى فَحَصَا الأَرضَ بِأَرجُلِهِما ، وقالا : مَا النّورُ وَالظَّلامُ وَالحَقُّ وَالباطِلُ ، بِأَشَدَّ تَبايُنا وتَفاوُتا مِمّا بَينَ هذَينِ الرَّجُلَينِ صِدقا وكِذبا .
قالوا : وكانَ العاقِبُ أحَبَّ ـ مَعَ ما تَبَيَّنَ مِن ذلِكَ ـ أن يُشَيِّدَ ما فَرَطَ مِن تَفريطِ مُسَيلِمَةَ ، ويُؤَهِّلَ ۶۹ مَنزِلَتَهُ لِيَجعَلَهُ لِرَسولِ اللّه صلى الله عليه و آله كُفّا ۷۰ ، استِظهارا بِذلِكَ في بَقاءِ عِزَّتِهِ ، وما طارَ لَهُ مِنَ السُّمُوِّ في أهلِ مِلَّتِهِ ، فَقالَ : ولَئِن فَخَرَ أخو بَني حَنيفَةَ في زَعمِهِ أنَّ اللّهَ عز و جل أرسَلَهُ ، وقالَ مِن ذلِكَ ما لَيسَ لَهُ بِحَقٍّ ، فَلَقَد بَرَّ في أن نَقَلَ قَومَهُ مِن عِبادَةِ الأَوثانِ إلَى الإِيمانِ بِالرَّحمنِ .
قالَ حارِثَةُ : أنشُدُكَ بِاللّهِ الَّذي دَحاها ۷۱ ، وأَشرَقَ بِاسمِهِ قَمَراها ، هَل تَجِدُ فيما أنزَلَ اللّهُ عز و جلفِي الكُتُبِ السّالِفَةِ ، يَقولُ اللّهُ عز و جل :
«أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا دَيّانُ يَومِ الدّينِ ، أنزَلتُ كُتُبي وأَرسَلتُ رُسُلي ؛ لِأَستَنقِذَ بِهِم عِبادي مِن حَبائِلِ الشَّيطانِ ، وجَعَلتُهُم في بَرِيَّتي وأَرضي كَالنُّجومِ الدَّراري في سَمائي ، يَهدونَ بِوَحيي وأَمري ، مَن أطاعَهُم أطاعَني ومَن عَصاهُم فَقَد عَصاني ، وإنّي لَعَنتُ ومَلائِكَتي في سَمائي وأَرضي وَالّلاعِنونَ مِن خَلقي ، مَن جَحَدَ رُبوبِيَّتي ، أو عَدَلَ بي شَيئا مِن بَرِيَّتي ، أو كَذَّبَ بِأَحَدٍ مِن أنبِيائي ورُسُلي ، أو قالَ : اُوحِيَ إلَيَّ و لَم يوحَ إلَيهِ شَيءٌ ، أو غَمَصَ ۷۲ سُلطاني أو تَقَمَّصَهُ مُتَبَرِّيا ، أو أكمَهَ ۷۳ عِبادي وأَضَلَّهُم عَنّي ، ألا وإنَّما يَعبُدُني مَن عَرَفَ ما اُريدُ مِن عِبادَتي وطاعَتي مِن خَلقي ، فَمَن لَ يَقصِد إلَيَّ مِنَ السَّبيلِ الَّتي نَهَجتُها بِرُسُلي ، لَم يَزدَد في عِبادَتِهِ مِنّي إلّا بُعدا» ؟
قالَ العاقِبُ : رُوَيدَكَ ، فَأَشهَدُ لَقَد نَبَّأتَ حَقّا .
قالَ حارِثَةُ : فَما دونَ الحَقِّ مِن مُقنِعٍ ، وما بَعدَهُ لِامرِئٍ مَفزَعٌ ، ولِذلِكَ قُلتُ الَّذي قُلتُ .
فَاعتَرَضَهُ السَّيِّدُ ـ وكانَ ذا مِحالٍ ۷۴ وجِدالٍ شَديدٍ ـ فَقالَ : ما أحرى وما أرى أخا قُرَيشٍ مُرسَلاً إلّا إلى قَومِهِ بَني إسماعيلَ [ بـِ ] ۷۵ ـدينِهِ ، وهُوَ مَعَ ذلِكَ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جلأرسَلَهُ إلَى النّاسِ جَميعا !
قالَ حارِثَةُ : أفتَعَلَمُ أنتَ ـ يا أبا قُرَّةَ ـ أنَّ مُحَمَّدا مُرسَلٌ مِن رَبِّهِ إلى قَومِهِ خاصَّةً ؟ قالَ : أجَل .
قالَ : أتَشهَدُ لَهُ بِذلِكَ ؟
قالَ : وَيحَكَ! وهَل يُستَطاعُ دَفعُ الشَّواهِدِ ؟ نَعَم ، أشهَدُ غَيرَ مُرتابٍ بِذلِكَ ، وبِذلِكَ شَهِدَت لَهُ الصُّحُفُ الدّارِسَةُ وَالأَنباءُ الخالِيَةُ .
فَأَطرَقَ حارِثَةُ ضاحِكا يَنكُتُ الأَرضَ بِسَبّابَتِهِ .
قالَ السَّيِّدُ : ما يُضحِكُكَ يَابنَ اُثالٍ ؟ قالَ : عَجِبتُ فَضَحِكتُ ، قالَ : أوَ عَجَبٌ ما تَسمَعُ ؟ قالَ : نَعَم ، العَجَبُ أجمَعُ ، أ لَيسَ ـ بِالإِلهِ ـ بِعَجيبٍ مِن رَجُلٍ اُوتِيَ أثَرَةً مِن عِلمٍ وحِكمَةٍ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ عز و جل اصطَفى لِنُبُوَّتِهِ وَاختَصَّ بِرِسالَتِهِ وأَيَّدَ بِروحِهِ وحِكمَتِهِ ، رَجُلاً خَرّاصا ۷۶ يَكذِبُ عَلَيهِ ، ويَقولُ : اُوحِيَ إلَيَّ ولَم يوحَ إلَيهِ ، فَيَخلِطُ ـ كَالكاهِنِ ـ كَذِبا بِصِدقٍ وباطِلاً بِحَقٍّ ؟!
فَارتَدَعَ السَّيِّدُ وعَلِمَ أنَّهُ قَد وَهِلَ ۷۷ ، فَأَمسَكَ مَحجوجا .
قالوا : وكانَ حارِثَةُ بِنَجرانَ حَثيثا ۷۸ ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ العاقِبُ وقَد قَطَعَهُ ما فَرَطَ إلَى السَّيِّدِ مِن قَولِهِ ، فَقالَ لَهُ :
عَلَيكَ أخا بَني قَيسِ بنِ ثَعلَبَةَ ، وَ احبِس عَلَيكَ ذَلَقَ ۷۹ لِسانِكَ ، وما لَم تَزَل تَستَحِمُّ ۸۰ لَنا مِن مَثابَةِ سَفَهِكَ ، فَرُبَّ كَلِمَةٍ يَرفَعُ صاحِبُها بِها رَأسا قَد ألقَتهُ في قَعرٍ مُظلِمَةٍ ، ورُبَّ كَلِمَةٍ لَأَمَت ورَأَبَت قُلوبا نَغلَةً ۸۱ ، فَدَع عَنكَ ما يَسبِقُ إلَى القُلوبِ إنكارُهُ ، وإن كانَ عِندَكَ ما يَبينُ اعتِذارُهُ .
ثُمَّ اعلَم أنَّ لِكُلِّ شَيءٍ صورَةً ، وصورَةُ الإِنسانِ العَقَلُ ، وصورَةُ العَقلِ الأَدَبُ ، وَالأَدَبُ أدَبانِ : طباعِيٌّ ومُرتاضِيٌّ ، فَأَفضَلُهُما أدَبُ اللّهِ جَلَّ جَلالُهُ ، ومِن أدَبِ اللّهِ سُبحانَهُ وحِكمَتِهِ أن يُرى لِسُلطانِهِ حَقٌّ لَيسَ لِشَيءٍ مِن خَلقِهِ ؛ لِأَنَّهُ الحَبلُ بَينَ اللّهِ وبَينَ عِبادِهِ ، وَالسُّلطانُ اثنانِ : سُلطانُ مَلَكَةٍ وقَهرٍ ، وسُلطانُ حِكمَةٍ وشَرعٍ ، فَأَعلاهُما فَوقا سُلطانُ الحِكمَةِ ، قَد تَرى يا هذا أنَّ اللّهَ عز و جل قَد صَنَعَ لَنا حَتّى جَعَلَنا حُكّاما وقُوّاما عَلى مُلوكِ مِلَّتِنا ، ومِن بَعدِهِم مِن حَشوَتِهِم وأَطرافِهِم ، فَاعرِف لِذِي الحَقِّ حَقَّهُ أيُّهَا المَرءُ وخَلّاكَ ۸۲ ذَمٌّ .
ثُمَّ قالَ : وذَكَرتَ أخا قُرَيشٍ وما جاءَ بِهِ مِنَ الآياتِ وَالنُّذُرِ ، فَأَطَلتَ وأَعرَضتَ ، ولَقد بَرَرتَ ۸۳ ؛ فَنَحنُ بِمُحَمَّدٍ عالِمونَ ، وبِهِ جِدّا موقِنونَ ، شَهِدتُ لَقَد انتَظَمَت لَهُ الآياتُ وَالبَيِّناتُ ، سالِفُها وآنِفُها ، إلّا آيَةً ۸۴ هِيَ أشفاها وأَشرَفُها ، وإنَّما مَثَلُها فيما جاءَ بِهِ كَمَثلِ الرَّأسِ لِلجَسَدِ ، فَما حالُ جَسَدٍ لا رَأسَ لَهُ ؟ ! فَأَمهِل رُوَيدا نَتَجَسَّسُ الأَخبارَ ونَعتَبِرُ الآثارَ ، وَلنَستَشِفَّ ما ألفَينا مِمّا اُفضِيَ إلَينا ، فَإِن آنَسنَا الآيَةَ الجامِعَةَ الخاتِمَةَ لَدَيهِ ، فَنَحنُ إلَيهِ أسرَعُ ولَهُ أطوَعُ ، وإلّا فَاعلَم ما تَذكُرُ ۸۵ بِهِ النُّبُوَّةَ وَ السِّفارَةَ عَنِ الرَّبِّ الَّذي لا تَفاوُتَ في أمرِهِ ولا تُغايَرَ في حُكمِهِ .
قالَ لَهُ حارِثَةُ : قَد نادَيتَ فَأَسمَعتَ ، وقَرَعتَ ۸۶ فَصَدَعتَ ، وسَمِعتَ وأَطَعتَ ، فَما هذِهِ الآيَةُ الَّتي أوحَشَ بَعدَ الأُنسَةِ فَقدُها ، وأَعقَبَ الشَّكَّ بَعدَ البَيِّنَةِ عُدمُها ؟ !
وقالَ لَهُ العاقِبُ : قَد أثلَجَكَ أبو قُرَّةَ بِها ، فَذَهَبتَ عَنها في غَيرِ مَذهَبٍ ، وحاوَرتَنا فَأَطَلتَ في غيرِ ما طائِلٍ حِوارَنا ۸۷ .
قالَ حارِثَةُ : إلى ذلِكَ فَجَلِّهَا الآنَ لي فِداكَ أبي واُمّي .
قالَ العاقِبُ : أفلَحَ مَن سَلَّمَ لِلحَقِّ وصَدَعَ بِهِ ولَم يَرغَب عَنهُ ، وقَد أحاطَ بِهِ عِلما ، فَقَد عَلِمنا وعَلِمتَ مِن أنباءِ الكُتُبِ المُستَودَعَةِ عِلمَ القُرونِ ، وما كانَ وما يَكونُ ، فَإِنَّهَا استَهَلَّت بِلِسانِ كُلِّ اُمَّةٍ مِنهُم ، مُعرِبَةً مُبَشِّرَةً ومُنذِرَةً بِأَحمَدَ النَّبِيِّ العاقِبِ ، الَّذي تُطَبِّقُ اُمَّتُهُ المَشارِقَ وَالمَغارِبَ ، يَملِكُ ـ وشيعَتُهُ مِن بَعدِهِ ـ مُلكا مُؤَجَّلاً يَستَأثِرُ مُقتَبَلُهُم مُلكا عَلَى الأَحَمِّ ۸۸ مِنهُم بِذلِكَ النَّبِيِّ وتَباعَةَ وبَيتا ۸۹ .
ويوسِع مِن بَعدِهِم اُمَّتُهُم عُدوانا وهَضما ، فَيَملِكونَ بِذلِكَ سَبتا ۹۰ طَويلاً ، حَتّى لا يَبقى بِجَزيرَةِ العَرَبِ بَيتٌ إلّا وهُوَ راغِبٌ إلَيهِم أو راهِبٌ لَهُم ، ثُمَّ يُدالُ بَعدَ لَأيٍ ۹۱ مِنهُم ، ويَشعَثُ سُلطانُهُم حَدّا حَدّا ، وبَيتا فَبَيتا ، حَتّى تَجيءَ أمثالُ النَّغَفِ ۹۲ مِنَ الأَقوامِ فيهِم، ثُمَّ يَملِكُ أمرَهُم عَلَيهِم عُبَداؤُهم وقِنُّهُم، يَملِكونَ جيلاً فَجيلاً ، يَسيرونُ فِي النّاسِ بِالقَعسَرِيَّةِ ۹۳ خبطا خبطا ، ويَكونُ سُلطانُهُم سُلطانا عَضوضا ضَروسا ، فَتَنقُصُ الأَرضُ حينَئِذٍ مِن أطرافِها ، ويَشتَدُّ البَلاءُ وتَشتَمِلُ الآفاتُ ، حَتّى يَكونَ المَوتُ أعَزَّ مِنَ الحَياةِ الحَمراءِ ، أو أحَبَّ حينَئِذٍ إلى أحَدِهِم مِنَ الحَياةِ ، وما ذلِكَ إلّا لِما يُدهَونَ ۹۴ بِهِ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرّاءِ ، وَالفِتنَةِ العَشواءِ .
وقُوّامُ الدّينِ يَومَئِذٍ وزُعَماؤُهُم يَومَئِذٍ اُناسٌ لَيسوا مِن أهلِهِ ، فَيَمُجُّ الدّينُ بِهِم وتَعفو آياتُهُ ، ويُدبِرُ تَوَلِّيا وإمحاقا ، فَلا يَبقى مِنهُ إلَا اسمُهُ ، حَتّى يَنعاهُ ناعيهِ ، وَالمُؤمِنُ يَومَئِذٍ غَريبٌ ، وَالدَّيّانونَ قَليلٌ ما هُم ، حَتّى يَستَأيِسُ ۹۵ النّاسُ مِن رَوحِ اللّهِ وفَرَجِهِ إلّا أقَلُّهُم ، وتَظُّنُّ أقوامٌ أن لَن يَنصُرَ اللّهُ رُسُلَهُ ويُحِقَّ وَعدَهُ ، فَإِذا بِهِمُ الشَّصائِبُ ۹۶ وَالنِّقَمُ ، واُخِذَ مِن جَميعِهِم بِالكَظمِ ، تَلافَى اللّهُ دينَهُ ، وراشَ ۹۷ عِبادَهُ مِن بَعدِ ما قَنَطوا بِرَجُلٍ مِن ذُرِّيَّةِ نَبِيِّهِم أحمَدَ ونَجلِهِ ، يَأتِي اللّهُ عز و جل بِهِ مِن حَيثُ لا يَشعُرونَ ، تُصَلّي عَلَيهِ السَّماواتُ وسُكّانُها ، وتَفرَحُ بِهِ الأَرضُ وما عَلَيها مِن سَوامٍ وطائِرٍ وأَنامٍ ، وتَخرُجُ لَهُ اُمُّكُم ـ يَعنِي الأَرضَ ـ بَرَكَتَها وزينَتَها ، وتُلقِي إلَيهِ كُنوزَها وأَفلاذَ كَبِدِها ، حَتّى تَعودَ كَهَيئَتِها عَلى عَهدِ آدَمَ عليه السلام ، وتَرفَعُ عَنهُمُ المَسكَنَةَ وَالعاهاتِ في عَهدِهِ ، وَالنَّقِماتِ الَّتي كانَت تَضرِبُ بِهَا الأُمَمَ مِن قَبلُ ، وتُلقى فِي البِلادِ الأَمَنَةُ ، وتُنزَعُ حُمَةُ ۹۸ كُلِّ ذاتِ حُمَةٍ ، ومِخلَبُ كُلِّ ذي مِخلَبٍ ، ونابُ كُلِّ ذي نابٍ ، حَتّى أنَّ الجُوَيرِيَةَ اللُّكاعَ ۹۹ لَتَلعَبُ بِالأُفعُوانِ ۱۰۰ فَلا يَضُرُّها شَيئا ، وحَتّى يَكونَ الأَسَدُ فِي الباقِرِ ۱۰۱ كَأَنَّهُ راعيها ، وَالذِّئبُ فِي البُهَمِ كَأَنَّهُ رَبُّها ، ويُظهِرُ اللّهُ عَبدَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ فَيَملِكُ مَقاليدَ الأَقاليمِ إلى بَيضاءِ الصّينِ ، حَتّى لا يَكونَ عَلى عَهدِهِ فِي الأَرضِ أجمَعِها إلّا دينُ اللّهِ الحَقُّ الَّذِي ارتَضاهُ لِعِبادِهِ ، وبَعَثَ بِهِ آدَمَ بَديعَ فِطرَتِهِ ، وأَحمَدَ خاتَمِ رِسالَتِهِ ، ومَن بَينَهُما مِن أنبِيائِهِ ورُسُلِهِ .
فَلَمّا أتَى العاقِبُ عَلَى اقتِصاصِهِ ۱۰۲ هذا ، أقبَلَ عَلَيهِ حارِثَةُ مُجيبا ، فَقالَ : أشهَدُ بِاللّهِ البَديعِ ـ يا أيُّهَا النَّبيهُ الخَطيرُ وَالعَليمُ الأَثيرُ ! ـ لَقَدِ ابتَسَمَ الحَقُّ بِقَلبِكَ ، وأَشرَقَ الجَنانُ ۱۰۳ بِعَدلِ مَنطِقِكَ ، وتَنَزَّلَت كُتُبُ اللّهِ الَّتي جَعَلَها نورا في بِلادِهِ وشاهِدَةً عَلى عِبادِهِ بِمَا اقتَصَصتَ مِن سُطورِها حَقّا ، فَلَم يُخالِف طِرسٌ ۱۰۴ مِنها طِرسا ، ولا رَسمٌ مِن آياتِها رَسما ، فَما بَعدَ هذا ؟ !
قالَ العاقِبُ : فَإِنَّكَ زَعَمتَ زَعمَةَ أخا قُرَيشٍ، فَكُنتَ بِما تَأثِرُ مِن هذا حَقَّ غالِطٍ.
قالَ : وبِمَ ؟ ألَم تَعتَرِف لَهُ بِنُبُوَّتِهِ ورِسالَتِهِ الشَّواهِدُ ؟
