بیعت - صفحه 28

۸.المناقب لابن شهر آشوب :كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَعرِضُ نَفسَهُ عَلى قَبائِلِ العَرَبِ في المَوسِمِ ، فَلَقِيَ رَهطا مِنَ الخَزرَجِ فَقالَ : ألا تَجلِسونَ اُحَدِّثُكُم ؟ قالوا : بَلى ، فَجَلَسوا إلَيهِ فَدَعاهُم إلَى اللّهِ ، وتَلا عَلَيهِمُ القُرآنَ ، فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ : يا قَومِ تَعَلَّموا ، وَاللّهِ إنَّهُ النَّبِيُّ الَّذي كانَ يوعِدُكُم بِهِ اليَهودُ ، فَلا يَسبِقَنَّكُم إلَيهِ أحَدٌ . فَأَجابوهُ ، وقالوا لَهُ : إنّا قَد تَرَكنا قَومَنا ولا قَومَ بَينَهُم مِنَ العَداوَةِ وَالشَّرِّ مِثلَما بَينَهُم ، وعَسى أن يَجمَعَ اللّهُ بَينَهُم بِكَ ، فَتَقدَمُ ۱ عَلَيهِم وتَدعوهُم إلى أمرِكَ . وكانوا سِتَّةَ نَفَرٍ .
قالَ : فَلَمّا قَدِمُوا المَدينَةَ فَأَخبَروا قَومَهُم بِالخَبرِ ، فَما دارَ حَولٌ إلّا وفيها حَديثُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، حَتّى إذا كانَ العامُ المُقبِلُ أتَى المَوسِمَ مِنَ الأَنصارِ اثنا عَشَرَ رَجُلاً ، فَلَقُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله فَبايَعوهُ عَلى بَيعَةِ النِّساءِ : ألّا يُشرِكوا بِاللّهِ شَيئا ، ولا يَسرِقوا ، إلى آخِرِها .
ثُمَّ انصَرَفوا ، وبَعَثَ مَعَهُم مُصعَبَ بنَ عُمَيرٍ يُصَلّي بِهِم ، وكانَ بَينَهُم بِالمَدينَةِ يُسَمَّى المُقرِئَ ، فَلَم يَبقَ دارٌ فِي المَدينَةِ إلّا وفيها رِجالٌ ونِساءٌ مُسلِمونَ ، إلّا دارُ اُمَيَّةَ وحُطَيمَةَ ووائِلٍ ، وهُم مِنَ الأَوسِ .
ثُمَّ عادَ مُصعَبٌ إلى مَكَّةَ ، وخَرَجَ مَن خَرَجَ مِنَ الأَنصارِ إلَى المَوسِمِ مَعَ حُجّاجِ قَومِهِم ، فَاجتَمَعوا فِي الشِّعبِ عِندَ العََقبَةِ ؛ ثَلاثَةٌ وسَبعونَ رَجُلاً وَامرَأَتانِ في أيّامِ التَّشريقِ بِاللَّيلِ .
فَقالَ صلى الله عليه و آله : اُبايِعُكُم عَلَى الإِسلامِ .
فَقالَ لَهُ بَعضُهُم : نُريدُ أن تُعَرِّفَنا يا رَسولَ اللّهِ ؛ ما للّهِِ عَلَينا ، وما لَكَ عَلَينا ، وما لَنا عَلَى اللّهِ .
فَقالَ : أمّا للّهِِ عَلَيكُم فَأَن تَعبُدوهُ ولا تُشرِكوا بِهِ شَيئا ، وأَمّا ما لي عَلَيكُم فَتَنصُرونَني مِثلَ نِسائِكُم وأَبنائِكُم ، وأن تَصبِروا عَلى عَضِّ السَّيفِ وإن يُقتَلَ خِيارُكُم .
قالوا : فَإِذا فَعَلنا ذلِكَ ما لَنا عَلَى اللّهِ ؟
قالَ : أمّا فِي الدُّنيا فَالظُّهورُ عَلى مَن عاداكُم ، وفِي الآخِرَةِ الرِّضوانُ وَالجَنَّةُ .
فَأَخَذَ البَراءُ بنُ مَعرورٍ بِيَدِهِ ثُمَّ قالَ : وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ ! لَنَمنَعُكَ بِما نَمنَعُ بِهِ اُزُرَنا ۲ ؛ فَبايِعنا يا رَسولَ اللّهِ ؛ فَنَحنُ ـ وَاللّهِ ـ أهلُ الحُروبِ وأَهلُ الحِلفَةِ ۳ ، وَرِثناها كِبارا عَن كِبارٍ .
فَقالَ أبُو الهَيثَمِ : إنَّ بَينَنا وبَينَ الرِّجالِ حِبالاً ، وإنّا إن قَطَعناها أو قَطَعوها فَهَل عَسَيتَ إن فَعَلنا ذلِكَ ثُمَّ أظهَرَكَ اللّهُ أن تَرجِعَ إلى قَومِكَ وتَدَعَنا ؟
فَتَبَسَّمَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ : بَلِ الدَّمُ الدَّمُ ، وَالهَدمُ الهَدمُ ، اُحارِبُ مَن حارَبتُم ، واُسالِمُ مَن سالَمتُم .
ثُمَّ قالَ : أخرِجوا إلَيَّ مِنكُمُ اثنَي عَشَرَ نَقيبا . فَاختاروا .
ثُمَّ قالَ : اُبايِعُكُم كَبَيعَةِ عيسَى بنِ مَريَمَ لِلحَوارِيّينَ كُفَلاءَ عَلى قَومِهِم بِما فيهِم ، وعَلى أن تَمنَعوني مِمّا تَمنَعونَ مِنهُ نِساءَكُم وأَبناءَكُم . فَبايَعوهُ عَلى ذلِكَ .
فَصَرَخَ الشَّيطانُ فِي العَقَبَةِ : يا أهلَ الجَباجِبِ ۴ ، هَل لَكُم في مُحَمَّدٍ وَالصُّباةِ ۵ مَعَهُ ؟ قَدِ اجتَمَعوا عَلى حَربِكُم .
ثُمَّ نَفَرَ النّاسُ مِن مِنىً ، وفَشَا الخَبَرُ ، فَخَرَجوا فِي الطَّلَبِ ، فَأَدرَكوا سَعدَ بنَ عُبادَةَ وَالمُنذِرَ بنَ عَمرٍو ، فَأَمَّا المُنذِرُ فَأَعجَزَ ۶ القَومَ ، وأمّا سَعدٌ فَأَخَذوهُ ورَبَطوهُ بِنِسعِ ۷ رَحلِهِ ، وأَدخَلوهُ مَكَّةَ يَضرِبونَهُ ، فَبَلَغَ خَبَرُهُ إلى جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ وَالحارِثِ بنِ حَربِ بنِ اُمَيَّةَ ، فَأَتَياهُ وخَلَّصاهُ .
وكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله لَم يُؤمَر إلّا بِالدُّعاءِ وَالصَّبرِ عَلَى الأَذى ، وَالصَّفحِ عَنِ الجاهِلِ ، فَطالَت قُرَيشٌ عَلَى المُسلِمينَ ، فَلَمّا كَثُرَ عُتُوُّهُم اُمِرَ بِالهِجرَةِ .
فَقالَ صلى الله عليه و آله : إنَّ اللّهَ قَد جَعَلَ لَكُم دارا وإخوانا تَأمَنونَ بِها . فَخَرَجوا أرسالاً ۸ حَتّى لَم يَبقَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إلّا عَلِيٌّ وأبو بَكرٍ ، فَحَذَرَت قُرَيشٌ خُروجَهُ ، وعَرَفوا أنَّهُ قَد أجمَعَ لِحَربِهِم ، فَاجتَمَعوا في دارِ النَّدوَةِ ـ وهِيَ دارُ قُصَيِّ بنِ كِلابٍ ـ يَتَشاوَرونَ في أمرِهِ. ۹