قالَ العاقِبُ : بَلى ـ لَعَمرُو اللّهِ ـ ولكِنَّهُما نَبِيّانِ رَسولانِ ، يَعتَقِبانِ ۱۰۵ بَينَ مَسيحِ اللّهِ عز و جلوبَينَ السّاعَةِ ، اشتُقَّ اسمُ أحَدِهِما مِن صاحِبِهِ : مُحَمَّدٍ وأَحمَدَ ، بَشَّرَ بِأَوَّلِهِما موسى عليه السلام وبِثانيهِما عيسى عليه السلام ، فَأَخو قُرَيشٍ هذا مُرسَلٌ إلى قَومِهِ ، ويَقفوهُ مِن بَعدِهِ ذُو المُلكِ الشَّديدِ ، وَالأَكلِ الطَّويلِ ، يَبعَثُهُ اللّهُ عز و جلخاتِما لِلدّينِ ، وحُجَّةً عَلَى الخَلائِقِ أجمَعينَ ، ثُمَّ تَأتي مِن بَعدِهِ فَترَةٌ تَتَزايَلُ فيهَا القَواعِدُ مِن مَراسيها ، فَيُعيدُهَا اللّهُ عز و جلويُظهِرُهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ ، فَيَملِكُ هُوَ وَالمُلوكُ الصّالِحونَ مِن عَقِبِهِ جَميعَ ما طَلَعَ عَلَيهِ اللَّيلُ وَالنَّهارُ ، مِن أرضٍ وجَبَلٍ وبَرٍّ وبَحرٍ ، يَرِثونَ أرضَ اللّهِ عز و جل مُلكا كَما وَرِثَهُما أو مَلَكَهُمَا الأَبَوانِ آدَمُ ونوحٌ عليهماالسلام . يُلقَونَ ـ وهُمُ المُلوكُ الأَكابِرُ ـ في مِثلِ هَيئَةِ المَساكينِ بَذاذَةً ۱۰۶ وَاستِكانَةً ، فَاُولئِكَ الأَكرَمونَ الأَماثِلُ ، لا يَصلُحُ عِبادُ اللّهِ وبِلادُهُ إلّا بِهِم ، وعَلَيهِم يَنزِلُ عيسَى ابنُ البِكرِ عليه السلام عَلى آخِرِهِم ، بَعدَ مَكثٍ طَويلٍ ومُلكٍ شَديدٍ ، لا خَيرَ فِي العَيشِ بَعدَهُم . وتَردِفُهُم رَجرَجَةُ طَغامٍ ۱۰۷ في مِثلِ أحلامِ العَصافيرِ ، وعَلَيهِم تَقومُ السّاعَةُ ، وإنَّما تَقومُ عَلى شِرارِ النّاسِ وأَخابِثِهِم ، فَذلِكَ الوَعدُ الَّذي صَلّى بِهِ اللّهُ عز و جلعَلى أحمَدَ ، كَما صَلّى بِهِ [عَلى] ۱۰۸ خَليلِهِ إبراهيمَ عليه السلام في كَثيرٍ مِمّا لِأَحمَدَ صلى الله عليه و آله مِنَ البَراهينِ وَالتَّأييدِ ، الَّذي خَبَّرَت بِهِ كُتُبُ اللّهِ الأُولى .
قالَ حارِثَةُ : فَمِنَ الأَثَرِ المُستَقَرِّ عِندَكَ ـ أبا واثِلَةَ ـ في هذَينِ الاِسمَينِ أنَّهُما لِشَخصَينِ ؛ لِنَبِيَّيَّنِ مُرسَلَينِ ، في عَصرَينِ مُختَلِفَينِ ؟
قالَ العاقِبُ : أجَل .
قالَ : فَهَل يَتَخالَجُكَ في ذلِكَ رَيبٌ ، أو يَعرِضُ لَكَ فيهِ ظَنٌّ ؟
قالَ العاقِبُ : كَلّا وَالمَعبودِ ، إنَّ هذا لَأَجلى مِن بُوحٍ ۱۰۹ ـ وأَشارَ لَهُ إلى جِرمِ الشَّمسِ المُستَديرِ ـ .
فَأَكَبَّ حارِثَةُ مُطرِقا وجَعَلَ يَنكُتُ فِي الأَرضِ عَجَبا ، ثُمَّ قالَ : إنَّمَا الآفَةُ ـ أيُّهَا الزَّعيمُ المُطاعُ ـ أن يَكونَ المالُ عِندَ مَن يَخزِنُهُ لا مَن يُنفِقُهُ ، وَالسِّلاحُ عِندَ مَن يَتَزَيَّنُ بِهِ لا مَن يُقاتِلُ بِهِ ، وَالرَّأيُ عِندَ مَن يَملِكُهُ لا مَن يَنصُرُهُ .
قالَ العاقِبُ : لَقَد أسمَعتَ ـ يا حُوَيرِثُ ـ فَأَقذَعتَ ۱۱۰ ، وطَفِقتَ فَأَقدَمتَ ، فَمَهْ ؟ !
قالَ : اُقسِمُ بِالَّذي قامَتِ ۱۱۱ السَّماواتُ وَالأَرَضونَ بِإِذنِهِ ، وغَلَبَتِ الجَبابِرَةُ بِأَمرِهِ ، إنَّهُمَا اسمانِ مُشتَقّانِ لِنَفسٍ واحِدَةٍ ولِنَبِيٍّ واحِدٍ ورَسولٍ واحِدٍ ۱۱۲ ، أنذَرَ بِهِ موسَى بنُ عِمرانَ ، وبَشَّرَ بِهِ عيسَى بنُ مَريَمَ ، ومِن قَبلِهِما أشارَ بِهِ صُحُفُ إبراهيمَ عليه السلام .
فَتَضاحَكَ السَّيِّدُ ؛ يُري قَومَهُ ومَن حَضَرَهُم أنَّ ضِحكَهُ هُزءٌ مِن حارِثَةَ وتَعَجُّبٌ .
وَانتَشَطَ ۱۱۳ العاقِبُ مِن ذلِكَ ، فَأَقبَلَ عَلى حارِثَةَ مُؤَنِّبا فَقالَ : لا يَغرُركَ باطِلُ أبي قُرَّةَ ، فَإِنَّهُ وإن ضَحِكَ لَكَ فَإِنَّما يَضحَكُ مِنكَ .
قالَ حارِثَةُ : لَئِن فَعَلَها لِأَنَّها لِاءِحدَى الدَّهارِسِ ۱۱۴ أو سوءٍ ۱۱۵ ، أفَلَم تَتَعَرَّفا ـ راجَعَ اللّهُ بِكُما ـ مِن مَوروثِ الحِكمَةِ : «لا يَنبَغي لِلحَكيمِ أن يَكونَ عَبّاسا في غَيرِ أدَبٍ ، ولا ضَحّاكا في غَيرِ عَجَبٍ» ؟ أ وَلَم يَبلُغكُما عَن سَيِّدِكُمَا المَسيحِ عليه السلام قالَ : «فَضِحكُ العالِمِ في غَيرِ حينِهِ غَفلَةٌ مِن قَلبِهِ ، أو سَكرَةٌ ألهَتهُ عَمّا في غَدِهِ» ؟
قالَ السَّيِّدُ : يا حارِثَةُ ! إنَّهُ لا يَعيشُ ـ وَاللّهِ ـ أحَدٌ بِعَقلِهِ حَتّى يَعيشَ بِظَنِّهِ ، وإذا أنَا لَم أعلَم إلّا ما رَوَيتُ فَلا عَلِمتُ ، أوَلَم يَبلُغكَ أنتَ عَن سَيِّدِنَا المَسيحِ ـ عَلَينا سَلامُهُ ـ أنَّ للّهِِ عِبادا ضَحِكوا جَهرا مِن سَعَةِ رَحمَةِ رَبِّهِم ، وبَكَوا سِرّا مِن خيفَةِ رَبِّهِم ؟
قالَ : إذا كانَ هذا فَنَعَم .
قالَ : فَما هُنا فَليَكُن مَراجِمَ ظُنونِكَ بِعِبادِ رَبِّكَ ، وعُد بِنا إلى ما نَحنُ بِسَبيلِهِ ، فَقَد طالَ التَّنازُعُ وَالخِصامُ بَينَنا يا حارِثَةُ !
قالوا : وكانَ هذا مَجلِسا ثالِثا في يَومٍ ثالِثٍ مِنِ اجتِماعِهِم لِلنَّظَرِ في أمرِهِم .
فَقالَ السَّيِّدُ : يا حارِثَةُ ، ألَم يُنبِئكَ أبو واثِلَةَ بِأَفصَحِ لَفظٍ اختَرَقَ اُذُنا ، ودَعا ذلِكَ بِمِثلِهِ مُخبِرا ، فَأَلقاكَ مَعَ غرماتك ۱۱۶ بِمَوارِدِهِ حَجَرا ؟ وها أنَا ذا اُؤَكِّدُ ۱۱۷ عَلَيكَ التَّذكِرَةَ بِذلِكَ مِن مَعدِنٍ ثالِثٍ ، فَأَنشُدُكَ اللّهَ وما أنزَلَ إلى كَلِمَةٍ مِن كَلِماتِهِ ، هَل تَجِدُ فِي الزّاجِرَةِ المَنقولَةِ مِن لِسانِ أهلِ سورِيا إلى لِسانِ العَرَبِ ، يَعني صَحيفَةَ شَمعونَ بنِ حَمّونَ الصَّفَا الَّتي تَوارَثَها عَنهُ أهلُ النَّجرانِ ؟ !
قالَ السَّيِّدُ : أ لَم يَقُل ـ بَعدَ نَبذٍ طَويلٍ مِن كَلامٍ ـ :
«فَإذا طبّقت وقُطِّعَتِ الأَرحامُ ، وعَفَتِ الأَعلامُ ، بَعَثَ اللّهُ عَبدَهُ الفارِقليطا بِالرَّحمَةِ وَالمَعدِلَةِ . قالوا : ومَا الفارِقليطا يا مَسيحَ اللّهِ ؟ قالَ : أحمَدُ النَّبِيُّ الخاتِمُ الوارِثُ ، ذلِكَ الَّذي يُصَلّى عَلَيهِ حَيّا ويُصَلّى عَلَيهِ بَعدَما يَقبِضُهُ إلَيهِ ، بِابنِهِ الطّاهِرِ الخايِرِ ، يَنشُرُهُ اللّهُ في آخِرِ الزَّمانِ ، بَعدَمَا انقَضَّت ۱۱۸ عُرَى الدّينِ ، وخَبَتَ مَصابيحُ النّاموسِ ، وأفِلَت نُجومُهُ ، فَلا يَلبَثُ ذلِكَ العَبدُ الصّالِحُ إلّا أمَما ۱۱۹ حَتّى يَعودَ الدّينُ بِهِ كَما بَدَأَ ، ويُقِرُّ اللّهُ عز و جل سُلطانَهُ في عَبدِهِ ، ثُمَّ فِي الصّالِحينَ مِن عَقِبِهِ ، ويَنشُرُ مِنهُ حَتّى يَبلُغَ مُلكُهُ مُنقَطَعَ التُّرابِ» ؟
قالَ حارِثَةُ : كُلُّ ما قَد أنشَدتُما ۱۲۰ حَقٌّ ، لا وَحشَةَ مَعَ الحَقِّ ، ولا اُنسَ في غَيرِهِ ، فَمَه ؟ !
قالَ السَّيِّدُ : فَإِنَّ مِنَ الحَقِّ أن لا حَظَّ في هذِهِ الأُكرومَةِ لِلأَبتَرِ .
قالَ حارِثَةُ : إنَّهُ لَكَذلِكَ ، ولَيسَ ۱۲۱ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله .
قالَ السَّيِّدُ : إنَّكَ ما عَمِلَت إلّا لُدّا ۱۲۲ ، ألَم يُخبِرنا سَفرُنا وأَصحابُنا فيما تَجَسَّسنا مِن خَبَرِهِ ، أنَّ وَلَدَيهِ الذَّكَرَينِ ـ القُرَشِيَّةَ وَالقِبطِيَّةَ ـ بادا ، وغودِرَ مُحَمَّدٌ كَقَرنِ الأَعضَبِ ۱۲۳ ، موفٍ عَلى ضَريحِهِ ، فَلَو كانَ لَهُ بَقِيَّةٌ لَكانَ لَكَ بِذلِكَ مَقالاً ، إذا وَلَّت أنباؤُهُ الَّذي تَذكُرُ .
قالَ حارِثَةُ : العِبَرُ ـ لَعَمرُو اللّهِ ـ كَثيرَةٌ ، وَالاِعتِبارُ بِها قَليلٌ ، وَالدَّليلُ موفٍ عَلى سُنَنِ السَّبيلِ إن لَم يَعشُ عَنهُ ناظِرٌ ، وكَما أنَّ أبصارَ الرَّمِدَةِ لا تَستَطيعُ النَّظَرَ في قُرصِ الشَّمسِ لِسُقمِها ، فَكَذلِكَ البَصائِرُ القَصيرَةُ لا تَتَعَلَّقُ بِنورِ الحِكمَةِ لِعَجزِها ، ألا ومَن كانَ كَذلِكَ فَلَستُماهُ ـ وأَشارَ إلَى السَّيِّدِ وَالعاقِبِ ـ إنَّكُما ـ ويَمينُ اللّهِ ـ لَمَحجوجانِ بِما آتاكُمَا اللّهُ عز و جل مِن ميراثِ الحِكمَةِ ، وَاستَودَعَكُما مِن بَقايَا الحُجَّةِ ، ثُمَّ بِما أوجَبَ لَكُما مِنَ الشَّرَفِ وَالمَنزِلَةِ فِي النّاسِ ، فَقَد جَعَلَ اللّهُ عز و جل مَن آتاهُ سُلطانا مُلوكا لِلنّاسِ وأَربابا ، وجَعَلَكُما حَكَما وقُوّاما عَلى مُلوكِ مِلَّتِنا ، وذادَةً ۱۲۴ لَهُم يَفزَعونَ إلَيكُما في دينِهِم ولا تَفزَعانِ إلَيهِم ، وتَأمُرانِهِم فَيَأتَمِرونَ لَكُما ، وحَقٌّ لِكُلِّ مَلِكٍ أو مُوَطَّإِ الأَكنافِ ، أن يَتَواضَعَ للّهِِ عز و جلإذ رَفَعَهُ ، وأَن يَنصَحَ للّهِِ عز و جل في عِبادِهِ ، ولا يَدَّهِنَ ۱۲۵ في أمرِهِ .
وذَكَرتُما مُحَمَّدا بِما حَكَمَت لَهُ الشَّهاداتُ الصّادِقَةُ ، وبَيَّنَتهُ فيهِ الأَسفارُ المُستَحفَظَةُ ، ورَأَيتُماهُ مَعَ ذلِكَ مُرسَلاً إلى قَومِهِ لا إلَى النّاسِ جَميعاً ، وأَن لَيسَ بِالخاتِمِ الحاشِرِ ۱۲۶ ولَا الوارِثِ العاقِبِ ؛ لِأَنَّكُما زَعَمتُماهُ أبتَرَ ، ألَيسَ كَذلِكَ ؟
قالا : نَعَم .
قالَ : أ رَأَيتُكُما لَو كانَ لَهُ بَقِيَّةٌ وعَقِبٌ هَل كُنتُما مُمتَرِيانِ ـ لِما تَجِدانِ وبِما تُكَذِّبانِ مِنَ الوَراثَةِ وَالظُّهورِ عَلَى النَّواميسِ ـ أنَّهُ النَّبِيُّ الخاتِمُ ، وَالمُرسَلُ إلى كافَّةِ البَشَرِ ؟
قالا : لا .
قالَ : أفَلَيسَ هذَا القيلُ لِهذِهِ الحالِ مَعَ طولِ اللَّوائِمِ وَالخَصائِمِ عِندَكُما مُستَقَرّا ؟
قالا : أجَل .
قالَ : اللّهُ أكبَرُ .
قالا : كَبَّرتَ كَبيرا ، فَما دَعاكَ إلى ذلِكَ ؟
قالَ حارِثَةُ : الحَقُّ أبلَجُ ۱۲۷ ، وَالباطِلُ لَجلَجٌ ، ولَنَقلُ ماءِ البَحرِ ولَشَقُّ الصَّخرِ أهوَنُ مِن إماتَةِ ما أحياهُ اللّهُ عز و جل وإحياءِ ما أماتَهُ . الآنَ فَاعلَما أنَّ مُحَمَّدا غَيرُ أبتَرٍ ، وأنَّهُ الخاتِمُ الوارِثُ ، وَالعاقِبُ الحاشِرُ حَقّا ، فَلا نَبِيَّ بَعدَهُ ، وعَلى اُمَّتِهِ تَقومُ السّاعَةُ ، ويَرِثُ اللّهُ الأَرضَ ومَن عَلَيها ، وأَنَّ مِن ذُرِّيَّتِهِ الأَميرُ الصّالِحُ الَّذي بَيَّنتُما ونَبَأّتُما أنَّهُ يَملِكُ مَشارِقَ الأَرضِ ومَغارِبَها ، ويُظهِرُهُ اللّهُ عز و جلبِالحَنيفِيَّةِ الإِبراهيمِيَّةِ عَلَى النَّواميسِ كُلِّها .
قالا : أولى لَكَ يا حارِثَةُ ! لَقَد أغفَلناكَ ، وتَأبى إلّا مُراوَغَةً كَالثَّعالِبَةِ ، فَما تَسأَمُ المُنازَعَةَ ، ولا تَمَلُّ مِنَ المُراجَعَةِ ، ولَقَد زَعَمتَ مَعَ ذلِكَ عَظيما ! فَما بُرهانُكَ بِهِ ؟
قالَ : أما ـ وجَدِّكُما ـ لَأُنَبِئُّكُما بِبُرهانٍ يُجيرُ مِنَ الشُّبهَةِ ، ويُشفى بِهِ جَوَى الصُّدورِ . ثُمَّ أقبَلَ عَلى أبي حارِثَةَ حُصَينِ بنِ عَلقَمَةَ شَيخِهِم واُسقُفِّهِمُ الأَوَّلِ ، فَقالَ : إن رَأَيتَ أيُّهَا الأَبُ الأَثيرُ أن تُؤنِسَ قُلوبَنا وتُثلِجَ صُدورَنا بِإِحضارِ الجامِعَةِ وَالزّاجِرَةِ .
قالوا : وكانَ هذَا المَجلِسُ الرّابِعُ مِنَ اليَومِ الرّابِعِ ، وذلِكَ لَمّا حَلَّقَتِ الشَّمسُ ۱۲۸ ، وفي زَمَنِ قَيظٍ ۱۲۹ شَديدٍ ، فَأَقبَلا عَلى حارِثَةَ فَقالا : أرجِ هذا إلى غَدٍ ؛ فَقَد بَلَغَتِ القُلوبُ مِنّا الصُّدورَ .
فَتَفَرَّقوا عَلى إحضارِ الزّاجِرَةِ وَالجامِعَةِ مِن غَدٍ ، لِلنَّظَرِ فيهِما وَالعَمَلِ بِما يَتَراءانِ مِنهُما . فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ صارَ أهلُ نَجرانَ إلى بِيعَتِهِم ؛ لِاعتِبارِ ما أجمَعَ صاحِباهُم مَعَ حارِثَةَ عَلَى اقتِباسِهِ وتَبَيُّنِهِ مِنَ الجامِعَةِ ، ولَمّا رَأَى السَّيِّدُ وَالعاقِبُ اجتِماعَ النّاسِ لِذلِكَ ، قُطِعَ بِهِما ؛ لِعِلمِهِما بِصَوابِ قَولِ حارِثَةَ ، وَاعتَرَضاهُ لِيَصُدّانِهِ عَن تَصَفُّحِ الصُّحُفِ عَلى أعيُنِ النّاسِ ، وكانا مِن شَياطينِ الإِنسِ .
فَقالَ السَّيِّدُ : إنَّكَ قَد أكثَرتَ وأَملَلتَ ، قُضَّ الحَديثَ لَنا مَعَ قَصِّهِ ۱۳۰ ، ودَعنا مِن تِبيانِهِ .
فَقالَ حارِثَةُ : وهَل هذا إلّا مِنكَ وصاحِبِكَ ؟ فَمِنَ الآنِ فَقولا ما شِئتُما .
فَقالَ العاقِبُ : ما مِن مَقالٍ إلّا قُلنا ، وسَنَعودُ فَنُخَبِّرُ بَعضَ ذلِكَ تَخبيرا ، غَيرَ كاتِمينَ للّهِِ عز و جل مِن حُجَّةٍ ، ولا جاحِدينَ لَهُ آيَةً ، ولا مُفتَرينَ مَعَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ عز و جل لِعَبدٍ أنَّهُ مُرسَلٌ مِنهُ ولَيسَ بِرَسولِهِ ، فَنَحنُ نَعتَرِفُ ـ يا هذا ـ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أنَّهُ رَسولٌ مِنَ اللّهِ عز و جلإلى قَومِهِ مِن بَني إسماعيلَ عليه السلام ، في غَيرِ أن تَجِبَ لَهُ بِذلِكَ عَلى غَيرِهِم مِن عُربِ النّاسِ ولا أعاجِمِهم تِباعَةٌ ولا طاعَةٌ ، بِخُروجٍ لَهُ عَن مِلَّةٍ ولا دُخولٍ مَعَهُ في مِلَّةٍ ، إلَا الإِقرارَ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسالَةِ إلى أعيانِ قَومِهِ ودينِهِ .
قالَ حارِثَةُ : وبِم شَهِدتُما لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَالأَمرِ ؟
قالا : حَيثُ جاءَتنا فيهِ البَيِّنَةُ مِن تَباشيرِ الأَناجيلِ وَالكُتُبِ الخالِيَةِ .
فَقالَ : مُنذُ وَجَبَ هذا لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله عَلَيكُما في طَويلِ الكَلامِ وقَصيِرهِ ، وبَدئِهِ وعَودِهِ ، فَمِن أينَ زَعَمتُما أنَّهُ لَيسَ بِالوارِثِ الحاشِرِ ، ولَا المُرسَلِ إلى كافَّةِ البَشَرِ ؟
قالا : لَقَد عَلِمتَ وعَلِمنا ، فَما نَمتَري بِأَنَّ حُجَّةَ اللّهِ عز و جل لَم يَنتَهِ أمرُها ، وأَنَّها كَلِمَةُ اللّهِ جارِيَةٌ فِي الأَعقابِ مَا اعتَقَبَ اللَّيلُ وَالنَّهارُ وما بَقِيَ مِنَ النّاسِ شَخصانِ ، وقَد ظَنَنّا مِن قَبلُ أنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله رَبُّها ۱۳۱ ، وأَنَّهُ القائِدُ بِزِمامِها ، فَلَمّا أعقَمَهُ اللّهُ عز و جل بِمَهلِكِ الذُّكورَةِ مِن وُلدِهِ عَلِمنا أنَّهُ لَيسَ بِهِ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدا أبتَرُ ، وحُجَّةَ اللّهِ عز و جل الباقِيَةَ ونَبِيَّهُ الخاتِمَ ـ بِشَهادَةِ كُتُبِ اللّهِ عز و جل المُنزَلَةِ ـ لَيسَ بِأَبتَرَ ، فَإِذاً هُوَ نَبِيٌّ يَأتي ويُخلَدُ بَعدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، اشتُقَّ اسمُهُ مِنِ اسمِ مُحَمَّدٍ ، وهُوَ أحمَدُ الَّذي نَبَّأَ المَسيحُ عليه السلام بِاسمِهِ وبِنُبُوَّتِهِ ورِسالاتِهِ الخاتِمَةِ ، ويَملِكُ ابنُهُ القاهِرُ الجامِعَةَ لِلنّاسِ جَميعا عَلى ناموسِ اللّهِ عز و جل الأَعظَمِ ، لَيسَ بِمَظهَرَةِ دينِهِ ولكِنَّهُ مِن ذُرِّيَّتِهِ وعَقِبِهِ ، يَملِكُ قُرَى الأَرضِ وما بَينَهُما مِن لوبٍ وسَهلٍ وصَخرٍ وبَحرٍ ، مُلكا مُوَرَّثا مُوَطَّأً ، وهذا نَبَأٌ أحاطَت سَفَرَةُ الأَناجيلِ بِهِ عِلما ، وقَد أوسَعناكَ بِهذَا القيلِ سَمعا ، وعُدنا لَكَ بِهِ آنِفَةً بَعدَ سالِفَةٍ ، فَما إربُكَ ۱۳۲ إلى تِكرارِهِ .
قالَ حارِثَةُ : قَد أعلَمُ أنّي وإيّاكُما في رَجعٍ مِنَ القَولِ مُنذُ ثَلاثٍ ؛ وما ذاكَ إلّا لِيَذكُرَ ناسٍ ويَرجِعَ فارِطٌ ۱۳۳ وتَظهَرَ لَنَا الكَلِمُ . وذَكَرتُما نَبِيَّينِ يُبعَثانِ يَعتَقِبانِ بَينَ مَسيحِ اللّهِ عز و جل وَالسّاعَةِ ؛ قُلتُما : وكِلاهُما مِن بَني إسماعيلَ ، أوَّلُهُما ۱۳۴ : مُحَمَّدٌ بِيَثرِبَ ، وثانيهِما : أحمَدُ العاقِبُ . وأَمّا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ـ أخو قُرَيشٍ ـ هذَا القاطِنُ بِيَثرِبَ فَأَنَا به ۱۳۵ حَقٌّ مُؤمِنٌ ، أجَل وهُوَ ـ وَالمَعبودِ ـ أحمَدُ الَّذي نَبَّأَت بِهِ كُتُبُ اللّهِ عز و جل ، ودَلَّت عَلَيهِ آياتُهُ ، وهُوَ حُجَّةُ اللّهِ عز و جل ، ورَسولُهُ صلى الله عليه و آله الخاتِمُ الوارِثُ حَقّا ، ولا نُبُوَّةَ ولا رَسولَ للّهِِ عز و جلولا حُجَّةَ بَينَ ابنِ البَتولِ وَالسَّاعَةِ غَيرُهُ ، بَلى ومَن كانَ مِنهُ مِنِ ابنَتِهِ البُهلولَةِ ۱۳۶ الصِّدّيقَةِ ، فَأَنتُما بِبَلاغِ اللّهِ إلَيكُما ۱۳۷ مِن نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله في أمرٍ مُستَقَرٍّ ، ولَولَا انقِطاعِ نَسلِهِ لَمَا ارتَبتُما فيما زَعَمتُما بِهِ أنَّهُ السّابِقُ العاقِبُ ؟
قالا : أجَل ، إنَّ ذلِكَ لَمِن أكبَرِ أماراتِهِ عِندَنا .
قالَ : فَأَنتُما ـ وَاللّهِ ـ فيما تَزعُمانِ مِن نَبِيٍّ ثانٍ مِن بَعدِهِ في أمرٍ مُلتَبَسٍ ، وَالجامِعَةُ تَحكُمُ في ذلِكَ بَينَنا .
فَتَنادَى النّاسُ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ ، وقالوا : الجامِعَةَ ـ يا أبا حارِثَةَ ! ـ الجامِعَةَ ؛ وذلِكَ لِما مَسَّهُم في طولِ تَحاوُرِ الثَّلاثَةِ مِنَ السَّأمَةِ وَالمَلَلِ ، وظَنَّ القَومُ مَعَ ذلِكَ أنَّ الفَلجَ ۱۳۸ لِصاحِبَيهِما لِما كانا يَدَّعِيانِ في تِلكَ المَجالِسِ مِن ذلِكَ . فَأَقبَلَ أبو حارِثَةَ إلى عِلجٍ ۱۳۹ واقِفٍ مِنهُ [أمَما] ۱۴۰ ، فَقالَ : اِمضِ يا غُلامُ فَائتِ بِها . فَجاءَ بِالجامِعَةِ يَحمِلُها عَلى رَأسِهِ وهُوَ لا يَكادُ يَتَماسَكُ بِها لِثِقَلِها .
قالَ : فَحَدَّثَني رَجُلُ صِدقٍ ۱۴۱ مِنَ النَّجرانِيَّةِ ـ مِمَّن كانَ يَلزَمُ السَّيِّدَ وَالعاقِبَ ، ويَحِفُّ لَهُما في بَعضِ اُمورِهِما ، ويَطَّلِعُ عَلى كَثيرٍ مِن شَأنِهِما ـ قالَ : لَمّا حَضَرَتِ الجامِعَةُ بَلَغَ ذلِكَ مِنَ السَّيِّدِ وَالعاقِبِ كُلَّ مَبلَغٍ ؛ لِعِلمِهِما بِما يَهجُمانِ عَلَيهِ في تَصَفُّحِهِما مِن دَلائِلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وصِفَتِهِ ، وذِكرِ أهلِ بَيتِهِ وأَزواجِهِ وذُرِّيَّتِهِ ، وما يَحدُثُ في اُمَّتِهِ وأَصحابِهِ مِن بَوائِقِ الاُمورِ مِن بَعدِهِ إلى فَناءِ الدُّنيا وَانقِطاعِها .
فَأَقبَلَ أحَدُهُما عَلى صاحِبِهِ فَقالَ : هذا يَومٌ ما بورِكَ لَنا في طُلوعِ شَمسِهِ ! لَقَد شَهِدَتهُ أجسامُنا وغابَت عَنهُ آراؤُنا بِحُضورِ طَغامِنا ۱۴۲ وسَفَلَتِنا ، ولَقَلَّما شَهِدَ سُفَهاءُ قَومٍ مَجمَعَةً إلّا كانَت لَهُمُ الغَلَبَةُ .
قالَ الآخَرُ : فَهُم شَرُّ غالِبٍ لِمَن غَلَبَ ، إنَّ أحَدَهُم لَيُفيقُ ۱۴۳ بِأَدنى كَلِمَةٍ ، ويَفسُدُ في بَعضِ ساعَةٍ ، ما لا يَستَطيعُ الآسِي الحَليمُ لَهُ رَتقا ، ولَا الخَوَلِيُّ ۱۴۴ النَّفيسُ إصلاحا لَهُ في حَولٍ مُحَرَّمٍ ؛ ذلِكَ لِأَنَّ السَّفيهَ هادِمٌ وَالحَليمَ بانٍ ، وشَتّانَ بَينَ البِناءِ وَالهَدمِ .
قالَ : فَانتَهَزَ حارِثَةُ الفُرصَةَ فَأَرسَلَ في خُفيَةٍ وسِرٍّ إلَى النَّفَرِ مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فَاستَحضَرَهُمُ استِظهارا بِمَشهَدِهِم ، فَحَضَروا ، فَلَم يَستَطِعِ الرَّجُلانِ فَضَّ ذلِكَ المَجلِسِ ولا إرجاءَهُ ، وذلِكَ لِما تَبَيَّنا ۱۴۵ مِن تَطَلُّعِ عامَّتِهِما مِن نَصارى نَجرانَ إلى مَعرِفَةِ ما تَضَّمَنَتِ الجامِعَةُ مِن صِفَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَانبِعاثِهِم ۱۴۶ لَهُ مَعَ حُضورِ رُسُلِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِذلِكَ ، وتَأليبِ حارِثَةَ عَلَيهِما فيهِ ، وصَغوِ ۱۴۷ أبي حارِثَةَ شَيخِهِم إلَيهِ .
قالَ : قالَ لي ذلِكَ الرَّجُلُ النَّجرانِيُّ : فَكانَ الرَّأيُ عِندَهُما أن يَنقادا لِما يُدهِمُهُما مِن هذَا الخَطبِ ، ولا يُظهِرانِ شِماسا ۱۴۸ مِنهُ و لا نُفورا ؛ حَذارِ أن يُطرَقا الظِّنَّة فيهِ إلَيهِما ، وأَن يَكونا أيضا أوَّلَ مُعتَبِرٍ لِلجامِعَةِ ومُستَحِثٍّ لَها ؛ لِئَلّا يُفتاتَ ۱۴۹ في شَيءٍ مِن ذاكَ المَقامِ وَالمَنزِلَةِ عَلَيهِما ، ثُمَّ يَستبينَ ۱۵۰ أنَّ الصَّوابَ فِي الحالِ ويَستَنجِدانِهِ لِيَأخُذانِ بِمَوجِبِهِ . فَتَقَدَّما لِما تَقَدَّمَ في أنفُسِهِما مِن ذلِكَ إلَى الجامِعَةِ ـ وهِيَ بَينَ يَدَي أبي حارِثَةَ ـ ، وحاذاهُما حارِثَةُ بنُ أثالٍ ، وتَطاوَلَت إلَيهِما فيهِ الأَعناقُ ، وحَفَّت رُسُلُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِهِم .
فَأَمَرَ أبو حارِثَةَ بِالجامِعَةِ فَفُتِحَ طَرَفُها ، وَاستُخرِجَ مِنها صَحيفَةُ آدَمَ الكُبرَى المُستَودَعَةُ عِلمَ مَلَكوتِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ جَلالُهُ ، وما ذَرَأَ وما بَرَأَ في أرضِهِ وسَمائِهِ ، وما وَصَلَهُما جَلَّ جَلالُهُ بِهِ مِن ذِكرِ عالَمَيهِ ؛ وهِيَ الصَّحيفَةُ الَّتي وَرِثَها شَيثٌ مِن أبيهِ آدَمَ عليه السلام ، عَمّا دَعا مِنَ الذِّكرِ المَحفوظِ . فَقَرَأَ القَومُ السَّيِّدُ وَالعاقِبُ وحارِثَةُ فِي الصَّحيفَةِ ؛ تَطَلُّبا لِما تَنازَعوا فيهِ مِن نَعتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وصِفَتِهِ ، ومَن حَضَرَهُم يَومَئِذٍ مِنَ النّاسِ إلَيهِم ، مُضِجّونَ مُرتَقِبونَ لِما يُستَدرَكُ مِن ذِكرى ذلِكَ ، فَأَلفَوا فِي المِسباحِ الثّاني مِن فَواصِلِها ۱۵۱ :
«بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا الحَيُّ القَيّومُ ، مُعَقِّبُ الدُّهورِ ، وفاصِلُ الاُمورِ ، سَبَقتُ بِمَشِيَّتِي الأَسبابَ ، وذَلَّلتُ بِقُدرَتِي الصِّعابَ ، فَأَنَا العَزيزُ الحَكيمُ ، الرَّحمنُ الرَّحيمُ ، اِرحَم تُرحَم ، سَبَقَت رَحمَتي غَضَبي ، وعَفوي عُقوبَتي ، خَلَقتُ عِبادي لِعِبادَتي ، وأَلزَمتُهُم حُجَّتي ، ألا إنّي باعِثٌ فيهِم رُسُلي ، ومُنزِلٌ عَلَيهِم كُتُبي ، اُبرِمُ ذلِكَ مِن لَدُن أوَّلِ مَذكورٍ مِن بَشَرٍ ، إلى أحمَدَ نَبِيّي وخاتِمِ رُسُلي ، ذاكَ الَّذي أجعَلُ عَلَيهِ صَلَواتي ، وأسلُكُ في قَلبِهِ بَرَكاتي ، وبِهِ اُكمِلُ أنبِيائي ونُذُري .
قالَ آدَمُ عليه السلام : إلهي! مَن هؤُلاءِ الرُّسُلُ ؟ ومَن أحمَدُ هذَا الَّذي رَفَعتَ وشَرَّفتَ ؟
قالَ : كُلٌّ مِن ذُرِّيَّتِكَ ، وأَحمَدُ عاقِبُهُم .
قالَ : رَبِّ ! بِما أنتَ باعِثُهُم ومُرسِلُهُم ؟
قالَ : بِتَوحيدي ، ثُمَّ اُقَفّي ذلِكَ بِثَلاثِمِئَةٍ وثَلاثينَ شَريعَةً ، أنظُمُها واُكمِلُها لِأَحمَدَ جَميعا ، فَأَذِنتُ لِمَن جاءَني بِشَريعَةٍ مِنها مَعَ الإِيمانِ بي وبِرُسُلي أن اُدخِلَهُ الجَنَّةَ» .
ثُمَّ ذَكَرَ ما جُملَتُهُ أنَّ اللّهَ تَعالى عَرَضَ عَلى آدَمَ عليه السلام مَعرِفَةَ الأَنبِياءِ عليهم السلام وذُرِّيَّتِهِم ، ونَظَرَ إلَيهِم آدَمُ ، ثُمَّ قالَ ما هذا لَفظُهُ :
«ثُمَّ نَظَرَ آدَمُ عليه السلام إلى نورٍ قَد لَمَعَ فَسَدَّ الجَوَّ المُنخَرِقَ ، فَأَخَذَ بِالمَطالِعِ مِنَ المَشارِقِ ، ثُمَّ سَرى كَذلِكَ حَتّى طَبَّقَ المَغارِبَ ، ثُمَّ سَما حَتّى بَلَغَ مَلَكوتَ السَّماءِ ، فَنَظَرَ فَإِذا هُوَ نورُ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وإذَا الأَكنافُ بِهِ قَد تَضَوَّعَت طيبا ، وإذا أنوارٌ أربَعَةٌ قَدِ اكتَنَفَتَهُ عَن يَمينِهِ وشِمالِهِ ومِن خَلفِهِ وأَمامِهِ ، أشبَهُ شَيءٍ بِهِ أرجا ۱۵۲ ونورا ، ويَتلوها أنوارٌ مِن بَعدِها تَستَمِدُّ مِنها ، وإذا هِيَ شَبيهَةٌ ۱۵۳ بِها في ضِيائِها وعِظَمِها ونَشرِها ، ثُمَّ دَنَت مِنها فَتَكَلَّلَت عَلَيها وحَفَّت بِها .