1.في بحارالأنوار : «فَسَتَقدَمُ» .

2.اُزُرَنا : أي نساءنا وأهلنا (النهاية : ج ۱ ص ۴۵ «أزر») .

3.الحِلْفَة ـ بالكسر ـ : الحِلف والمعاقدة والمعاهدة على التضاعد والمساعدة . ولعلّ الصواب : « الحَلْقَة » ـ بالفتح ـ كما في بعض المتون ، وهي السلاح عامّةً أو الدروع خاصّةً ، وهو أظهر ( راجع : غريب الحديث لابن قتيبة : ج ۱ ص ۲۵۲ والصحاح : ج ۴ ص ۱۴۶۲ ولسان العرب : ج ۱۰ ص ۶۵ ) .

4.الجَباجِبُ : جمع جُبجُب ، وهو المستوي من الأرض ليس بِحَزن ، وهي أسماء منازل بمنى (النهاية : ج ۱ ص ۲۳۴ «جبجب») .

5.يقال : صبأ فلان ؛ إذا خرج من دينٍ إلى دينٍ غيره ... ويسمّون المسلمين : الصُّباة (النهاية : ج ۳ ص ۳ «صبأ») .

6.أعجَزَني فُلانٌ : أي فاتني (لسان العرب : ج ۵ ص ۳۷۰ «عجز») .

7.النِّسعُ : سَير مَظفور ، يُجعل زماما للبعير (النهاية : ج ۵ ص ۴۸ «نسع») .

8.أرسالاً: أي أفواجا وفِرقا متقطّعة يَتبع بعضهم بَعضاً (مجمع البحرين: ج ۲ ص ۷۰۰ «رسل») .

9.المناقب لابن شهر آشوب : ج ۱ ص ۱۸۱ ، بحار الأنوار : ج ۱۹ ص ۲۵ ح ۱۵ .

صفحه از 187