ونَظَرَ فَإِذا أنوارٌ مِن بَعدِ ذلِكَ في مِثلِ عَدَدِ الكَواكِبِ ، ودونَ مَنازِلِ الأَوائِلِ جِدّا جِدّا ، وبَعضُ هذِهِ أضوَأُ مِن بَعضٍ ، وهِيَ في ذلِكَ مُتَفاوِتَةٌ ۱۵۴ جِدّا ، ثُمَّ طَلَعَ عَلَيهِ سَوادٌ كَاللَّيلِ وكَالسَّيلِ ، يَنسِلونَ مِن كُلِّ وِجهَةٍ وأَوبٍ ۱۵۵ ، فَأَقبَلوا كَذلِكَ حَتّى مَلَؤُوا القاعَ وَالأَكَمَ ، فَإِذا هُم أقبَحُ شَيءٍ صُوَرا وهَيئَةً ، وأَنتَنُهُ ريحا ، فَبَهَرَ ۱۵۶ آدَمُ عليه السلام ما رَأى مِن ذلِكَ ، وقالَ : يا عالِمَ الغُيوبِ وغافِرَ الذُّنوبِ ، ويا ذَا القُدرَةِ القاهِرَةِ وَالمَشِيَّةِ الغالِبَةِ ! مَن هذَا الخَلقُ السَّعيدُ الَّذي كَرَّمتَ ورَفَعتَ عَلَى العالَمينَ ، ومَن هذِهِ الأَنوارُ المُنيفَةُ المُكتَنِفَةُ لَهُ ؟
فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ : يا آدَمُ ، هذا وهؤُلاءِ وَسيلَتُكَ ووَسيلَةُ مَن أسعَدتُ مِن خَلقي ، هؤُلاءِ السّابِقونَ المُقَرَّبونَ وَالشّافِعونَ المُشَفَّعونَ ، و هذا أحمَدُ سَيِّدُهُم وسَيِّدُ بَرِيَّتِي ، اختَرتُهُ بِعِلمي ، وَاشتَقَقتُ اسمَهُ مِن اِسمي ، فَأَنَا المَحمودُ وهُوَ مُحَمَّدٌ ، وهذا صِنوُهُ ووَصِيُّهُ ، آزَرتُهُ بِهِ ، وجَعَلتُ بَرَكاتي وتَطهيري في عَقِبِهِ ، وهذِهِ سَيِّدَةُ إمائي وَالبَقِيَّةُ في عِلمي مِن أحمَدَ نَبِيّي ، وهذانِ السِّبطانِ وَالخَلَفانِ لَهُم ، وهذِهِ الأَعيانُ المُضارِعُ ۱۵۷ نورُها أنوارَهُم بَقِيَّةٌ مِنهُم ، ألا إنَّ كُلّاً اصطَفَيتُ وطَهَّرتُ ، وعَلى كُلٍّ بارَكتُ وتَرَحَّمتُ ، فَكُلّاً بِعِلمي جَعَلتُ قُدوَةَ عِبادي ونورَ بِلادي .
ونَظَرَ فَإِذا شَبَحٌ في آخِرِهِم يَزهَرُ في ذلِكَ الصَّفيحِ كَما يَزهَرُ كَوكَبُ الصُّبحِ لِأَهلِ الدُّنيا ، فَقالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : وبِعَبدي هذَا السَّعيدِ أفُكُّ عَن عِبادِي الأَغلالَ ، وأَضَعُ عَنهُمُ الآصارَ ، وأَملَأُ أرضي بِهِ حَنانا و رَأفَةً وعَدلاً ، كَما مُلِئَت مِن قَبلِهِ قَسوَةً وقَشعَرِيَّةً وجَوراً .
قالَ آدَمُ عليه السلام : رَبِّ ! إنَّ الكَريمَ مَن كَرَّمتَ ، وإنَّ الشَّريفَ مَن شَرَّفتَ ، وحُقَّ ـ يا إلهي ـ لِمَن رَفَعتَ وأَعلَيتَ أن يَكونَ كَذلِكَ ، فَيا ذَا النِّعَمِ الَّتي لا تَنقَطِعُ ، وَالإِحسانِ الَّذي لا يُجازى ولا يَنفَدُ ، بِمَ بَلَغَ عِبادُكَ هؤُلاءِ العالونَ هذِهِ المَنزِلَةَ مِن شَرَفِ عَطائِكَ وعَظيمِ فَضلِكَ وحِبائِكَ ، وكَذلِكَ مَن كَرَّمتَ مِن عِبادِكَ المُرسَلينَ ؟
قالَ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى : إنّي أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا الرَّحمنُ الرَّحيمُ العَزيزُ الحَكيمُ ، عالِمُ الغُيوبِ ومُضمَراتِ القُلوبِ ، أعلَمُ ما لَم يَكُن مِمّا يَكونُ كَيفَ يَكونُ ، وما لا يَكونُ كَيفَ لَو كانَ يَكونُ ، وإنِّي اطَّلَعتُ ـ يا عَبدي ـ في عِلمي عَلى قُلوبِ عِبادي ، فَلَم أرَ فيهِم أطوَعَ لي ولا أنصَحَ لِخَلقي مِن أنبِيائي ورُسُلي ، فَجَعَلتُ لِذلِكَ فيهِم روحي وكَلِمَتي ، وأَلزَمتُهُم عِب ءَ حُجَّتي ، وَاصطَفَيتُهُم عَلَى البَرايا بِرِسالَتي ووَحيي ۱۵۸ . ثُمَّ ألقَيتُ بِمَكانَتِهِم تِلكَ في مَنازِلِهِم حَوامَّهُم ۱۵۹ وأَوصِياءَهُم مِن بَعدِهم ۱۶۰ [فَأَلحَقتُهُم بِأَنبِيائي ورُسُلي ، وجَعَلتُهُم مِن بَعدِهِم] ۱۶۱ وَدائِعَ حُجَّتي ، وَالسّادَةَ ۱۶۲ في بَرِيَّتي ؛ لِأَجبُرَ بِهِم كَسرَ عِبادي ، واُقيمَ بِهِم أَوَدَهُم ، ذلِكَ أنّي بِهِم وبِقُلوبِهِم لَطيفٌ خَبيرٌ .
ثُمَّ اطَّلَعتُ عَلى قُلوبِ المُصطَفَينَ مِن رُسُلي ، فَلَم أجِد فيهِم أطوَعَ ولا أنصَحَ لِخَلقي مِن مُحَمَّدٍ خِيَرَتي وخالِصَتي ، فَاختَرتُهُ عَلى عِلمٍ ، ورَفَعتُ ذِكرَهُ إلى ذِكري ، ثُمَّ وَجَدتُ قُلوبَ حامَّتِهِ اللّاتي مِن بَعدِهِ عَلى صِبغَةِ قَلبِهِ ، فَأَلحَقتُهُم بِهِ ، وجَعَلتُهُم وَرَثَةَ كِتابي ووَحيي ، وأَوكارَ حِكمَتي ونوري ، وآلَيتُ بي ألّا اُعَذِّبَ بِناري مَن لَقِيَني مُعتَصِما بِتَوحيدي ، وحَبلِ ۱۶۳ مَوَدَّتِهِم أبَدا» .
ثُمَّ أمَرَهُم أبو حارِثَةَ أن يَصيروا إلى صَحيفَةِ شَيثٍ الكُبرَى ، الَّتِي انتَهى ميراثُها إلى إدريسَ النَّبِيِّ عليه السلام ، قالَ : وكانَ كِتابَتُها بِالقَلَمِ السُّريانِيِّ القَديمِ ، وهُوَ الَّذي كُتِبَ بِهِ مِن بَعدِ نوحٍ عليه السلام مِن مُلوكِ الهياطلة وهُمُ النَّمادِرَةُ .
قالَ : فَاقتَصَّ القَومُ الصَّحيفَةَ وأَفضَوا مِنها إلى هذَا الرَّسمِ ، قالَ :
«اِجتَمَعَ إلى إدريسَ عليه السلام قَومُهُ وصَحابَتُهُ ـ وهُوَ يَومَئِذٍ في بَيتِ عِبادَتِهِ مِن أرضِ كوفانَ ـ فَخَبَّرَهُم فيمَا اقتَصَّ عَلَيهِم ، قالَ : إنَّ بَني أبيكُم آدَمَ عليه السلام الصُّلبِيَّةَ ۱۶۴ وبَني بَنيهِ وذُرِّيَّتَهُ ، اختَصَموا فيما بَينَهُم ، وقالوا : أيُّ الخَلقِ عِندَكُم أكرَمُ عَلَى اللّهِ عز و جل ، وأَرفَعُ لَدَيهِ مَكانَةً ، وأَقرَبُ مِنهُ مَنزِلَةً ؟
فَقالَ بَعضُهُم : أبوكُم آدَمُ عليه السلام ؛ خَلَقَهُ اللّهُ عز و جل بِيَدِهِ وأَسجَدَ لَهُ مَلائِكَتَهُ ، وجَعَلَهُ الخَليفَةَ في أرضِهِ وسَخَّرَ لَهُ جَميعَ خَلقِهِ . وقالَ آخَرونَ : بَلِ المَلائِكَةُ الَّذينَ لَم يَعصُوا اللّهَ عز و جل . وقالَ بَعضُهُم : لا ، بَل رُؤَساءُ المَلائِكَةِ الثَّلاثَةِ : جَبرَئيلُ ، وميكائيلُ ، وإسرافيلُ عليهم السلام . وقالَ بَعضُهُم : لا ، بَل أمينُ اللّهِ جَبرَئيلُ عليه السلام .
فَانطَلَقوا إلى آدَمَ عليه السلام فَذَكَرُوا الَّذي قالوا وَاختَلَفوا فيهِ ، فَقالَ : يا بَنِيَّ ! أنَا اُخبِرُكُم بِأَكرَمِ الخَلائِقِ جَميعا عَلَى اللّهِ عز و جل ، إنَّهُ ـ وَاللّهِ ـ لَمّا أن نُفِخَ فِيَّ الرّوحُ حَتَّى استَوَيتُ جالِسا ، فَبَرَقَ لِيَ العَرشُ العَظيمُ ، فَنَظَرتُ فيهِ فَإِذا فيهِ : لا إلهَ إلَا اللّهُ ، مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ ، فُلانٌ صَفوَةُ اللّهِ ، فُلانٌ أمينُ اللّهِ ، فُلانٌ خِيَرَةُ اللّهِ عز و جل ، فَذَكَرَ عِدَّةَ أسماءٍ مَقرونَةٍ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله .
قالَ آدَمُ : ثُمَّ لَم أرَ فِي السَّماءِ مَوضِعَ أديمٍ ـ أو قالَ : صَفيحٍ ـ مِنها إلّا وفيهِ مَكتوبٌ : لا إلهَ إلَا اللّهُ ، وما مِن مَوضِعٍ مَكتوبٌ فيهِ : لا إله إلَا اللّهُ إلّا وفيهِ مَكتوبٌ ـ خَلقا لا خَطّا ـ : مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ ، وما مِن مَوضِعٍ فيهِ ۱۶۵ مَكتوبٌ : مُحَمَّدٌ رَسولُ اللّهِ إلّا ومَكتوبٌ : فُلانٌ خِيَرَةُ اللّهِ ، فُلانُ صَفوَةُ اللّهِ ، فُلانٌ أمينُ اللّهِ عز و جل ، فَذَكَرَ عِدَّةَ أسماءٍ تَنتَظِمُ حِسابَ المَعدودِ .
قالَ آدَمُ عليه السلام : فَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله ـ يا بَنِيَّ ـ ومَن خُطَّ مِن تِلكَ الأَسماءِ مَعَهُ ، أكرَمُ الخَلائِقِ عَلَى اللّهِ تَعالى جَميعا» .
ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ أبا حارِثَةَ سَأَلَ السَّيِّدَ وَالعاقِبَ أن يَقِفا عَلى صَلَواتِ إبراهيمَ عليه السلام الَّذي جاءَ بِهَا الأَملاكُ مِن عِندِ اللّهِ عز و جل ، فَقَنَعوا بِما وَقَفوا عَلَيهِ فِي الجامِعَةِ .
قالَ أبو حارِثَةَ : لا ، بَل شارِفوها بِأَجمَعِها وأَسبِروها ۱۶۶ ؛ فَإِنَّهُ أصرَمُ ۱۶۷ لِلمَعذورِ وأَرفَعُ لِحِكَّةِ ۱۶۸ الصُّدورِ ، وأَجدَرُ ألّا تَرتابوا فِي الأَمرِ مِن بَعدُ . فَلَم يَجِدا ۱۶۹ مِنَ المَصيرِ إلى قَولِهِ مِن بُدٍّ ، فَعَمَدَ القَومُ إلى تابوتِ إبراهيمَ عليه السلام ، قالَ :
«وكانَ اللّهُ عز و جل بِفَضلِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن خَلقِهِ ، قَدِ اصطَفى إبراهيمَ عليه السلام بِخُلَّتِهِ ، وشَرَّفَهُ بِصَلَواتِهِ وبَرَكاتِهِ ، وجَعَلَهُ قِبلَةً وإماما لِمَن يَأتي مِن بَعدِهِ ، وجَعَلَ النُّبُوَّةَ وَالإِمامَةَ وَالكِتابَ في ذُرِّيَّتِهِ يَتَلَقّاها آخِرٌ عَن أوَّلٍ ، ووَرَّثَهُ تابوتَ آدَمَ عليه السلام المُتَضَمِّنَ لِلحِكمَةِ وَالعِلمِ ، الَّذي فَضَّلَهُ اللّهُ عز و جل بِهِ عَلَى المَلائِكَةِ طُرّا .
فَنَظَرَ إبراهيمُ عليه السلام في ذلِكَ التّابوتِ فَأَبصَرَ فيهِ بُيوتا بِعَدَدِ ذَوِي العَزمِ مِنَ الأَنبِياءِ المُرسَلينَ وأَوصِيائِهِم مِن بَعدِهِم ، ونَظَرَهُم ۱۷۰ فَإِذا بَيتُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله آخِرَ الأَنبِياءِ ، عَن يَمينِهِ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ آخِذٌ بِحُجزَتِهِ ۱۷۱ ، فَإِذا شَكلٌ عَظيمٌ يَتَلَألَأُ نورا ، فيهِ : هذا صِنوُهُ ووَصِيُّهُ المُؤَيَّدُ بِالنَّصرِ ، فَقالَ إبراهيمُ عليه السلام : إلهي وسَيِّدي! مَن هذَا الخَلقُ الشَّريفُ ؟ فَأَوحَى اللّهُ عز و جل : هذا عَبدي وصَفوَتِي الفاتِحُ الخاتِمُ ، وهذا وَصِيُّهُ الوارِثُ ، قالَ : رَبِّ ! مَا الفاتِحُ الخاتِمُ ؟ قالَ : هذا مُحَمَّدٌ خِيَرَتي ، وبِكرُ فِطرَتي ، وحُجَّتِي الكُبرى في بَرِيَّتي ، نَبَّأتُهُ وَاجتَبَيتُهُ إذ آدَمُ بَينَ الطّينِ وَالجَسَدِ ، ثُمَّ إنّي باعِثُهُ عِندَ انقِطاعِ الزَّمانِ لِتَكمِلَةِ ديني ، وخاتِمٌ بِهِ رِسالاتي ونُذُري ، وهذا عَلِيٌّ أخوهُ وصِدّيقُهُ الأَكبَرُ ، آخَيتُ بَينَهُما وَاختَرتُهُما وصَلَّيتُ وبارَكتُ عَلَيهِما ، وطَهَّرتُهُما وأَخلَصتُهُما وَالأَبرارَ مِنهُما وذُرِّيَّتَهُما قَبلَ أن أخلُقَ سَمائي وأَرضي وما فيهِما مِن خَلقي ، وذلِكَ لِعِلمي بِهِم وبِقُلوبِهِم ، إنّي بِعِبادي عَليمٌ ۱۷۲ خَبيرٌ .
قالَ : ونَظَرَ إبراهيمُ عليه السلام فَإِذَا اثنا عَشَرَ [عَظيماً] ۱۷۳ تَكادُ تَلَألَأُ أشكالُهُم لِحُسنِها نورا ، فَسَأَلَ رَبَّهُ عز و جل فَقالَ : رَبِّ نَبِّئني بِأَسماءِ هذِهِ الصُّوَرِ المُقرونَةِ بِصوَرةِ مُحَمَّدٍ ووَصِيِّهِ ؛ وذلِكَ لِما رَأى مِن رَفيعِ دَرَجاتِهِم وَالتِحاقِهِم بِشَكلَي مُحَمَّدٍ ووَصِيِّهِ عليهماالسلام ، فَأَوحَى اللّهُ عز و جل إلَيهِ : هذِهِ أمَتي وَالبَقِيَّةُ مِن نَبِيّي فاطِمَةُ الصِّدّيقَةُ الزَّهراءُ ، وجَعَلتُها مَعَ خَليلِها عَصَبَةً لِذُرِّيَّةِ نَبِيّي هؤُلاءِ ، وهذانِ الحَسَنانِ ، وهذا فُلانٌ ، وهذا فُلانٌ ، وهذا كَلِمَتِي الَّتي أنشُرُ بِهِ رَحمَتي في بِلادي ، وبِهِ أنتاشُ ۱۷۴ ديني وعِبادي ، ذلِكَ بَعدَ إياسٍ مِنهُم وقُنوطٍ مِنهُم مِن غِياثي ، فَإِذا ذَكَرتَ مُحَمَّدا نَبِيّي لِصَلَواتِكَ ۱۷۵ فَصَلِّ عَلَيهِم مَعَهُ يا إبراهيمُ .
قالَ : فَعِندَها صَلّى عَلَيهِم إبراهيمُ عليه السلام ، فَقالَ : رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا اجتَبَيتَهُم وأَخلَصتَهُم إخلاصا .
فَأَوحَى اللّهُ عز و جل : لِتَهنِئكَ كَرامَتي وفَضلي عَلَيكَ ، فَإِنّي صائِرٌ بِسُلالَةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ومَنِ اصطَفَيتُ مَعَهُ مِنهُم إلى قَناةِ صُلبِكَ ومُخرِجُهُم مِنكَ ، ثُمَّ مِن بِكرِكَ إسماعيلَ عليه السلام ، فَأَبشِر يا إبراهيمُ فَإِنّي واصِلٌ صَلَواتِكَ بِصَلَواتِهِم ، ومُتِبعٌ ذلِكَ بَرَكاتي وتَرَحُّمي عَلَيكَ وعَلَيهِم ، وجاعِلُ حَناني ۱۷۶ وحُجَّتي إلَى الأَمَدِ المَعدودِ وَاليَومِ المَوعودِ الَّذي أرِثُ فيهِ سَمائي وأَرضي ، وأبعَثُ لَهُ خَلقي لِفَصلِ قَضائي وإفاضَةِ رَحمَتي وعَدلي» .
قالَ : فَلَمّا سَمِعَ أصحابُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما أفضى إلَيهِ القَومُ مِن تِلاوَةِ ما تَضَمَّنَتِ الجامِعَةُ وَالصُّحُفُ الدّارِسَةُ مِن نَعتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وصِفَةِ أهلِ بَيتِهِ المَذكورينَ مَعَهُ بِما هُم بِهِ مِنهُ ، وبِما شاهَدوا مِن مَكانَتِهِم عِندَهُ ، ازدادَ القَومُ بِذلِكَ يَقينا وإيمانا ، وَاستُطيروا لَهُ فَرَحا .
قالَ : ثُمَّ صارَ القَومُ إلى ما نَزَلَ عَلى موسى عليه السلام ، فَأَلفَوا فِي السَّفرِ الثّاني مِنَ التَّوراةِ :
«إنّي باعِثٌ فِي الاُمِّيّينَ مِن وُلدِ إسماعيلَ رَسولاً ، اُنزِلُ عَلَيهِ كِتابي ، وأَبعَثُهُ بِالشَّريعَةِ القَيِّمَةِ إلى جَميعِ خَلقي ، اُوتيهِ ۱۷۷ حِكمَتي ، وأيَّدتُهُ بِمَلائِكَتي وجُنودي ، يَكونُ ذُرِّيَّتُهُ مِنِ ابنَةٍ لَهُ مُبارَكَةٍ بارَكتُها ، ثُمَّ مِن شِبلَينِ لَهُما ـ كَإِسماعيلَ وإسحاقَ ـ ، أصلَينِ لِشُعَبتَينِ عَظيمَتَينِ ، اُكَثِّرُهُم جِدّا جِدّا ، يَكونُ مِنهُمُ اثنا عَشَرَ قَيِّما ۱۷۸ ، اُكمِلُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وبِما اُرسِلُهُ بِهِ مِن بَلاغٍ وحِكمَةٍ ديني ، وأَختِمُ بِهِ أنبِيائي ورُسُلي ، فَعَلى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله واُمَّتِهِ تَقومُ السّاعَةُ» .
فَقالَ حارِثَةُ : الآنَ أسفَرَ الصُّبحُ لِذي عَينَينِ ، ووَضَحَ الحَقُّ لِمَن رَضِيَ بِهِ دينا ، فَهَل في أنفُسِكُما مِن مَرَضٍ تَستَشفِيانِ بِهِ ؟
فَلَم يُرجِعا إلَيهِ قَولاً .
فَقالَ أبو حارِثَةَ : اِعتَبِرُوا الامارَةَ الخاتِمَةَ مِن قَولِ سَيِّدِكُمُ المَسيحِ عليه السلام . فَصارَ [القَومُ] ۱۷۹ إلَى الكُتُبِ وَالأَناجيلِ الَّتي جاءَ بِها عيسى عليه السلام ، فَأَلفَوا فِي المِفتاحِ الرّابِعِ مِنَ الوَحيِ إلَى المَسيحِ عليه السلام :
«يا عيسى ، يَابنَ الطّاهِرَةِ البَتولِ ، اسمَع قَولي وجِدَّ في أمري ، إنّي خَلَقتُكَ مِن غَيرِ فَحلٍ ، وجَعَلتُكَ آيَةً لِلعالَمينَ ، فَإِيّايَ فَاعبُد ، وعَلَيَّ فَتَوَكَّل ، وخُذِ الكِتابَ بِقُوَّةٍ ، ثُمَّ فَسِّرهُ لِأَهلِ سورِيا وأَخبِرهُم أنّي أنَا اللّهُ لا إلهَ إلّا أنَا الحَيُّ القَيّومُ ، الَّذي لا أحولُ ولا أزولُ ، فَآمِنوا بي وبِرَسولِي النَّبِيِّ الاُمِّيِّ ، الَّذي يَكونُ في آخِرِ الزَّمانِ ؛ نَبِيِّ الرَّحمَةِ وَالمَلحَمَةِ ، الأَوَّلِ وَالآخِرِ ـ قالَ : أوَّلُ النَّبِيّينَ خَلقا ، وآخِرُهُم مَبعَثا ـ ذلِكَ العاقِبُ الحاشِرُ ، فَبَشِّر بِهِ بَني إسرائيلَ .
قالَ عيسى عليه السلام : يا مالِكَ الدُّهورِ ، وعَلّامَ الغُيوبِ ! مَن هذَا العَبدُ الصّالِحُ الَّذي قَد أحَبَّهُ قَلبي ولَم تَرَهُ عَيني ؟
قالَ : ذلِكَ خالِصَتي ورَسولِيَ المُجاهِدُ بِيَدِهِ في سَبيلي ، يُوافِقُ قَولُهُ فِعلَهُ ، و سَريرَتُهُ عَلانِيَتَهُ ، اُنزِلُ عَلَيهِ تَوراةً حَديثَةً ، أفتَحُ بِها أعيُنا عُميا ، وآذانا صُمّا ، وقُلوبا غُلفا ، فيها يَنابيعُ العِلمِ ، وفَهمُ الحِكمَةِ ، ورَبيعُ القُلوبِ . وطوباهُ! طوبى اُمَّتَهُ !
قالَ : رَبِّ ! مَا اسمُهُ وعَلامَتُهُ ، وما أكلُ اُمَّتِهِ ـ يَقولُ : مُلكُ اُمَّتِهِ ـ وهَل لَهُ مِن بَقِيَّةٍ ـ يَعني ذُرِّيَّةً ـ ؟
قالَ : سَاُنَبِّئُكَ بِما سَأَلتَ ؛ اسمُهُ أحمَدُ صلى الله عليه و آله ، مُنتَخَبٌ مِن ذُرِّيَّةِ إبراهيمَ ، ومُصطَفىً مِن سُلالَةِ إسماعيلَ عليه السلام ، ذُو الوَجهِ الأَقمَرِ ، وَالجَبينِ الأَزهَرِ ، راكِبُ الجَمَلِ ، تَنامُ عَيناهُ ولا يَنامُ قَلبُهُ ، يَبعَثُهُ اللّهُ في اُمَّةٍ اُمِّيَّةٍ ما بَقِيَ اللَّيلُ وَالنَّهارُ ، مَولِدُهُ في بَلَدِ أبيهِ إسماعيلَ ـ يَعني مَكَّةَ ـ كَثيرُ الأَزواجِ ، قَليلُ الأَولادِ ، نَسلُهُ مِن مُبارَكَةٍ صِدّيقَةٍ ، يَكونُ لَهُ مِنهَا ابنَةٌ ، لَها فَرخانِ سَيِّدانِ يُستَشهَدانِ ، أجعَلُ نَسلَ أحمَدَ مِنهُما ، فَطوباهُما ولِمَن أحَبَّهُما ، وشَهِدَ أيّامَهُما فَنَصَرَهُما .
قالَ عيسى عليه السلام : إلهي ! وما طوبى ؟
قالَ: شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ، ساقُها وأَغصانُها مِن ذَهَبٍ، ووَرَقُها حُلَلٌ ، وحَملُها كَثَديِ الأَبكارِ ، أحلى مِنَ العَسَلِ وأَليَنُ مِنَ الزَّبَدِ ، وماؤُها مِن تَسنيمٍ ۱۸۰ ، لَو أنَّ غُرابا طارَ وهُوَ فَرخٌ لَأَدرَكَهُ الهَرَمُ مِن قَبلِ أن يَقطَعهَا ، ولَيسَ مَنزِلٌ مِن مَنازِلِ أهلِ الجَنَّةِ إلّا وظِلالُهُ فَنَنٌ ۱۸۱ مِن تِلكَ الشَّجَرَةِ» .
قالَ : فَلَمّا أتَى القَومُ عَلى دِراسَةِ ما أوحَى اللّهُ عز و جل إلَى المَسيحِ عليه السلام ، مِن نَعتِ مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وصِفَتِهِ ، ومُلكِ اُمَّتِهِ ، وذِكرِ ذُرِّيَّتِهِ وأَهلِ بَيتِهِ ، أمسَكَ الرَّجُلانِ مَخصومينَ ، وَانقَطَعَ التَّحاوُرُ بَينَهُم في ذلِكَ .
قالَ : فَلَمّا فَلَجَ حارِثَةُ عَلَى السَّيِّدِ وَالعاقِبِ بِالجامِعَةِ وما تَبَيَّنوهُ فِي الصُّحُفِ القَديمَةِ ، ولَم يَتِمَّ لَهُما ما قَدَّروا مِن تَحريفِها ، ولَم يُمكِنُهما أن يُلَبِّسا عَلَى النّاسِ في تَأويلِهِما ، أمسَكا عَنِ المُنازَعَةِ مِن هذَا الوَجهِ ، وعَلِما أنَّهُما قَد أخطَآ سَبيلَ الصَّوابِ ، فَصارا إلى مَعبَدِهِم آسِفينَ ، لِيَنظُرا ويَرتَئِيا . وفَزِعَ إلَيهِما نَصارى نَجرانَ ، فَسَأَلوهُما عَن رَأيهِمِا وما يَعمَلانِ في دينِهِما ، فَقالا ما مَعناهُ : تَمَسَّكوا بِدينِكُم حَتّى يُكشَفَ دينُ مُحَمَّدٍ ، وسَنَسيرُ إلى بَني قُرَيشٍ ـ إلى يَثرِبَ ـ ونَنظُرُ إلى ما جاءَ بِهِ وإلى ما يَدعو إلَيهِ .
قالَ : فَلَمّا تَجَهَّزَ السَّيِّدُ وَالعاقِبُ لِلمَسيرِ إلى رَسولِ اللّهِ بِالمَدينَةِ ، انتَدَبَ مَعَهُما أربَعَةَ عَشَرَ راكِبا مِن نَصارى نَجرانَ ، هُم مِن أكابِرِهِم فَضلاً وعِلما في أنفُسِهِم ، وسَبعونَ رَجُلاً مِن أشرافِ بَنِي الحارِثِ بنِ كَعبٍ وسادَتِهِم . قالَ : وكانَ قَيسُ بنُ الحُصينِ ذُو الغُصَّةِ ويَزيدُ بنُ عَبدِ المَدانِ بِبِلادِ حَضرَموتَ ، فَقَدِما نَجرانَ عَلى بَقِيَّةِ مَسيرِ قَومِهِم ، فَشَخَصا مَعَهُم .
فَاغتَرَزَ القَومُ في ظُهورِ مَطاياهُم ، وجَنَبوا خَيلَهُم ، وأَقبَلوا لِوُجوهِهِم حَتّى وَرَدُوا المَدينَةَ .
قالَ : ولَمَّا استَراثَ ۱۸۲ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله خَبَرَ أصحابِهِ ، أنفَذَ إلَيهِم خالِدَ بنَ الوَليدِ في خَيلٍ سَرَّحَها ۱۸۳ مَعَهُ لِمُشارَفَةِ أمرِهِم ، فَأَلفَوهُم وهُم عامِدونَ ۱۸۴ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
قالَ : ولَمّا دَنَوا مِنَ المَدينَةِ أحَبَّ السَّيِّدُ وَالعاقِبُ أن يُباهِيَا المُسلِمينَ وأَهلَ المَدينَةِ بِأَصحابِهِما وبِمَن حَفَّ مِن بَنِي الحارِثِ مَعَهُما ، فَاعتَرَضاهُم فَقالا : لَو كَفَفتُم صُدورَ رِكابِكُم ومَسَستُمُ الأَرضَ فَأَلقَيتُم عَنكُم تَفَثَكُم ۱۸۵ وثِيابَ سَفَرِكُم ، وشَنَنتُم ۱۸۶ عَلَيكُم مِن باقي مِياهِكُم ، كانَ ذلِكَ أمثَلَ . فَانحَدَرَ القَومُ عَنِ الرِّكابِ فَأَماطوا مِن شَعَثِهِم ، وأَلقَوا عَنهُم ثِيابَ بِذلَتِهِم ، ولَبِسوا ثِيابَ صَونِهِم مِنَ الأَتحَمِيّاتِ ۱۸۷ وَالحَريرِ ، وذَرُّوا المِسكَ في لِمَمِهِم ومَفارِقِهِم ، ثُمَّ رَكِبُوا الخَيلَ وَاعتَرَضوا بِالرِّماحِ عَلى مَناسِجِ ۱۸۸ خَيلِهِم ، وأَقبَلوا يَسيرونَ رَزدَقا ۱۸۹ واحِدا ، وكانوا مِن أجمَلِ العَرَبِ أجساما وخَلقا .
فَلَمّا تَشَرَّفَهُمُ ۱۹۰ النّاسُ أقبَلوا نَحوَهُم ، فَقالوا : ما رَأَينا وَفدا أجمَلَ مِن هؤُلاءِ !
فَأَقبَلَ القَومُ حَتّى دَخَلوا عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله في مَسجِدِهِ ، وحانَت وَقتُ صَلاتِهِم فَقاموا يُصَلّونَ إلَى المَشرِقِ ، فَأَرادَ النّاسُ أن يَنهَوهُم عَن ذلِكَ ، فَكَفَّهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ أمهَلَهُم وأَمهَلوهُ ثَلاثا ، فَلَم يَدعُهُم ولَم يَسأَلوهُ لِيَنظُروا إلى هَدْيِهِ ، ويَعتَبِروا ما يُشاهِدونَ مِنهُ مِمّا يَجِدونَ مِن صِفَتِهِ ، فَلَمّا كانَ بَعدَ ثالِثَةٍ دَعاهُم صلى الله عليه و آله إلَى الإِسلامِ .
فَقالوا : يا أبَا القاسِمِ ، ما أخبَرَتنا كُتُبُ اللّهِ عز و جل بِشَيءٍ مِن صِفَةِ النَّبِيِّ المَبعوثِ بَعدَ الرّوحِ عيسى عليه السلام إلّا وقَد تَعَرَّفناهُ فيكَ ، إلّا خَلَّةً هِيَ أعظَمُ الخِلالِ آيَةً ومَنزِلَةً ، وأَجلاها أمارَةً ودَلالَةً !
قالَ صلى الله عليه و آله : وما هِيَ ؟
قالوا : إنّا نَجِدُ فِي الإِنجيلِ مِن صِفَةِ النَّبِيِّ الغابِرِ مِن بَعدِ المَسيحِ أنَّهُ يُصَدِّقُ بِهِ ويُؤمِنُ بِهِ ، وأَنتَ تَسُبُّهُ وتُكَذِّبُ بِهِ ، وتَزعُمُ أنَّهُ عَبدٌ !
قالَ : فَلَم تَكُن خُصومَتُهُم ولا مُنازَعَتُهُم لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلّا في عيسى عليه السلام .
فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : لا ، بَل اُصَدِّقُهُ واُصَدِّقُ بِهِ واُؤمِنُ بِهِ ، وأَشهَدُ أنَّهُ النَّبِيُّ المُرسَلُ مِن رَبِّهِ عز و جل ، وأَقولُ : إنَّهُ عَبدٌ لا يَملِكُ لِنَفسِهِ نَفعا ولا ضَرّا ولا مَوتا ولا حَياةً ولا نُشورا .
قالوا : وهَل يَستَطيعُ العَبدُ أن يَفعَلَ ما كانَ يَفعَلُ ؟ ! وهَل جاءَتِ الأَنبِياءُ بِما جاءَ بِهِ مِنَ القُدرَةِ القاهِرَةِ ؟ أ لَم يَكُن يُحيِي المَوتى ويُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ ، ويُنَبِّئُهُم بِما يُكِنّونَ في صُدورِهِم وما يَدَّخِرونَ في بُيوتِهِم ؟ فَهَل يَستَطيعُ هذا إلَا اللّهُ عز و جل أوِ ابنُ اللّهِ ؟ !
وقالوا فِي الغُلُوِّ فيهِ وأَكثَروا ، تَعالَى اللّهُ عَن ذلِكَ عُلُوّا كَبيرا .
فَقالَ صلى الله عليه و آله : قَد كانَ عيسى أخي كَما قُلتُم ، يُحيِي المَوتى ويُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ ، ويُخبِرُ قَومَهُ بِما في نُفوسِهِم وبِما يَدَّخِرونَ في بُيوتِهِم ، وكُلُّ ذلِكَ بِإِذنِ اللّهِ عز و جل ، وهُوَ للّهِِ عز و جل عَبدٌ ، وذلِكَ عَلَيهِ غَيرُ عارٍ ، وهُوَ مِنهُ غَيرُ مُستَنكِفٍ ، فَقَد كانَ لَحما ودَما وشَعرا وعَظما وعَصَبا وأَمشاجا ۱۹۱ ، يَأكُلُ الطَّعامَ ويَظمَأُ ويَنصَبُ بِأَرَبِهِ ، ورَبُّهُ الأَحَدُ الحَقُّ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ ، ولَيسَ لَهُ نِدٌّ .
قالوا : فَأَرِنا مِثلَهُ مَن جاءَ مِن غَيرِ فَحلٍ ولا أبٍ ؟
قالَ : هذا آدَمُ عليه السلام أعجَبُ مِنهُ خَلقا ، جاءَ مِن غَيرِ أبٍ ولا اُمٍّ ، ولَيسَ شَيءٌ مِنَ الخَلقِ بِأَهوَنَ عَلَى اللّهِ عز و جل في قُدرَتِهِ مِن شَيءٍ ولا أصعَبَ ، «إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ »۱۹۲ . وتَلا عَلَيهِم : « إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ »۱۹۳ .
قالا : فَما نَزدادُ مِنكَ في أمرِ صاحِبِنا إلّا تَبايُنا ، وهذَا الأَمرُ الَّذي لا نُقِرُّ لَكَ ، فَهَلُمَّ فَلنُلاعِنكَ أيُّنا أولى بِالحَقِّ فَنَجعَلَ لَعنَةَ اللّهِ عَلَى الكاذِبينَ ، فَإِنَّها مُثلَةٌ وآيَةٌ مُعَجَّلَةٌ .
فَأَنزَلَ اللّهُ عز و جل آيَةَ المُباهَلَةِ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : « فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ »۱۹۴ ، فَتَلا عَلَيهِم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما نَزَلَ عَلَيهِ في ذلِكَ مِنَ القُرآنِ ، فَقالَ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ قَد أمَرَني [أن] ۱۹۵ أصيرَ إلى مُلتَمَسِكُم ، وأَمَرَني بِمُباهَلَتِكُم إن أقَمتُم وأَصرَرتُم عَلى قَولِكُم .
قالا : وذلِكَ آيَةُ ما بَينَنا وبَينَكَ ، إذا كانَ غَدا باهَلناكَ .
ثُمَّ قاما ، وأَصحابُهُما مِنَ النَّصارى مَعَهُما ، فَلَمّا أبعَدا وقَد كانوا أنزَلوا ۱۹۶ بِالحَرَّةِ ، أقبَلَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ فَقالوا : قَد جاءَكُم هذا بِالفَصلِ مِن أمرِهِ وأَمرِكُم ، فَانظُروا أوَّلاً بِمَن يُباهِلُكُم ؛ أ بِكافَّةِ أتباعِهِ ، أم بِأَهلِ الكِتابِ مِن أصحابِهِ ، أو بِذَوِي التَّخَشُّعِ وَالتَّمَسُّكِ ۱۹۷ وَالصَّفوَةِ دينا ، وهُمُ القَليلُ مِنهُم عَددا ؟ فَإِن جاءَكُم بِالكَثرَةِ وذَوِي الشِّدَّةِ مِنهُم ، فَإِنَّما جاءَكُم مُباهِيا كَما يَصنَعُ المُلوكُ ، فَالفَلجُ ۱۹۸ إذا لَكُم دونَهُ ، وإن أتاكُم بنَفَرٍ قَليلٍ ذَوي تَخَشُّعٍ فَهؤُلاءِ سَجِيَّةُ ۱۹۹ الأَنبِياءِ وصَفوَتُهُم ومَوضِعُ بَهلَتِهِم ، فَإِيّاكُم وَالإِقدامَ إذا عَلى مُباهَلَتِهِم ، فَهذِهِ لَكُم أمارَةٌ ، وَانظُروا حينَئِذٍ ما تَصنَعونَ ما بَينَكُم وبَينَهُ ، فَقَد أعذَرَ مَن أنذَرَ .
فَأَمَرَ صلى الله عليه و آله بِشَجَرَتَينِ فَقُصِدَتا وكُسِحَ ما بَينَهُما ، وأَمهَلَ حَتّى إذا كانَ مِنَ الغَدِ أمَرَ بِكِساءٍ أسوَدَ رَقيقٍ فَنُشِرَ عَلَى الشَّجَرَتَينِ ، فَلَمّا أبصَرَ السَّيِّدُ وَالعاقِبُ ذلِكَ خَرَجا بِوَلَدَيهِما : صِبغَةِ المُحسِنِ ، وعَبدِ المُنعِمِ ، وسارَةَ ، ومَريَمَ ، وخَرَجَ مَعَهُما نَصارى نَجرانَ ، ورَكِبَ فُرسانُ بَنِي الحارِثِ بنِ الكَعبِ في أحسَنِ هَيئَةٍ .
وأَقبَلَ النّاسُ مِن أهلِ المَدينَةِ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وغَيرِهِم مِنَ النّاسِ في قَبائِلِهِم وشِعارِهِم مِن راياتِهِم وأَلوِيَتِهِم وأَحسَنِ شارَتِهِم وهَيئَتِهِم ، لِيَنظُروا ما يَكونُ مِنَ الأَمرِ .
ولَبِثَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله في حُجرَتِهِ حَتّى مَتَعَ ۲۰۰ النَّهارُ ، ثُمَّ خَرَجَ آخِذا بِيَدِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَالحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهماالسلام أمامَهُ ، وفاطِمَةُ عليهاالسلام مِن خَلفِهِم ، فَأَقبَلَ بِهِم حَتّى أتَى الشَّجَرَتَينِ فَوَقَفَ مِن بَينِهِما مِن تَحتِ الكِساءِ عَلى مِثلِ الهَيئَةِ الَّتي خَرَجَ بِها مِن حُجرَتِهِ ، فَأَرسَلَ إلَيهِما يَدعوهُما إلى ما دَعَواهُ إلَيهِ مِنَ المُباهَلَةِ .
فَأَقبَلا إلَيهِ فَقالا : بِمَن تُباهِلُنا يا أبَا القاسِمِ ؟
قالَ : بِخَيرِ أهلِ الأَرضِ وأَكرَمِهِم عَلَى اللّهِ عز و جل ، بِهؤُلاءِ . وأشارَ لَهُما إلى عَلِيٍّ و فاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَينِ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم .
قالا : فَما نَراكَ جِئتَ لِمُباهَلَتِنا بِالكُبرِ ، ولا مِنَ الكُثرِ ، ولا أهلِ الشّارَةِ مِمَّن نَرى مِمَّن آمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ ، وما نَرى هاهُنا مَعَكَ إلّا هذَا الشّابَّ وَالمَرأَةَ وَالصَّبِيَّينِ ، أ فَبِهؤُلاءِ تُباهِلُنا ؟ !
قالَ صلى الله عليه و آله : نَعَم ، أوَلَم اُخبِركُم بِذلِكَ آنِفا ؟ ! نَعَم بِهؤُلاءِ اُمِرتُ ـ وَالَّذي بَعَثَني بِالحَقِّ ـ أن اُباهِلَكُم .
فَاصفارَّت حينَئِذٍ ألوانُهُما ، وكَرّا وعادا إلى أصحابِهِما ومَوقِفِهِما . فَلَمّا رَأى أصحابُهُما ما بِهِما وما دَخَلَهُما ، قالوا : ما خَطبُكُما ؟ فَتَماسَكا وقالا : ما كانَ ثَمَّةَ مِن خَطبٍ فَنُخبِرَكُم .
وأَقبَلَ عَلَيهِم شابٌّ كانَ مِن خِيارِهِم قَد اُوتِيَ فيهِم عِلما ، فَقالَ : وَيحَكُم ! لا تَفعَلوا وَاذكُروا ما عَثَرتُم عَلَيهِ فِي الجامِعَةِ مِن صِفَتِهِ ، فَوَ اللّهِ إنَّكُم لَتَعلَمونَ حَقَّ العِلمِ أنَّهُ لَصادِقٌ ، وإنَّما عَهدُكُم بِإِخوانِكُم حَديثٌ ؛ قَد مُسِخوا قِرَدَةً وخَنازيرَ !
فَعَلِموا أنَّهُ قَد نَصَحَ لَهُم ، فَأَمسَكوا .
قالَ : وكانَ لِلمُنذِرِ بنِ عَلقَمَةَ ـ أخي أسقُفِّهِم أبي حارِثَةَ ـ حَظٌّ مِنَ العِلمِ فيهِم يَعرِفونَهُ لَهُ ، وكانَ نازِحا عَن نَجرانَ في وَقتِ تَنازُعِهِم ، فَقَدِمَ وقَدِ اجتَمَعَ القَومُ عَلَى الرِّحلَةِ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَشَخَصَ مَعَهُم ، فَلَمّا رَأَى المُنذِرُ انتِشارَ أمرِ القَومِ يَومَئِذٍ وتَرَدُّدَهُم في رَأيِهِم ، أخَذَ بِيَدِ السَّيِّدِ وَالعاقِبِ وأَقبَلَ عَلى أصحابِهِ ، فَقالَ : «أخلوني وهذَينِ» ، فَاعتَزَلَ بِهِما ثُمَّ أقبَلَ عَلَيهِما فَقالَ : إنَّ الرّائِدَ لا يَكذِبُ أهلَهُ ، [وأنَا لَكُما حَقُّ نَصيحٍ] ۲۰۱ وأَنَا لَكُما جِدُّ شَفيقٍ ، فَإِن نَظَرتُما لِأَنفُسِكُما نَجَوتُما ، وإن تَرَكتُما ذلِكَ هَلَكتُما وأَهلَكتُما .
قالا : أنتَ النّاصِحُ جَيبا ۲۰۲ ، المَأمونُ عَيبا ، فَهاتِ .
قالَ : أتَعلَمانِ أنَّهُ ما باهَلَ قَومٌ ۲۰۳ نَبِيّا قَطُّ إلّا كانَ مَهلِكُهُم كَلَمحِ البَصَرِ ، وقَد عَلِمتُما ـ وكُلُّ ذي أرِبٍ مِن وَرَثَةِ الكُتُبِ مَعَكُما ـ أنَّ مُحَمَّدا أبَا القاسِم هذا هُوَ الرَّسولُ الَّذي بَشَّرَت بِهِ الأَنبِياءُ عليهم السلام ، وأَفصَحَت بِنَعتِهِ وأَهلِ بَيتِهِ الاُمَناءُ ۲۰۴ ، واُخرى اُنذِرُكُما بِها فَلا تَعشوا عَنها .
قالا : وما هِيَ يا أبَا المُثَنّى ؟
قالَ : اُنظُرا إلَى النَّجمِ قَدِ استَطلَعَ إلَى الأَرضِ ، وإلى خُشوعِ الشَّجَرِ ، وتَساقُطِ الطَّيرِ بِإِزائِكُما لِوُجوهِها ۲۰۵ ، قَد نَشَرَت عَلَى الأَرضِ أجنِحَتَها ، وقاءَت ۲۰۶ ما في حَواصِلِها ، وما عَلَيها للّهِِ عز و جل مِن تَبِعَةٍ ، لَيسَ ذلِكَ إلّا ما قَد أظَلَّ مِنَ العَذابِ ! وَانظُرا إلَى اقشِعرارِ الجِبالِ ، وإلَى الدُّخانِ المُنتَشِرِ ، وقَزَعِ السَّحابِ ، هذا ونَحنُ في حَمارَّةِ القَيظِ ۲۰۷ وإبّانِ الهَجيرِ ! وَانظُروا إلى مُحَمَّدٍ رافِعا يَدَهُ وَالأَربَعَةُ مِن أهلِهِ ۲۰۸ مَعَهُ ، إنَّما يَنتَظِرُ ما تُجيبانِ بِهِ ، ثُمَّ اعلَموا أنَّهُ إن نَطَقَ فوهُ بِكَلِمَةٍ مِن بَهلَةٍ ، لَم نَتَدارَكَ هَلاكا ، ولَم نَرجِع إلى أهلٍ ولا مالٍ .
فَنَظَرا فَأَبصَرا أمرا عَظيما ، فَأَيقَنا أنَّهُ الحَقُّ مِنَ اللّهِ تَعالى ، فَزَلزَلَت أقدامُهُما ، وكادَت أن تَطيشَ عُقولُهُما ، وَاستَشعرا أنَّ العَذابَ واقِعٌ بِهِما .
فَلَمّا أبصَرَ المُنذِرُ بنُ عَلقَمَةَ ما قَد لَقِيا مِنَ الخيفَةِ وَالرَّهبَةِ ، قالَ لَهُما : إنَّكُما إن أسلَمتُما لَهُ سَلِمتُما في عاجِلِهِ وآجِلِهِ ۲۰۹ ، وإن آثَرتُما دينَكُما وغَضارَةَ مِلَّتِكُما ۲۱۰ وشَحَحتُما بِمَنزِلَتِكُم مِنَ الشَّرَفِ في قَومِكُما ، فَلَستُ أحجُرُ عَلَيكُمَا الضَّنينَ بِما نِلتُما مِن ذلِكَ ، ولكِنَّكُما بَدَهتُما مُحَمَّدا بِتَطَلُّبِ المُباهَلَةِ ، وجَعَلتُماها حِجازا وآيَةً بَينَكُما وبَينَهُ ، وشَخَصتُما مِن نَجرانَ وذلِكَ مِن تَأَلّيكُما ، فَأَسرَعَ مُحَمَّدٌ إلى ما بَغَيتُما مِنهُ ، وَالأَنبِياءُ إذا أظهَرَت بِأَمرٍ لَم تَرجِع إلّا بِقَضائِهِ وفِعلِهِ ، فَإِذا نَكَلتُما عَن ذلِكَ ، وأَذهَلَتكُما مَخافَةُ ما تَرَيانِ ، فَالحَظُّ فِي النُّكولِ لَكُما ، فَالوَحا ۲۱۱ ـ يا إخوَتي ـ الوَحا ، صالِحا مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله وأَرضِياهُ ، ولا تُرجِئا ذلِكَ ؛ فَإِنَّكُما ـ وأَنَا مَعَكُما ـ بِمَنزِلَةِ قَومِ يونُسَ لَمّا غَشِيَهُمُ العَذابُ !
قالا : فَكُن أنتَ ـ يا أبَا المُثَنَّى ـ أنتَ الَّذي تَلقى مُحَمَّدا بِكِفالَةِ ما يَبتَغيهِ لَدَينا ، وَالتَمِس لَنا إلَيهِ ابنَ عَمِّهِ هذا لِيَكونَ هُوَ الَّذي يُبرِمُ الأَمرَ بَينَنا وبَينَهُ ، فَإِنَّهُ ذُو الوَجهِ وَالزَّعيمُ عِندَهُ ، ولا تُبطِئَنَّ بِما ۲۱۲ تَرجِعُ إلَينا بِهِ .
وَانطَلَقَ المُنذِرُ إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَقالَ : السَّلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ ، أشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّهُ الَّذِي ابتَعَثَكَ ، وأَنَّكَ وعيسى عَبدانِ للّهِِ عز و جل مُرسَلانِ . فَأَسلَمَ وبَلَّغَهُ ما جاءَ لَهُ ، فَأَرسَلَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَلِيّا عليه السلام لِمُصالَحَةِ القَومِ ، فَقالَ عَلِيٌّ عليه السلام : بِأَبي أنتَ ، عَلى ما اُصالِحُهُم ؟ فَقالَ لَهُ : رَأيُكَ ـ يا أبَا الحَسَنِ ـ فيما تُبرِمُ مَعَهُم رَأيي .
فَصارَ إلَيهِم ، فَصالَحاهُ عَلى ألفِ حُلَّةٍ وأَلفِ دينارٍ خَرجا في كُلِّ عامٍ ، يُؤَدِّيانِ شَطرَ ذلِكَ فِي المُحَرَّمِ وشَطرا في رَجَبٍ ، فَصارَ عَلِيٌّ عليه السلام بِهِما إلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ذَليلَينِ صاغِرَينِ ، وأَخبَرَهُ بِما صالَحَهُما عَلَيهِ ، وأَقَرّا لَهُ بِالخَرجِ وَالصَّغارِ .
فَقالَ لَهُما ۲۱۳ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : قَد قَبِلتُ ذلِكَ مِنكُم ؛ أما إنَّكُم لَو باهَلتُموني بِمَن تَحتَ الكِساءِ ، لَأَضرَمَ اللّهُ عَلَيكُمُ الوادِيَ نارا تَأَجَّجُ ، ثُمَّ لَساقَهَا اللّهُ عز و جلإلى مَن وَراءَكُم في أسرَعَ مِن طَرفِ العَينِ فَحَرَقَهُم تَأَجُّجا .
فَلَمّا رَجَعَ النَّبِيُ صلى الله عليه و آله بِأَهلِ بَيتِهِ وصارَ إلى مَسجِدِهِ ، هَبَطَ عَلَيهِ جَبرَئيلُ عليه السلام فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ عز و جل يُقرِئُكَ السَّلامَ ويَقولُ : إنَّ عَبدي موسى عليه السلام باهَلَ عَدُوَّهُ قارونَ بِأَخيهِ هارونَ وبَنيهِ ، فَخَسَفتُ بِقارونَ وأَهلِهِ ومالِهِ وبِمَن آزَرَهُ مِن قَومِهِ ، وبِعِزَّتي اُقسِمُ وبِجَلالي ـ يا أحمَدُ ـ ، لَو باهَلتَ ـ بِكَ وبِمَن تَحتَ الكِساءِ مِن أهلِكَ ـ أهلَ الأَرضِ وَالخَلائِقَ جَميعا ، لَتَقَطَّعتِ السَّماءُ كِسَفا وَالجِبالُ زُبَرا ، ولَساخَتِ الأَرضُ فَلَم تَستَقِرَّ أبَدا ، إلّا أن أشاءَ ذلِكَ .
فَسَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ، ووَضَعَ عَلَى الأَرضِ وَجهَهُ ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيهِ حَتّى تَبَيَّنَ لِلنّاسِ عُفرَةُ إبطَيهِ ۲۱۴ ، فَقالَ : شُكرا لِلمُنعِمِ ، شُكرا لِلمُنعِمِ ـ قالَها ثَلاثا ـ .
فَسُئِلَ النَّبِيُ صلى الله عليه و آله عَن سَجدَتِهِ وعَمّا ۲۱۵ رُئِيَ مِن تَباشيرِ السُّرورِ في وَجهِهِ ، فَقالَ :
«شُكرا للّهِِ عز و جل لِما أبلاني مِنَ الكَرامَةِ في أهلِ بَيتي» ، ثُمَّ حَدَّثَهُم بِما جاءَ بِهِ جَبرَئيلُ عليه السلام . ۲۱۶

1.ما بين المعقوفين أثبتناه من الذريعة فقد ذكر للمؤلّف كتاب المباهلة ( راجع: الذريعة : ج ۱۹ ص ۴۷ الرقم ۲۴۳) .

2.الصَّغار ـ بالفتح ـ : الذلّ والضيم (الصحاح : ج ۲ ص ۷۱۳ «صغر») .

3.الحربُ العَوانُ : التي قُوتِلَ فيها مرّةً بعد مرّة (الصحاح : ج ۶ ص ۲۱۶۸ «عون») .

4.ضويت إليه أضوي ضويا : إذا أويت إليه وانضممت (الصحاح : ج ۶ ص ۲۴۱۰ «ضوا») .

5.دهماء الناس : جماعتهم (الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۲۴ «دهم») .

6.الأروسية : الذين يقولون إنّ عيسى عليه السلام ابن اللّه على جهة الاختصاص والإكرام ، ولا يجدون لذلك دفعا (تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلاني : ص ۱۹۴) .

7.السالوسيّة : لعلّه تصحيف عن السباليوسيّة ، نسبة إلى سابليوس من قساوسة مصرفي القرن الثالث ، أو عن النوء توس : نسبة إلى نوء توس قسّيس في القرن الثالث ( هامش بحار الأنوار : ج ۲۱ ص ۲۸۷) .

8.هم الملكانية أصحاب ملك الروم ، أو الملكائية أصحاب الملكا الذي ظهر بالروم واستولى عليها (المصدر السابق) .

9.في المصدر : «أحد» ، والتصويب من بعض النسخ .

10.آل عمران : ۶۴ .

11.في المصدر : «أبو حامد» ، والتصويب من بحار الأنوار .

12.دبّ على الأرض يدبّ دبيبا ، وكلّ ماشٍ على الأرض دابّة ودبيب . والذرّ ـ جمع ذرّة ـ : وهي أصغر النمل (الصحاح : ج ۱ ص ۱۲۴ «دبب» وج ۲ ص ۶۶۳ «ذرر») .

13.في المصدر : «الزور» ، والتصويب من بحار الأنوار .

14.سَورَةُ الخمر وغيرها : حدّتها (تاج العروس : ج ۶ ص ۵۵۱ «سور») .

15.في المصدر : «وكائن» ، والتصويب من بحار الأنوار .

16.في المصدر : «وصوله» ، والتصويب من بحار الأنوار . وصال عليه : وثب صولاً وصولةً ، يقال : «ربّ قَولٍ أشَدّ مِن صَولٍ» (الصحاح : ج ۵ ص ۱۷۴۶ «صول») .

17.كذا ، وفي بحار الأنوار : «اليراعة» بدل «النزاعة» . ويقال للجبان : يرع ويراعة (الصحاح : ج ۳ ص ۱۳۱۰ «يرع») .

18.في المصدر : «باللعب» ، والتصويب من بحار الأنوار .

19.في المصدر : «أورد» ، والتصويب من بحار الأنوار .

20.الحارث الرائش : مَلِك من ملوك اليمن (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۰۸ «ريش») .

21.قيل لملكٍ من ملوك اليمن : «ذو المنار» ؛ لأنّه أوّل من ضرب المنار [أي العلائم] على الطريق ليُهتدى به (الفائق في غريب الحديث : ج ۳ ص ۳۳۴) .

22.يقال : طعنه فانتظمه : أي اختلّه [واختلّه بمعنى أنفذ الطعنة من الجانب الآخر] ( راجع: الصحاح : ج ۵ ص ۲۰۴۱ « نظم » ) .

23.النَّصل : حديدة السهم والرمح (تاج العروس : ج ۱۵ ص ۷۳۶ «نصل») .

24.الرَّبعُ : المَنزِلُ ودار الإقامة (النهاية : ج ۲ ص ۱۸۹ «ربع») .

25.العِيصُ : الأصلُ (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۴۷ «عيص») .

26.الحَزَنُ : المكانُ الغليظُ الخَشِن ( النهاية : ج ۱ ص ۳۸۰ «حزن») .

27.من الرأي الربيق : أي الرأي الذي عزم عليه ، كأنّه مشدود في ربقة ، أو يلزم العمل به ، كأنّه يجعل في عنق الإنسان في رِبقة ؛ وهي العروة التي يُشدّ بها البهيمة ( بحار الأنوار : ج ۲۱ ص ۳۲۶ ) .

28.بَخَعَ بالحقّ بُخوعا : أقرّ به وخضع له (الصحاح : ج ۳ ص ۱۱۸۳ «بخع») .

29.وهما رَسولا رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى نصارى نجران ، وقد تقدّم ذكرهما .

30.الكَميُّ : الشجاعُ (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۵۹۶ «كمى») .

31.زيدت الواو من بحار الأنوار .

32.اِربع : أي إرفق بنفسك وكُفّ (الصحاح : ج ۳ ص ۱۲۱۲ «ربع») .

33.نَهَدَ : نهضَ وتقدّمَ (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۸۳۹ «نهد») .

34.الوَضمُ : الخَشبةُ أو البارية التي يوضع عليها اللحم تقيه من الأرض (النهاية : ج ۵ ص ۱۹۹ «وضم») .

35.ضَوى : آوى وانضَمَّ (الصحاح : ج ۶ ص ۲۴۱۰ «ضوا») .

36.يَغُذُّ إغذاذا : إذا أسرع في السير (النهاية : ج ۳ ص ۳۴۷ «غذذ») .

37.الأساوِدُ : أي الجماعة المتَفَرِّقَةُ (النهاية : ج ۲ ص ۴۱۸ «سود») .

38.المَكثُور : المَغلوبُ ، وهو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه (النهاية : ج ۴ ص ۱۵۳ «كثر») .

39.الاصطلام : الاستئصال (الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۶۷ «صلم») .

40.جاء البيت الأوّل هكذا في المصدر : متى ما تقد بالباطل الحقّ بابهوإن قلت بالحقّ الرواسي ينقد وفيه تصحيف ، والتصويب من بحار الأنوار .

41.البارقليط : قال القاضي : هو اسمه صلى الله عليه و آله في الإنجيل ؛ ومعناه روح القدس . وقال ثعلب : الذي يفرّق بين الحقّ والباطل ، وقيل : الحامد ، وقيل : الحمّاد (سبيل الهدى والرشاد : ج ۱ ص ۴۳۸) .

42.في المصدر : «واُذنا» ، والتصويب من بحار الأنوار .

43.لا أباً لك : أكثر ما يُذكر في المدح ؛ أي لا كافي لك غير نفسك ، وقد يذكر في معرض الذمّ (النهاية في غريب الحديث : ج ۱ ص ۱۹ «أبا») .

44.أرَمَّ : أي سَكَتَ (النهاية : ج ۲ ص ۲۶۷ «رمم») .

45.في المصدر : «تقعد» ، والتصويب من بحار الأنوار .

46.وَجَفَ : اضطرَبَ وسار سريعا (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۹۱۱ «وجف») .

47.في بحار الأنوار : «أعتابا» بدل «اعتبارا» .

48.نجم الشيء ينجم نجوما : ظهر وطلع (الصحاح : ج ۵ ص ۲۰۳۹ «نجم») .

49.في بحار الأنوار : «ويكون بعد ذلك قرنٌ» بدل «ويخلو أنّ بعد ذلك قرنٌ» .

50.للّه أبوك : في معرض المدح والتعجّب ؛ أي أبوك للّه خالصا حيث أنجب بك وأتى بمثلك (النهاية : ج ۱ ص ۱۹ «أبا») .

51.الانصرام : الانقطاع ... والتصرّم : التقطّع (الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۶۵ «صرم») .

52.في المصدر : «بها» ، والتصويب من بحار الأنوار .

53.في المصدر : «سنته» ، والتصويب من بحارالأنوار .

54.الوني : الضعف والفتور والكلال والإعياء (تاج العروس : ج ۲۰ ص ۳۱۷ «وني») .

55.في بحار الأنوار : «العِزَّة» بدل «الغِرَّة» .

56.الفهه والفهاهة : العيّ (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۴۵ «فهه») .

57.يَرحضُها : أي يغسلها (النهاية : ج ۲ ص ۲۰۸ «رحض») .

58.الفَواقُ : ما بين الحلبتين من الوقت ـ أي قليلاً من الوقت ـ (الصحاح : ج ۴ ص ۱۵۴۶ «فوق») .

59.في بحار الأنوار : «وعِيرُكُم» .

60.النُّجعة : طلب الكلأ في موضعه (تاج العروس : ج ۱۱ ص ۴۶۹ «نجع») .

61.الثَمدُ : الماء القليل (النهاية : ج ۱ ص ۲۲۱ «ثمد») .

62.مجّ الرجل الشراب من فيه : إذا رمى به (الصحاح : ج ۱ ص ۳۴۰ «مجج») .

63.جاشَ : أي زَخَرَ وامتدّ (الصحاح : ج ۳ ص ۹۹۹ «جيش») .

64.تحيّر المكان بالماء واستحار : إذا امتلأ (الصحاح : ج ۲ ص ۶۴۱ «حير») .

65.الكَلمُ : الجراحة ، والجمع كُلوم وكِلام (الصحاح : ج ۵ ص ۲۰۲۳ «كلم») .

66.الركيُّ : البئرُ (النهاية : ج ۲ ص ۲۶۱ «ركا») .

67.الوَشَلُ : الماءُ القَليلُ (النهاية : ج ۵ ص ۱۸۹ «وشل») .

68.يقال : بَضَّ الماءُ : إذا قطر وسال (النهاية : ج ۱ ص ۱۳۲ «بضض») .

69.في بحارالأنوار : «ويؤثّل» بدل «يؤهّل» . والتأثيل : التأصيل ، قال ابن الأثير : أثلة الشيء : أصله (النهاية : ج ۱ ص ۲۳ «أثل») .

70.في بحار الأنوار : «كفؤا» بدل «كُفّا» .

71.دَحاها : بَسَطَها (المصباح المنير : ص ۱۹۰ «دحا») .

72.غَمَصَ : أي استَصغَرَ . وغَمَصَ النعمَةَ : لم يشكرها (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۴۷ «غمص») .

73.من سَلبِ العقل لا سَلبِ البصر ؛ من قولهم : كمُهَ الرّجُل ؛ إذا سُلِبَ عقله ( راجع : تاج العروس : ج ۱۹ ص ۸۷ « كمه » ) .

74.المِحال : الكيد وروم الأمر بالحيل (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۶۱۶ «محل») .

75.إضافة يقتضيها السياق .

76.الخَرّاصُ : الكَذّابُ (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۳۵ «خرص») .

77.وَهِلَ : أي غَلِطَ (المصباح المنير : ص ۶۷۴ «وهل») .

78.رجلٌ حثيثٌ وحَثوث : حادٌّ سريع في أمره ، كأنّ نفسه تحثّه (تاج العروس : ج ۳ ص ۱۸۸ «حثث») . وفي بحار الأنوار : «جنيبا ـ يعني غريبا ـ » بدل «حثيثا» .

79.ذَلَقُ اللسان : حِدّته (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۱۰۹ «ذلق») .

80.في بحار الأنوار : تستخمّ بدل «تَستَحِمُّ» .

81.نَغل قلبه عليَّ : أي ضغن ، يقال : نغلت نيّاتهم ؛ أي فسدت (الصحاح : ج ۵ ص ۱۸۳۲ «نغل») .

82.وخلّاك ذمّ : أي اُعذرت وسقط عنك الذمّ (النهاية : ج ۲ ص ۷۶ «خلل») .

83.في المصدر : «برزت» ، والتصويب من بحار الأنوار .

84.في المصدر : «إنّه» ، والتصويب من بحار الأنوار .

85.في المصدر : «نذكر» ، والتصويب من بحار الأنوار .

86.في المصدر : «وفزعت» ، والتصويب من بحار الأنوار .

87.في المصدر : «وجاورتها ... وحاورتنا» بدل «وحاورتنا ... حوارنا» ، والتصويب من بحار الأنوار .

88.الحَميم : القريب ، والجمع أحِمّاء (لسان العرب : ج ۱۲ ص ۱۵۲ «حمم») .

89.في المصدر : «وتباعة وسيما» ، والتصويب من بحار الأنوار ؛ أي على من كان أقرب منهم من جهة المتابعة . والبيت : النسب .

90.السَّبت : الدهر (الصحاح : ج ۱ ص ۲۵۰ «سبت») .

91.يقال : «فعل ذلك بعد لَأيٍ» أي بعد شدّةٍ وإبطاء (الصحاح : ج ۶ ص ۲۴۷۸ «لأي») .

92.في المصدر : «النعف» ، والتصويب من بحار الأنوار . والنغف : دود يكون في اُنوف الإبل (النهاية : ج ۵ ص ۸۷ «نغف») .

93.القعسريّ : الصلِبُ الشديد (لسان العرب : ج ۵ ص ۱۱۰ «قعسر») .

94.في المصدر : «يدهنون» ، والتصويب من بحار الأنوار .

95.في المصدر : «يستأنس» ، والتصويب من بحار الأنوار .

96.الشِصبُ : الشِّدَّةُ والجدب (لسان العرب : ج ۱ ص ۴۹۵ «شصب») .

97.راش يَريشُ : أي يعينُه (النهاية : ج ۲ ص ۲۸۸ «ريش») .

98.حُمَّةُ : سُمُّ كلِّ شيء يلدغ أو يلسع (المصباح المنير : ص ۱۵۴ «حمم») .

99.الجويريّة : تصغير الجارية . واللكع يطلق على الصغير ؛ أي جارية صغيرة ( راجع : النهاية : ج ۴ ص ۲۶۸ «لكع») .

100.الاُفعُوان ـ بالضمّ ـ : ذَكَر الأفاعي (النهاية : ج ۱ ص ۵۵ «أفع») .

101.الباقِرُ : جماعة البَقَرِ مع رُعاتِها (لسان العرب : ج ۴ ص ۷۳ «بقر») .

102.اقتصصت الحديث : رويته على وجهه ، وقد قصّ عليه الخبر قصصا (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۵۱ «قصص») .

103.في بحار الأنوار : «الجناب» بدل «الجنان» .

104.الطِرسُ : الصحيفة ( المصباح المنير : ص ۳۷۱ « طرس » ) .

105.أي يأتي كلّ منهما عقيب صاحبه .

106.البذاذة : رثاثة الهيئة (لسان العرب : ج ۳ ص ۴۷۷ «بذذ») .

107.الرجرجة : الاضطراب (الصحاح : ج ۱ ص ۳۱۷ «رجرج») . والطغام : أوغاد الناس (الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۷۵ «طغم») .

108.ما بين المعقوفين أثبتناه من بحار الأنوار .

109.بُوح : الشمس ؛ سُمّيت بذلك لظهورها (لسان العرب : ج ۲ ص ۴۱۶ «بوح») .

110.القذع : الخنا والفحش ... يقال : قذعته وأقذعته ؛ إذا رميته بالفحش وشتمته (الصحاح : ج ۳ ص ۱۲۶۱ «قذع») .

111.في المصدر : «قامت به ...» ، والتصويب من بحار الأنوار .

112.في المصدر : «واحد لنبي وواحد رسول واحد» بدل «ولنبي واحد ورسول واحد» ، والتصويب من بحار الأنوار .

113.النشط : اللسع باختلاسٍ وسرعةٍ، وكلّ شيء اختُلس فقد انتشط (الفائق في غريب الحديث : ج ۲ ص ۲۷۷ «ضحضح») .

114.الدهارِسُ : الدواهي (لسان العرب : ج ۶ ص ۸۹ «دهرس») .

115.في بحار الأنوار : «أو سوءة» بدل «أو سوء» .

116.في بحار الأنوار : «عزماتك» بدل «غرماتك» .

117.في المصدر : «... حجرا وهاجما أنا ذا آكد» ، والتصويب من بحار الأنوار .

118.في بحارالأنوار : «انفصمت» بدل «انقضّت» .

119.الأمَم : اليسير (النهاية : ج ۱ ص ۶۹ «أمم») .

120.في بحار الأنوار «أشدتما بهذه المأثرة لأحمد وكرّرتما بها القول وهي» بدل «أنشدتما» .

121.في المصدر : «أليسَ» ، والتصويب من بحار الأنوار .

122.الألَدُّ : الخصم الجدل الشحيح الذي لا يزيغ إلى الحقّ ، وجمعه لُدّ ولِداد (لسان العرب : ج ۳ ص ۳۹۱ «لدد») .

123.الأعضب : المكسور القرن الداخل ، والأعضب من الرجال : الذي ليس له أخٌ ولا أحد (لسان العرب : ج ۱ ص ۶۰۹ «عضب») .

124.أذدت الرجل : أعنته على ذياد إبله ، ورجل ذائد وذوّاد ؛ أي حامي الحقيقة (الصحاح : ج ۲ ص ۴۷۱ «ذود») .

125.المداهنة كالمصانعة ، والادّهان مثله (الصحاح : ج ۵ ص ۲۱۱۶ «دهن») .

126.الحاشِرُ : الذي يُحشَرُ الناس خَلفَهُ وعلى مِلّتِهِ دون مِلَّةِ غيره (النهاية : ج ۱ ص ۳۸۸ «حشر») .

127.البلوج : الإشراق ... وصبح أبلج ؛ أي مشرق مضيء (الصحاح : ج ۱ ص ۳۰۰ «بلج») .

128.في المصدر : «وذلك لمّا خَلَّقَتِ الأرضُ ورَكَدَتِ الشمسُ» وما في المتن أثبتناه من بحار الأنوار . وتحليق الشمس : ارتفاعها .

129.القيظ : صميم الصيف (لسان العرب : ج ۷ ص ۴۵۶ «قيظ») .

130.هكذا وردتا في المصدر : «قضّ ... قصّه» ، وفي بحارالأنوار : «فضَّ ... فضّه» ، وفي بعض النسخ «قصّ» . والقَضّ : الكسر ، واستعمل في سرعة الإرسال . وكذلك الفَضّ فهو بمعنى الكسر أيضا ( راجع : الفائق في غريب الحديث : ج ۳ ص ۱۰۷ «قضض» و ج ۲ ص ۳۲۳ «فضض») . وأمّا القصّ فمعلوم . وعلى أيّ حال فالمراد : اقطع الحديث في هذا الأمر فقد أكثرت فيه وأمللت .

131.ربّ كلّ شيء : مالكه (الصحاح : ج ۱ ص ۱۳۰ «ربب») .

132.الإرب : الحاجة (الصحاح : ج ۱ ص ۸۷ «إرب») .

133.فرط في الأمر يفرط فرطا : أي قصّر فيه وضيّعه حتّى فات (الصحاح : ج ۳ ص ۱۱۴۸ «فرط») .

134.في المصدر : «أوّلهم» ، والتصويب من بحار الأنوار .

135.في المصدر : «فآياته» بدل «فأنا به» ، والتصويب من بحار الأنوار .

136.البُهلول : العزيز الجامع لكلّ خير . والبُهلول ـ أيضا ـ : الحَييّ الكريم (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۷۳ «بهل») .

137.في المصدر : «لكنّكما» ، والتصويب من بحار الأنوار .

138.الفلج : الظفر والفوز (الصحاح : ج ۱ ص ۳۳۵ «فلج») .

139.العِلجُ : الرجل القويّ الضخم (النهاية : ج ۳ ص ۲۸۶ «علج») .

140.الزيادة من بحارالأنوار .

141.رَجُلُ صِدقٍ : أي نِعمَ الرجل هو . ورَجُلٌ صَدقٌ : نقيض رَجلٌ سَوءٌ ( راجع : لسان العرب : ج ۱۰ ص ۱۹۴ «صدق» ) .

142.في المصدر : «طغاتنا» ، والتصويب من بحار الأنوار . والطَّغام : أوغاد الناس وأرذالهم (تاج العروس : ج ۱۷ ص ۴۴۱ «طغم») .

143.في بحار الأنوار : «ليفتق» .

144.الخَوَلّيُّ : القَيِّمُ بأمر الإبل وإصلاحها ، من التخوّل : التعهّدُ وحسنُ الرعاية (النهاية : ج ۲ ص ۸۸ «خول») .

145.في المصدر : «بيّنا» ، والتصويب من بحار الأنوار .

146.في المصدر : «وانبعاث» ، والتصويب من بحار الأنوار .

147.صَغا إليه : مالَ ( لسان العرب : ج ۱۴ ص ۴۶۱ «صغا») .

148.شمسَ لي فلانٌ : إذا أبدى لك عداوتَه (الصحاح : ج ۳ ص ۹۴۰ «شمس») .

149.فلانٌ لا يُفتاتُ عليه : أي لا يُعمل شيءٌ دونَ أمرِه (الصحاح : ج ۱ ص ۲۶۰ «فوت») .

150.في بحار الأنوار : «يستبينان» بدل «يستبين» .

151.في المصدر : «فواصلهما» ، والتصويب من بحار الأنوار .

152.الأرج والأريج : توهّج ريح الطيب (الصحاح : ج ۱ ص ۲۹۸ «أرج») .

153.في المصدر : «شبيه» ، والتصويب من بحارالأنوار .

154.في المصدر : «متفاوتون» ، والتصويب من بحار الأنوار .

155.في المصدر : «وأرب» ، والتصويب من بحار الأنوار .

156.البُهر ـ بالضمّ ـ : تتابع النفس ، وبالفتح المصدر ، يقال : بَهَرَه الحملُ يَبهره بهرا ؛ أي أوقع عليه البهر فانبهر ؛ أي تتابع نفسه (الصحاح : ج ۲ ص ۵۹۸ «بهر») .

157.المضارعة : المشابهة (الصحاح : ج ۳ ص ۱۲۴۹ «ضرع») .

158.في الطبعة المعتمدة : «وولي» بدل «ووحيي» ، والتصويب من طبعة دار الكتب الإسلامية و بحار الأنوار .

159.أي قرابتهم ، من الحميم بمعنى القريب ( راجع : الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۰۵ «حمم») .

160.في الطبعة المعتمدة : «بعدي» ، وما أثبتناه من طبعة دار الكتب الإسلامية . وفي بحار الأنوار : «مِن بَعدُ» .

161.في طبعة دار الكتب الإسلامية : «والاُساةَ» .

162.في الطبعة المعتمدة : «وجعل» ، والتصويب من طبعة دار الكتب الإسلامية وبحار الأنوار .

163.في بحار الأنوار : «لصلبه» بدل «الصلبيّة» .

164.في المصدر «في» والتصويب من بحارالأنوار .

165.أسبَرَهُ : اِختبره (النهاية : ج ۲ ص ۳۳۳ «سبر») .

166.صَرم : أي انقطاع وانقضاء (النهاية : ج ۳ ص ۲۶ «صرم») .

167.لِحَسَكَة (خ ل) . والحَسَكَة : الحِقد والعداوة . يقال : في قلبه عَلَيَّ حَسَكَة : أي ضغن وعداوة (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۵۱۱ «حسك») .

168.في المصدر «يجد» ، والتصويب من بحارالأنوار .

169.في بحار الأنوار : «ونظر» بدل «ونظرهم» .

170.أصل الحجزة : موضع شدّ الإزار ... فاستعار للاعتصام والالتجاء والتمسّك بالشيء والتعلّق به (النهاية : ج ۱ ص ۳۴۴ «حجز») .

171.في الطبعة المعتمدة : «عليهم» ، والتصويب من طبعة دار الكتب الإسلامية وبحار الأنوار .

172.ما بين المعقوفين أثبتناه من طبعة دار الكتب الإسلامية وبحار الأنوار .

173.نتشت الشيء بالمنتاش وهو المنقاش : أي استخرجته به (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۲۱ «نتش») .

174.في بحار الأنوار : «بصلواتك» بدل «لصلواتك» .

175.في طبعة دار الكتب الإسلامية : «حسناتي» بدل «حناني» .

176.في المصدر : «اُوتيته» ، والتصويب من بحار الأنوار .

177.في المصدر : «فيما» بدل «قيّما» والتصويب من بحار الأنوار .

178.تَسنيم : هو عَينٌ في الجنّة ، وهو أشرف شراب في الجنّة (مجمع البحرين : ج ۲ ص ۸۹۱ «سنم») .

179.الفَنَن : الغُصنُ وما تَشَعَّبَ منه ( راجع : لسان العرب : ج ۱۳ ص ۳۲۷ «فنن») .

180.في المصدر «استرات» والتصويب من بحار الأنوار . والاستراثة : الاستبطاء ، استفعل من الريث ، يقال : راث علينا خبر فلان ؛ إذا أبطأ ( راجع : النهاية : ج ۲ ص ۲۸۷ «ريث») .

181.في المصدر «سَرَجَها» وما في المتن أثبتناه من بحار الأنوار .

182.عمدت للشيء أعمدت عمدا : قصدت له (الصحاح : ج ۲ ص ۵۱۱ «عمد») .

183.التفثُ : التنظيف من الوسخ (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۲۲۶ «تفث») .

184.الشَنُّ : صبُّ الماء المنقطع (النهاية : ج ۲ ص ۵۰۷ «شنن») .

185.الأتحمّي : ضرب من البرود (الصحاح : ج ۵ ص ۱۸۷۷ «تحم») .

186.المنسج من الفرس : أسفل من حاركه ... وقيل : هو ما بين العرف وموضع اللبد (تاج العروس : ج ۳ ص ۴۹۸ «نسج») .

187.الرزداق : لغة في تعريب الرستاق . والرزداق السطر من النخيل ، والصفّ من الناس (الصحاح : ج ۴ ص ۱۴۸۱ «رزدق») .

188.في بحار الأنوار : «تَشوَّفَهم» بدل «تشرّفهم» .

189.أمشاجٍ : أي أخلاطٍ من الدم (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۷۶۹ «مشبح») .

190.يس : ۸۲ .

191.آل عمران : ۵۹ .

192.آل عمران : ۶۱ .

193.في بحار الأنوار : «نزلوا» .

194.في بحار الأنوار : «والتمسكن» بدل «والتمسّك» .

195.فَلَجَ : ظَفَرَ بِما طَلَبَ (المصباح المنير : ص ۴۸۰ «فلج») .

196.قال العلّامة المجلسي قدس سره : والأظهر «شجنة» بالشين المعجمة والنون ، كما في بعض النسخ . قال في النهاية : «الرحم شجنة من الرحمن» ؛ أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، شبّهه بذلك مجازا واتّساعا . وأصل الشجنة ـ بالكسر والضمّ ـ : شعبة من غصن من غصون الشجرة (بحار الأنوار : ج ۲۱ ص ۳۳۵) .

197.مَتَعَ النهارُ : ارتَفَعَ (الصحاح : ج ۳ ص ۱۲۸۲ «متع») .

198.في المصدر : «الناصح حبيبا» ، والتصويب من بحار الأنوار . يقال : رجلٌ ناصحُ الجَيب : أي نقيّ الصدر ، ناصح القلب ، لا غشّ فيه (لسان العرب : ج ۲ ص ۶۱۶ «نصح») .

199.في المصدر : «يوم» بدل «قوم» ، والتصويب من بحار الأنوار .

200.في المصدر : «وأفصحت ببيعتهم وأهل بيتهم الاُمناء» ، والتصويب من بحار الأنوار .

201.في المصدر : «لوجوههما» ، والتصويب من بحار الأنوار .

202.في المصدر : «وفات» ، والتصويب من بحار الأنوار .

203.حمارَّة القَيظ : أي شدّة الحَرّ (النهاية : ج ۱ ص ۴۳۹ «حمر») .

204.في المصدر «أهل» ، والتصويب من بحارالأنوار .

205.في بحار الأنوار : «في عاجلةٍ وآجلةٍ» .

206.في طبعة دار الكتب الإسلامية و بحار الأنوار : «أيكتكما» بدل «ملّتكما» .

207.الوَحا الوَحا : أي السرعة السرعة (النهاية : ج ۵ ص ۱۶۳ «وحا») .

208.في المصدر : «به ما» بدل «بما» ، والتصويب من بحارالأنوار .

209.في المصدر : «له» بدل «لهما» ، والتصويب من بحار الأنوار .

210.العفرة : بياضٌ ليس بالناصع ، ولكن كلَون عفر الأرض ؛ وهو وجهها (النهاية : ج ۳ ص ۲۶۱ «عفر») .

211.في المصدر : «ممّا» ، والتصويب من بحارالأنوار .

212.الإقبال : ج ۲ ص ۳۱۰ ، بحار الأنوار : ج ۲۱ ص ۲۸۶ .

صفحه از 26